المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : آية 36] - التحرير والتنوير - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بَين يَدي الْكتاب

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم مصطفى عاشور:]

- ‌من هُوَ

- ‌سفير الدعْوَة

- ‌آراء ومناصب

- ‌التَّحْرِير والتنوير

- ‌مقاصد الشَّرِيعَة

- ‌محنة التَّجْنِيس

- ‌صدق الله وَكذب بورقيبة

- ‌وَفَاته

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم الْمهْدي بن حميدة]

- ‌1- آل عاشور

- ‌2- مولده ونشأته

- ‌3- مسيرته الدراسية والعلمية

- ‌4- شُيُوخه

- ‌5- تأثره بمفكري عصره

- ‌6- إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

- ‌ تطور الْعُلُوم

- ‌ المسيرة النضالية

- ‌7- كتاباته ومؤلفاته

- ‌[مَبْحَث عَن التَّحْرِير والتنوير]

- ‌التَّعْرِيف بالتفسير:

- ‌الْمنْهَج الْعَام للتفسير:

- ‌الْمنْهَج التفصيلي للمؤلف:

- ‌أَولا: أَسمَاء السُّور وَعدد الْآيَات وَالْوُقُوف وَبَيَان المناسبات:

- ‌ثَانِيًا: موقفه من العقيدة:

- ‌ثَالِثا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ:

- ‌رَابِعا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالسنةِ:

- ‌خَامِسًا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال السّلف:

- ‌سادسا: موقفه من السِّيرَة والتاريخ وَذكر الْغَزَوَات:

- ‌سابعا: موقفه من الْإسْرَائِيلِيات:

- ‌ثامنا: موقفه من اللُّغَة:

- ‌تاسعا: موقفه من الْقرَاءَات:

- ‌عاشرا: موقفه من الْفِقْه وَالْأُصُول:

- ‌موقفه من النّسخ:

- ‌حادي عشر: موقفه من الْعُلُوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية:

- ‌ثَانِي عشر: موقفه من المواعظ والآداب:

- ‌جملَة من الانتقادات

- ‌أَولا: ذُو ثِقَة زَائِدَة بِنَفسِهِ أوقعته فِي مزالق:

- ‌ثَانِيًا: صَاحب استطراد وتكلف خرج عَن حد التَّفْسِير جملَة وتفصيلا على الرغم من إهماله التَّفْسِير فِي مَوَاضِع لَا يسْتَغْنى عَن تَفْسِيرهَا:

- ‌ثَالِثا: ذُو ولع شَدِيد بِالنَّقْدِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ مندوحة لترك الانتقاد

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَكَوْنِ التَّفْسِيرِ عِلْمًا

- ‌ الْأَوَّلُ

- ‌وَالثَّانِي

- ‌وَالثَّالِثُ

- ‌الرَّابِعُ

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي اسْتِمْدَادِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ

- ‌تَنْبِيهٌ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ فِي صِحَّةِ التَّفْسِيرِ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ وَمَعْنَى التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ وَنَحْوِهِ

- ‌أَوَّلُهَا:

- ‌ثَانِيهَا:

- ‌ثَالِثُهَا:

- ‌رَابِعُهَا:

- ‌خَامِسُهَا:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ فِيمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ غَرَضَ الْمُفَسِّرِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ:

- ‌السَّابِعُ:

- ‌الثَّامِنُ:

- ‌الْأُولَى:

- ‌الثَّانِيَةُ:

- ‌الثَّالِثَةُ:

- ‌الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌وَالثَّانِي:

- ‌وَالثَّالِثُ:

- ‌وَالرَّابِعُ:

- ‌وَالْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ

- ‌أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى:

- ‌وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌مَرَاتِبُ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّابِعَةُ قَصَصُ الْقُرْآنِ

- ‌الْفَائِدَةُ الْأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَة:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌أَحَدُهَا:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّامِنَةُ فِي اسْمِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ وَتَرْتِيبِهَا وَأَسْمَائِهَا

- ‌آيَات الْقُرْآن

- ‌تَرْتِيب الْآي

- ‌وقُوف الْقُرْآن

- ‌سور الْقُرْآن

- ‌الْمُقَدِّمَةُ التَّاسِعَةُ فِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَحَمَّلُهَا جُمَلُ الْقُرْآنِ تُعْتَبَرُ مُرَادَةً بِهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْعَاشِرَةُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ

- ‌الْجِهَةُ الْأُولَى:

- ‌الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌مبتكرات الْقُرْآن

- ‌عادات الْقُرْآن

- ‌1- سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

- ‌[سُورَة الْفَاتِحَة (1) : الْآيَات 1 الى 7]

- ‌الْكَلَام على الْبَسْمَلَة

- ‌الثَّانِي:

- ‌الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌2- سُورَةُ الْبَقَرَةِ

- ‌محتويات هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 70 الى 71]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 84 الى 86]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 111 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَةٌ 118]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 122 إِلَى 123]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 138]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 139]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 140]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 141]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : آية 36]

وَقَوْلُهُ: فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ أَيْ مِنَ الْمُعْتَدِينَ وَأَشْهَرُ مَعَانِي الظُّلْمِ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ هُوَ الِاعْتِدَاءُ، وَالِاعْتِدَاءُ إِمَّا اعْتِدَاءٌ عَلَى نَهْيِ النَّاهِي إِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ النَّهْيِ الْجَزْمَ بِالتَّرْكِ وَإِمَّا اعْتِدَاءٌ عَلَى النَّفْسِ وَالْفَضِيلَةِ إِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ بَقَاءَ فَضِيلَةِ التَّنَعُّمِ لِآدَمَ فِي الْجَنَّةِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ الظُّلْمُ لِأَنْفُسِهِمَا بِارْتِكَابِ غَضَبِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ وَعَلَى الثَّانِي الظُّلْمُ لِأَنْفُسِهِمَا بِحِرْمَانِهَا مِنْ دوَام الْكَرَامَة.

[36]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 36]

فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (36)

الْفَاءُ عَاطِفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلا تَقْرَبا [الْبَقَرَة: 35] وَحَقُّهَا إِفَادَةُ التَّعْقِيبِ فَيَكُونُ التَّعْقِيبُ عُرْفِيًّا لِأَنَّ وُقُوعَ الْإِزْلَالِ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ هِيَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُدَّةِ الْمُرَادَةِ مِنْ سُكْنَى الْجَنَّةِ كَالْأَمَدِ الْقَلِيلِ. وَالْأَحْسَنُ جَعْلُ الْفَاءِ لِلتَّفْرِيعِ مُجَرَّدَةً عَنِ التَّعْقِيبِ.

وَالْإِزْلَالُ جَعْلُ الْغَيْرِ زَالًّا أَيْ قَائِمًا بِهِ الزَّلَلُ وَهُوَ كَالزَّلَقِ أَنْ تَسِيرَ الرِّجْلَانِ عَلَى الْأَرْضِ بِدُونِ اخْتِيَارٍ لِارْتِخَاءِ الْأَرْضِ بِطِينٍ وَنَحْوِهِ، أَيْ ذَاهِبَةً رِجْلَاهُ بِدُونِ إِرَادَةٍ، وَهُوَ مَجَازٌ مَشْهُورٌ فِي صُدُورِ الْخَطِيئَةِ وَالْغَلَطِ الْمُضِرِّ وَمِنْهُ سُمِّي الْعِصْيَانُ وَنَحْوُهُ الزَّلَلَ.

وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: عَنْها يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الشَّجَرَةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ وَلِيَتَبَيَّنَ سَبَبُ

الزَّلَّةِ وَسَبَبُ الْخُرُوجِ مِنَ الْجَنَّةِ إِذْ لَوْ لَمْ يُجْعَلِ الضَّمِيرُ عَائِدًا إِلَى الشَّجَرَةِ لَخَلَتِ الْقِصَّةُ عَنْ ذِكْرِ سَبَبِ الْخُرُوجِ. وَ (عَنْ) فِي أَصْلِ مَعْنَاهَا أَيْ أَزَلَّهُمَا إِزْلَالًا نَاشِئًا عَنِ الشَّجَرَةِ أَيْ عَنِ الْأَكْلِ مِنْهَا، وَتَقْدِيرُ الْمُضَافِ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ، وَلَيْسَتْ (عَنْ) لِلسَّبَبِيَّةِ وَمَنْ ذَكَرَ السَّبَبِيَّةَ أَرَادَ حَاصِلَ الْمَعْنَى كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النَّجْم: 3] أَنَّ مَعْنَاهُ وَمَا يَنْطِقُ بِالْهَوَى فَقَالَ الرَّضِيُّ: الْأَوْلَى أَنَّ (عَنْ) بِمَعْنَاهَا وَأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ نُطْقًا صَادِرًا عَنِ الْهَوَى. وَيَجُوزُ كَوْنُ الضَّمِيرِ لِلْجَنَّةِ وَتَكُونُ (عَنْ) عَلَى ظَاهِرِهَا وَالْإِزْلَالُ مَجَازًا فِي الْإِخْرَاجِ بِكُرْهٍ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْهُبُوطُ مِنَ الْجَنَّةِ مُكْرَهَيْنِ كَمَنْ يُزَلُّ عَنْ مَوْقِفِهِ فَيَسْقُطُ كَقَوْلِهِ: «وَكَمْ مَنْزِلٍ لَوْلَايَ طِحْتَ» .

وَقَوْلُهُ: فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كَانَا فِيهِ تَفْرِيعٌ عَنِ الْإِزْلَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لِلشَّجَرَةِ،

ص: 433

وَالْمُرَادُ مِنَ الْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ التَّعْظِيمُ، كَقَوْلِهِمْ قَدْ كَانَ مَا كَانَ، فَإِنْ جَعَلْتَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: عَنْها عَائِدًا إِلَى الْجَنَّةِ كَانَ هَذَا التَّفْرِيعُ تَفْرِيعَ الْمُفَصَّلِ عَنِ الْمُجْمَلِ وَكَانَتِ الْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ الْمُجَرَّدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ [الْأَعْرَاف: 4] وَقَوْلِهِ: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ [الْقَمَر: 9] . أَمَّا دَلَالَةُ الْمَوْصُولِ عَنِ التَّعْظِيمِ فَهِيَ هِيَ.

وَقَرَأَ حَمْزَةُ «فَأَزَالَهُمَا» بِأَلْفٍ بَعْدِ الزَّايِ وَهُوَ مِنَ الْإِزَالَةِ بِمَعْنَى الْإِبْعَادِ، وَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ عَنْها عَائِدًا إِلَى الْجَنَّةِ لَا إِلَى الشَّجَرَةِ. وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ فَقَدْ خَرَجَ مِمَّا كَانَ فِيهِ إِحْضَارًا لِهَذِهِ الْخَسَارَةِ الْعَظِيمَةِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِينَ حَتَّى لَا تَكُونَ اسْتِفَادَتُهَا بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ خَاصَّةً فَإِنَّهَا دَلَالَةٌ قَدْ تَخْفَى فَكَانَتْ إِعَادَتُهُ فِي هَذِهِ الصِّلَةِ بِمُرَادِفِهِ كَإِعَادَتِهِ بِلَفْظِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ [طه: 78] .

وَتُفِيدُ الْآيَةُ إِثَارَةَ الْحَسْرَةِ فِي نُفُوسِ بَنِي آدَمَ عَلَى مَا أَصَابَ آدَمَ مِنْ جَرَّاءِ عَدَمِ امْتِثَالِهِ لِوِصَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَوْعِظَةً تُنَبِّهُ بِوُجُوبِ الْوُقُوفِ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّرْغِيبِ فِي السَّعْيِ إِلَى مَا يُعِيدُهُمْ إِلَى هَذِهِ الْجَنَّةِ الَّتِي كَانَتْ لِأَبِيهِمْ وَتَرْبِيَةَ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ إِذْ كَانَ سَبَبًا فِي جَرِّ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ لِأَبِيهِمْ حَتَّى يَكُونُوا أَبَدًا ثَأْرًا لِأَبِيهِمْ مُعَادِينَ لِلشَّيْطَانِ وَوَسْوَسَتِهِ مُسِيئِينَ الظُّنُونَ بِإِغْرَائِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ [الْأَعْرَاف: 27] وَقَوْلُهُ هُنَا: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ. وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي تَرْبِيَةِ الْعَامَّةِ وَلِأَجْلِهِ كَانَ قَادَةُ الْأُمَمِ يَذْكُرُونَ لَهُمْ سَوَابِقَ عَدَاوَاتِ مُنَافِسِيهِمْ وَمَنْ

غَلَبَهُمْ فِي الْحُرُوبِ لِيَكُونَ ذَلِكَ بَاعِثًا عَلَى أَخْذِ الثَّأْرِ.

وَعَطْفُ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بِالْوَاوِ دُونَ الْفَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ متفرّع عَنِ الْإِخْرَاجِ بَلْ هُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ ذِكْرَ الْإِخْرَاجِ قَبْلَ هَذَا لِمُنَاسَبَةِ سِيَاقِ مَا فَعَلَهُ الشَّيْطَانُ وَغُرُورِهِ بِآدَمَ فَلِذَلِكَ قُدِّمَ قَوْلُهُ: فَأَخْرَجَهُما إِثْرَ قَوْلِهِ: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ. وَوَجْهُ جَمْعِ الضَّمِيرِ فِي اهْبِطُوا قِيلَ لِأَنَّ هُبُوطَ آدَمَ وَحَوَّاءَ اقْتَضَى أَنْ لَا يُوجَدَ نَسْلُهُمَا فِي الْجَنَّةِ فَكَانَ إِهْبَاطُهُمَا إِهْبَاطًا لِنَسْلِهِمَا، وَقِيلَ الْخِطَابُ لَهُمَا وَلِإِبْلِيسَ وَهُوَ وَإِنْ أُهْبِطَ عِنْدَ إِبَايَتِهِ السُّجُودَ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ [الْأَعْرَاف: 12، 13] إِلَى قَوْلِهِ قالَ اخْرُجْ مِنْها

ص: 434

مَذْءومًا مَدْحُوراً [الْأَعْرَاف: 18] إِلَى قَوْلِهِ وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [الْأَعْرَاف: 19] فَهَذَا إِهْبَاطٌ ثَانٍ فِيهِ تَحْجِيرُ دُخُولِ الْجَنَّةِ عَلَيْهِ وَالْإِهْبَاطُ الْأَوَّلُ كَانَ إِهْبَاطَ مَنْعٍ مِنَ الْكَرَامَةِ مَعَ تَمْكِينِهِ مِنَ الدُّخُولِ لِلْوَسْوَسَةِ وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ بِعِيدٌ، فَالَّذِي أَرَاهُ أَنَّ جَمْعَ الضَّمِيرِ مُرَادٌ بِهِ التَّثْنِيَةُ لِكَرَاهِيَةِ تُوَالِي الْمُثَنَّيَاتِ بِالْإِظْهَارِ وَالْإِضْمَارِ مِنْ قَوْلِهِ: وَكُلا مِنْها رَغَداً [الْبَقَرَة: 35] وَالْعَرَبُ يَسْتَثْقِلُونَ ذَلِكَ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وُقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيُّهُمْ

يَقُولُونَ لَا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ

وَإِنَّمَا لَهُ صَاحِبَانِ لِقَوْلِهِ: «قَفَا نَبْكِ» إِلَخْ وَقَالَ تَعَالَى: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ التَّحْرِيمِ [4] .

وَقَوْلُهُ: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْبَعْضِ بَعْضُ الْأَنْوَاعِ وَهُوَ عَدَاوَةُ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. إِنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي اهْبِطُوا لِآدَمَ وَزَوْجِهِ وَإِبْلِيسَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ عَدَاوَةُ بَعْضِ أَفْرَادِ نَوْعِ الْبَشَرِ، إِنْ كَانَ ضمير اهْبِطُوا لآدَم وَحَوَّاءَ فَيَكُونُ ذَلِكَ إِعْلَامًا لَهُمَا بِأَثَرٍ مِنْ آثَارِ عَمَلِهِمَا يُورَثُ فِي بَنِيهِمَا، وَلِذَلِكَ مَبْدَأُ ظُهُور آثَار الِاخْتِلَاف فِي تَكْوِينِ خِلْقَتِهِمَا بِأَنْ كَانَ عِصْيَانُهُمَا يُورث فِي بنيهما، وَلذَلِك مبدأ ظُهُور آثَار الاختلال فِي تكوين خلقتهما بِأَن كَانَ عصيانهما يُورَثُ فِي أَنْفُسِهِمَا وَأَنْفُسِ ذُرِّيَّتِهِمَا دَاعِيَةَ التَّغْرِيرِ وَالْحِيلَةِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَإِنَّ الْأَخْلَاقَ تُوَرَّثُ وَكَيْفَ لَا وَهِيَ مِمَّا يُعَدَّى بِكَثْرَةِ الْمُلَابَسَةِ وَالْمُصَاحَبَةِ وَقَدْ قَالَ أَبُو تَمَامٍ:

لَأَعْدَيْتَنِي بِالْحِلْمِ إِنَّ الْعُلَا تُعْدِي وَوَجْهُ الْمُنَاسِبَةِ بَيْنَ هَذَا الْأَثَرِ وَبَيْنَ مَنْشَئِهِ الَّذِي هُوَ الْأَكْلُ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنَّ الْأَكْلَ مِنَ

الشَّجَرَةِ كَانَ مُخَالَفَةً لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَفْضًا لَهُ وَسُوءُ الظَّنِّ بِالْفَائِدَةِ مِنْهُ دَعَا لِمُخَالَفَتِهِ الطَّمَعُ وَالْحِرْصُ عَلَى جَلْبِ نَفْعٍ لِأَنْفُسِهِمَا، وَهُوَ الْخُلُودُ فِي الْجَنَّةِ وَالِاسْتِئْثَارُ بِخَيْرَاتِهَا مَعَ سُوءِ الظَّنِّ بِالَّذِي نَهَاهُمَا عَنِ الْأَكْلِ مِنْهَا وَإِعْلَامِهِ لَهُمَا بِأَنَّهُمَا إِنْ أَكَلَا مِنْهَا ظَلَمَا أَنْفُسَهُمَا لِقَوْلِ إِبْلِيسَ لَهُمَا: مَا نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ [الْأَعْرَاف: 20] فَكَذَلِكَ كَانَتْ عَدَاوَةُ أَفْرَادِ الْبَشَرِ مَعَ مَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنَ الْأُلْفَةِ وَالْأُنْسِ وَالِاتِّحَادِ مَنْشَؤُهَا رَفْضُ تِلْكَ الْأُلْفَةِ وَالِاتِّحَادِ لِأَجْلِ جَلْبِ النَّفْعِ لِلنَّفْسِ وَإِهْمَالِ مَنْفَعَةِ الْغَيْرِ، فَلَا جَرَمَ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ الْخَاطِرِ الَّذِي بَعَثَهُمَا عَلَى الْأَكْلِ مِنَ الشَّجَرَةِ وَبَيْنَ أَثَرِهِ الَّذِي بَقِيَ فِي نُفُوسِهِمَا وَالَّذِي سَيُوَرِّثُونَهُ نَسْلَهُمَا فَيُخْلَقُ النَّسْلُ مُرَكَّبَةً عُقُولُهُمْ عَلَى التَّخَلُّقِ بِذَلِكَ الْخُلُقِ الَّذِي طَرَأَ عَلَى عَقْلُُِ

ص: 435

أَبَوَيْهِمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الْخُلُقَ الرَّاجِعَ لِإِيثَارِ النَّفْسِ بِالْخَيْرِ وَسُوءِ الظَّنِّ بِالْغَيْرِ هُوَ مَنْبَعُ الْعَدَاوَاتِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُعَادِي الْآخَرَ إِلَّا لِاعْتِقَادِ مُزَاحِمَةٍ فِي مَنْفَعَةٍ أَوْ لِسُوءِ ظَنٍّ بِهِ فِي مَضَرَّةٍ. وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَسْأَلَةٍ أَخْلَاقِيَّةٍ وَهِيَ أَنَّ أَصْلَ الْأَخْلَاقِ حَسَنِهَا وَقَبِيحِهَا هُوَ الْخَوَاطِرُ الْخَيِّرَةُ وَالشِّرِّيرَةُ ثُمَّ يَنْقَلِبُ الْخَاطِرُ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِعْلٌ فَيَصِيرُ خُلُقًا وَإِذَا قَاوَمَهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَفْعَلْ صَارَتْ تِلْكَ الْمُقَاوَمَةُ سَبَبًا فِي اضْمِحْلَالِ ذَلِكَ الْخَاطِرِ، وَلِذَلِكَ حَذَّرَتِ الشَّرِيعَةُ مِنَ الْهَمِّ بِالْمَعَاصِي وَكَانَ جَزَاءُ تَرْكِ فِعْلِ مَا يَهُمُّ بِهِ مِنْهَا حَسَنَةً وَأَمَرَتْ بِخَوَاطِرِ الْخَيْرِ فَكَانَ جَزَاءُ مُجَرَّدِ الْهَمِّ بِالْحَسَنَةِ حَسَنَةً وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْهَا وَكَانَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ الْهَمِّ عَشْرَ حَسَنَاتٍ كَمَا

وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً- ثُمَّ قَالَ- وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ»

وَجَعَلَ الْعَفْوَ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ مِنَّةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَغْفِرَةً

فِي حَدِيثِ «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي فِيمَا حَدَّثَتْ بِهِ نُفُوسَهَا» .

إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ خَيِّرًا سَالِمًا مِنَ الشُّرُورِ وَالْخَوَاطِرِ الشِّرِّيرَةِ عَلَى صِفَةٍ مَلَكِيَّةٍ وَهُوَ مَعْنَى لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التِّين: 4] ثُمَّ جَعَلَهُ أَطْوَارًا فَأَوَّلُهَا طَوْرُ تَعْلِيمِهِ النُّطْقَ وَوَضْعِ الْأَسْمَاءِ لِلْمُسَمَّيَاتِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبْدَأُ الْمَعْرِفَةِ وَبِهِ يَكُونُ التَّعْلِيمُ أَيْ يُعَلِّمُ بَعْضُ أَفْرَادِهِ بَعْضًا مَا عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ الْآخَرُ فَكَانَ إِلْهَامُهُ اللُّغَةَ مَبْدَأَ حَرَكَةِ الْفِكْرِ الْإِنْسَانِيِّ وَهُوَ مَبْدَأٌ صَالِحٌ لِلْخَيْرِ وَمُعِينٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ بِهِ عَلَّمَ النَّاسُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَلِذَلِكَ تَرَى الصَّبِيَّ يَرَى الشَّيْءَ فَيُسْرِعُ إِلَى قُرَنَائِهِ يُنَادِيهِمْ لِيَرَوْهُ مَعَهُ حِرْصًا عَلَى إِفَادَتِهِمْ فَكَانَ الْإِنْسَانُ مُعَلِّمًا بِالطَّبْعِ وَكَانَ ذَلِكَ مُعِينًا عَلَى خَيْرِيَّتِهِ إِلَّا أَنَّهُ صَالِحٌ أَيْضًا لِاسْتِعْمَالِ النُّطْقِ فِي التَّمْوِيهِ وَالْكَذِبِ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَهَاهُ عَنْ أَمْرٍ كَلَّفَهُ بِمَا فِي اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يَمْتَثِلَهُ وَأَنْ يُخَالِفَهُ فَتِلْكَ الِاسْتِطَاعَةُ مَبْدَأُ حَرَكَةِ نَفْسِهِ فِي الْحِرْصِ وَالِاسْتِئْثَارِ فَكَانَ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ عَلَى

تِلْكَ الِاسْتِطَاعَةِ مَبْدَأَ طَوْرِ جَدِيدٍ هُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ [التِّين:

5] ، ثُمَّ هَدَاهُ بِوَاسِطَةِ الشَّرَائِعِ فَصَارَ بِاتِّبَاعِهَا يَبْلُغُ إِلَى مَرَاتِبِ الْمَلَائِكَةِ وَيَرْجِعُ إِلَى تَقْوِيمِهِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [التِّين: 6] وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى هَذَا الطَّوْرِ الْأَخِيرِ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ [الْبَقَرَة: 38] الْآيَةَ.

وَجُمْلَةُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِمَّا مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا وَإِمَّا جُمْلَةُ حَال من ضير اهْبِطُوا وَهِيَ اسْمِيَّةٌ خَلَتْ مِنَ الْوَاوِ، وَفِي اعْتِبَارِ الْجُمْلَةِ الْإِسْمِيَّةِ الْخَالِيَةِ مِنَ الْوَاوِ حَالًا

ص: 436