المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَمُّوهُ السِّفْرَ فَكَرِهُوهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْيَهُودَ يُسَمُّونَ - التحرير والتنوير - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بَين يَدي الْكتاب

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم مصطفى عاشور:]

- ‌من هُوَ

- ‌سفير الدعْوَة

- ‌آراء ومناصب

- ‌التَّحْرِير والتنوير

- ‌مقاصد الشَّرِيعَة

- ‌محنة التَّجْنِيس

- ‌صدق الله وَكذب بورقيبة

- ‌وَفَاته

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم الْمهْدي بن حميدة]

- ‌1- آل عاشور

- ‌2- مولده ونشأته

- ‌3- مسيرته الدراسية والعلمية

- ‌4- شُيُوخه

- ‌5- تأثره بمفكري عصره

- ‌6- إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

- ‌ تطور الْعُلُوم

- ‌ المسيرة النضالية

- ‌7- كتاباته ومؤلفاته

- ‌[مَبْحَث عَن التَّحْرِير والتنوير]

- ‌التَّعْرِيف بالتفسير:

- ‌الْمنْهَج الْعَام للتفسير:

- ‌الْمنْهَج التفصيلي للمؤلف:

- ‌أَولا: أَسمَاء السُّور وَعدد الْآيَات وَالْوُقُوف وَبَيَان المناسبات:

- ‌ثَانِيًا: موقفه من العقيدة:

- ‌ثَالِثا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ:

- ‌رَابِعا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالسنةِ:

- ‌خَامِسًا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال السّلف:

- ‌سادسا: موقفه من السِّيرَة والتاريخ وَذكر الْغَزَوَات:

- ‌سابعا: موقفه من الْإسْرَائِيلِيات:

- ‌ثامنا: موقفه من اللُّغَة:

- ‌تاسعا: موقفه من الْقرَاءَات:

- ‌عاشرا: موقفه من الْفِقْه وَالْأُصُول:

- ‌موقفه من النّسخ:

- ‌حادي عشر: موقفه من الْعُلُوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية:

- ‌ثَانِي عشر: موقفه من المواعظ والآداب:

- ‌جملَة من الانتقادات

- ‌أَولا: ذُو ثِقَة زَائِدَة بِنَفسِهِ أوقعته فِي مزالق:

- ‌ثَانِيًا: صَاحب استطراد وتكلف خرج عَن حد التَّفْسِير جملَة وتفصيلا على الرغم من إهماله التَّفْسِير فِي مَوَاضِع لَا يسْتَغْنى عَن تَفْسِيرهَا:

- ‌ثَالِثا: ذُو ولع شَدِيد بِالنَّقْدِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ مندوحة لترك الانتقاد

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَكَوْنِ التَّفْسِيرِ عِلْمًا

- ‌ الْأَوَّلُ

- ‌وَالثَّانِي

- ‌وَالثَّالِثُ

- ‌الرَّابِعُ

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي اسْتِمْدَادِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ

- ‌تَنْبِيهٌ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ فِي صِحَّةِ التَّفْسِيرِ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ وَمَعْنَى التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ وَنَحْوِهِ

- ‌أَوَّلُهَا:

- ‌ثَانِيهَا:

- ‌ثَالِثُهَا:

- ‌رَابِعُهَا:

- ‌خَامِسُهَا:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ فِيمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ غَرَضَ الْمُفَسِّرِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ:

- ‌السَّابِعُ:

- ‌الثَّامِنُ:

- ‌الْأُولَى:

- ‌الثَّانِيَةُ:

- ‌الثَّالِثَةُ:

- ‌الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌وَالثَّانِي:

- ‌وَالثَّالِثُ:

- ‌وَالرَّابِعُ:

- ‌وَالْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ

- ‌أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى:

- ‌وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌مَرَاتِبُ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّابِعَةُ قَصَصُ الْقُرْآنِ

- ‌الْفَائِدَةُ الْأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَة:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌أَحَدُهَا:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّامِنَةُ فِي اسْمِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ وَتَرْتِيبِهَا وَأَسْمَائِهَا

- ‌آيَات الْقُرْآن

- ‌تَرْتِيب الْآي

- ‌وقُوف الْقُرْآن

- ‌سور الْقُرْآن

- ‌الْمُقَدِّمَةُ التَّاسِعَةُ فِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَحَمَّلُهَا جُمَلُ الْقُرْآنِ تُعْتَبَرُ مُرَادَةً بِهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْعَاشِرَةُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ

- ‌الْجِهَةُ الْأُولَى:

- ‌الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌مبتكرات الْقُرْآن

- ‌عادات الْقُرْآن

- ‌1- سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

- ‌[سُورَة الْفَاتِحَة (1) : الْآيَات 1 الى 7]

- ‌الْكَلَام على الْبَسْمَلَة

- ‌الثَّانِي:

- ‌الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌2- سُورَةُ الْبَقَرَةِ

- ‌محتويات هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 70 الى 71]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 84 الى 86]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 111 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَةٌ 118]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 122 إِلَى 123]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 138]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 139]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 140]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 141]

الفصل: وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَمُّوهُ السِّفْرَ فَكَرِهُوهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْيَهُودَ يُسَمُّونَ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَمُّوهُ السِّفْرَ فَكَرِهُوهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْيَهُودَ يُسَمُّونَ التَّوْرَاةَ السِّفْرَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: رَأَيْتُ بِالْحَبَشَةِ كِتَابًا يَدْعُونَهُ الْمُصْحَفَ فَسَمُّوهُ مُصْحَفًا (يَعْنِي أَنَّهُ رَأَى كِتَابًا غير الْإِنْجِيل) .

‌آيَات الْقُرْآن

الْآيَةُ: هِيَ مِقْدَارٌ مِنَ الْقُرْآنِ مُرَكَّبٌ وَلَوْ تَقْدِيرًا أَوْ إِلْحَاقًا، فَقَوْلِي وَلَوْ تَقْدِيرًا لِإِدْخَالِ قَوْلِهِ تَعَالَى: مُدْهامَّتانِ [الرَّحْمَن: 64] إِذِ التَّقْدِيرُ هُمَا مُدْهَامَّتَانِ، وَنَحْو: وَالْفَجْرِ [الْفجْر:

1] إِذِ التَّقْدِيرُ أُقْسِمُ بِالْفَجْرِ. وَقَوْلِي أَوْ إِلْحَاقًا: لِإِدْخَالِ بَعْضِ فَوَاتِحِ السُّوَرِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فَقَدْ عُدَّ أَكْثَرُهَا فِي الْمَصَاحِفِ آيَاتٌ مَا عَدَا: الر، وَالمر، وَطس، وَذَلِكَ أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ وَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا.

وَتَسْمِيَةُ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ آيَاتٌ هُوَ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ، قَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ [آل عمرَان: 7] وَقَالَ: كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ [هود: 1] . وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ آيَةً لِأَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا مُوحًى بِهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَى النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى مَا هُوَ مِنَ الْحَدِّ الْأَعْلَى فِي بَلَاغَةِ نَظْمِ الْكَلَامِ، وَلِأَنَّهَا لِوُقُوعِهَا مَعَ غَيْرِهَا مِنَ الْآيَاتِ جُعِلَتْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَلَيْسَ مِنْ تَأْلِيفِ الْبَشَرِ إِذْ قد تحدّى النَّبِي بِهِ أَهْلَ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ فَعَجَزُوا عَنْ تَأْلِيفِ مِثْلِ سُورَةٍ مِنْ سُوَرِهِ. فَلِذَا لَا يَحِقُّ لِجُمَلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أَنْ تُسَمَّى آيَاتٍ إِذْ لَيْسَتْ فِيهَا هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ فِي اللُّغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ وَالْآرَامِيَّةِ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ رَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي:«فَوَضَعَ الَّذِي نَشَرَ التَّوْرَاةَ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ» فَذَلِكَ تَعْبِيرٌ غَلَبَ عَلَى لِسَانِ الرَّاوِي عَلَى وَجْهِ الْمُشَاكَلَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ تَشْبِيهًا بِجُمَلِ الْقُرْآنِ، إِذْ لَمْ يَجِدْ لَهَا اسْمًا يُعَبِّرُ بِهِ عَنْهَا.

وَتَحْدِيدُ مَقَادِيرِ الْآيَاتِ مَرْوِيٌّ عَنِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّخْيِيرِ فِي حَدِّ تِلْكَ الْآيَاتِ الَّتِي تَخْتَلِفُ فِيهَا الرِّوَايَةُ فِي تَعْيِينِ مُنْتَهَاهَا وَمُبْتَدَإِ مَا بَعْدَهَا، فَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عِلْمٍ مِنْ تَحْدِيدِ الْآيَاتِ. قُلْتُ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ السَّبْعُ الْمَثَانِي أَيِ السَّبْعُ الْآيَاتِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ قَرَأَ الْعَشْرَ الْخَوَاتِمَ مِنْ آخَرِ آلِ عِمْرَانَ»

، وَهِيَ الْآيَاتُ الَّتِي

ص: 74

أَوَّلُهَا: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ [آل عمرَان: 19] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.

وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي عصر النبوءة وَمَا بَعْدَهُ يُقَدِّرُونَ تَارَةً بَعْضَ الْأَوْقَاتِ بِمِقْدَارِ مَا يَقْرَأُ الْقَارِئُ عَدَدًا مِنَ الْآيَاتِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ سُحُورِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِقْدَارُ مَا يَقْرَأُ الْقَارِئُ خَمْسِينَ آيَةً.

قَالَ أَبُو بَكْرِ ابْن الْعَرَبِيِّ: «وَتَحْدِيدُ الْآيَةِ مِنْ مُعْضِلَاتِ الْقُرْآنِ، فَمِنْ آيَاتِهِ طَوِيلٌ

وَقَصِيرٌ، وَمِنْهُ مَا يَنْقَطِعُ وَمِنْهُ مَا يَنْتَهِي إِلَى تَمَامِ الْكَلَامِ» ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:«الْآيَاتُ عِلْمٌ تَوْقِيفِيٌّ» .

وَأَنَا أَقُولُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ تَعْيِينُ مِقْدَارِ الْآيَةِ تَبَعًا لِانْتِهَاءِ نُزُولِهَا، وَأَمَارَتُهُ وُقُوعُ الفاصلة.

وَالَّذِي استخصلته أَنَّ الْفَوَاصِلَ هِيَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تَتَمَاثَلُ فِي أَوَاخِرِ حُرُوفِهَا أَوْ تَتَقَارَبُ، مَعَ تَمَاثُلِ أَوْ تَقَارُبِ صِيَغِ النُّطْقِ بِهَا وَتُكَرَّرُ فِي السُّورَةِ تَكَرُّرًا يُؤْذِنُ بِأَنَّ تَمَاثُلَهَا أَوْ تَقَارُبَهَا مَقْصُودٌ مِنَ النّظم فِي آيَاته كَثِيرَةٍ مُتَمَاثِلَةٍ، تَكْثُرُ وَتَقِلُّ، وَأَكْثَرُهَا قَرِيبٌ مِنَ الْأَسْجَاعِ فِي الْكَلَامِ الْمَسْجُوعِ. وَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِتَمَاثُلِ صِيَغِ الْكَلِمَاتِ مِنْ حَرَكَاتٍ وَسُكُونٍ وَهِيَ أَكْثَرُ شَبَهًا بِالْتِزَامِ مَا لَا يَلْزَمُ فِي الْقَوَافِي. وَأَكْثَرُهَا جَارٍ عَلَى أُسْلُوبِ الْأَسْجَاعِ.

وَالَّذِي اسْتَخْلَصْتُهُ أَيْضًا أَنَّ تِلْكَ الْفَوَاصِلَ كُلَّهَا مُنْتَهَى آيَاتٍ وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ لَمْ يَتِمَّ فِيهِ الْغَرَضُ الْمَسُوقُ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ إِذَا انْتَهَى الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ وَلَمْ تَقَعْ عِنْدَ انْتِهَائِهِ فَاصِلَةٌ لَا يَكُونُ مُنْتَهَى الْكَلَامِ نِهَايَةَ آيَةٍ إِلَّا نَادِرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص: 1] ، فَهَذَا الْمِقْدَارُ عَدُّ آيَةٍ وَهُوَ لَمْ يَنْتَهِ بِفَاصِلَةٍ، وَمِثْلُهُ نَادِرٌ، فَإِنَّ فَوَاصِلَ تِلْكَ الْآيَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ أُقِيمَتْ عَلَى حرف مَفْتُوح بعد أَلِفُ مَدٍّ بَعْدَهَا حَرْفٌ، مِثْلَ:

شِقَاقٍ، مَنَاصٍ، كَذَّابٍ، عُجَابٍ.

وَفَوَاصِلُ بُنِيَتْ عَلَى حَرْفٍ مَضْمُومٍ مُشْبَعٍ بِوَاوٍ، أَوْ عَلَى حَرْفٍ مَكْسُورٍ مُشْبَعٍ بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ حَرْفٌ، مِثْلَ: أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ [ص: 68] إِذْ يَسْتَمِعُونَ [الْإِسْرَاء:

47] ، نَذِيرٌ مُبِينٌ [الْأَعْرَاف: 184] ، مِنْ طِينٍ [الْأَنْعَام: 2] .

فَلَوِ انْتَهَى الْغَرَضُ الَّذِي سِيقَ لَهُ الْكَلَامُ، وَكَانَتْ فَاصِلَةٌ تَأْتِي بَعْدَ انْتِهَاءِ الْكَلَامِ تَكُونُ

ص: 75

الْآيَةُ غَيْرَ مُنْتَهِيَةٍ وَلَوْ طَالَتْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلَى قَوْلِهِ:

وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ [ص: 24] ، فَهَذِهِ الْجُمَلُ كُلُّهَا عُدَّتْ آيَةً وَاحِدَةً.

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْفَوَاصِلَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْإِعْجَازِ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى مُحَسِّنَاتِ الْكَلَامِ وَهِيَ مِنْ جَانِبِ فَصَاحَةِ الْكَلَامِ، فَمِنَ الْغَرَضِ الْبَلَاغِيِّ الْوُقُوفُ عِنْدَ الْفَوَاصِلِ لِتَقَعَ فِي الْأَسْمَاعِ فَتَتَأَثَّرَ نُفُوسُ السَّامِعِينَ بِمَحَاسِنِ ذَلِكَ التَّمَاثُلِ، كَمَا تَتَأَثَّرُ بِالْقَوَافِي فِي الشِّعْرِ وَبِالْأَسْجَاعِ فِي الْكَلَامِ الْمَسْجُوعِ. فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ بالقوافي وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ [غَافِر: 71] فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [غَافِر: 72] ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ

أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ [غَافِر: 73] مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَى آخَرِ الْآيَاتِ. فَقَوْلُهُ: فِي الْحَمِيمِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: يُسْحَبُونَ وَقَوْلُهُ: مِنْ دُونِ اللَّهِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ تُشْرِكُونَ. وَيَنْبَغِي الْوَقْفُ عِنْدَ نِهَايَةِ كُلِّ آيَةٍ مِنْهَا.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ آيَةٌ. وَقَوْلُهُ: مِنْ دُونِهِ ابْتِدَاءُ الْآيَةِ بَعْدَهَا فِي سُورَةِ هُودٍ [54] .

أَلَا تَرَى أَنَّ مِنَ الْإِضَاعَةِ لِدَقَائِقِ الشِّعْرِ أَنْ يُلْقِيَهُ مُلْقِيهِ عَلَى مَسَامِعِ النَّاسِ دُونَ وَقْفٍ عِنْدَ قَوَافِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ إِضَاعَةٌ لِجُهُودِ الشُّعَرَاءِ، وَتَغْطِيَةٌ عَلَى مَحَاسِنِ الشِّعْرِ، وَإِلْحَاقٌ لِلشِّعْرِ بالنثر. وإنّ الْفَاء السَّجْعِ دُونَ وُقُوفٍ عِنْدَ أَسْجَاعِهِ هُوَ كَذَلِكَ لَا مَحَالَةَ. وَمِنَ السَّذَاجَةِ أَنْ يَنْصَرِفَ مُلْقِي الْكَلَامِ عَنْ مُحَافَظَةِ هَذِهِ الدَّقَائِقِ فَيَكُونَ مُضَيِّعًا لِأَمْرٍ نَفِيسٍ أَجْهَدَ فِيهِ قَائِلُهُ نَفْسَهَ وَعِنَايَتَهُ. وَالْعِلَّةُ بِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُبَيِّنَ لِلسَّامِعِينَ مَعَانِيَ الْكَلَامِ، فُضُولٌ، فَإِنَّ الْبَيَانَ وَظِيفَةُ مُلْقِي دَرْسٍ لَا وَظِيفَةُ مُنْشِدِ الشِّعْرِ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الشَّاعِرَ نَفْسَهُ.

وَفِي «الْإِتْقَانِ» عَنْ أَبِي عَمْرٍو قَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَقْف على رُؤُوس الْآيِ سُنَّةٌ. وَفِيهِ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ فِي «شُعَبِ الْإِيمَانِ» : الْأَفْضَلُ الْوَقْف على رُؤُوس الْآيَاتِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِمَا بَعْدَهَا اتِّبَاعًا لِهَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسُنَّتِهِ،

وَفِي «سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ» عَنْ أُمِّ سَلمَة أنّ النبيء صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَرَأَ قَطَّعَ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً يَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. ثُمَّ يَقِفُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. ثُمَّ يَقِفُ: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الْفَاتِحَة: 1- 3] ثُمَّ يَقِفُ.

ص: 76

عَلَى أَنَّ وَرَاءَ هَذَا وُجُوبَ اتِّبَاعِ الْمَأْثُورِ مِنْ تَحْدِيدِ الْآيِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَصُدُّنَا عَنْ مُحَاوَلَةِ ضَوَابِطَ تَنْفَعُ النَّاظِرَ وَإِنْ شَذَّ عَنْهَا مَا شَذَّ.

أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْضَ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ الَّتِي افْتُتِحَتْ بِهَا بَعْضُ السُّورِ قَدْ عُدَّ بَعْضُهَا آيَاتٍ مِثْلَ: الم، المص، كهيعص، عسق، طسم، يس، حم، طه. وَلَمْ تُعَدَّ: الر، المر، طس، ص، ق، ن، آيَاتٍ.

وَآيَاتُ الْقُرْآنِ مُتَفَاوِتَةٌ فِي مَقَادِيرِ كَلِمَاتِهَا فَبَعْضُهَا أَطْوَلُ مِنْ بَعْضٍ وَلِذَلِكَ فَتَقْدِيرُ الزَّمَانِ بِهَا فِي قَوْلِهِمْ مِقْدَارُ مَا يَقْرَأُ الْقَارِئُ خَمْسِينَ آيَةً مَثَلًا، تَقْدِيرٌ تَقْرِيبِيٌّ، وَتَفَاوُتُ الْآيَاتِ فِي الطُّولِ تَابِعٌ لِمَا يَقْتَضِيهِ مَقَامُ الْبَلَاغَةِ مِنْ مَوَاقِعِ كَلِمَاتِ الْفَوَاصِلِ عَلَى حَسَبِ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْكَلَامِ.

وَأَطْوَلُ آيَةٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى قَوْلِهِ:

وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً فِي سُورَةِ الْفَتْحِ [25]، وَقَوْلُهُ: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ إِلَى قَوْلِهِ: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [102] .

وَدُونَهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [23] .

وَأَقْصَرُ آيَةٍ فِي عَدَدِ الْكَلِمَاتِ قَوْلُهُ تَعَالَى: مُدْهامَّتانِ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ [64] وَفِي عَدَدِ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ قَوْله: طه [طه: 1] .

وَأَمَّا وُقُوفُ الْقُرْآنِ فَقَدْ لَا تُسَايِرُ نِهَايَاتِ الْآيَاتِ، وَلَا ارْتِبَاطَ لَهَا بِنِهَايَاتِ الْآيَاتِ فَقَدْ يَكُونُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ عِدَّةُ وُقُوفٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ (وَقْفٌ) وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ (وَقْفٌ) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (وَقْفٌ، وَمُنْتَهَى الْآيَةِ) فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ [47] .

وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْوُقُوفِ فِي آخِرِ هَذَا الْمَبْحَثِ.

فَأَمَّا اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهِ مِنْ عَدَدِ آيَاتِ الْقُرْآنِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي نِهَايَةِ بَعْضِهَا، فَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ ذَلِكَ عَنِ اخْتِلَافٍ فِي الرِّوَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَا آنِفًا، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهُ عَنِ اخْتِلَافِ الِاجْتِهَادِ.

قَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِي فِي كِتَابِ «الْعَدَدِ» : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَدَدَ آيَاتِ الْقُرْآنِ يَبْلُغُ سِتَّةَ آلَافِ آيَةٍ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَزِدْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِ

ص: 77

آيَاتٍ، وَقِيلَ: وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ: وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ: وَسِتًّا وَثَلَاثِينَ، وَقيل: وسِتمِائَة وَسِتَّة عَشْرَةَ.

قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي «شَرْحِ الْبُرْهَانِ» : قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: قَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعَدَدِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْمَدِينَةِ وَالشَّامِ عَلَى تَرْكِ عَدِّ الْبَسْمَلَةِ آيَةً فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي عَدِّهَا وَتَرْكِهَا فِي سُورَةِ الْحَمْدِ لَا غَيْرَ، فَعَدَّهَا آيَةً الْكُوفِيُّ وَالْمَكِّيُّ وَلَمْ يَعُدَّهَا آيَةً الْبَصْرِيُّ وَلَا الشَّامِيُّ وَلَا الْمَدَنِيُّ. وَفِي «الْإِتْقَانِ» كَلَامٌ فِي الضَّابِطِ الْأَوَّلِ مِنَ الضَّوَابِطِ غَيْرُ مُحَرِّرٍ وَهُوَ آيِلٌ إِلَى مَا قَالَهُ الْمَازِرِيُّ، وَرَأَيْتُ فِي عَدِّ بَعْضِ السُّورِ أَنَّ الْمُصْحَفَ الْمَدَنِيَّ عَدَّ آيَهَا أَكْثَرَ مِمَّا فِي الْكُوفِيِّ، وَلَوْ عَنَوْا عَدَّ الْبَسْمَلَةِ لَكَانَ الْكُوفِيُّ أَكْثَرَ.

وَكَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ عددان، يعرف أحد هما بِالْأَوَّلِ وَيُعْرَفُ الْآخَرُ بِالْأَخِيرِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ تَصَدَّوْا لِعَدِّ الْآيِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ هُمْ: أَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ،

وَأَبُو نِصَاحٍ شَيْبَةُ بْنُ نِصَاحٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ السُّلَمِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَقَدِ اتَّفَقَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ عَلَى عَدَدٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْعَدَدِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ خَالَفَهُمْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ بِعَدَدٍ انْفَرَدَ بِهِ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْعَدَدُ الثَّانِي، وَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا يُنْسَبُ إِلَى أَيُّوبَ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ الْبَصْرِيِّ الْمُتَوَفِّي سَنَةَ 200.

وَلِأَهْلِ مَكَّةَ عَدَدٌ وَاحِدٌ، وَرُبَّمَا اتَّفَقُوا فِي عَدَدِ آيِ السُّورَةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَرُبَّمَا اخْتَلَفُوا، وَقَدْ يُوجَدُ اخْتِلَافٌ تَارَةً فِي مَصَاحِفِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ، كَمَا نَجِدُ فِي «تَفْسِيرِ الْمَهْدَوِيِّ» وَفِي كُتُبِ عُلُومِ الْقُرْآنِ، وَلِذَلِكَ تَجِدُ الْمُفَسِّرِينَ يَقُولُونَ فِي بَعْضِ السُّور عدد آياتها فِي الْمُصْحَفِ الْفُلَانِيِّ كَذَا. وَقَدْ كَانَ عَدَدُ آيِ السُّوَرِ مَعْرُوفًا فِي زمن النَّبِي صلى الله عليه وسلم.

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ آخِرُ آيَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [الْبَقَرَة: 281] الْآيَةَ قَالَ جِبْرِيل للنبيء صلى الله عليه وسلم ضَعْهَا فِي رَأْسِ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَاسْتَمَرَّ الْعَمَلُ بِعَدِّ الْآيِ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ، فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلَاثِينَ وَمِائَةٍ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ [140] : قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ الْآيَةَ.

ص: 78