المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وأما الحالة الثانية: - التحرير والتنوير - جـ ١

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌بَين يَدي الْكتاب

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم مصطفى عاشور:]

- ‌من هُوَ

- ‌سفير الدعْوَة

- ‌آراء ومناصب

- ‌التَّحْرِير والتنوير

- ‌مقاصد الشَّرِيعَة

- ‌محنة التَّجْنِيس

- ‌صدق الله وَكذب بورقيبة

- ‌وَفَاته

- ‌[تَرْجَمَة ابْن عاشور، بقلم الْمهْدي بن حميدة]

- ‌1- آل عاشور

- ‌2- مولده ونشأته

- ‌3- مسيرته الدراسية والعلمية

- ‌4- شُيُوخه

- ‌5- تأثره بمفكري عصره

- ‌6- إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

- ‌ تطور الْعُلُوم

- ‌ المسيرة النضالية

- ‌7- كتاباته ومؤلفاته

- ‌[مَبْحَث عَن التَّحْرِير والتنوير]

- ‌التَّعْرِيف بالتفسير:

- ‌الْمنْهَج الْعَام للتفسير:

- ‌الْمنْهَج التفصيلي للمؤلف:

- ‌أَولا: أَسمَاء السُّور وَعدد الْآيَات وَالْوُقُوف وَبَيَان المناسبات:

- ‌ثَانِيًا: موقفه من العقيدة:

- ‌ثَالِثا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ:

- ‌رَابِعا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بِالسنةِ:

- ‌خَامِسًا: موقفه من تَفْسِير الْقُرْآن بأقوال السّلف:

- ‌سادسا: موقفه من السِّيرَة والتاريخ وَذكر الْغَزَوَات:

- ‌سابعا: موقفه من الْإسْرَائِيلِيات:

- ‌ثامنا: موقفه من اللُّغَة:

- ‌تاسعا: موقفه من الْقرَاءَات:

- ‌عاشرا: موقفه من الْفِقْه وَالْأُصُول:

- ‌موقفه من النّسخ:

- ‌حادي عشر: موقفه من الْعُلُوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية:

- ‌ثَانِي عشر: موقفه من المواعظ والآداب:

- ‌جملَة من الانتقادات

- ‌أَولا: ذُو ثِقَة زَائِدَة بِنَفسِهِ أوقعته فِي مزالق:

- ‌ثَانِيًا: صَاحب استطراد وتكلف خرج عَن حد التَّفْسِير جملَة وتفصيلا على الرغم من إهماله التَّفْسِير فِي مَوَاضِع لَا يسْتَغْنى عَن تَفْسِيرهَا:

- ‌ثَالِثا: ذُو ولع شَدِيد بِالنَّقْدِ وَإِن كَانَ هُنَاكَ مندوحة لترك الانتقاد

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَكَوْنِ التَّفْسِيرِ عِلْمًا

- ‌ الْأَوَّلُ

- ‌وَالثَّانِي

- ‌وَالثَّالِثُ

- ‌الرَّابِعُ

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ فِي اسْتِمْدَادِ عِلْمِ التَّفْسِيرِ

- ‌تَنْبِيهٌ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ فِي صِحَّةِ التَّفْسِيرِ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ وَمَعْنَى التَّفْسِيرِ بِالرَّأْيِ وَنَحْوِهِ

- ‌أَوَّلُهَا:

- ‌ثَانِيهَا:

- ‌ثَالِثُهَا:

- ‌رَابِعُهَا:

- ‌خَامِسُهَا:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الرَّابِعَةُ فِيمَا يَحِقُّ أَنْ يَكُونَ غَرَضَ الْمُفَسِّرِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ:

- ‌السَّابِعُ:

- ‌الثَّامِنُ:

- ‌الْأُولَى:

- ‌الثَّانِيَةُ:

- ‌الثَّالِثَةُ:

- ‌الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْخَامِسَةُ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ

- ‌الْأَوَّلُ:

- ‌وَالثَّانِي:

- ‌وَالثَّالِثُ:

- ‌وَالرَّابِعُ:

- ‌وَالْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّادِسَةُ فِي الْقِرَاءَاتِ

- ‌أَمَّا الْحَالَةُ الْأُولَى:

- ‌وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌مَرَاتِبُ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ السَّابِعَةُ قَصَصُ الْقُرْآنِ

- ‌الْفَائِدَةُ الْأُولَى:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الثَّامِنَة:

- ‌الْفَائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ:

- ‌أَحَدُهَا:

- ‌الثَّانِي:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الثَّامِنَةُ فِي اسْمِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ وَسُوَرِهِ وَتَرْتِيبِهَا وَأَسْمَائِهَا

- ‌آيَات الْقُرْآن

- ‌تَرْتِيب الْآي

- ‌وقُوف الْقُرْآن

- ‌سور الْقُرْآن

- ‌الْمُقَدِّمَةُ التَّاسِعَةُ فِي أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَتَحَمَّلُهَا جُمَلُ الْقُرْآنِ تُعْتَبَرُ مُرَادَةً بِهَا

- ‌الْمُقَدِّمَةُ الْعَاشِرَةُ فِي إِعْجَازِ الْقُرْآنِ

- ‌الْجِهَةُ الْأُولَى:

- ‌الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌مبتكرات الْقُرْآن

- ‌عادات الْقُرْآن

- ‌1- سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

- ‌[سُورَة الْفَاتِحَة (1) : الْآيَات 1 الى 7]

- ‌الْكَلَام على الْبَسْمَلَة

- ‌الثَّانِي:

- ‌الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ:

- ‌الثَّالِثُ:

- ‌الرَّابِعُ:

- ‌الْخَامِسُ:

- ‌السَّادِسُ

- ‌2- سُورَةُ الْبَقَرَةِ

- ‌محتويات هَذِه السُّورَة

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 38 إِلَى 39]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 45 إِلَى 46]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 51 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 55 إِلَى 56]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 58 إِلَى 59]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 61]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 62]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 65 إِلَى 66]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 68]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 69]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 70 الى 71]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 72 إِلَى 73]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 74]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 75]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 80 إِلَى 82]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 84 الى 86]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 87]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 90]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 91]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 92 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 97 إِلَى 98]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 99 إِلَى 101]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 102]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 103]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 104]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 107]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 108]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 109 إِلَى 110]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 111 إِلَى 112]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 113]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 114]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 115]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 116]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 117]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَةٌ 118]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 119]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 120]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 121]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 122 إِلَى 123]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 124]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 125]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 126]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 127]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 128]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 129]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : الْآيَات 130 إِلَى 131]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 132]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 133]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 134]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 135]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 136]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 137]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 138]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 139]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 140]

- ‌[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 141]

الفصل: ‌وأما الحالة الثانية:

بِأَسَانِيدَ أَقْوَى وَهِيَ مُتَوَاتِرَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي إِطْلَاقُ وَصْفِ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يُوهِمُ مَنْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ الصَّحِيحِ أَنَّ غَيْرَهَا لَمْ يَقْرَأْ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى تَبَجُّحِ أَصْحَابِ الرِّوَايَةِ بِمَرْوِيَّاتِهِمْ.

‌وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ:

فَهِيَ اخْتِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي حُرُوفِ الْكَلِمَاتِ مِثْلَ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الْفَاتِحَة: 4] وَ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وَ (ننشرها) ونُنْشِزُها [الْبَقَرَة: 259] وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا بِتَشْدِيدِ الذَّالِ أَوْ قَدْ كُذِبُوا [يُوسُف: 110] بِتَخْفِيفِهِ، وَكَذَلِكَ اخْتِلَافُ الْحَرَكَاتِ الَّذِي يَخْتَلِفُ مَعَهُ مَعْنَى الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ [الزخرف: 57] قَرَأَ نَافِعٌ بِضَمِّ الصَّادِ وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِكَسْرِ الصَّادِ، فَالْأُولَى بِمَعْنَى يَصُدُّونَ غَيْرَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ، وَالثَّانِيَةُ بِمَعْنَى صُدُودِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ حَاصِلٌ مِنْهُمْ، وَهِيَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَهَا مَزِيدُ تَعَلُّقٍ بِالتَّفْسِيرِ لِأَنَّ ثُبُوتَ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ فِي قِرَاءَةٍ قَدْ يُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنْ نَظِيرِهِ فِي الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى، أَوْ يُثِيرُ مَعْنًى غَيْرَهُ، وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الْقِرَاءَاتِ فِي أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ يُكْثِرُ الْمَعَانِيَ فِي الْآيَةِ الْوَاحِدَةِ نَحْوَ: حَتَّى يَطْهُرْنَ [الْبَقَرَة: 222] بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَالْهَاءِ الْمُشَدَّدَةِ، وَبِسُكُونِ الطَّاءِ وَضَمِّ الْهَاءِ مُخَفَّفَةً، وَنَحْوَ لامَسْتُمُ النِّساءَ [النِّسَاء: 43] ولامَسْتُمُ النِّساءَ، وَقِرَاءَةِ: وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمَن إِنَاثًا [الزخرف: 19] مَعَ قِرَاءَةِ «الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ» وَالظَّنُّ أَنَّ الْوَحْيَ نَزَلَ بِالْوَجْهَيْنِ وَأَكْثَرَ، تَكْثِيرًا لِلْمَعَانِي إِذَا جَزَمْنَا بِأَنَّ جَمِيعَ الْوُجُوهِ فِي الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ هِيَ مَأْثُورَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَجِيءُ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَلَى مَا يَحْتَمِلُ تِلْكَ الْوُجُوهِ مُرَادًا لِلَّهِ تَعَالَى لِيَقْرَأَ الْقُرَّاءُ بِوُجُوهٍ فَتَكْثُرَ مِنْ جَرَّاءِ ذَلِكَ الْمَعَانِي، فَيَكُونُ وُجُودُ الْوَجْهَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي مُخْتَلِفِ الْقِرَاءَاتِ مُجْزِئًا عَنْ آيَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَهَذَا نَظِيرُ التَّضْمِينِ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ، وَنَظِيرُ التَّوْرِيَةِ وَالتَّوْجِيهِ فِي الْبَدِيعِ، وَنَظِيرُ مُسْتَتْبَعَاتِ التَّرَاكِيبِ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي، وَهُوَ من زِيَادَة ملائمة بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ، وَلِذَلِكَ كَانَ اخْتِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ مِنَ الْقُرْآنِ، قَدْ يَكُونُ مَعَهُ اخْتِلَافُ الْمَعْنَى، وَلَمْ يَكُنْ حَمْلُ أَحَدِ الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مُتَعَيِّنًا وَلَا مُرَجَّحًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ فِي كِتَابِ «الْحُجَّةِ» أَنَّهُ يَخْتَارُ حَمْلَ مَعْنَى إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى مَعْنَى الْأُخْرَى، وَمِثَالُ هَذَا قَوْلُهُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ [24]، وَقِرَاءَةُ نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ:«فَإِنَّ اللَّهَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ»

بِإِسْقَاطِ هُوَ أَنَّ مَنْ أَثْبَتَ هُوَ يَحْسُنُ أَنْ يَعْتَبِرَهُ ضَمِيرَ فَصْلٍ لَا مُبْتَدَأً، لِأَنَّهُ

ص: 55

لَوْ كَانَ مُبْتَدَأً لَمْ يَجُزْ حَذْفُهُ فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَابْنِ عَامِرٍ، قَالَ أَبُو حَيَّانَ (1) :«وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ (2) لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى تَوَافُقِ الْقِرَاءَتَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ قِرَاءَتَانِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا تَوْجِيهٌ يُخَالِفُ الْآخَرَ، كَقِرَاءَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ [آل عمرَان: 36] بِضَمِّ التَّاءِ أَوْ سُكُونِهَا» .

وَأَنَا أَرَى أَنَّ عَلَى الْمُفَسِّرِ أَنْ يُبَيِّنَ اخْتِلَافَ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ لِأَنَّ فِي اخْتِلَافِهَا تَوْفِيرًا لِمَعَانِي الْآيَةِ غَالِبًا فَيَقُومُ تَعَدُّدُ الْقِرَاءَاتِ مَقَامَ تَعَدُّدِ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ. وَهَذَا يُبَيِّنُ لَنَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْقِرَاءَاتِ قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَعَ هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ

فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلَاةِ فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ فَلَبَبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ، فَقُلْتُ كَذَبْتَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ اقْرَأْ يَا هِشَامُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ يَا عُمَرُ فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَة أحرف فاقرأوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ»

اهـ.

وَفِي الْحَدِيثِ إِشْكَالٌ، وَلِلْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَاهُ أَقْوَالٌ يَرْجِعُ إِلَى اعتبارين: أحد هما اعْتِبَارُ الْحَدِيثِ مَنْسُوخًا وَالْآخَرُ اعْتِبَارُهُ مُحْكَمًا.

فَأَمَّا الَّذِينَ اعْتَبَرُوا الْحَدِيثَ مَنْسُوخًا وَهُوَ رَأْيُ جَمَاعَةٍ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَالطَّبَرِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ، وَيُنْسَبُ إِلَى ابْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ وَهْبٍ قَالُوا كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَبَاحَ اللَّهُ للْعَرَب أَن يقرأوا الْقُرْآنَ بِلُغَاتِهِمُ الَّتِي جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِاسْتِعْمَالِهَا، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ بِحَمْلِ النَّاسِ عَلَى لُغَةِ قُرَيْشٍ لِأَنَّهَا الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَزَالَ الْعُذْرُ لِكَثْرَةِ الْحِفْظِ وَتَيْسِيرِ الْكِتَابَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ دَامَتِ الرُّخْصَةُ مُدَّةَ حَيَاةِ النَّبِيِّ

عليه السلام، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ ذَلِكَ نُسِخَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِمَّا نُسِخَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ أَوْ بِوِصَايَةٍ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ عُمَرَ: إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، وَبِنَهْيِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنْ يَقْرَأَ: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ [الصافات: 178]

(1)«الْبَحْر» 8/ 226. [.....]

(2)

أَي أَبُو عَليّ.

ص: 56

وَهِيَ لُغَةُ هُذَيْلٍ فِي حَتَّى، وَبِقَوْلِ عُثْمَانَ لِكُتَّابِ الْمَصَاحِفِ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي حَرْفٍ فَاكْتُبُوهُ بِلُغَةِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، يُرِيدُ أَنَّ لِسَانَ قُرَيْشٍ هُوَ الْغَالِبُ عَلَى الْقُرْآنِ، أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ نَزَلَ بِمَا نَطَقُوا بِهِ مِنْ لُغَتِهِمْ وَمَا غَلَبَ عَلَى لُغَتِهِمْ مِنْ لُغَاتِ الْقَبَائِلِ إِذْ كَانَ عُكَاظٌ بِأَرْضِ قُرَيْشٍ وَكَانَتْ مَكَّةُ مَهْبِطَ الْقَبَائِلِ كُلِّهَا.

وَلَهُمْ فِي تَحْدِيدِ مَعْنَى الرُّخْصَةِ بِسَبْعَةِ أَحْرُفٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْرُفِ الْكَلِمَاتُ الْمُتَرَادِفَةُ لِلْمَعْنَى الْوَاحِدِ، أَيْ أُنْزِلَ بِتَخْيِيرِ قَارِئِهِ أَنْ يَقْرَأَهُ بِاللَّفْظِ الَّذِي يَحْضُرُهُ مِنَ الْمُرَادِفَاتِ تَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُحِيطُوا بِالْمَعْنَى، وَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ فَقِيلَ الْمُرَادُ بِالسَّبْعَةِ حَقِيقَةُ الْعَدَدِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ فَيَكُونُ تَحْدِيدًا لِلرُّخْصَةِ بِأَنْ لَا يَتَجَاوَزَ سَبْعَةَ مُرَادِفَاتٍ أَوْ سَبْعَ لَهَجَاتٍ أَيْ مِنْ سَبْعِ لُغَاتٍ إِذْ لَا يَسْتَقِيمُ غَيْرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى فِي كَلِمَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سِتَّةُ مُرَادِفَاتٍ أَصْلًا، وَلَا فِي كَلِمَةٍ أَنْ يَكُونَ فِيهَا سَبْعُ لَهَجَاتٍ إِلَّا كَلِمَاتٍ قَلِيلَةً مثل أُفٍّ [الْإِسْرَاء: 23] وجِبْرِيلَ [الْبَقَرَة: 98] وأَرْجِهْ [الْأَعْرَاف: 111] .

وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ اللُّغَاتِ السَّبْعِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالْبَاقِلَّانِيُّ هِيَ مِنْ عُمُومِ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَهُمْ: قُرَيْشٌ، وَهُذَيْلٌ، وَتَيْمُ الرِّبَابِ، وَالْأَزْدُ، وَرَبِيعَةُ، وَهَوَازِنُ، وَسَعْدُ بْنُ بَكْرٍ مِنْ هَوَازِنَ، وَبَعْضُهُمْ يَعُدُّ قُرَيْشًا، وَبَنِي دَارِمَ، وَالْعُلْيَا مِنْ هَوَازِنَ وَهُمْ سَعْدُ بْنُ بَكْرٍ، وَجُشَمُ ابْن بَكْرٍ، وَنَصْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَثَقِيفٌ، قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ أَفْصَحُ الْعَرَبِ عُلْيَا هَوَازِنَ وَسُفْلَى تَمِيمٍ وَهُمْ بَنُو دَارِمَ. وَبَعْضُهُمْ يَعُدُّ خُزَاعَةَ وَيَطْرَحُ تَمِيمًا، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ هِيَ لُغَاتُ قَبَائِلَ مِنْ مُضَرَ وَهُمْ قُرَيْشٌ وَهُذَيْلٌ وَكِنَانَةُ وَقَيْسٌ وَضَبَّةُ وَتَيْمُ الرِّبَابِ، وَأَسَدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، وَكُلُّهَا مِنْ مُضَرَ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: لِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عِيَاضٌ أَنَّ الْعَدَدَ غَيْرُ مُرَادٍ بِهِ حَقِيقَتُهُ، بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّعَدُّدِ وَالتَّوَسُّعِ، وَكَذَلِكَ الْمُرَادِفَاتُ وَلَوْ مِنْ لُغَةٍ وَاحِدَةٍ كَقَوْلِهِ: كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [القارعة: 5] وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ (كَالصُّوفِ الْمَنْفُوشِ)، وَقَرَأَ أُبَيٌّ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ [الْبَقَرَة: 20] مَرُّوا فِيهِ- سَعَوْا فِيهِ، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ- أَخِّرُونَا- أَمْهِلُونَا، وَأَقْرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَجُلًا: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ [الدُّخان: 43، 44] فَقَالَ الرَّجُلُ طَعَامَ الْيَتِيمِ، فَأَعَادَ لَهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقُولَ الْأَثِيمَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَتَسْتَطِيعُ أَنْ

تَقُولَ طَعَامَ الْفَاجِرِ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ فَاقْرَأْ كَذَلِكَ، وَقَدِ اخْتَلَفَ عُمَرُ وَهِشَامُ بْنُ حَكِيمٍ وَلُغَتُهُمَا وَاحِدَةٌ.

ص: 57

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ التَّوْسِعَةُ فِي نَحْوِ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً [النِّسَاء: 148] أَنْ يَقْرَأَ عَلِيمًا حَكِيمًا مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْمُنَاسَبَةِ كَذِكْرِهِ عَقِبَ آيَةِ عَذَابٍ أَنْ يَقُولَ: «وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» أَوْ عَكْسَهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.

وَأَمَّا الَّذِينَ اعْتَبَرُوا الْحَدِيثَ مُحْكَمًا غَيْرَ مَنْسُوخٍ فَقَدْ ذَهَبُوا فِي تَأْوِيلِهِ مَذَاهِبَ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأَحْرُفِ أَنْوَاعُ أَغْرَاضِ الْقُرْآنِ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، أَوْ أَنْوَاعُ كَلَامِهِ كَالْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ، وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. أَوْ أَنْوَاعُ دَلَالَتِهِ كَالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَالظَّاهِرِ وَالْمُؤَوَّلِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُنَاسِبُ سِيَاقَ الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِلَافِ رِوَايَاتِهِ مِنْ قَصْدِ التَّوْسِعَةِ وَالرُّخْصَةِ. وَقَدْ تَكَلَّفَ هَؤُلَاءُ حَصْرَ مَا زَعَمُوهُ مِنَ الْأَغْرَاضِ وَنَحْوِهَا فِي سَبْعَةٍ فَذَكَرُوا كَلَامًا لَا يَسْلَمُ مِنَ النَّقْضِ.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدٍ وَثَعْلَبٌ وَالْأَزْهَرِيُّ وَعُزِيَ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ أُنْزِلَ مُشْتَمِلًا عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ مَبْثُوثَةٍ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ لَكِنْ لَا عَلَى تَخْيِيرِ الْقَارِئِ، وَذَهَبُوا فِي تَعْيِينِهَا إِلَى نَحْوِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَائِلُونَ بِالنَّسْخِ إِلَّا أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي أَنَّ الْأَوَّلِينَ ذَهَبُوا إِلَى تَخْيِيرِ الْقَارِئِ فِي الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، وَهَؤُلَاءِ أَرَادُوا أَنَّ الْقُرْآنَ مَبْثُوثَةٌ فِيهِ كَلِمَاتٌ مِنْ تِلْكَ اللُّغَاتِ، لَكِنْ عَلَى وَجْهِ التَّعْيِينِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا سَمِعْتُ السِّكِّينَ إِلَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً [يُوسُف: 31] مَا كُنَّا نَقُولُ إِلَّا الْمُدْيَةَ (1)، وَفِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا من النَّبِي فِي قِصَّةِ حُكْمِ سُلَيْمَانَ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ قَوْلِ سُلَيْمَانَ:(ايْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَقْطَعْهُ بَيْنَكُمَا) ، وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يُلَاقِي مَسَاقَ الْحَدِيثِ مِنَ التَّوْسِعَةِ، وَلَا يَسْتَقِيمُ مِنْ جِهَةِ الْعَدَدِ لِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ ذَكَرُوا أَنَّ فِي الْقُرْآنِ كَلِمَاتٍ كَثِيرَةً مِنْ لُغَاتِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَأَنْهَاهَا السُّيُوطِيُّ نَقْلًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْوَاسِطِيِّ إِلَى خَمْسِينَ لُغَةٍ.

وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْأَحْرُفِ لَهَجَاتُ الْعَرَبِ فِي كَيْفِيَّاتِ النُّطْقِ كَالْفَتْحِ وَالْإِمَالَةِ، وَالْمَدِّ وَالْقَصْرِ، وَالْهَمْزِ وَالتَّخْفِيفِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ لِلْعَرَبِ مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ، وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ لمن تقدّمنا، وَهنا لَك أَجْوِبَةٌ أُخْرَى

ضَعِيفَةٌ لَا يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ التَّعْرِيجُ عَلَيْهَا وَقَدْ أَنْهَى بَعْضُهُمْ جُمْلَةَ الْأَجْوِبَةِ إِلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ جَوَابًا.

(1) رَوَاهُ ابْن وهب عَن مَالك، وَهُوَ فِي أَحَادِيث ابْن وهب عَنهُ فِي جَامع الْعُتْبِيَّة.

ص: 58

وَعِنْدِي أَنَّهُ إِنْ كَانَ حَدِيثُ عُمَرَ وَهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ قَدْ حَسُنَ إِفْصَاحُ رَاوِيهِ عَنْ مَقْصِدِ عُمَرَ فِيمَا حَدَّثَ بِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ مَرْوِيًّا بِالْمَعْنَى مَعَ إِخْلَالٍ بِالْمَقْصُودِ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى تَرْتِيبِ آيِ السُّوَرِ بِأَنْ يَكُونَ هِشَامٌ قَرَأَ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ التَّرْتِيبِ الَّذِي قَرَأَ بِهِ عُمَرُ فَتَكُونُ تِلْكَ رُخْصَةً لَهُمْ فِي أَنْ يَحْفَظُوا سُوَرَ الْقُرْآنِ بِدُونِ تَعْيِينِ تَرْتِيبِ الْآيَاتِ مِنَ السُّورَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبَاقِلَّانِيُّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ تَرْتِيبُ السُّوَرِ مِنِ اجْتِهَادِ الصَّحَابَةِ كَمَا يَأْتِي فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّامِنَةِ. فَعَلَى رَأْيِنَا هَذَا تَكُونُ هَذِهِ رُخْصَةً. ثُمَّ لَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَتَوَخَّوْنَ بِقِرَاءَتِهِمْ مُوَافَقَةَ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ تَرْتِيبُ الْمُصْحَفِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى نَحْوِ الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي عَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِزَوَالِ مُوجِبِ الرُّخْصَةِ.

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ الْمُرَادَ بِالسَّبْعِ فِي الْحَدِيثِ مَا يُطَابِقُ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ الَّتِي اشْتُهِرَتْ بَيْنَ أَهْلِ فَنِّ الْقرَاءَات، وَذَلِكَ غلظ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا قَالَ أَبُو شَامَةَ، فَإِنَّ انْحِصَارَ الْقِرَاءَاتِ فِي سَبْعٍ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ حَصَلَ إِمَّا بِدُونِ قَصْدٍ أَوْ بِقَصْدِ التَّيَمُّنِ بِعَدَدِ السَّبْعَةِ أَوْ بِقَصْدِ إِيهَامِ أَنَّ هَذِهِ السَّبْعَةَ هِيَ الْمُرَادَةُ مِنَ الْحَدِيثِ تَنْوِيهًا بِشَأْنِهَا بَيْنَ الْعَامَّةِ، وَنَقَلَ السُّيُوطِيُّ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ ابْن عَمَّارٍ أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ فَعَلَ جَاعِلُ عَدَدِ الْقِرَاءَاتِ سَبْعًا مَا لَا يَنْبَغِي، وَأَشْكَلَ بِهِ الْأَمْرُ عَلَى الْعَامَّةِ إِذْ أَوْهَمَهُمْ أَنَّ هَذِهِ السَّبْعَةَ هِيَ الْمُرَادَةُ فِي الْحَدِيثِ، وَلَيْتَ جَامِعَهَا نَقَصَ عَنِ السَّبْعَةِ أَوْ زَادَ عَلَيْهَا.

قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ جُبَيْرٍ الْمَكِّيُّ- وَهُوَ قَبْلَ ابْنِ مُجَاهِدٍ- كِتَابًا فِي الْقِرَاءَاتِ فَاقْتَصَرَ عَلَى خَمْسَةِ أَئِمَّةٍ مِنْ كل مصر إِمَامًا، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَصَاحِفَ الَّتِي أَرْسَلَهَا عُثْمَانُ إِلَى الْأَمْصَارِ كَانَتْ إِلَى خَمْسَةِ أَمْصَارٍ.

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي «الْعَوَاصِمِ» : أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الْقِرَاءَاتِ فِي سَبْعٍ ابْنُ مُجَاهِدٍ، غَيْرَ أَنَّهُ عَدَّ قِرَاءَةَ يَعْقُوبَ سَابِعًا ثُمَّ عَوَّضَهَا بِقِرَاءَةِ الْكِسَائِيِّ، قَالَ السُّيُوطِيُّ وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثِمِائَةِ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ يَعْقُوبَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الصَّحِيحَةِ مِثْلَ بَقِيَّةِ السَّبْعَةِ، وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْبَةَ، وَإِذْ قَدْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْقُرَّاءِ سَابِقًا عَلَى تَدْوِينِ الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَكَانَ هُوَ الدَّاعِيَ لِجَمْعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ

تَعَيَّنَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ لَمْ يَكُنْ نَاشِئًا عَنِ الِاجْتِهَادِ فِي قِرَاءَةِ أَلْفَاظِ الْمُصْحَفِ فِيمَا عَدَا اللَّهَجَاتِ.

ص: 59