الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجواب: كلاهما مخطيء بإطلاق هذه العبارة؛ بل الصواب أن الدعاء بالمعصية لا تُرجى إِجابتُه، والدعاء بالطاعة ترجى إِجابتُه، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعةِ رحِم ما لم يَستعجل؛ قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت فلم يُستجب لي، فيتحسر عند ذلك ويدَعُ الدعاء"(1).
جواز التفاضل بين الأنبياء
3 -
مسألة: رجلان، قال أحدهما: إِن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضلُ الأنبياء وأشرفُهم، وقال الآخر: هذا الكلام لا يجوز، وهذا اعتقاد باطل، وقال: لا يجوز تفضيلُ بعض الأنبياء على بعض، فأيُهما المصيبُ، هل يُعزر واحدٌ منهما على هذا القول؟.
الجواب: هذا الذي اعتقده الأول هو الصواب، وهو اعتقاد المسلمين، وقد تظاهرت الدلائلُ على تفضيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
(1) عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطُهور والدعاء". رواه أبو داود بإسناد صحيح.
والاعتداء: هو مجاوزة الحد.
ففي الوضوء: يكون في الزيادة على الثلاث، أو الإسراف في الماء مطلقًا.
وفي الدعاء: يكون بطلب المستحيل البعيد: كطلب درجة الأنبياء، أو بمال كثير لا يتأتى حصولهُ
بالنسبة لأمثاله، أو بأن يرفع صوته بالدعاء، أو يدعو بإثم، بان يوفق لنواله، والحصول عليه.
أو يقطعه عن رحم قريب يجب وصله وغير ذلك. اهـ. محمد.
وأما الرجل الثاني: فمخطىء في كل ما قاله، وعليه التعزير في قوله، ولا يجوز الكلام في هذا، ولا التفضيل؛ إِلا أن يكون جاهلًا لا يعلم قولَ الله تعالى:{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (1)، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} (2)، وفي الحديث الصحيح المشهور: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "انا سَيّدُ ولدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ"، وأما الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تفَضِّلُوا بينَ الأنبياء"، فأجاب العلماء عنه بخمسة أجوبة مشهورة:
1 -
أحدها: أنه صلى الله عليه وسلم نهى قبل أن يعلم أنه أفضلُهم، فلما علم قال:"أنَا سَيّدُ ولدِ آدَمَ".
2 -
والثاني: أنه نهى عن تفضيلٍ يؤدي إِلى الخصومة، كما ثبت في الصحيح في سبب هذا الحديث من لطم المسلم اليهودي.
3 -
والثالث: نهى عن تفضيلٍ يؤدي إِلى تنقيص بعضهم لا كل
تفضيل، ويؤيد هذا قوله تعالى:{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} (3).
4 -
والرابع: قاله تواضعًا.
5 -
والخامس: نهى عن التفضيل في نفس النبوة، لا في ذوات الأنبياء، وعموم رسالاتهم، وزيادة خصائصهم (4)"والله أعلم".
* * *
(1) سورة البقرة: الآية 253.
(2)
سورة الإسراء: الآية 55.
(3)
سورة الإسراء: الآية 55.
(4)
أجمعت الأمة على أن بعض الأنبياء أفضل من بعض، وعلى أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضل من الكل ويدل عليه وجوه:
أحدها: قوله سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} . سورة الأنبياء: الآية 107، فلما كان رحمةً لكل العالمين لزم أن يكون أفضلَ من كل العالمين. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الحجة الثانية: قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} . سورة الشرح: الآية 4، فقيل فيه: لأنه قرن ذكر محمد بذكره: في كلمة الشهادة، وفي الأذان، وفي التشهد؛ ولم يكن ذكر سائر الأنبياء كذلك.
الحجة الثالثة: أنه تعالى قرن:
1 -
طاعته بطاعته فقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} . (سورة النساء: الآية 80).
2 -
وبيعته ببيعته فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} . (سورة الفتح: الآية 10).
3 -
وعزته بعزته فقال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ} . (سورة المنافقون: الآية 8).
4 -
ورضاه برضاه فقال: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} .
5 -
وإجابته بإجابته فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} (سورة الأنفال: الآية 24).
الحجة الرابعة: أنه تعالى أمر محمدًا بأن يتحدى بكل سورة من القرآن فقال: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} . (سورة البقرة: الآية 23).
وَأقصرُ السور سورةُ الكوثر وهي ثلاث آيات. وكان الله تحداهم بكل ثلات آيات من القرآن، ولما كان القرآن ستةَ آلافِ آية، لزم أن يكون معجزُ القرآن معجزًا واحدًا بل يكون ألفي معجزة وأزيد.
وإذا ثبت هذا فنقول: إن الله سبحانه ذكر تشريف موسى بتسع آيات بينات؛ فلأن يحصل التشريف لمحمد بهذه الآيات الكثيرة كان أولى.
الحجة الخامسة: أن معجزة رسولنا صلى الله عليه وسلم أفضلُ من معجزات سائر الأنبياء، فوجب أن يكون رسولنا أفضل من سائر الأنبياء.
الحجة السادسة: أنه عليه الصلاة والسلام خاتمُ الرسل، فوجب أن يكون أفضلَ؛ لأن نسخ الفاضل بالمفضول، قبيح في المعقول.
الحجة السابعة: أن دين محمد عليه الصلاة والسلام أفضلُ الأديان، فيلزم أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء. اهـ. باختصار من تفسير الفخر الرازي: جـ 6/ 194. وفيه كلام "نفيس" فجزاه الله خيرًا ورحمه.