الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله على كثير فضله وعظيم آلائه، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم رسله وأنبيائه.
وبعد:
فمنذ سنوات غير قليلة، بل منذ أن أقرت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تدريس موضوع (تخريج الفروع على الأصول) على طلبة الدراسات العليا، وأنا أقوم بتدريس هذه المادة، وحينما بدأت لم يكن هناك منهج محدد، ولا معالم معينة لهذا الموضوع، وقد قمت بالاتصال بجهات عدة، وبذلت جهوداً شخصية لدى عدد من أساتذة الجامعات الإسلامية، وطلبة الدراسات العليا فيها، ممن كان لهم سبق زمني في إقرار تدريس هذه المادة، فلم أظفر من ذلك بطائل، ولا وجدت ما يشفي الغليل، لكني وجدت أنّ منهج الدراسات العليا في جامعة أم القرى، اشتمل على أمرين:
الأمر الأول: كان يضم تمهيداً في التعريف بعلم تخريج الفروع على الأصول، وأهميته، ونشأته وتطوره ومصادره والتعريف بها، وعلاقة هذا العلم بعلم الأصول، والفرق بينه وبين علمي الأشباه والنظائر والفروق.
كما ضم البحث عن أسباب الاختلاف في الفروع.
والأمر الثاني: كان قسماً تطبيقياً يتضمن دراسة عدد من الموضوعات، منها ما هو قواعد مختلف فيها، ومنها ما هي أدلة مختلف فيها.
ولم أردت أن أعرف طبيعة ما درس في موضوعات الأمر الأول، لم
أجد هناك مادة مدروسة تحدد العلم، وتبين نطاقه ومشتملاته، ولهذا فقد اتخذت من تصوراتي منطلقاً لبيان أبعاد هذا الموضوع. وكانت هذه التصورات في بداية الأمر، محدودة، تقتصر على تخريج الفروع على الأصول، متخذة من منهج الزنجاني، وتصوراته مثالاً يحتذى، غير أني لاحت عند ممارستي تدريس هذا العلم، والنظر في جوانبه المختلفة، أن نطاق التخريج أوسع من ذلك، وتكشفت لي خلال سنوات التدريس قضايا كثيرة، اضطررت معها إلى تغيير خطتي التدريسية، وإلى تنويع التخريج بحسب نتائجه وأصوله التي استند إليها، فتميزت لديّ ثلاثة أنواع من التخريج، هي:
الأول: تخريج الأصول من الفروع، وهو الأساس في تأسيس أصول فقه الأئمة الذين لم يدونوا أصولاً، ولم ينصوا على قواعدهم في الاستنباط، أو نصوا على قسم منها، ولم ينقل عنهم شيء بشأن قسمها الآخر.
الثاني: تخريج الفروع على الأصول، وهو النمط الظاهر في كتاب تخريج الفروع على الأصول للزنجاني، وما أشبهه من الكتب التي نحت هذا المنحى.
الثالث: تخريج الفروع على الفروع، وهو النوع الذي حظي بعناية الفقهاء والأصوليين أكثر من غيره، سواء كان في الكتب المفردة عن الافتاء، أو في الكتب الأصولية في مباحث الاجتهاد والتقليد، أو في مواضع منثورة من كتب الفقهاء.
ولم أجد دراسة نظرية تؤصل علم التخريج، وتبين لنا حدوده ومعالمه، ولكني أشيد بما نشره الزميل د/ عياض بن نامي السلمي في بحثه المنشور في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (1)، بعنوان: 0تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهد من أقوال) ولكنه لم يبحث إلا في النوع الثالث من
(1) العدد 7 سنة 1413هـ/1992م.
التخريج، مقتصراً على بحث صحة نسبة الأقوال المخرجة إلى الأئمة، دون أن يوضح معالم هذا العلم، ولكنه كان لبنة قيمة في هذا المجال.
وقد أدى هذا التصور للتخريج أن أجري طائفة من التغييرات على ما كنت أعده من محاضرات بهذا الشأن، وعدلت فيما كنت أطرحه من آراء، فأصبحت أنظر إلى التخريج على أنه أنواع من العلوم، يشملها جنس واحد هو التخريج.
ومن الملاحظ أن الأنواع الثلاثة من التخريج التي ذكرتها آنفاً تمثل نوعين متعاكسين من التخريج، أحدهما يتجه إلى تخريج القواعد والضوابط الكلية من الفروع والجزئيات، وثانيهما يتجه، على العكس من ذلك، إلى تخريج الفروع والجزئيات، إما ببنائها على القواعد الكلية، أو ببنائها على جزئيات مثلها.
ولما استقر ذلك عندي، بدا لي أن أضيف إليه أمراً ذا صلة بالتخريج، هو صفات المجتهد وشروط العلماء الذين يقومون به، ومنزلتهم بين طبقات الفقهاء، ومراتب الأقوال التي يخرجونها، وتسميتها وصفاتها.
وتحت إلحاح الكثيرين من أخواني الأساتذة والعلماء، ومن أبنائي طلبة الدراسات العليا، رأيت إخراج ما تجمع لدي من معلومات عن هذا العلم، مع ثقتي بأنه في حاجة إلى زيادة تنقيح، وربما إلى إضافة ما يمكن أن يدخل في نطاقه. على أنه مهما يكن من أمر، فقد بذلت جهداً غير قليل في تأصيل هذا العلم، وإقامته على سوقه، وربما كانت هذه أول دراسة تأصيلية نظرية تطبيقية له. ولهذا فإن الباحث في حاجة إلى معرفة وجهات نظر العلماء وملحوظاتهم، من أجل تقويم هذا البحث وتلافي ما فيه من هنات.
وقد رتبت هذا البحث على تمهيد وبابين وخاتمة.
التمهيد: في تعريف التخريج لغة واصطلاحاً وبيان أنواعه.
الباب الأول: في أنواع التخريج، ويشتمل على ثلاثة فصول:-
الفصل الأول: في تخريج الأصول من الفروع.
الفصل الثاني: في تخريج الفروع على الأصول.
الفصل الثالث: في تخريج الفروع على الفروع.
الباب الثاني: ويشتمل على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: في مراتب المخرجين بين طبقات الفقهاء.
الفصل الثاني: في شروط وصفات علماء التخريج.
الفصل الثالث: في أنواع الأحكام المخرجة وصفاتها.
والخاتمة: في ذكر أحكام بعض الوقائع المعاصرة المخرجة على أصول وفروع الأئمة.
هذا والله أسأل أن يسدد على طريق الحق خطاي، وأن يلهمني، في ما أذهب إليه، الصواب .. وأن يريني الحق حقاً ويرزقني اتباعه، وأن يريني الباطل باطلاً ويرزقني اجتنابه.
وصلى الله على نبينا محمد
…