الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بل جواز ترك بعض الآراء والأخذ ببعضها الآخر، وذلك عند الاختلاف لا عند الاتفاق.
الفرع الثاني: طرق معرفة النصوص
لمعرفة نصوص الأئمة، أي الأقوال الصادرة عنهم، طريقان (1):
الطريق الأول:
مؤلفاتهم المنسوبة إليهم
، والمروية عنهم بطريق صحيح، سواء كانت كتباً، أو رسائل، كالموطأ الذي ألفه الإمام مالك، فإنه، وإن كان كتاب حديث ممحص بالسند والمتن، إلا أنه يشتمل على رأي مالك في كثير من المسائل الفقهية (2). وككتاب الأم المنسوب إلى الشافعي على ما هو الراجح في الأمر (3). وكالأمالي الكبرى والإملاء الصغير وغيرها. وكالكتب التي ألفها محمد بن الحسن الشيباني المبينة لوجهة نظره، ونظر أساتذته وزملائه، في المسائل الفقهية، وكالمنقول عن الإمام أحمد رحمه الله.
وهذا الطريق يُعد أفضل ما يمثل رأي الإمام، إن نقل عنه بطريق صحيح، ومثل ذلك لا إشكال في صحة نسبته إليه، سواء كان رأياً مبتدأ، أو مختاراً من آراء من سبقه (4). أما إذا كان ما يذكره نقلاً للأقوال السابقة، فهو لا يخلو إما أن ينقله مؤيداً، أو ينقله رافضاً وناقداً له، أو ينقله من دون تعليق عليه، لا بالموافقة ولا بالرفض. فما أيده مما نقله تصح نسبته إليه، وما رده ولم يقبله لا تصح نسبته إليه، وما نقله دون تعليق فهو مما يحتمل. ولهذا فلا تصح نسبته إليه قبل البحث فيما نقل عن الإمام من رأي في المسألة في
(1) لاحظ في ذلك: مالك حياته وعصره- آراؤه وفقهه للشيخ محمد أبو زهرة ص 168.
(2)
المصدر السابق.
(3)
الشافعي: حياته وعصره - آراؤه وفقهه للشيخ محمد أبو زهرة ص 163.
(4)
يبدو من كلام السرخسي في أصوله (1/ 378) أن هناك طائفة تنازع في جواز نسبة ذلك إلى الأئمة، بأن يقال: قال فلان كذا أو مذهب فلان كذا، من غير أن يقول حدثني أو أخبرني، وقد اتهمهم بالجهل ورد عليهم.
مواضع أخرى، تكشف عن رأيه فيها.
على أن هذا يقودنا إلى إجابات الإمام بنصوص من الكتاب والسنة أو الآثار المروية عن الصحابة.
أما ذكره نص الكتاب في المسألة فهذا دليل على أنه رأيه، وأنه ينسب إليه، وأنه ذكره على أنه بيان موجب القضية المسؤول عنها (1). والدليل على ذلك منهج النبي صلى الله عليه وسلم ففي قضية اللعان، قال للرامي: البينة أو جد في ظهرك، فلما أنزل الله آية اللعان (2) دعاه صلى الله عليه وسلم وأمر بقراءة الآية، مبيناً أن ذلك هو الحكم، وكذلك قصة المجادلة التي شكت زوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة الظهار، فلما نزل قوله تعالى:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} (3) دعاهما صلى الله عليه وسلم وقرأ عليهما الآية (4)، وغير ذلك كثير من الشواهد.
وأما الجواب بالسنة فهو كنص الفتوى، ومعنى ذلك أنه تصح نسبة ما تضمنته السنة إلى الإمام (5). وقد روي عن الإمام أحمد- رحمه الله كثير من تلك الإجابات، وطريق تصحيح تلك النسبة أن الصحابة تمسكت بذلك، وتعلقت بالأخبار، وأفتت بموجبها. قال ابن حامد: (وقد بينت أيضاً أن الفقيه إذا سُئل عن حكم فأفتى بالخبر، فإنه إيذان ببيان الحكم، لا أنه لم
(1) تهذيب الأجوبة ص19، والمسودة ص 530، والإنصاف للمرداوي 12/ 250.
(2)
الآيات 6 و7 و8 و9 من سورة النور. ونصها: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الكاذبين. والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) ولاحظ حديث الملاعنة في نيل الأوطار 6/ 267.
(3)
المجادلة الآيات 1و 2و 3و4.
(4)
تهذيب الأجوبة ص 19و 20 ولاح حديث خولة بنت مالك مع زوجها أوس بن الصامت بشأن الظهار في نيل الأوطار 6/ 262، وفتح الباري 9/ 432 - 435.
(5)
تهذيب الأجوبة ص19 والمسودة ص 530.
يتبين عن الحكم، فإذا ثبت هذا علمت بذلك صحة ما ذكره، ولا أعلم في هذا خلافاً إلا شيء شذ به بعض المتأخرين) (1).
ووجهة هؤلاء المخالفين الذين ذكرهم ابن حامد، ممن رفضوا عد ذكر الخبر مذهباً، ومنعوا صحة نسبته إليه، تستند إلى أمرين:
1 -
أن الإمام المجتهد قد يرد الخبر ولا يقبله.
2 -
أنه قد يفسره بما يخالف ظاهره.
لكن هذين الأمرين مدفوعان، ولا يصلحان حجة تبرر ما ذهبوا إليه، أما ما ذكر بشأن احتمال رد الخبر فهو غير وارد، لأن من شأن الفتوى إيصال حكم المسألة إلى السائل، فإذا اقتصر المفتي على ذكر الأثر دل ذلك على استقرار الجواب بأنه غير منازع، أما التفسير بخلاف الظاهر فإنه لا يضر، وإن التفسير يترتب على ما يثار من أسئلة، فإن لم تكن وجب إجراء مذهبه بحسب الظاهر، وإن وجدت فتفسيره مذهبه. وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الأضاحي فقال، يأكل، فقال له: يأكلها كلها فقال: لا، يأكل ثلثاً (2).
أما روايته قول بعض الصحابة، وإجابته عن المسألة به، فإن معظم أصولي الحنابلة يعدونه قولاً للإمام، ويصححون نسبته إليه، وهذا مبني على أن قول الصحابي عنده حجة على أصح الروايتين عنه (3). وأما إذا ذكر عن الصحابة في المسألة أكثر من قول، فمذهبه الذي يعد بمثابة النص هو ما رجحه أو اختاره أو حسنه، وما لم يبدر منه شيء من ذلك فإن العلماء اختلفوا فيما بينهم فيه، فمنهم من قال إن مذهبه أقرب تلك الأقوال من الكتاب أو السنة أو الإجماع، ومنهم من قال لا مذهب له فيها عيناً (4)، وبوجه
(1) تهذيب الأجوبة ص 23.
(2)
تهذيب الأجوبة ص 23 و 24.
(3)
المسودة ص 530، قاعدة جامعة في ذيل الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 12/ 250.
(4)
المصدران السابقان.