الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
في تقسيمات أخر
وقد أدلى طائفة من العلماء بدلوهم في هذا المجال، وتقسيماتهم لا تعدو أن تكون تكراراً، لما ذكره ابن الصلاح، مع تعديلات يسيرة، ليست ذات أثر في هذا المجال.
أ- فمن هؤلاء ابن قيم الجوزية (ت 751هـ)(1)، الذي جعل الذين نصبوا أنفسهم للفتوى أربعة أقسام، هي المجتهد المطلق، والمجتهد المقيد في مذهب من ائتم به، والمجتهد في مذهب من انتسب إليه، والمقلد تقليداً محضاً (2). وهو بهذا اتبع منهج ابن الصلاح، لكنه طوى إحدى الطبقات وأدخلها في الطبقة التي قبلها، إذ جعل أهل التخريج، وهم أصحاب الوجوه والطرق، وأهل الترجيح، طبقة واحدة، هي طبقة المجتهد في مذهب من انتسب إليه، وسمى أهل الفتوى، المقلدين تقليداً محضاً.
(1) هو أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي ثم الدمشقي الحنبلي. من فقهاء الحنابلة وأصولييهم ومجتهديهم البارزين. وكان إلى جانب ذلك مفسراً ومتكلماً ونحوياً ومحدثاً ومشاركاً في علوم كثيرة. لازم الإمام ابن تيمية وأخذ عنه العلم، وسجن معه في قلعة دمشق. توفي سنة 751هـ ودفن في سفح جبل قاسيون بدمشق.
من مؤلفاته: أعلام الموقعين عن رب العالمين، وزاد المعاد في هدي خير العباد، وإغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، والطرق الحكمية، وكتبه كثيرة بالمئات.
انظر في ترجمته: الذيل على طبقات الحنابلة 2/ 447، والدرر الكامنة 5/ 137، وشذرات الذهب 6/ 168، ومعجم المؤلفين 9/ 106، وهدية العارفين 2/ 158، وقد كتبت عن حياته وعن فقهه وعن جوانبه العلمية الأخرى طائفة من الكتب.
(2)
أعلام الموقعين 4/ 184و 185.
ب- ومن أولئك العلماء أيضاً عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي الشنقيطي (ت 1235هـ)(1) فقد ذكر في منظومته مراقي السعود وشرحها نشر البنود، مراتب العلماء على الوجه الآتي:
1 -
المجتهد المطلق.
2 -
المجتهد المقيد وجعله قسمين:
أ- مجتهد المذهب، وهو الذي يقوم بتخريج الوجوه على نصوص إمامه أو قواعده (2).
ب- مجتهد الفتيا وهو المتبحر في مذهب إمامه المتمكن من ترجيح قول على آخر.
3 -
حافظ المذهب، الذي ليس من الاجتهاد على شيء، ولكنه يقوم بحفظ المذهب وفهمه في الواضحات والمشكلات ومعرفة عامه وخاصة ومطلقه ومقيده.
ويفهم من كلامه أنه تابع ابن الصلاح، إذ مآل الطبقات عنده خمس، لأن المجتهد المطلق عنده لا بد أن يشمل تلاميذ الأئمة، فيكون المطلق عنده قسمين مستقلاً وغير مستقل، وذلك لأنه لم يجعل بين المطلق والمخرج طبقة
(1) هو أبو محمد عبد الله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي، من فقهاء المالكية المعاصرين. علوي النسب من غير أبناء فاطمة. طلب العلم في المدن والصحارى، وأقام بفاس وحج وعاد إلى بلاده فتوفي فيها سنة 1235هـ.
من مؤلفاته: نشر البنود في شرح مراقي السعود، فوح الأقاح منظومة في علم البيان وشرحها فيض الفتاح، وطلعة الأنواع منظومة في مصطلح الحديث.
راجع في ترجمته: الأعلام 4/ 65.
(2)
أجاز اللخمي التخريج على قواعد ليست لإمامه، وقد عاب المالكية عليه ذلك، حتى قال ابن غازي (ت 919هـ).
لقد مزقت قلبي سهام جفونها
…
كما مزق اللخمي مذهب مالك
انظر قواعد المقري 1/ 350 والحاشية (2) للمحقق. ونشر البنود 2/ 322، ونيل الابتهاج ص 334.
أدنى من المستقل ولا أعلى من المخرجين، فيفهم من ذلك أن المطلق عنده يشمل طبقتين، يضاف إليهما الطبقات الثلاث التي ذكرها فيما بعد (1).
خاتمة
ومن خلال استعراضنا أهم وجهات النظر في طبقات الفقهاء، نجد أن أصحاب هذه الوجهات متفقون على أن أهل التخريج يعدون من المجتهدين، وما جاء في تقسيم ابن كمال باشا من جعل الطبقة الرابعة طبقة أهل التخريج ونعتهم بأنهم من المقلدين لم يكن معنياً به المخرجين الذين نحن بصدد الكلام عنهم، بل المخرجون الذين هم موضوع بحثنا هم الذين ذكرهم في الطبقة الثالثة وسماهم طبقة المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب.
أما ابن الصلاح وابن حمدان ومن سار على منهجهما فقد صرحوا بذلك، وأطلقوا على المخرج (مجتهد المذهب) و (مجتهد التخريج) و (أصحاب الوجوه والطرق).
ولكن ينبغي أن يكون واضحاً أنه لا بد من تقييد نوع الاجتهاد عندهم، لأن المتبادر من الاجتهاد هو استنباط الحكم الشرعي من مصادره، وأقوال الأئمة أو قواعدهم ليست مصادر للحكم الشرعي، وما يتوصل إليه المخرجون هو مقتضى أقوال وقواعد الأئمة في المسائل التي لم يرد عنهم فيها نص. ليس غير. فهم مجتهدون من حيث القدرة على الاستنباط، ومقلدون من وجه من حيث استنادهم إلى نصوص الأئمة وقواعدهم، لا إلى الدليل الشرعي.
(1) نشر البنود على مراقي السعود لسيدي عبد الله بن إبراهيم العلوي 2/ 321 - 323.