الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
تقسيم وترتيب ابن كمال باشا
(ت 940هـ)
جعل ابن كمال باشا الفقهاء سبع طبقات، وذلك في رسالته المسماة طبقات الفقهاء (1) أو طبقات المجتهدين في مذهب الحنفية، كما جاء في كشف الظنون (2). وهذه الطبقات هي:
1 -
الطبقة الأولى: طبقة المجتهدين في الشرع، كالأئمة الأربعة، ومن سلك مسلكهم في تأسيس قواعد الأصول واستنباط أحكام الفروع من الأدلة الأربعة، ومن غير تقليد لا في الفروع ولا في الأصول.
2 -
الطبقة الثانية: طبقة المجتهدين في المذهب، كأبي يوسف ومحمد بن الحسن وسائر أصحاب أبي حنيفة، القادرين على استخراج الأحكام من الأدلة الأربعة- أي الكتاب والسنة والإجماع والقياس- على حسب القواعد التي قررها أستاذهم، فهم، وإن خالفوه في بعض أحكام الفروع، لكنهم يقلدونه في قواعد الأصول. وبذلك يمتازون عن المعارضين له في المذهب كالشافعي ونظرائه المخالفين لأبي حنيفة- رحمه الله في الأحكام، غير المقلدين له في الأصول.
3 -
الطبقة الثالثة: طبقة المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب كالخصاف (3). وأبي جعفر
(1) مخطوطة في معهد الدراسات الإسلامية العليا ببغداد. ذكر ذلك د. محمد عبد اللطيف الفرفور في كتابه الوجيز في أصول الاستنباط ص 534.
(2)
كشف الظنون ص 1106.
(3)
هو أبو بكر أحمد بن عمرو وقيل بن مهر الشيباني المعروف بالخصاف. وهو من علماء الحنفية البارزين في القرن الثالث الهجري. كان فارضاً حاسباً فقيهاً، روى عن =
الطحاوي (1). وأبي الحسن الكرخي، وشمس الأئمة الحلواني (2)، وشمس الأئمة السرخسي، وفخر الإسلام البزدوي، وفخر الدين قاضي خان (3)،
(1) = أبيه وحدث عن أبي داود الطيالسي ومسدد بن مسرهد وغيرهما. وكان مقدماً عند الخليفة المهتدي، وقد صنف له كتاب الخراج. قيل أنه كان زاهداً ورعاً يأكل من كسب يده. توفي في بغداد سنة 261هـ.
من مؤلفاته: الحيل والمخارج على مذهب أبي حنيفة، والخراج، وأدب القاضي، وأحكام الوقف والوصايا والشروط والمحاضر والسجلات وغيرها.
راجع في ترجمته: الجواهر المضية 1/ 230، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 142، وتاج التراجم ص 7، وطبقات الفقهاء لطاش كوبري زاده ص 44، ومعجم المؤلفين 2/ 35.
() هو أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الحجري الطحاوي المصري. تلقى العلم عن خاله إسماعيل بن يحيى المزني أفقه أصحاب الشافعي، وطائفة من العلماء. وسمع الحديث من خلق من المصريين والغرباء القادمين إلى مصر. ترك مذهبه وتحول إلى مذهب أبي حنيفة- رحمه الله وخرج إلى الشام وسمع عن طائفة من علمائها. كان محدثاً ثبتاً، وفقيهاً مجتهداً. قال عنه ابن يونس: لم يخلق مثله. توفي في مصر سنة 321هـ.
من مؤلفاته: العقيدة الطحاوية، ومعاني الآثار، ومشكل الآثار، وأحكام القرآن، وشرح الجامع الصغير وشرح الجامع الكبير وغيرها.
راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي ص 142، والجواهر المضية 1/ 271، وتاج التراجم ص 8، وطبقات الفقهاء لطاش كوبري زادة ص 58.
(2)
هو عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح المعروف بالحلواني نسبة إلى عمل الحلوى وبيعها، والملقب بشمس الأئمة. كان إمام الحنفية في وقته ببخارى. تفقه على جماعة من أهل عصره، منهم القاضي أبو الحسين بن الخضر النسفي وأبو الفضل الزرنجري. وتتلمذ عليه كثيرون منهم شمس الأئمة محمد أحمد السرخسي. توفي سنة 448هـ وقيل سنة 449هـ. ودفن ببخارى.
من مؤلفاته: المبسوط.
راجع في ترجمته: الجواهر المضية 2/ 429، وتاج التراجم ص 35 وطبقات الفقهاء لطاش كوبري زادة ص 70.
(3)
هو الحسن بن منصور بن أبي القاسم الأوزجندي الغرغاني المعروف بفخر الدين قاضي خان. تفقه على ابي إسحاق الصفاري، وظهير الدين المرغيناني وغيرهما. قال =
وغيرهم. فهم لا يقدرون على مخالفة الإمام لا في الأصول ولا في الفروع، لكنهم يستنبطون الأحكام في المسائل التي لا نص فيها على حسب أصول قررها، ومقتضى قواعد بسطها.
4 -
الطبقة الرابعة: طبقة أهل التخريج من المقلدين كالرازي وأضرابه، فإنهم لا يقدرون على الاجتهاد أصلاً، لكنهم لإحاطتهم بالأصول وضبطهم المآخذ، يقدرون على تفصيل قول مجمل ذي وجهين، وحكم محتمل لأمرين منقول عن صاحب المذهب، أو عن أحد أحصابه المجتهدين برأيهم، ونظرهم، في الأصول والمقايسة، على أمثاله ونظائره في الفروع، وما وقع في بعض المواضع من الهداية (1) من قوله: كذا في تخريج الكرخي، وتخريج الرازي من هذا القبيل.
5 -
الطبقة الخامسة: طبقة أصحاب الترجيح كأبي الحسن القدوري، وصاحب الهداية وأمثالهما. وشأنهم في تفضيل بعض الروايات على بعض آخر، بقولهم هذا أولى، وهذا أصح رواية، وهذا أوضح، وهذا أوفق للقياس، وهذا أرفق بالناس.
6 -
الطبقة السادسة: طبقة المقلدين القادرين على التمييز بين الأقوى والقوي والضعيف وظاهر المذهب، وظاهر الرواية، والروايات النادرة كأصحاب المتون المعتبرة من المتأخرين كصاحب الكنز (2) وصاحب
(1) = عنه الحصيري: سيدنا القاضي الإمام والأستاذ فخر الملة ركن الإسلام بقية السلف مفتي الشرق. توفي سنة 592هـ.
من مؤلفاته: الفتاوى، شرح الجامع الصغير، شرح الزيادات، شرح أدب القاضي للخصاف.
راجع في ترجمته: الجواهر المضية 2/ 93، وتاج التراجم ص 25، وشذرات الذهب 4/ 308، ومعجم المؤلفين 3/ 297.
()(هداية المهتدي شرح بداية المبتدي) من كتب الفقه الحنفي الشهيرة. من تأليف أبي الحسن علي بن أبي بكر عبد الجليل المرغيناني الملقب ببرهان الدين. توفي سنة 593هـ.
(2)
(كنز الدقائق) كتاب في الفقه الحنفي من تأليف أبي البركات عبد الله بن أحمد بن =
المختار (1) وصاحب الوقاية (2)، وصاحب المجمع (3). وشأنهم أن لا ينقلوا في كتبهم الأقوال المردودة والروايات الضعيفة.
7 -
الطبقة السابعة: طبقة المقلدين الذين لا يقدرون على ما ذكر، ولا يفرقون بين الغث والسمين، ولا يميزون الشمال من اليمين، بل يجمعون ما يجدون كحاطب ليل، فالويل لمن قدلهم كل الويل (4).
وقد اعتمد كثير من العلماء الترتيب المذكور، دون تعليق، أو ملحوظات هامة. وممن اعتمده من المتقدمين المعاصرين لابن كمال باشا، عصام الدين أبو الخير أحمد بن مصطفى المعروف بطاش كوبري زادة المتوفى سنة 968هـ، في مقدمة كتابه الموجز (طبقات الفقهاء)(5). حيث ذكر هذه الطبقات، على وفق ما جاء في كلام ابن كمال باشا، دون تعليق أو تغيير أو إشارة إلى صاحب التقسيم، ثم جاءت بنصها أيضاً في كلام ابن عابدين (ت 1252هـ) في رسالة شرح عقود رسم المفتي، وفي كتابه (رد المحتار على الدر المختار)(6) واعتمد ذلك أيضاً طائفة غير قليلة ممن كتب في تاريخ التشريع والفقه الإسلامي من المعاصرين. وبموجب الترتيب والتقسيم المذكور يكون ابن كمال باشا قد جعل الفقهاء المجتهدين ثلاث طبقات، والفقهاء المقلدين أربع طبقات، كما أنه جعل المخرجين من المقلدين وفي أعلى طبقاتهم، ولم يدخلهم في المجتهدين.
(1) = محمود المعروف بحافظ الدين النسفي. المتوفى سنة 710هـ.
()(المختار) كتاب في الفقه الحنفي من تأليف عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي المتوفى سنة 683هـ.
(2)
(وقاية الرواية في مسائل الهداية) كتاب في الفقه الحنفي من تأليف برهان الشريعة محمود بن صدر الشريعة الأول عبد الله بن إبراهيم المحبوبي المتوفى سنة 673هـ.
(3)
(مجمع البحرين وملتقى النهرين) كتاب في الفقه الحنفي من تأليف مظفر الدين أحمد بن علي بن ثعلب المعروف بابن الساعاتي البغدادي المتوفى سنة 694هـ.
(4)
شرح عقود رسم المفتي لابن عابدين 1/ 11 و 12 ورد المحتار لابن عابدين 1/ 77.
(5)
ص 7/ 10.
(6)
انظر الهامش (4).
ومن الملاحظ على وصف هذه الطبقات وبيان بعض رجالها، أنه نعت طائفة من عمالقة الفكر والفقه الحنفي بالتقليد، وبأنهم لا يقدرون على الاجتهاد أصلاً، وجعل تلاميذ الإمام أبي حنيفة المشهورين أبا يوسف ومحمد بن الحسن وغيرهما، من المجتهدين في المذهب المقلدين لإمامهم في الأصول، وإن خالفوه في بعض الفروع.
وقد أثار ذلك طائفة من متعصبي الحنفية، فحملوا على هذا التقسيم والترتيب، ونعتوا ابن كمال باشا بأنه ليس أهلاً لهذا اللقب- أي ابن الكمال- وأن بضاعته في الفقه مزجاة (1). وكان من أشد هؤلاء هارون بن بهاء الدين المرجاني (ت 1306هـ)(2) في كتابه (ناظورة الحق في فرضية العشاء، وإن لم يغب الشفق)، والشيخ محمد زاهد الكوثري (ت 1371هـ)(3) في كتابه (حسن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف
(1) الوجيز في استنباط الأحكام للدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور 2/ 539.
(2)
هو هارون بن جمال الدين القازاني الحنفي الملقب بشهاب الدين ولد في مرجان من قرى قازان في روسيا وفيها توفي سنة 1306هـ فقيه أصولي وله مشاركة في عدد آخر من العلوم.
من مؤلفاته: حزامة الحواشي لإزالة الغواشي وهي حاشيته على كتاب التوضيح لصدر الشريعة.
راجع في ترجمته: الأعلام 8/ 60، معجم المؤلفين 13/ 128.
(3)
هو الشيخ محمد زاهد بن الحسن بن علي الكوثري. من فقهاء الحنفية في العصر الحديث وهو من أصل جركسي. ولد ونشأ في قرية من قرى اسطنبول، وتفقه في جامع الفاتح، وتولى التدريس فيه ثم شغل رئاسة مجلس التدريس، ووكالة المشيخة الإسلامية، وعين أستاذاً في جامعة اسطنبول ومعهد التخصص.
ترك تركيا بعد استيلاء الكماليين عليها، وتنقل بين مصر والشام، واستقر آخر عهده في مصر، وتوفي في القاهرة سنة 1371هـ/ 1952م.
من مؤلفاته: تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب، وحسن التقاضي في سيرة أبي يوسف القاضي، والمدخل العام لعلوم القرآن، وقرة النواظر في آداب المناظر وغيرها.
راجع في ترجمته: الأعلام 6/ 129، ومعجم المؤلفين 10/ 4.
القاضي) (1) وتابعهم على ذلك د. محمد بن عبد اللطيف صالح الفرفور في كتابه (الوجيز في أصول الاستنباط)(2) وأهم ما انصب عليه النقد أمران: الأمر الأول في ترتيب الطبقات والأمر الثاني في توزيع الفقهاء عليها.
فبالنسبة إلى الأمر الأول لم يتضح فرق بين الطبقتين الخامسة والسادسة، وذلك لأن أصحاب الطبقة السادسة إن كانوا قادرين على التمييز بين الأقوى والقوي والضعيف وظاهر الرواية وظاهر المذهب والرواية النادرة، فهم من أصحاب الترجيح الذين عدهم ابن الكمال في الطبقة الخامسة، وفي كلامه عن الطبقة الرابعة قال عنهم:(طبقة أهل التخريج)، ولكنه في شرحه لعملهم لم يتضح فرفق بين عملهم وعمل أهل الطبقة الخامسة، إذ جعل عملهم تفصيل قول مجمل ذي وجهين، وحكم محتمل لأمرين، منقول عن صاحب المذهب، أو عن أحد أصحابه المجتهدين برأيهم ونظرهم في الأصول والمقايسة على أمثاله ونظائره من الفروع. وعلى هذا فهم من أهل الترجيح. والتخريج في استعمله لا يعني غير توجيه الاختيار أو الأخذ بأحد الوجهين. وأما الأمر الثاني فإنه وضع طائفة من فحول العلماء في مواضع لا تليق بهم، ونعتهم بالمقلدين، وقال عن بعضهم بأنهم لا يقدرون على الاجتهاد أصلاً، فمن ذلك أنه جعل الأئمة الثلاثة من تلامذة الإمام أبي حنيفة في طبقة المجتهدين في المذهب، وأنهم مقلدون في قواعد الأصول. ولم يسلموا له ذلك، بل عدوهم مجتهدين اجتهاداً مطلقاً، ونفوا أن يكونوا مقلدين له في الأصول. وقالوا: إن أريد بالأصول الأدلة الأربعة- أي الكتاب والسنة والإجماع والقياس-، فهذا لا وجه له، لأن هذه الأصول مستند كل الأئمة، وملجؤهم في أخذ الأحكام فلا يتصور مخالفة غيره له فيها، وإن أريد بها غير ذلك فلا يسلم له بأنهم لم يخالفوه، بل كان لكل واحد منهم أصول مختصة به، تفرد بها عن أبي حنيفة وخالفه فيها. ومن ذلك (إن
(1) الوجيز في أصول الاستنباط 2/ 553.
(2)
المصدر السابق 2/ 548.
الأصول في تخفيف النجاسة، تعارض الأدلة عند أبي حنيفة- رحمه الله واختلاف الأئمة عندهما) (1). ومما نقدوه فيه في هذا المجال كلامه عن بعض العلماء كالخصاف والكرخي والطحاوي وأبي بكر الرازي، ونعتهم بأنهم مقلدون لا يقدرون على مخالفة أبي حنيفة، لا في الأصول ولا في الفروع. فلم يسلموا له ذلك وأبانوا بأن لهم اختيارات واستنباطات بالقياس، واحتجاجات بالمعقول والمنقول، ولبعضهم كالكرخي والرازي آراء خاصة انفردوا بها عن غيرهم، يعلمها كل من درس علم الأصول (2).
وما ذكروه من ملحوظات ونقد لتقسيم وترتيب ابن كمال باشا وجيه، ولكن الأسلوب الذي اتبع، والعبارات التي استخدمت لا تليق بالنقد العلمي، ويكفي أن نذكر بعض عبارات المرجاني ليتضح ذلك. قال: (فإنه تحكمات باردة وخيالات فارغة، وكلمات لا روح لها، وألفاظ غير محصلة المعنى ولا سلف له في ذلك المدعى، ولا سبيل له في تلك الدعوى
…
إلخ) (3).
وقد تمخضت تلك الانتقادات عن اقتراحات وتعديلات في التقسيم والترتيب، نكتفي بأن نذكر منها ما يأتي:
أولاً: رأي الدهلوي:
جعل شاه ولي الله الدهلوي الفقهاء ضمن الطبقات الآتية:
1 -
طبقة المجتهدين اجتهاداً مطلقاً، وهي قسمان:
أ- طبقة المجتهدين المستقلين كالأئمة الأربعة.
(1) الوجيز في أصول الاستنباط 2/ 540 - 544 نقلاً عن كلام المرجاني في (ناظورة الحق) المنقول بالواسطة من كتاب (حسن التقاضي) للشيخ محمد زاهد الكوثري من ص 102 - 115.
هذا ومن الممكن أن نلاحظ طائفة من الأصول المختلف فيها بين أبي حنيفة وأصحابه في كتاب (تأسيس النظر) لأبي زيد الدبوسي.
(2)
المصدر السابق 2/ 544 - 548.
(3)
المصدر السابق 2/ 539.
ب- طبقة المجتهدين المنتسبين الذين أخذوا بأصول شيوخهم، مع قدرتهم على استنباط المسائل منها.
2 -
طبقة المجتهدين في المذهب، وهم المتمكنون من تخريج الأحكام على نصوص إمامهم.
3 -
طبقة مجتهدي الفتيا: وهم المتبحرون في مذهب إمامهم، المتمكنون من ترجيح قول على آخر، أو وجه على آخر.
4 -
طبقة المقلدين تقليداً صرفاً (1).
ويلاحظ أن هذا المنهج جعل الطبقات خمساً. فأدخل بعضها في بعض، لكنه لم يتخلص من النقد الموجه لابن كمال باشا في جعله تلاميذ الأئمة مقلدين له في الأصول.
ثانياً: رأي الشيخ أبي زهرة (2):
لاحظ الشيخ أبو زهرة – رحمه الله أن الطبقات الثالثة والرابعة والخامسة، في ترتيب ابن كمال باشا، متداخلة وغير متميزة، واقترح لكي تتميز الطبقات أن تكون هذه الطبقات طبقتين إحداهما طبقة المخرجين الذين يستخرجون أحكاماً لمسائل لم تؤثر لها أحكام من أصحاب المذهب الأوائل، والطبقة الثانية طبقة المرجحين، الذين يرجحون بين الروايات المختلفة، ورأى أن الطبقة الثانية التي يعتبرونها أصحاب أبي حنيفة، وينزلون بأصحابها عن مرتبة المجتهدين المستقلين التابعين لشيخهم، لا وجود لها وبذلك
(1) عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد ص 5 و 17 نقل ذلك د. محمد عبد اللطيف الفرفور في كتابه (الوجيز في أصول الاستنباط) 2/ 556.
(2)
هو الشيخ محمد بن أحمد أبو زهرة من علماء الأزهر البارزين، ولد بمدينة المحلة الكبرى وتربى بالجامع الأحمدي، وتعلم بمدرسة القضاء الشرعي.
تولى التدريس في الأزهر، وفي كلية الحقوق في جامعة القاهرة، وكان له إسهام كبير في مجال الفقه والأصول والمذاهب الإسلامية.
توفي بالقاهرة سنة 1974م.
راجع في ترجمته: الأعلام 6/ 25.
تصبح الطبقات خمساً (1). وإذا نظر إلى ما وصفوا به الطبقة السابعة، وأن المنتمين إليها (لا يفرقون بين الغث والسمين، ولا يميزون الشمال من اليمين، بل يجمعون ما يجدون كحاطب ليل، فالويل لمن قلدهم كل الويل)(2) لم يكن عدهم من الفقهاء صواباً، بل هم نقلة ليس غير.
وعلى هذا فنستطيع أن نستنتج من كلامه أن الطبقات عنده أربع، هي:
1 -
طبقة المجتهدين، وهي تشمل أبا حنيفة وتلاميذه، وهم المجتهدون اجتهاداً مطلقاً.
2 -
طبقة المخرجين في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب. وهؤلاء هم المجتهدون في المذهب.
3 -
طبقة المرجحين بين الأقوال المختلفة.
4 -
طبقة المفتين الذين يتتبعون الأحكام، ويبحثون عما رجحه سلفهم من العلماء.
والطبقات الثلاث الأولى من المجتهدين، أما الطبقة الرابعة فتمثل المقلدين الذين لم يبلغوا درجة الاجتهاد ومن لم يكن من إحدى هذه الطبقات فليس من الفقهاء.
ثالثاً: رأي الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور:
وممن أسهموا في هذا الموضوع د. محمد عبد اللطيف الفرفور في كتابه (أصول الاستنباط) فقد وجه نقداً شديداً لترتيب ابن كمال باشا، ولمن وافقوه على ذلك كابن عابدين، وأثنى على من سبقوه في هذا النقد كالمرجاني والشيخ محمد زاهد الكوثري، واقترح تقسيم الفقهاء إلى ثلاث طبقات هي:
1 -
طبقة المجتهدين، أي القادرين، بعد استفراغ وسعهم، على تحصيل
(1) أبو حنيفة- حياته وعصره- آراؤه وفقهه ص 447 و 448.
(2)
المصدر السابق ص 449.
الظن بالحكم الشرعي.
2 -
طبقة المتبعين: أي السالكين طريق غيرهم والمحصلين للحكم من الدليل بالطريق التي أخذ بها المتبوع.
3 -
طبقة المقلدين: أي العاملين بقول من ليس قوله حجة، بلا حجة.
وجعل طبقة المتجهدين، على نوعين:
أ- طبقة المجتهدين اجتهاداً مطلقاً كالأئمة الأربعة وتلاميذهم.
ب- طبقة المجتهدين المقيدين بالمذهب، وهم المجتهدون بالمذهب، الذين تدخل فيهم طبقة المخرجين ومجتهدي المسائل، الذين عدهم ابن كمال باشا وابن عابدين ومن تابعهما طبقتين، مع أنهم طبقة واحدة.
وجعل طبقة المتبعين شاملة للطبقتين الرابعة والخامسة عند ابن كمال باشا، وعدهما طبقة واحدة هي طبقة أهل الترجيح.
وجعل طبقة المقلدين متناولة للطبقة السادسة من طبقات ابن كمال باشا، وهي طبقة المقلدين الذين لا يرجحون بين الأقوال والروايات، لكنهم على علم بما رجحه السابقون واختاروه، وبينوا أنه الأقوى (1).
وعلى هذا يكون قد ألغى الطبقة السابعة عند ابن كمال باشا من عداد الفقهاء، وقصر ترتيبه على الطبقات الست مدخلاً بعضها في بعضها الآخر، واستدرك ما جاء في كلام الشيخ أبي زهرة، في جعله أهل الترجيح بين الأقوال المختلفة من المجتهدين، ورأى أنهم ليسوا من أهل الاجتهاد.
(1) الوجيز في أصول الاستنباط 2/ 568.