الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول
للإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد المالكي الشريف التلمساني
(المتوفى سنة 771هـ)
الفرع الأول: التعريف بالكتاب:
هذا الكتاب الأصولي مما أدخله كثير من الباحثين في إطار التخريج، وقد ذكره البغدادي بهذا الاسم في إيضاح المنون2/ 528، وذكر مصدره في الزيتونة، وطبع باسم مفتاح الوصول في علم الأصول من قبل دار الكتاب العربي للنشر في مصر سنة 1382هـ-1962م، وذكر في مقدمته أنه مفتاح الأصول في ابتناء الفروع على الأصول، ولم تعط دار النشر مبررات لطبعه بعنوان آخر، وفي نيل الابتهاج (ص259 بهامش الديباج المذهب) أنه مفتاح الأصول في بناء الفروع على الأصول، وكان طبعه بإشراف قاضي القضاة بنيجيريا الشيخ أبو بكر محمد قمي، وعلى نفقة أحمد وبيلو رئيس حكومة نيجيريا الشمالية في حينه.
ثم طبع بتحقيق الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف باسم (مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول)، ووضع المحقق مقدمة له، ترجم فيها للمؤلف، وعرف بالكتاب. وقد طبع أكثر من مرة، وسنحيل على هذه الطبعة المحققة، المطبوعة سنة 1403هـ من قبل دار الكتب العلمية ببيروت/ لبنان.
وهذا الكتاب على صغر حجمه يتميز بمنهج وأسلوب فريد، يختلف عن كثير من الكتب الأصولية، ومن الممكن أن نوجز أهم ما اتصف به بالأمور الآتية:
1 -
اتبع المؤلف في ترتيب كتابه وعرض موضوعاته خطة فريدة، ومنهجاً خاصاً، على غير ما هو معروف وشائع عند جمهور الأصوليين. ونظراً إلى أن أصول الفقه هي أدلته، فقد جعل الأصول، أو ما يتمسك به المستدل على حكم من الأحكام في المسائل الفقهية جنسين، هما: الدليل بنفسه والمتضمن للدليل. وجعل الدليل بنفسه نوعين هما: أصل بنفسه ولازم عن أصل، الأصل بنفسه صنفان أصل نقلي له أربعة شروط هي: صحة السند إلى الشارع، ووضوح الدلالة على الحكم المطلوب، واستمرارية الحكم، وعدم نسخه، ورجحانه على ما يعارضه. وأما الأصل العقلي فهو استصحاب الحال، وهو ضربان استصحاب أمر عقلي أو حسي واستصحاب حكم شرعي. أما اللازم عن الأصل فجعله ثلاثة أقسام، كل قسم في باب، وهي: قياس الطرد، وقياس العكس، والاستدلال الذي ذكر منه ستة أقسام.
وأما المتضمن للدليل فهو نوعان الإجماع وقول الصحابي. وعلى هذا فالكتاب خالٍ من مباحث الاجتهاد والتقليد والتعارض والترجيح. والذي يبدو أن ما اتبعه المؤلف في التبويب والتقسيم هو منهج اتبعه علماء المغرب، أو بعضهم. وقد أفاد المؤلف ممن سبقه في هذا، كأبي الوليد الباجي (1) وغيره.
2 -
والكتاب، كما قدمنا، شامل لكثير من موضوعات الأصول، فهو ليس تاباً في التخريج على قواعد معينة، وإنما هو كتاب صولي موجز واضح العبارة، شيق في عرضه لموضوعاته. ومما زاد عرضه تشويقاً ووضوحاً أنه كان يقرن تقرير المسائل الأصولية بالفروع الفقهية المختلف فيها، بناء على الاختلاف في القواعد الأصولية. وقد أكثر من ذكر الفروع الفقهية
(1) انظر التعريف به في مبحث شروط علماء التخريج.
في مواضع كثيرة، الأمر الذي دعا الكثيرين من الباحثين إلى ضمه إلى كتب التخريج، ومما رشح ذلك لهم، أن المؤلف سمي كتابه (مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول).
ونجد لمثل منهج المؤلف التطبيقي نموذجاً سابقاً في أصول الشاشي لأبي علي أحمد بن محمد الشاشي الحنفي المتوفى سنة 344هـ (1). مع اختلاف الكتابين في طريقة ترتيب الموضوعات وعرضها وشمولها، واختلافهما في أن الشاشي كان يأتي بالتطبيقات والأمثلة من مذهب الحنفية، وقل أن يذكر مذهب غيرهم. أما التلمساني فكان نطاق أمثلته أوسع مدى من ذلك.
3 -
ابتعد المؤلف عن الأسلوب الجدلي، والحجاج المنطقي في كتابه، فكانت تعريفاته لما يتكلم عن بسيطة مختارة، ولم يكن يأتي بتعاريف كثيرة، بل يكتفي بتعريف واحد يوضح المقصود، دون مناقشات، أو بيان لمحترزات ما يأتي به من تعريف. وربما أذن لنفسه في القليل النادر بشرح التعريف بإيجاز كما في قياس الطرد (2). وفي أحيان أخرى كان يتكلم عن الموضوع دون تعريف له، أو بيان كما في الاستصحاب (3)، والعلة (4)، والاستدلال (5) والإجماع (6)، وغيرها. وفي أحيان أخرى كان
(1) هو أبو علي أحمد بن محمد بن إسحاق الشاشي الحنفي، الملقب بنظام الدين، من تلاميذ أبي الحسن الكرخي النابهين أثنى عليه وقال: ما جاءنا أحد أحفظ من أبي علي، سكن الشاشي بغداد ودرس بها توفي سنة 344هـ.
من مؤلفاته: كتاب في أصول الفقه، مطبوع باسم أصول الشاشي.
راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي ص 143، وأخبار أبي حنيفة للصيمري ص163، والجواهر المضية 1/ 262.
(2)
ص 129.
(3)
ص 126.
(4)
ص 138.
(5)
ص 161.
(6)
ص 164.
لا يذكر محل النزاع. كما في قول الصحابي (1)، وفي أكثر المباحث اللفظية.
وكانت استدلالاته للآراء قليلة، وإذا استدل فإنه يستدل بإيجاز، دون الدخول بالتفصيلات والاعتراضات، أو التوسع في الاستدلال نفسه.
4 -
كان تعرضه لأثر الخلاف في المسائل الأصولية، في الفقه بين المذاهب الثلاثة الحنفي والمالكي والشافعي، ولم يذكر غيرهم إلا نادراً، كذكره رأي أصحاب الإمام أحمد – رحمه الله – في تأويل ما ورد عنه – صلى الله عليه وسلم – بشأن المسح على الناصية والعمامة (2). وذكره الدقاق (3) وبعض الحنابلة في مسألة الاحتجاج بمفهوم اللقب (4)، وذكره احتجاج أهل الظاهر بإباحة مباشرة النساء في غير المسجد، بمفهوم المكان المستفاد من قوله تعالى:{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (5). (سورة البقرة: الآية 187).
5 -
والكتاب على صغر حجمه يحتوي على فوائد جمة، ويعطي تصوراً جيداً لكثير من مسائل الأصول.
(1) ص 166.
(2)
ص 51.
(3)
هو أبو بكر محمد بن محمد بن جعفر الدقاق البغدادي. كان فقيهاً وأصولياً وعالماً بعلوم كثيرة. تولي قضاء الكرخ في بغداد، وكانت فيه دعابة توفي سنة 392هـ. من مؤلفاته: كتاب في أصول الفقه على مذهب الشافعي، وشرح المختصر.
راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي ص118، وطبقات الشافعية للأسنوي 1/ 522، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 1/ 170.
(4)
ص 97.
(5)
ص 96.