المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرع الثاني: نموذج من الكتاب: - التخريج عند الفقهاء والأصوليين

[يعقوب الباحسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيدفي تعريف التخريج وبيان أنواعه

- ‌الباب الأولفي أنواع التخريج

- ‌الفصل الأولتخريج الأصول من الفروع

- ‌المبحث الأولنشأته وتطوره

- ‌المبحث الثانيأمثلة لبعض الأصول المخرجة

- ‌المبحث الثالثحكم نسبة الأصول المخرجة إلى الأئمة

- ‌الفصل الثانيتخريج الفروع على الأصول

- ‌المبحث الأولنشأة العلم وتطوره

- ‌المبحث الثانيأسباب اختلاف الفقهاء

- ‌المبحث الثالثالتخريج على الأصول

- ‌المبحث الرابعالتعريف بأهم الكتب المؤلفة

- ‌المطلب الأولكتاب (تأسيس النظر) لأبي زيد الدبوسي

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب

- ‌المطلب الثانيتخريج الفروع على الأصول

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب:

- ‌المطلب الثالثمفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب:

- ‌المطلب الرابعالتمهيد في تخريج الفروع على الأصول

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نموذج من الكتاب:

- ‌المطلب الخامسالقواعد والفوائد الأصولية

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نموذج من الكتاب:

- ‌الفصل الثالثتخريج الفروع على الفروع

- ‌المبحث الأولمصادر التخريج

- ‌المطلب الأولنص الإمام وما يجري مجراه

- ‌الفرع الأول: في بيان المراد من النص وما يجري مجراه

- ‌الفرع الثاني: طرق معرفة النصوص

- ‌الطريق الأول:مؤلفاتهم المنسوبة إليهم

- ‌الطريق الثاني:نقل أصحابهم لآرائهم في المسائل المختلفة

- ‌المطلب الثانيمفهوم نص الإمام

- ‌المطلب الثالثفي أفعال الأئمة

- ‌المطلب الرابعتقريرات الإمام

- ‌المطلب الخامسالحديث الصحيح

- ‌المبحث الثانيطرق تخريج الفروع على الفروع

- ‌المطلب الأولالتخريج بطريق القياس

- ‌المطلب الثانيالنقل والتخريج

- ‌المطلب الثالثلازم مذهب الإمام

- ‌الباب الثانيفي مراتب المخرجين وصفاتهم وشروطهم

- ‌الفصل الأولمراتب المخرجين بين طبقات الفقهاء

- ‌المبحث الأولتقسيم وترتيب ابن كمال باشا

- ‌المبحث الثانيتقسيم وترتيب ابن الصلاح

- ‌المبحث الثالثتقسيم وترتيب ابن حمدان

- ‌المبحث الرابعفي تقسيمات أخر

- ‌الفصل الثانيشروط وصفات علماء التخريج

- ‌المبحث الأولشروط وصفات علماء التخريج

- ‌المبحث الثانيفي تحقق فرض الكفاية بهم

- ‌الفصل الثالثأنواع الأحكام المخرجة وصفاتها

- ‌خاتمة

- ‌المصادر والمراجع

- ‌فهرس الأعلام المترجم لهم

الفصل: ‌الفرع الثاني: نموذج من الكتاب:

في قوله (وقاتلوا المشركين) عامة، والمؤلف لم يجعل كلمة عامة جزءاً من الآية وإنما أراد أن يبين أن بعض العلماء قالوا بأن العام هو عام في الأشخاص مطلق في الأحوال. فقالوا في قوله تعالى:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ} عامة فيهم، مطلقة في أحوالهم وليس كما توهمه الشيخ المحقق رحمه الله.

ج- وفي الكتاب طائفة من الأمور المحتاجة إلى بيان وإيضاح، ففيه طائفة كبيرة من الأسماء المتشابهة التي تحتاج إلى بيان أصحابها، كما أن فيه أسماء كتب تحتاج إلى التعريف بها، ونسبتها إلى مؤلفيها.

د- وكما أن المحقق لم يوثق نسبة الآراء إلى أصحابها، فإنه لم يشر إلى مظان بعض المسائل الفقهية التي أوردها المؤلف نماذج لما يبنى من الفروع، على ما يذكره من القواعد، لأن طائفة غير قليلة مما ذكره المؤلف، من الفروع لا تتضح نسبته إلى باب معين في الفقه.

‌الفرع الثاني: نموذج من الكتاب:

القاعدة (17) ص 94 - 104 وهي قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به.

وقد آثرنا ذكر هذه القاعدة لاعتبارين:

الأول منهما أنه لم يطنب في تقرير القاعدة والإكثار من الآراء والأقوال.

والثاني منهما كثرة ما بناه عليها من الفروع، إذ ذكر (36) ستة وثلاثين فرعاً يتخرج عليها. وقد اكتفينا بذكر نصف هذا العدد منها، تجنباً للتطويل.

قال: القاعدة 17 (ما لا يتم الواجب إلا به)(1) للناس في ضبطه طريقان:

(1) انظر في هذه المسألة:

المعتمد 1/ 102، وشرح اللمع 1/ 259، والبرهان 1/ 257، والعدة في أصول الفقه 2/ 419، والتمهيد لأبي الخطاب 1/ 321، وميزان الأصول ص 139، والمستصفي 1/ 71، وروضة الناظر ص33، وشرح مختصر المنتهى للعضد 1/ 244، والمسودة ص 60 و61، والتحرير بشرح التقرير والتحبير 2/ 136، =

ص: 172

إحداهما: وهي طريقة الغزالي (1)، وأبي محمد المقدسي (2)، وغيرهما: أنه ينقسم إلى غير مقدور- كالقدرة والأعضاء – وإلى فعل غيره – كالإمام، والعدد في الجمعة – فلا يكون واجباً. وإلى ما يكون مقدوراً له، كالطهارة، وقطع المسافة إلى الجمعة والمشاعر، فيكون واجباً.

قال أبو البركات (3): وهذا ضعيف في القسم الأول. إذ لا واجب هناك، وفي الثاني: باطل باكتساب المال في الحج والكفارات ونحو ذلك.

الطريقة الثانية: أن ما لا يتم الوجوب إلا به: فليس بواجب كالقسم الأول، وكالمال في الحج والكفارات.

وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب مطلقاً، وهذه طريقة الأكثرين من أصحابنا وغيرهم.

قال أبو البركات: وهي أصح (4)، وسواء كان "شرطا" وهو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، أو "سببا" وهو ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم.

وقال بعض الأصوليين: يكون أمراً بالسبب دون الشرط.

وقال بعضهم: لا يكون أمراً بواحد منهما حكاه ابن الحاجب في

(1) = والتمهيد في تخريج الفروع على الأصول ص 83، والأشباه والنظائر لابن السبكي 2/ 88، والإبهاج 1/ 109، والإحكام للآمدي 1/ 110، وشرح الكوكب المنير 1/ 357، ومسلم الثبوت بشرح فواتح الرحموت 1/ 95.

() المستصفي 1/ 71.

(2)

روضة الناظر ص33.

(3)

هو: أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن تيمية الحراني، الملقب بمجد الدين. كان من مجتهدي زمانه، ومن كبار أئمة الحنابلة. توفى سنة 652هـ. من مؤلفاته: المحرر في الفقه، ومنتقى الأخبار، وقسم من المسودة في الأصول.

راجع في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 249، والأعلام 4/ 129.

(4)

المسودة ص 61.

ص: 173

المختصر الكبير (1).

واختاره في مختصره المعروف في "الشرط" أنه إن كان شرطاً شرعياً وجب. وإن كان عقلياً أو عادياً: فلا (2).

وإذا علمت ذلك، فيتفرع على هذه القاعدة فروع كثيرة.

1 -

منها: هل يجب على الصائم إمساك جزء من الليل أم لا؟ في المسألة قولان: قال ابن الجوزي (3): أصحهما لا يجب. وقطع جماعة بوجوبه. وذكره ابن عقيل (4) في الفنون (5)، وأبو يعلي الصغير (6)، وفاقاً في صوم

(1) منتهى الوصول والأمل إلى علمي الأصول والجدل، لابن الحاجب ص 36.

(2)

مختصر المنتهى الأصولي بشرح العضد 1/ 245.

(3)

هو: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ينتهي نسبه إلى أبي بكر الصديق من مجتهدي الحنابلة، ومن المكثرين منهم في التأليف، في مختلف العلوم، توفى سنة 597هـ.

من مؤلفاته: الوصول إلى علم الأصول، وتلبيس إبليس، والمدهش في التاريخ وغرائب الآثار.

راجع في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 399.

(4)

هو: أبو الوفاء علي بن محمد بن عقيل البغدادي، من علماء الإسلام البارزين، ومن مجتهدي الحنابلة، وأصولييهم تتلمذ على عشرات العلماء، وكان من ملازمي القاضي أبي يعلي.

اشتغل بمذهب المعتزلة، ثم تركه عرف بقوة الحجة وحضور البديهة والمناظرة والجدل توفى سنة 513هـ.

من مؤلفاته: الواضح في أصول الفقه، والجدل على طريقة الفقهاء، والفنون، وكفاية المفتي، وعمدة الأدلة وغيرها.

راجع في ترجمته: ذيل طبقات 1/ 142، والمنهج الأحمد 2/ 252، والأعلام 4/ 313.

(5)

هو كتاب ضخم يحتوي على فنون شتى، نعته الذهبي في تاريخه بأنه لم يصنف في الدنيا أكبر منه، واختلف الأقوال في عدد أجزائه، فمنهم من ذكر أنه رأى ما بعد الأربعمائة من أجزائه، وذكر ابن رجب أنه سمع بعض مشايخه يقول: أنه 800 جزء (المنهج الأحمد 2/ 261 و262).

(6)

هو: محمد بن محمد الملقب بعماد الدين، ونعته بالصغير لتمييز عن عمه =

ص: 174

ليلة الغيم. وذكره القاضي في الخلاف في النية من الليل ظاهر كلام أحمد، وأنه مذهبنا (1).

2 -

ومنها: إذا اشتبهت زوجته بأجنبية. فيجب عليه الكف عن الجميع، ومثله: لو اشتبهت محرمة بأجنبيات محصورات بعشر. فهل له أن ينكح واحدة منهن أم لا؟ (2) في المسألة وجهان:

أحدهما: الجواز، كالقبيلة الكبيرة. والثاني: المنع لدون العشر.

وحيث قلنا بالجواز. فهل يلزمه التحري أم لا؟ في المسألة وجهان.

قال بعض متأخري أصحابنا: يتوجه مثل هذه المسألة في اشتباه الميتة بالمذكاة.

قال الإمام أحمد – رضي الله عنه – أما شاتان: فلا يجوز، فأما إذا كثر: فهذا غير هذا، ونقل الأثرم أنه قيل للإمام أحمد: فثلاثة؟ قال: لا أدري.

3 -

ومنها: إذا اشتبه الماء الطاهر بالنجس. فهل يجوز له التحري أم لا؟ (3). إن كان النجس مساوياً للطاهر، أو أكثر: فلا يجوز له التحري، ويجب عليه الكف عنه، بلا خلاف. صرح به غير واحد من الأصحاب. وإن كثر عدد الطاهر: فهل يجوز له التحري أم لا؟ المذهب: عدم الجواز (4).

(1) = محمد بن الحسين المعروف بالقاضي أبي يعلي. كانت وفاته سنة 560هـ.

من مؤلفاته: التعليقة في مسال الخلاف، والمفردات في شرح المذهب، غيرها.

راجع في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة 1/ 244، والأعلام 7/ 24.

() انظر المسودة ص 60، وانظر المسألة والآراء المتعلقة بشأنها في الإنصاف 3/ 330.

(2)

انظر في المسألة: الإنصاف 1/ 78، وكشاف القناع 1/ 49 و50، وقواعد ابن رجب قاعدة 106 ص 238ن وانظر رأي الشافعية في المسألة في الأشباه والنظائر لابن السبكي 2/ 89، والتمهيد في تخريج الفروع للأسنوي ص 85.

(3)

انظر في المسألة: المغني 1/ 60، والإنصاف 1/ 71 وما بعدها.

(4)

وهو ظاهر كلام أحمد – رحمه الله، وقول أكثر أصحابه، والمزني وأبي ثور، المغني 1/ 61.

ص: 175

ولنا رواية بالجواز. وهي ظاهر كلامه في رواية المروذي. واختارها أبو بكرن وابن شاقلا (1)، وأبو علي النجاد (2)، وصححها ابن عقيل. وهل يكتفي بمطلق الزيادة، أو يعتبر ذلك بعشرة أوان طاهرة، منها واحد نجس، أو عشرة طاهرة وواحد نجس. أو بما هو كثير عادة وعرفاً؟ فيه أقوال للأصحاب.

4 -

ومنها: إذا اشتبه عليه الماء الطاهر بالطهور: فإنه يلزمه استعمالهما لتبرأ ذمته بيقين (3). وهل يتوضأ وضوءاً كاملاً من كل واحد منهما، أو منهما وضوءاً واحداً؟ في المسألة وجهان (4).

5 -

ومنها: إذا اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة: فإنه يلزمه أن يصلي بعدد النجس، ويزيد صلاة، وينوي بكل صلاة الفرض، نص على ذلك الإمام أحمد، ولا يتحرى (5). وقال ابن عقيل: يتحرى إذا كثرت الثياب النجسة للمشقة. وقال في فنونه ومناظراته: يتحرى مطلقاً (6).

وخرج أبو الخطاب وغيره على منصوص الإمام أحمد في الثياب المشتبهة: وجوب الصلاة إلى أربع جهات (7). وهو رواية في

(1) هو: إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان من علماء الحنابلة المشهورين في عصره كان من المكثرين في الرواية، ومن أئمة الفقه والأصول في المذهب، توفي سنة 369هـ. راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة2/ 128 و129.

(2)

هو: أبو علي الحسين بن عبد الله النجاد. كان من علماء الحنابلة في الفقه والأصول، صحب من شيوخ المذهب أبا الحسن بن بشار وأبا علي البربهاري، ومن في طبقتهما توفى سنة 360هـ.

راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 2/ 140، والمنهج الأحمد 2/ 66.

(3)

كشاف القناع 1/ 48.

(4)

انظر في المسألة: الإنصاف 1/ 75، والمحرر 1/ 7.

(5)

المغني 1/ 63 و64، والإنصاف 1/ 77، وكشاف القناع 1/ 49.

(6)

هذا الرأي نقله المغني على أنه قول أبي حنيفة والشافعي أيضاً (1/ 63).

(7)

هذا التخريج أساسه القياس على الثياب المشتبهة، كما هو في المتن، وقد فرق =

ص: 176

التبصرة (1) قال القاضي وغيره الأمر بذلك أمر بالخطأ. فلهذا أمر بالاجتهاد.

6 -

ومنها: لو غصب زيتاً فخلطه بمثله (2). هل يجوز له التصرف فيه أم لا؟ قال الإمام أحمد، في رواية أبي طالب: هذا قد اختلط أوله وآخره. وأعجب إليَّ: أن يتنزه عنه كله. يتصدق به، وأنكر قول من قال: يخرج منه قدر ما خالطه. واختار ابن عقيل في فنونه: التحريم. لامتزاج الحرام بالحلال واستحالة انفراد أحدهما عن الآخر. وعلى هذا بني على أنه اشتراك (3). وعن أحمد رواية أخرى: نه استهلاك فيخرج قدر الحرام، ولو من غيره قاله شيخنا (4).

7 -

ومنها: الأكل من مال من في ماله حرام. هل يجوز أم لا (5)؟ في المسألة

(1) = العلماء بين الأمرين بطائفة من الفروق، يترتب عليها تخطئة التخريج المذكور، ومن هذه الفروق:

أ- إن القبلة يكثر الاشتباه فيها، فيشق اعتبار اليقين، فسقط دفعاً للمشقة، بخلاف الثياب.

ب- عن الاشتباه حصل بتفريط منه، لأنه كان بإمكانه معرفة مكان النجاسة وغسلها، بخلاف القبلة.

ج- إن القبلة عليها أدلة من النجوم والشمس والقمر وغيرها، فيصح الاجتهاد في طلبها، وعليها دليل إصابة قوي، بحيث يكون احتمال الخطأ ضعيفاً، بخلاف الثياب. وعلى هذا فتخريج الصلاة إلى الجهات الأربع قياساً على الثياب المشتبهة لا وجه له. انظر: المغني 1/ 63، وكشاف القناع 1/ 49.

() التبصرة من كتب الفقه الحنبلي، لعبد الرحمن بن محمد بن علي الحلواني البغدادي الحنبلي المتوفى سنة 546هـ. (إيضاح المكنون 1/ 222).

(2)

انظر في المسألة:

المغني 5/ 287، والمحرر 1/ 361، والإنصاف 6/ 161، و162.

(3)

المحرر 1/ 364.

(4)

يعني به أبا الفرج عبد الرحمن بن رجب المتوفى سنة 795هـ.

(5)

انظر مسألة جواز ذلك أو عدمه، وما ينبغي إخراجه، وطائفة من أحكام هذه المسألة =

ص: 177

أربعة أقوال:

أحدها: التحريم مطلقاً. قطع به شرف الإسلام عبد الوهاب بن أبي الفرج في كتابه: المنتخب (1). قبيل باب الصيد. وعلل القاضي وجوب الهجرة من دار الحرب بتحريم الكسب عليه هناك. لاختلاط الموال لأخذهم المال من غير جهته، ووضعه في غير حقه.

وقال الأزجي في نهايته (2). هذا قياس المذهب، كما قلنا في اشتباه الأواني الطاهرة بالنجسة. وقدمه أبو الخطاب في انتصاره (3).

وقال ابن عقيل في فنونه- في مسألة اشتباه الأواني - وقد قال الإمام أحمد: لا يعجبني أن يأكل منه، وسأل المروذي أبا عبد الله عن الذي يعامل بالربا يؤكل عنده؟ قال: لا. قد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوقوف عند الشبهة.

والقول الثاني: إن زاد الحرام على الثلث حرم الكل. وألا فلا قدمه في

(1) = في المغني 4/ 297 وما بعدها.

() هو: أبو القاسم، وقيل أبو البركات عبد الوهاب بن عبد الواحد بن محمد الشيرازي، ثم الدمشقي المعروف بابن الحنبلي، والملقب بشرف الإسلام. فقيه وواعظ ومفسر، كان شيخ الحنابلة في الشام في زمانه توفى سنة 536هـ.

من مؤلفاته: المنتخب في الفقه، والمفردات، والبرهان في أصول الدين، ورسالة في الرد على الأشعري.

راجع في ترجمته: الذيل على طبقات الحنابلة 3/ 198، وشذرات الذهب 4/ 113.

(2)

هو: يحيى بن يحيى الأزجي. من علماء الحنابلة، عرف بكتابه (نهاية المطلب في علم المذهب) وهو كتاب قال عنه ابن رجب: كبير جداً وعباراته جزلة، حذا فيه حذو كتاب نهاية المطلب لإمام الحرمين، وأكثر استمداده من كلام ابن عقيل. ومما ذكره ابن رجب عن هذا الكتاب أن فيه تهافتاً، وأن مؤلفه لم يتصور كثيراً من الفروع، وأن المظنون أن علمه كان مستمداً من المطالعة، لا من التحقيق، لم يذكر تاريخ لوفاته. لن ابن رجب يغلب على الظن أنه توفي بعد الستمائة بقليل.

راجع في ترجمته: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 121.

(3)

هو: كتاب (الانتصار في المسائل الكبار) ويسمى الخلاف الكبير، في مقابلة كتابه الآخر (الخلاف الصغير) والمسمى برؤوس المسائل. (المنهج الحمد 2/ 234).

ص: 178

الرعاية. لأن الثلث ضابط في مواضع.

والثالث: إن كان الأكثر الحرام حرم، وإلا فلا. إقامة للأكثر مقام الكل. قطع به ابن الجوزي في المنهاج (1).

نقل الأثرم وغير واحد عن الإمام أحمد – فيمن ورث مالاً فيه حرام-: إن عرف شيئاً بعينه رده. وإن كان الغالب على ماله الفساد تنزه عنه، أو نحو هذا، ونقل عنه حرب في الرجل يخلف مالاً: إن كان غالبه نهباً أو رباً ينبغي لوارثه أن يتنزه عنه، إلا أن يكون لا يعرف.

ونقل عنه أيضاً: هل للرجل أن يطلب من ورثة إنسان مالاً مضاربة ينفعهم وينتفع؟ قال: إن كان غالبه الحرام فلا.

الرابع: عدم التحريم مطلقاً. قل الحرام أو كثر، لكن يكره، وتقوى الكراهة وتضعف بحسب كثرة الحرام وقلته، جزم به في المغني. وقاله ابن عقيل في فصوله (2) وغيره. وقدمه الأزجى وغيره.

8 -

ومنها: لو طلق إحدى زوجتيه، ولم ينو معينة (3): حرمتا إلى البيان. وبماذا يحصل روايتان. المذهب: بالقرعة (4). والثانية: بتعيينه، فعليهما: هل وطؤه تعيين أم لا؟ في المسألة وجهان. والذي ذكره القاضي: أنه ليس بتعيين.

9 -

ومنها: لوطلق معينة ونسيها، أو قال: إن كان هذا الطائر غراباً فهذه

(1) أي كتاب (منهاج الوصول على علم الأصول). انظر: كشف الظنون ص 1878.

(2)

كتاب (الفصول في الفقه) يقع في عشر مجلدات (انظر: الأعلام 4/ 313، ومعجم المؤلفين 7/ 152) ويذكر العليمي (ت 928هـ) في المنهج الحمد 2/ 262، أن كتاب الفصول في الفقه هو كتاب (كفاية المغني) نفسه.

(3)

انظر: الإنصاف 9/ 141، والمغني 7/ 251.

(4)

هذا كلام الخرقي واختيار ابن قدامة الذي نقل أن القول بالتعيين، هو رأي حماد بن أبي سليمان وأبي حنيفة والشافعي. ونقل عن قتادة ومالك أنهن يطلقن جميعاً (المغني 7/ 251).

ص: 179

طالق، وإن لم يكن فهذه. وجهل (1) فعن الإمام أحمد روايتان: أحداهما: يجتنبها حتى يتبين. بناء على القاعدة، اختاره الشيخ أبو محمد (2). والثانية: نقلها الجماعة، واختارها أكثر الأصحاب-: أنها تخرج بالقرعة (3).

10 -

ومنها: لو قال الزوج: إن كان هذا الطائر غراباً فزوجتي طالق ثلاثاً. وقال الآخر: إن لم يكن غراباً فزوجتي طالق ثلاثاً. ولم يدر ما الطائر؟ وجب الكف في أصح الوجهين (4).

11 -

ومنها: الذبيحة في بلدة فيها مجوس وعبدة أوثان يذبحون: فلا يجوز أكلها، وإن جاز أن تكون ذبيحة مسلم. وكذلك إن كان فيها أخلاط من المسلمين والمجوس. للحديث المتفق عليه "إذا أرسلت كلب فخالط كلاباً لم تسم عليها. فلا تأكل فإنك لا تدري: أيها قتله؟ " (5). فأما إن كان كذلك في بلد الإسلام. فالظاهر إباحتها، لأن المسلمين لا يقرون في بلدهم ما لا يحل بيعه ظاهراً. قاله في المغني.

12 -

ومنها: لو نسي صلاة من خمس. فهل يلزمه قضاء الخمس أم لا؟ المذهب عندنا: لزوم قضاء الخمس. وينوي بكل واحدة الفرض. وعنه

(1) انظر المسألة في: المغني 7/ 249، والمحرر 2/ 61، وقواعد ابن رجب قاعدة 160 ص 356، والإنصاف 9/ 143، وكشاف القناع 5/ 338.

(2)

المغني 7/ 253 و254.

(3)

كشاف القناع وقواعد ابن رجب في الموضع السابق وعلل ذلك بأن لا سبيل إلى معرفة المطلقة منهما، والقرعة طريق شرعي لإخراج المجهول، كما في المبهمة والمنسية.

(4)

المحرر 2/ 61، والمغني 7/ 253 و254، وكشاف القناع 5/ 338، وقواعد ابن رجب ص 356 و357، ونقل صاحب المغني عن أصحاب الرأي والشافعي أنه لا يحرم على واحد منهما وطء امرأته.

(5)

انظر المغني 4/ 296 والحديث ذكر في المصدر المذكور أنه متفق عليه.

ص: 180

يلزمه مغرب وفجر ورباعية. بناء على أن نية التعيين لا تشترط (1).

13 -

ومنها: لو اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار. فإنه يغسل الجميع ويكفنون، ويصلي عليهم، سواء كان من يُصلي عليه أكثر أو أقل، وسواء دار الحرب وغيرها: صُلي على الجميع، ينوي بالصلاة المسلم (2).

وعن أحمد رواية أخرى: إن اختلط المسلمون بالكفار في دار الحرب فلا صلاة. حكاها القاضي في شرحه الصغير. والمذهب: الأول. وأما دفنهم: فقال الإمام أحمد: إن قدروا دفنوهم منفردين، وإلا مع المسلمين.

14 -

ومنها: غسل المرفقين في الوضوء. والمذهب عندنا: وجوبه وعن الإمام أحمد رواية أخرى: لا يجب (3).

15 -

ومنها: لو خلق له يدان، وكانتا متساويتين، ولم يعلم الأصلية منهما: فنه يجب عليه غسلهما (4).

16 -

ومنها: لو خفي عليه موضع النجاسة: لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها (5).

(1) انظر المغنى 1/ 613 وذكر أن ذلك هو قول أكثر أهل العلم، لأن التعيين شرط في صحة المكتوبة، ولا يتوصل إلى ذلك ههنا إلا بإعادة الصلوات الخمس.

وانظر رأي الشافعية في: التمهيد للأسنوي ص 85، والأشباه والنظائر لابن السبكي 2/ 88.

(2)

المغني 2/ 536، والإنصاف 2/ 538، والتمهيد في تخريج الفروع على الأصول ص 85.

(3)

المغني 1/ 122، والإنصاف 1/ 157، وفي المذهب الشافعي، في هذه المسألة، وفي غسل جزء من الرأس والرقبة ونحوهما، ليتيقن غسل الوجه، وجهان المعروف منهما الوجوب. (التمهيد للأسنوي ص85).

(4)

المغني 1/ 123، والإنصاف 1/ 158.

(5)

المغني 2/ 85 وفي المذهب الشافعي أنه لو خفي موضعها من الثوب أو البدن غسله كله، ولو خفي من الدار موضع النجاسة فوجهان في الروضة أصحهما أنه كذلك يغسلها كلها، والوجه الثاني يتحرى ويصلي فيما يظن طهارته، ولا يلزمه غسلها، كما =

ص: 181

17 -

ومنها: لو كانت تحت أظفاره وسخ يسير، يمنع وصول الماء على ما تحته، فإنه لا تصح طهارته حتى يزيله (1). ولنا وجه: أنه تصح طهارته ولو لم يزله. واختاره أبو العباس، وعزاه إلى كل يسير يمنع وصول الماء حيث كان، كدم وعجين.

18 -

ومنها: المبتدأة، إذا قلنا- على المذهب- إنها تجلس يوماً وليلة: لم يجز لزوجها وطؤها بعد اليوم والليل قبل انقطاع الدم (2). نص عليه الإمام أحمد. وهو المشهور عند الأصحاب، بناء على القاعدة، وذكر في الرعاية (3) رواية: بالكراهة وذكر ابن الجوزي في إباحته روايتين.

وقال صاحب المستوعب (4) وغيره: هي في الوطء كالمستحاضة. ودليل جواز الوطء: لأنه الأصل. ويحتمل أن يكون هذا حيضاً، وأن لا يكون حيضاً فلا نحرمه بالشك. وتؤمر بالعبادة بعد اليوم والليلة احتياطاً.

(1) = لو تيقن أن موضعاً من الصحراء نجس، فإنه يصلي إلى أي موضع شاء. (انظر: الأشباه والنظائر لابن السبكي 2/ 89).

() الإنصاف 1/ 158.

(2)

المغني 1/ 329، والإنصاف 1/ 360، ومنتهى الإرادات 1/ 346.

(3)

الرعاية في فروع الحنابلة للشيخ نجم الدين أحمد بن حمدان (ت 695هـ) ذكر أنها صغرى وكبرى، فهما رعايتنا، قيل إنه حشاهما بالروايات الغريبة التي لا توجد في كثير من الكتب. شرحها ثكيرون واختصرها عز الدين بن عبد السلام. (انظر: كشف الظنون ص 908، وذيل طبقات الحنابلة 4/ 331).

(4)

صاحب المستوعب هو: محمد بن عبد الله بن الحسين السامري الحنبلي المتوفى سنة 616هـ.

(ذيل طبقات الحنابلة 4/ 121) وقال ابن بدران عن كتاب المستوعب: إنه أحسن ما صنف في مذهب الإمام أحمد وأجمعه، وذكر عن مؤلفه أنه ذكر فيه أنه لم يتعرض إلى شيء من أصول الدين، ولا من أصول الفقه، وأكثر فيه من ذكر الآداب الفقهية. (المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ص 430).

ص: 182