المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأولالتخريج بطريق القياس - التخريج عند الفقهاء والأصوليين

[يعقوب الباحسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيدفي تعريف التخريج وبيان أنواعه

- ‌الباب الأولفي أنواع التخريج

- ‌الفصل الأولتخريج الأصول من الفروع

- ‌المبحث الأولنشأته وتطوره

- ‌المبحث الثانيأمثلة لبعض الأصول المخرجة

- ‌المبحث الثالثحكم نسبة الأصول المخرجة إلى الأئمة

- ‌الفصل الثانيتخريج الفروع على الأصول

- ‌المبحث الأولنشأة العلم وتطوره

- ‌المبحث الثانيأسباب اختلاف الفقهاء

- ‌المبحث الثالثالتخريج على الأصول

- ‌المبحث الرابعالتعريف بأهم الكتب المؤلفة

- ‌المطلب الأولكتاب (تأسيس النظر) لأبي زيد الدبوسي

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب

- ‌المطلب الثانيتخريج الفروع على الأصول

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب:

- ‌المطلب الثالثمفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب:

- ‌المطلب الرابعالتمهيد في تخريج الفروع على الأصول

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نموذج من الكتاب:

- ‌المطلب الخامسالقواعد والفوائد الأصولية

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نموذج من الكتاب:

- ‌الفصل الثالثتخريج الفروع على الفروع

- ‌المبحث الأولمصادر التخريج

- ‌المطلب الأولنص الإمام وما يجري مجراه

- ‌الفرع الأول: في بيان المراد من النص وما يجري مجراه

- ‌الفرع الثاني: طرق معرفة النصوص

- ‌الطريق الأول:مؤلفاتهم المنسوبة إليهم

- ‌الطريق الثاني:نقل أصحابهم لآرائهم في المسائل المختلفة

- ‌المطلب الثانيمفهوم نص الإمام

- ‌المطلب الثالثفي أفعال الأئمة

- ‌المطلب الرابعتقريرات الإمام

- ‌المطلب الخامسالحديث الصحيح

- ‌المبحث الثانيطرق تخريج الفروع على الفروع

- ‌المطلب الأولالتخريج بطريق القياس

- ‌المطلب الثانيالنقل والتخريج

- ‌المطلب الثالثلازم مذهب الإمام

- ‌الباب الثانيفي مراتب المخرجين وصفاتهم وشروطهم

- ‌الفصل الأولمراتب المخرجين بين طبقات الفقهاء

- ‌المبحث الأولتقسيم وترتيب ابن كمال باشا

- ‌المبحث الثانيتقسيم وترتيب ابن الصلاح

- ‌المبحث الثالثتقسيم وترتيب ابن حمدان

- ‌المبحث الرابعفي تقسيمات أخر

- ‌الفصل الثانيشروط وصفات علماء التخريج

- ‌المبحث الأولشروط وصفات علماء التخريج

- ‌المبحث الثانيفي تحقق فرض الكفاية بهم

- ‌الفصل الثالثأنواع الأحكام المخرجة وصفاتها

- ‌خاتمة

- ‌المصادر والمراجع

- ‌فهرس الأعلام المترجم لهم

الفصل: ‌المطلب الأولالتخريج بطريق القياس

‌المطلب الأول

التخريج بطريق القياس

يعد جمهور العلماء القياس من أهم الطرق التي يتوصل بها إلى معرفة الحكم الشرعي فيما لا نص فيه، ويرونه مظهراً للحكم فيما لم يتناوله اللفظ، لا مثبتاً له (1)، وبياناً لعموم الحكم في الفرع وعدم اختصاصه بالأصل (2)، لكنه، في غالبه، ظني في دلالته على الحكم، والقطعي منه محدود، وبعضه ينازع في عده من مباحث القياس. كما أن محققيهم يرفضون أن يقال في الحكم المستنبط عن طريقه قال الله، أو قال رسوله- صلى الله عليه وسلم وإنما يقال: هذا دين الله ودين رسوله (3). وإذا كان هذا هو موقفهم فيما يتعلق بأحكام الله تعالى، فما هو موقفهم من استنباط آراء الأئمة عن طريقه؟ وفي صحة نسبتها إليهم؟ إن الكلام في مثل هذا الموضوع يقتضي منا أن نبين بعض أنواع القياس، وما يتعلق من مباحثه بهذه المسألة.

القياس عندهم نوعان قطعي وظني:

1 -

فالقطعي هو ما توقف على مقدمتين قطعيتين، إحداهما القطع بعلة الحكم في الأصل، وأخراهما القطع بحصول مثل تلك العلة في الفرع (4). ومن الممكن أن نحدد ثلاثة من أنواع القاطع، هي:

الأول: أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق، وهذا هو

(1) التوضيح بشرح التلويح 2/ 53.

(2)

التلويح 2/ 53.

(3)

التبصرة لأبي إسحاق الشيرازي ص 517، وشرح اللمع للشيرازي بتحقيق د. عبد المجيد تركي 2/ 1084.

(4)

الإبهاج 3/ 224 والمحصول 2/ 303، ونبراس العقول 1/ 180.

ص: 247

فحوى الخطاب، أو مفهوم الموافقة (1) الذي سبق الكلام عنه. وينازع كثير من العلماء في عدة قياساً، ولهذا فهو عندهم من باب دلالة المنطوق.

الثاني: أن يستوي المسكوت عنه، والمنطوق، بأن يعلم بانتفاء الفارق والمؤثر في الحكم بينهما، كسراية العتق في العبد والأمة مثله، وموت الحيوان في السمن والزيت مثله، وهذا يسمى القياس في معنى الأصل، أو القياس بنفي الفارق (2) أو القياس الجلي (3) وفي تسمية هذا النوع من الإلحاق قياساً خلاف بين العلماء أيضاً، وقد علل المخالفون لنفي التسمية ذلك، بأن القياس هو ما قصد به الجمع بين شيئين، وهذا لم يقصد به ذلك، وإنما قصد به نفي الفرق (4) كما أن لبعضهم منازعة في قطعيته، بل وفي بعض الأمثلة التي ذكرت له (5).

الثالث: ما نص على علته بلفظ صريح، موضوع للدلالة على العلية، نحو لعلة كذا ولسبب كذا ولموجب كذا. ومن أجل أو لأجل كذا وغيرها (6)، مع القطع بوجود العلة في الفرع.

وأما الدلالة على العلة بطريق الإيماء فمما اختلفت فيه الأنظار، لما فيه من احتمالات عدم العلية، ولأن دلالته على العلية التزامية وليست وضعية.

(1) كقولنا إذا قبلت شهادة اثنين فشهادة ثلاثة أولى، لأن الثلاثة اثنان وزيادة، وإذا لم تصح التضحية بالعوراء فبالعمياء أولى، لأن في العمياء عوراً وزيادة، وكذلك إذا لم يصح بالعرجاء ففي مقطوعة الرجلين أولى [شرح مختصر الروضة 3/ 350]، وروضة الناظر ص 293 - 295.

(2)

شرح مختصر الروضة 3/ 350 - 355، روضة الناظر: الموضع السابق، المستصفى 2 281 - 284.

(3)

فواتح الرحموت 2/ 320 ويطلق الحنفية القياس الجلي على ما يتبادر إلى الذهن أول الأمر، ويقابله الخفي، هو ما لا يتبادر إلى الذهن إلا بعد التأمل وهو الاستحسان.

(4)

المستصفى 2/ 287.

(5)

حاشية العطار على شرح جمع الجوامع 2/ 328.

(6)

لاحظ حصر الألفاظ الصريحة الدالة على العلية في نبراس العقول ص 230 و 231.

ص: 248

2 -

والظني: هو عدا ما تقدم من أنواع القياس (1) فيشمل ما كانت مقدمتاه ظنيتين، أو إحداهما ظنية، كعدم القطع بعلة الحكم في الأصل، أو عدم القطع بحصولها في الفرع، أو بعدم القطع بهما جميعاً. ويدخل في ذلك أنواع كثيرة من القياس، مما ينطبق عليها الوصف المذكور، ويمكن القول إن كل قياس مستنبط العلة فهو مظنون، لأن طرق استنباط العلة من دوران وسبر وتقسيم ومناسبة وشبه وطرد وغيرها، لا توصل إلى العلة بيقين، فضلاً عن أنها ليست مجال اتفاق بين الأصوليين.

ونظراً إلى أن مفهوم الموافقة يعد عند أغلبهم من دلالة المنطوق فقد ذكرناه في مبحث النص، وما يجري مجراه، وبينا آراء العلماء فيما يتعلق بصحة نسبة الأقوال إلى الأئمة، وإن كانت مستنبطة عن طريقه. فيبقى بعد ذلك الكلام عن الأنواع الآتية:

أ- ما قطع فيه بنفي الفارق.

ب- ما نص على علته.

ج- ما عرفت علته عن طريق الاستنباط.

أولاً: ما قطع فيه بنفي الفارق:

الذي ذهب إليه جمهور الأصوليين إنه إذا قطع بانتفاء الفرق بين المسألة التي لم يرد فيها عن الإمام شيء، ونظيرها من المسائل التي عرف فيها رأيه، هو جواز نسبة حكمها إليه، والقول بأن مذهبه فيها هو كذا.

وقد نص أبو الحسين البصري (ت 436هـ)(2) على الحالات التي

(1) شرح مختصر الروضة 3/ 355.

(2)

هو: أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي، متكلم وأصولي وكان من أذكياء زمانه. سكن بغداد ودرس فيها إلى حين وفاته سنة 436هـ.

من مؤلفاته: المعتمد في أصول الفقه، تصفح الأدلة في أصول الدين، الانتصار في الرد على ابن الراوندي، غرر الأدلة في الأصول، شرح الأصول الخمسة وشرح العمد للقاضي عبد الجبار في أصول الفقه.

راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 3/ 401، شذرات الذهب 3/ 259، هدية =

ص: 249

يجوز أن ينسب فيها الرأي إلى الأئمة تخريجاً، فذكر منها هذه الحالة. قال:(أن ينص في الحادثة على حكم وتكون الحال ظاهرة في أن لا فصل بينه وبين حكم آخر في الشريعة، ظهوراً لا يجوز أن يقع فيه الاشتباه)(1).

وفي تعليلات أبي إسحاق الشيرازي (ت 476هـ) ما يدل على أخذه برأ] أبي الحسين. ففي جوابه عن اعتراض من قال بأن لا خلاف بين العلماء في أنه لو قال فيمن باع شقصاً مشاعاً من دار "للشفيع فيه الشفعة" فإن قوله هذا هو قوله في الأرض والبستان والحانوت، وإن لم يذكرها. قال:"إنما جعلنا قوله في الدار قوله في سائر ما ذكر ثم من العقار؛ لأن طريق الجميع متشابه، والفرق بينها وبين الدار وغيرها لا يمكن. وجوابه في بعضها جوابه في الجميع، وكلامنا في مسألتين يمكن الفرق بينهما (2) "، وإلى ذلك ذهب إمام الحرمين (3)(ت 478هـ)(4) وفخر الدين الرازي

(1) = العارفين 2/ 68، معجم المؤلفين 11/ 20، والأعلام 6/ 275.

() شرح العمد 2/ 334، والمعتمد 2/ 865، 866. وقد عين أبو الحسين البصري الحالات التي تجوز فيها نسبة المذهب إلى الإمام، وهي:

أ- أن يحكم في المسألة بعينها بحكم معين.

ب- "أن ينص على الحكم بلفظ عام يشتمله ويشتمل غيره، كأن يقول: الشفعة لكل جار".

ج- أن ينص في الحادثة على حكم، وتكون الحال ظاهرة في أن لا فصل بينه وبين حكم آخر في الشريعة ظهوراً لا يجوز أن يقع فيه الاشتباه.

د- أن يعلقه بعلة توجد في غيره، والمعلوم من حاله أنه لا يرى تخصيص العلة".

المصدران السابقان في الهامش.

(2)

التبصرة ص 517، وشرح اللمع بتحقيق د. عبد المجيد التركي 2/ 1084 و1085.

(3)

الغياثي ص 421

(4)

هو: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني النيسابوري الشافعي الأشعري الملقلب بضياء الدين المعروف بإمام الحرمين. من الفقهاء المتكلمين والأصوليين والمفسرين والأدباء. قرأ الفقه على والده والأصول على أبي القاسم الإسكاف. وتزود بأنواع العلوم من مشايخ عصره. قعد للتدريس وهو دون العشرين، وناظر المبتدعة، وظهرت فطنته وشاع ذكره منذ وقت مبكر. تنقل في البلدان وكان آخر-=

ص: 250

(ت 606هـ)(1) قال الرازي: (إما إذا لم يعرف قوله في المسألة، وعرف قوله في نظيرها، فهل يجعل قوله في نظيرها قولاً له فيها؟ فنقول: إن كان بين المسألتين فرق يجوز أن يذهب إليه ذاهب، لم يحكم بأن قوله في المسألة كقوله في نظيرها، لجواز أن يكون قد ذهب إلى الفرق، وإن لم يكن بينهما فرق، فالظاهر أن قوله في إحدى المسألتين قول له في الأخرى)(2).

على أن هذا، وإن كان متفقاً عليه بين جمهور العلماء، إلا أنه في المجال التطبيقي يعسر ادعاء انتفاء الفرق، فلعل المجتهد لو عرضت عليه

(1) = مطافه في نيسابور حيث توفي فيها سنة 478هـ.

من مؤلفاته: البرهان في أصول الفقه، والورقات في أصول الفقه، ونهاية المطلب في دراية المذهب، والشامل في أصول الدين، والغياثي، والإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد.

راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى 3/ 249، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 174، شذرات الذهب 3/ 358، هدية العارفين 1/ 626، معجم المؤلفين 6/ 184، الفتح المبين 1/ 206.

() هو: أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين التيمي البكري الطبرستاني الرازي الشافعي، الملقب بفخر الدين والمعروف بابن الخطيب، وهو قرشي النسب، وكان مولده بالري وإليها نسب.

كان أحد أبرز المتكلمين والأصوليين والفقهاء والمفسرين، فضلاً عن كونه حكيماً وأديباً وشاعراً ومشاركاً في كثير من العلوم الشرعية والعربية والحكمية. رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان، ونال منزلة رفيعة في زمنه وصار صاحب ثروة وحظوة عند الملوك، وفي سنة 606هـ أدركته المنية في مدينة هراة، ودفن في جبل قريب منها.

من أشهر مؤلفاته: المحصول والمنتخب في أصول الفقه، ومفاتيح الغيب في تفسير القرآن، والمعالم في أصول الدين، والمعالم في أصول الفقه، وعدد آخر من الكتب في موضوعات المعارف المتنوعة.

راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 3/ 381، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 216، شذرات الذهب 5/ 20، كشف الظنون 2/ 1615، هدية العارفين 2/ 107، معجم المطبوعات 1/ 916، الأعلام 6/ 313، معجم المؤلفين 11/ 79.

(2)

المحصول 2/ 441 (دار الكتب العلمية) و 2/ 2/ 523 تحقيق د. طه جابر.

ص: 251

المسألة لم يلحقها بما يشبهها في الظاهر، لوجود فرق عنده، والذي يؤيد ذلك أن كثيراً من المسائل التي ادعي فيها عدم الفرق أظهر بعض العلماء فيها فرقاً، وقد جاء ابن حجر الهيتمي (ت 973هـ)(1) على طائفة من هذه المسائل التي قيل بعدم الفرق بينها، وبين ما يخالف ذلك (2).

ثانياً ما نص على علته:

ونص الإمام على العلة قد يكون صريحاً، وقد يكون إيماء. ومن الصريح ما هو قاطع ومنه ما هو ظاهر. ولم أجد- فيما اطلعت عليه- تفصيلاً للعلماء في هذا الشأن، وأغلب ما نقل عنهم مطلق، ولم يقيد ذلك بنوع من أنواع المنصوص. ويظهر مما عرضته الكتب التي تناولت هذا الموضوع أن العلماء اختلفوا في ذلك على رأيين:

1 -

الرأي الأول: جواز التخريج على ما نص الإمام على علته، أو أومأ إليها. وقد اختار ذلك الحسن بن حامد [ت 403هـ] وجعل من أمثلته جواب الإمام أحمد- رحمه الله في المسكر، إنه حرام، فينسب إليه جميع أنواعه (3).

(1) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي المصري الملقب بشهاب الدين، ولد في محلة أبي الهتم في إقليم الغربية بمصر مات أبوه وهو صغير فكفله من عني به من أهل العلم. انتقل إلى مقام أحمد البدوي فتلقي فيه مبادئ العلوم، ثم انتقل إلى الأزهر، وأخذ عن علمائه طائفة من العلوم، فتمكن من العلم واشتهر أمره، وأذن له في الإفتاء وهو دون العشرين. استقر بآخرة في مكة ومات فيها سنة 973هـ.

من مؤلفاته: تحفة المحتاج في شرح المنهاج، وشرح الأربعين النووية، والصواعق المحرقة والزواجر وغيرها.

راجع في ترجمته: شذرات الذهب 8/ 370، والأعلام 1/ 234.

(2)

الاجتهاد وطبقات مجتهدي الشافعية للدكتور محمد حسن هيتو ص 46. وقد ذكر المؤلف أن الإمام ابن حجر بين هذه الفوارق في كتابه تحفة المحتاج فجاء بالعجب العجاب!

ولاحظ في ذلك أيضاً: مغني المحتاج إلى معرفة معاني المنهاج للخطيب الشيخ محمد الشربيني 1/ 12.

(3)

تهذيب الأجوبة ص 37 و 38.

ص: 252

وجعل أبو الحسين البصري (ت 436هـ) ذلك من الأدلة على مذهب الإمام. قال: (ومنها أن يعلل الحكم بعلة توجد في عدة مسائل، فيعلم أن مذهب شمول ذلك الحكم لتلك المسائل سواء قال بتخصيص العلة أو لم يقل)(1) ومثل لذلك بما لو قال الإمام مثلاً: النية واجبة في التيمم، لأنه طهارة عن حدث، فإنه يعلم من ذلك أنه اعتقد أن وجوب النية لأجل هذه العلة، وبما أن العلة شاملة فإنه يعلم شمول حكمها لكل ما وجدت فيه العلة (2).

وإلى ذلك ذهب أبو الخطاب وذكر أنه إذا نص في مسألة على حكم أو علل بعلة توجد في مسائل أخر فإن مذهبه في تلك المسائل مذهبه في المسألة المعللة، وقال: إن مذهب الإمام هو (ما نص عليه أو نبه أو شملته علته التي علل بها)(3) وكرر كلام أبي الحسين ومثاله في علة وجوب النية في التيمم (4).

وهو اختيار ابن قدامة (ت 620هـ)(5) في الروضة (6)، كما أنه

(1) المعتمد 2/ 866.

(2)

المصدر السابق.

(3)

التمهيد 4/ 372.

(4)

المصدر السابق 4/ 366 و 367 وبنى على ذلك أن مذهب الإمام- حينئذ- أن النية تجب في الوضوء وغسل الجنابة والحيض

إلخ.

(5)

هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن قدامة العدوي القرشي الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الملقب بموفق الدين. كان من أئمة المذهب الحنبلي في زمانه عميق التفكير، أخذ علمه عن أعيان العلماء في بلده، ثم في بغداد والموصل ومكة. قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من الموفق- رحمه الله توفي في دمشق سنة 620هـ. ودفن في سفح جبل قاسيون.

من مؤلفاته: المغني والكافي والمقنع والعمدة ومختصر الهداية لأبي الخطاب في الفقه، وروضة الناظر في أصول الفقه. وغير ذلك من الرسائل والكتب مختلفة الموضوعات.

راجع في ترجمته: فوات الوفيات 1/ 433، وذيل طبقات الحنابلة 2/ 133 - 149 وشذرات الذهب 5/ 88، والفتح المبين 2/ 53، والأعلام 4/ 67.

(6)

ص 379و 380.

ص: 253

اختيار ابن حمدان في صفة الفتوى. قال: (وقلت: إن نص الإمام على علته أو أومأ إليها كان مذهباً له، وإلا فلا ..)(1) واختاره ابن تيمية في المسودة أيضاً، سواء قيل بتخصيص العلة أو لا، كما هو الشأن عند من تقدمه من المجيزين، وعلل ذلك بأنه وإن قيل بتخصيص العلة (فإنما يصار إليه بدليل ولم ينقل من كلامه مخصص فأشبه العام الوارد من الشارع)(2) ونص على هذا الاختيار المرداوي (ت 885هـ) في الإنصاف (3)، والطوفي في شرح مختصر الروضة (4)، والفتوحي (ت 972)(5) في شرح الكوكب المنير، وقال: إنه الأصح (6).

ومن الممكن أن نعد كل من جوز التخريج عن طريق القياس مطلقاً ممن يذهب إلى جواز التخريج على منصوص العلة بطريق أولى؛ لأن مرتبة العلة المنصوصة أقوى من مرتبة العلة المستنبطة. ومن هؤلاء إمام الحرمين (ت 478هـ)(7) وابن

(1) صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 88.

(2)

المسودة ص 525.

(3)

الإنصاف 12/ 252.

(4)

3/ 638 و 639.

(5)

هو: أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفتوحي المصري الحنبلي الملقب بتقي الدين والشهير بابن النجار. ولد ونشأ في القاهرة، وتلقى علومه على والده، وعلى كبار علماء عصره. قضى حياته- بعد أن استوى على سوقه- في التعلم والتعليم والافتاء والجلوس في إيوان الحنابلة للقضاء والفصل في الخصومات. كان معروفاً بالصلاح والتقوى والفقه والزهد.

قال الشعراني: صحبته أربعين سنة فما رأيت شيئاً يشينه، وما رأيت أحداً أحلى منطقاً منه، ولا أكثر أدباً مع جليسه. توفي سنة 972هـ.

من مؤلفاته: منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات في الفقه الحنبلي، والكوكب المنير المسمى بمختصر التحرير وشرحه في أصول الفقه.

راجع في ترجمته: الأعلام 6/ 6، معجم المؤلفين 8/ 276.

(6)

4/ 498.

(7)

الغياثي ص 425و 427.

ص: 254

الصلاح (1)(ت 643). على أننا ننبه هنا إلى أن بعض من جوز ذلك يمنع النسبة إلى الإمام صراحة، ومن هؤلاء ابن عابدين (ت 1252هـ)، وهو من علماء الحنفية، فإنه رفض أن ينسب إلى الإمام ما يخرجه المجتهد قياساً على قوله. وإنه "لا يقال: قال أبو حنيفة كذا إلا فيما روي عنه صريحاً". ولكنه جوز أن يقال: مقتضى مذهبه كذا (2) وقد استدل لهذا الرأي بطائفة من الأدلة، نذكر منها ما يأتي:

أ- تعليل الإمام لحكمه دليل على تبعية الحكم للعلة (3). ولو لم يكن الأمر كذلك ما علل حكمه. وإذا كان الأمر كذلك لزم أن يكون حكم ما تحققت فيه العلة كحكم ما نص عليه. وأن يكون ذلك مذهبه. ما لم يوجد مانع من ذلك، والأصل عدمه.

ب- إن العلة لما كانت شاملة وعامة كانت كاللفظ العام، (فكما أن كلام الإمام العام يدل على مذهبه فكذلك تعليله (4). وهذا متحقق سواء كان الإمام ممن يقول بتخصيص العلة فهو يعتقد الشمول، وإن كان يقول بذلك، فإن تخصيصها لا يكون إلا إذا دل عليه دليل كما هو الشأن في العموم (5).

ج- إن إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص على علته واقع في كلام الشرع، فكذلك حكمه في كلام المجتهدين، بل وأولى (6). كتعليل النبي- صلى الله عليه وسلم طهارة سؤر الهرة بقوله:(إنها من الطوافين)(7) فإنه

(1) أدب المفتي والمستفتي ص 96.

(2)

شرح عقود رسم المفتي 1/ 25 من مجموعة رسائل ابن عابدين.

(3)

روضة الناظر ص 380، وشرح مختصر الروضة 3/ 638.

(4)

المعتمد 2/ 866، التمهيد 4/ 366و 367.

(5)

المصدران السابقان.

(6)

شرح مختصر الروضة 3/ 638و 639.

(7)

هذا النص جزء من حديث رواه الخمسة عن كبشة بنت كعب بن مالك وكانت تحت =

ص: 255

يلحق بها كل ما وجدت فيه علة الطواف.

د- إن شبهة من ذهب إلى عدم الإلحاق هي احتمال ظهور الفرق بين المسألتين وأنه ربما لو عرضت المسألة الحادثة على المجتهد لقال فيها بغير ما قال في المسألة المقيس عليها (1)، وهذا المعنى غير متحقق فيما نص الإمام على علته، وقطع بوجودها في الفرع.

2 -

الرأي الثاني: إنه لا يجوز أن ينسب إلى الإمام إلا ما نص عليه، أو دل عليه بما يجري مجرى النص وقد اختار ذلك: الشيخ أبو إسحاق الشيرازي (ت 476هـ) متمسكاً بأن (قول الإنسان ما نص عليه أو دل عليه بما يجري مجرى النص، وما لم يدل عليه فلا يحل أن يضاف إليه. ولهذا قال الشافعي- رحمه الله: (لا ينسب إلى ساكت قول.)(2) ورد على استدلالات المجوزين بأن ما اقتضاه قياس قوله يجوز أن ينسب إليه كما يجوز أن ينسب إلى الله تعالى وإلى رسوله ما يقاس على أقوالهم، بعدم التسليم بصحة النسبة أيضاً فلا يجوز أن يقال عما قيس بأنه قول الله ولا قول رسوله، وإنما يقال: دين الله أو دين رسوله، بمعنى أنهما دلا عليه (3). وكلام الشيرازي مطلق، يتناول جميع ما يقال على نص الإمام، ولم يفصل عنه ما نص على علته.

ومما استدل به أصحاب هذا الرأي:

أ- إن قول الإنسان هو ما نطق به، والقياس ليس بنطق ممن نسبت

(1) = ابن أبي قتادة. وهو أن أبا قتادة دخل عليها فسكبت له وضوءاً فجاءت هرة تشرب فأصغى لها الإناء حتى تشرب فيه. قالت كبشة فرآني أنظر فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ قالت نعم فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات].

انظر تلخيص الحبير 1/ 410 ونيل الأوطار 1/ 35.

() المعتمد 2/ 866، والتمهيد 4/ 367، شرح مختصر الروضة 3/ 638.

(2)

التبصرة ص 517 وشرح اللمع 3/ 1084.

(3)

المصدران السابقان، والبحر المحيط 6/ 127 و 128.

ص: 256

إليه نتيجته، فكان ذلك كمن نسب إلى الساكت قولاً ما قاله (1). وقد قال الشافعي- رحمه الله لا ينسب إلى ساكت قول (2).

ب- إن نسبة القول إلى المجتهد عن طريق القياس مما لا قطع بصحته، فهو من باب اتباع ما لا يعلم، وقد قال تعالى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (3).

ج- لو جازت نسبة القول إلى الإمام عن طريق القياس لجاز أن تنسب إليه أقوال غيره من العلماء من حيث القياس، وأن نعدها مذهباً له، وهذا باطل (4).

ثالثاً: ما عرفت علته عن طريق الاستنباط:

أما تخريج مذهب الإمام عن طريق قياس مستنبط العلة، فإنه يبدو أكثر تعقيداً مما سبق. وقد اختلف العلماء في جوازه، وفي صحة نسبة القول المخرج إلى الإمام، على الوجه الآتي:

1 -

الرأي الأول: إنه لا يجوز أن ينسب مذهب إلى الإمام عن طريق القياس، وممن ذهب إلى هذا الرأي أبو بكر الخلال (ت 311هـ) وأبو بكر عبد العزيز بن جعفر البغوي المعروف بغلام الخلال (ت 363هـ)، وأبو علي حنبل بن إسحاق الشيباني (5) ابن عم الإمام أحمد بن حنبل (ت 273هـ) وإبراهيم بن إسحاق الحربي (ت 285هـ). ذكر ذلك الحسن بن حامد، وأضاف إليهم (وسائر من شاهدناه). وقد أنكر هؤلاء على أبي القاسم

(1) تهذيب الأجوبة ص 38.

(2)

التبصرة ص 517.

(3)

تهذيب الأجوبة ص 40. والآية هي الآية رقم 36 من سورة الإسراء.

(4)

المصدر السابق ص 38 و 39.

(5)

هو أبو علي حنبل بن إسحاق بن حنبل الشيباني ابن عم الإمام أحمد بن حنبل. تلقى العلم عن طائفة من العلماء منهم الإمام أحمد نفسه. كان فقير الحال، صدوقاً روى مسائل عن الإمام أحمد. مات بواسط سنة 273هـ.

راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 1/ 143، وشذرات الذهب 2/ 163.

ص: 257

عمر بن الحسين الخرقي (ت 334هـ) ما خرجه في كتابه عن طريق القياس (1). وكلام أبي إسحاق الشيرازي (ت 476هـ) المطلق الذي سبق ذكره يلزم منه رفض هذه النسبة في القياس المستنبط العلة من باب أولى. كما أن ظاهر كلام أبي الحسين البصري (ت 436هـ) عدم جواز النسبة أيضاً، لأنه قصر ما تصح إضافته إلى صاحب المذهب تخريجاً على ثلاثة أقسام، ليس منها قياس العلة المستنبطة (2)، ونص في المعتمد على عدم جواز نسبة قول له في مسألة تشبه مسألة نص على حكمها شبهاً يجوز أن يذهب على بعض المجتهدين (3). وقد تابعه أبو الخطاب (ت 510هـ) على ذلك، وجاء بعباراته نفسها مع تغيير يسير (4). وهو اختيار ابن قدامة (ت 620هـ) في الروضة (5)، والطوفي (ت 716هـ) في شرحه لمختصر الروضة (6) وابن حمدان (ت 695هـ) في الرعاية الصغرى. قال (قلت: إن كانت مستنبطة فلا نقل ولا تخريج) (7).

والذي يظهر أن بعض محققي الشافعية كالإمام النووي (8)

(1) تهذيب الأجوبة ص 36.

(2)

شرح العمد 2/ 334.

(3)

المعتمد 2/ 865 و 866.

(4)

التمهيد 4/ 367.

(5)

ص 380.

(6)

شرح مختصر الروضة 3/ 640.

(7)

الإنصاف 12/ 244 نقلاً عن الرعاية الصغرى لابن حمدان.

(8)

هو أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن الملقب بمحيي الدين النووي الفقيه الشافعي، ولد بقرية نوى من قرى حوران في بلاد الشام. تعلم القرآن في بلده، ثم ارتحل مع والده إلى دمشق وفيها تعلم، وسمع الحديث من طائفة من علماء الشام. عرف بالذكاء والفطنة والصبر على المذاكرة وتلقي العلم. قال عنه ابن السبكي: إنه أستاذ المتأخرين، وحجة الله على اللاحقين، والداعي إلى سبيل السالفين. وإلى جانب ذلك عرف بالورع والزهد ولي مشيخة دار الحديث ولم يأخذ من مرتبها شيئاً. توفي- رحمه الله سنة 676هـ. ولم يتزوج.

من مؤلفاته: المجموع في شرح المهذب في الفقه الشافعي، ورياض الصالحين، =

ص: 258

(ت 676هـ) يميلون إلى تصحيح كلام أبي إسحاق الشيرازي في عدم جواز نسبة ما يخرج عن طريق القياس إلى الإمام (1). وكلام ابن عابدين (ت 12528هـ)، في عدم جواز نسبة القول المخرج إلى الإمام، شامل لهذه الحالة من باب أولى (2).

وقد استدل لهذا الرأي بطائفة من الأدلة، منها:

أ- جميع أدلة منع نسبة الرأي المخرج عن طريق القياس منصوص العلة، فإنها تصلح أدلة لهم، بل إن هذا القياس المستنبط العلة أولى في نفي نسبة الرأي المخرج إلى الإمام عن طريقه، مما هو منصوص العلة.

ب- إن في ذلك إثبات مذهب للإمام عن طريق القياس بغير جامع (3).

ج- إن الشبه بين المسألتين مما يجوز خفاؤه على بعض المجتهدين، ولهذا فإنه من المحتمل ظهور الفرق للمجتهد، لو عرضت عليه المسألة التي لم ينص على حكمها، فيثبت لها حكماً غير حكم ما نص على حكمه. فكيف نثبت له حكماً يجوز أن يبطله بظهور الفرق له؟ (4).

2 -

الرأي الثاني: إن ما قيس على كلام الإمام فهو مذهبه، وأنه يصح أن ينسب إليه. وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء. وقد اختاره أبو بكر الأثرم (ت 261هـ) وأبو القاسم عمر بن الحسين الخرقي (ت 334هـ)

(1) = والإيضاح في المناسك، وتهذيب الأسماء واللغات، ومنهاج الطالبين وتحرير ألفاظ التنبيه وغيرها.

راجع في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى 5/ 165، وطبقات الشافعية لابن هداية الله الحسيني ص 225، وشذرات الذهب 5/ 354، والأعلام 8/ 149، والفتح المبين 2/ 81 و 82، ومعجم المؤلفين 13/ 202.

() المجموع 1/ 66.

(2)

شرح عقود رسم المفتي 1/ 25.

(3)

شرح مختصر الروضة 3/ 640.

(4)

المصدر السابق.

ص: 259

وخرجا للإمام أحمد- رحمه الله طائفة من الأقوال في كثير من المسائل (1).

واختار الحسن بن حامد (ت 403هـ) الجواز، لكن لا بالقياس على أصل معين، بل بالقياس على ما يشبه القاعدة (2) وهذا أمر آخر ليس هو قياس العلة الذي نحن بصدده، وعلى هذا فنسبة الجواز إليه مشوبة بالمجازفة (3).

وقد مال إمام الحرمين (ت 478هـ) إلى صحة نسبة ذلك إلى الإمام، وجعل العالم المحيط بقواعد المذهب والمتدرب في مقاييسه منزلاً في الإلحاق بمنصوصات الإمام منزلة المجتهد الذي يتمكن بطرق الظنون إلحاق غير المنصوص عليه في الشرع، بما هو منصوص عليه. كما أنه "أقدر على الإلحاق بأصول المذهب الذي حواه، من المجتهد في محاولته الإلحاق بأصول الشريعة"(4) وصحح ذلك ابن الصلاح (ت 643هـ)، وقال: إنه (الذي عليه العمل وإليه مفزع المفتين من مدد مديدة)(5).

ومما استدل به لهذا الرأي:

أ- قياس المخرج على نصوص الإمام، على المجتهد المطلق في استنباطه الأحكام الشرعية بالقياس على نصوص الشارع، بل إن المخرج أقدر على الإلحاق بأصول المذهب من المجتهد في محاولة الإلحاق بأصول الشريعة، نظراً إلى أن المذاهب قد مهدت ورتبت ونظمت وضبطت ومهدت فيها مسالك القياس والأسباب، ويسر للمخرج ما لم ييسر للمجتهد المطلق (6).

(1) تهذيب الأجوبة ص 36.

(2)

المصدر السابق.

(3)

لاحظ نسبة ذلك إليه في صفة الفتوى ص 88، والمسودة ص 524.

(4)

الغباثي ص 425 و 426.

(5)

أدب المفتي والمستفتي ص 96.

(6)

الغباثي ص 425و 426 وأدب المفتي والمستفتي ص 96، وشرح مختصر الروضة =

ص: 260

ب- إن العلماء مجمعون في أجوبتهم وفتاويهم على بنائها على أصول الأئمة بالقياس (1)، وإن واقع ما هو مسطور في كتب الفقه يؤيد ذلك، ومما يعزز ذلك أن كثيراً من المسائل الفقهية، لا سيما في الفرائض ينقلون منها عن الصحابة مسائل مختلفاً فيها فيما بينهم، وهي في غالبها مفرعة على جنس ما نقل عنهم، ولم ينصوا عليها بأعيانها (2) وقد كان العلماء يخرجون على أصول أئمتهم حتى في زمان وجود المجتهدين المطلقين.

فأصحاب أبي حنيفة مثلاً كانوا يفتون بمذهبه في زمان الإمام الشافعي والإمام أحمد وغيرهما من دون نكير، وإذا كان الأمر كذلك في زمن وجود المجتهدين اجتهاداً مطلقاً، جاز في حالة عدمهم بالطريق الأولى، أو بطريق الإجماع المتحقق من دون نكير (3).

ج- لو لم يؤخذ بالقياس على أقوال الأئمة لتركت كثير من الوقائع خالية من الأحكام (4)، وهذا لا يجوز.

تعقيب على وجهات النظر والاستدلالات.

تلك هي وجهات نظر العلماء بشأن تخريج الأقوال عن طريق القياس، وجواز نسبتها إلى الأئمة، سواء كان منصوص العلة أو مما استنبطت علته. وعند تأمل آرائهم واستدلالاتهم يظهر لنا ما يأتي:

1 -

إن الذين منعوا من ذلك يمكن أن يقال في أدلتهم ما يأتي:

أ- إن قولهم إن القياس ليس بنطق ولا ينسب إلى ساكت قول، لا يسلم لهم في منصوص العلة؛ لأن ما نص على علته يجري مجرى النص

(1) = 3/ 639.

() تهذيب الجوبة ص 39.

(2)

تهذيب الجوبة ص 39.

(3)

التقرير والتحبير 3/ 346 و 347، وفواتح الرحموت 2/ 404.

(4)

تهذيب الأجوبة ص 39.

ص: 261

على الحكم، فهو غير مسكوت عنه، بل منطوق أ، جار مجرى المنطوق.

ب- واستدلالاتهم بآية {ولا تقف ما ليس لك به علم} أو ما هو في معناها، غير وارد؛ لأنه لا يسلم لهم أن ما نص على علته هو مما لا علم به، فحيث نص الإمام على علة حكم دل ذلك على أن حكمه تابع للعلة، ووقع العلم بأن حكمه هو في كل مسألة تحققت بها العلة. والظن بتحقق ذلك كاف في الأحكام الشرعية.

ج- وقولهم أنه لو جاز نسبة القول إلى الإمام عن طريق القياس لجازت نسبة أقوال غيره إليه عن طريقه، وهو باطل، ممنوع؛ لأنه إن نص على العلة فقوله ما تحققت فيه العلة، سواء قال بذلك غيره أو لم يقل. وما المانع من أن ننسب إليه أقوال غيره إن وافقها، ما دامت العلة التي نص عليها موجودة؟ لكن الممنوع هو أن ننسب إليه قول غيره، إن خالف علته التي نص عليها.

د- وقول المانعين لذلك في مستنبط العلة، إن في ذلك إثبات مذهب للإمام عن طريق القياس بغير جامع، يحتاج إلى إيضاح، فإن المفترض في القياس أن يكون بجامع، وإلا فكيف يكون قياساً؟

هـ- وقولهم بجواز خفاء الشبه على بعض المجتهدين، وبجواز ظهور الفرق بين المسألتين صحيح. وقد بينا أن بعض العلماء تعرض لبعض المسائل المخرجة عن طريق القياس، فأظهر بينها طائفة من الفروق، لكن ذلك ليس فيما نص على علته.

وبوجه عام فإن حجج المانعين إن اتجهت إلى القياس مستنبط العلة، فهي لا تتجه إلى ما كان منصوص العلة؛ لما ذكرنا أنه كالمنطوق أو ما جرى مجراه.

2 -

أما الذين أجازوا ذلك فإن استدلالات من أجاز نسبة ما استنبط قياساً على منصوص العلة متجهة، لكن الذين أجازوا هذه النسبة حتى لو كانت العلة مستنبطة، لم يحالفهم التوفيق. فجعل نصوص الإمام بمنزلة نصوص

ص: 262

الشارع وقياسهم المجتهد على الشارع غير مقبول إطلاقاً، وقد سبق لنا أن ناقشنا ذلك في مسألة التخريج على أفعال وتقريرات الإمام. ونحن نعلم أن الشارع تعبدنا بنصوصه، وتعبدنا بإجراء حكم ما نبه على علته، في مسألة من المسائل، في كل مسألة وجدت فيها تلك العلة، إلا أن يرد ما يخصصها، وهذا الأمر غير متحقق في المجتهد (1).

ولأن من الجائز أن يكون بين المسألتين فرق لم ينتبه إليه المخرج، فيخطئ في قياسه (2)، فضلاً عن أن المجتهد ليس معصوماً، والخطأ منه محتمل، والتناقض في أحكامه جائز. وخروجاً من مأزق نسبة القول إلى الإمام، وادعاء أنه قوله، ينبغي أن يحترز في التعبير، وأن يقال: مقتضى ما قاله في المسألة الفلانية هو كذا، أو قياس مذهبه هو كذا، كما اختار ذلك ابن عابدين (ت 1252هـ)(3)، والله أعلم.

أمثلة للتخريج عن طريق القياس المستنبط العلة:

1 -

إن المنصوص في مذهب الشافعية أن جراح العبد يكون من قيمته، كجراح الحر من ديته، لكنهم خرجوا قولاً آخر في المسألة، هو أن الواجب في جراحه، يكون بقدر ما حدث فيه من نقصان. فلو قطع ذكر العبد، وجب كمال قيمته على النص، كما هو الشأن في كمال الدية في الحر. وفي القول المخرج أنه لا يجب شيء، إذا لم يؤد ذلك إلى نقصان قيمته، قياساً على البهيمة (4).

2 -

ومن ذلك ما لو نذر التصدق بمال، ونوى في نفسه قدراً معيناً، فقد نص أحمد- رحمه الله في رواية أبي داود أنه لا يلزمه ما نواه.

(1) المعتمد 2/ 867، والتمهيد 4/ 368.

(2)

التمهيد 4/ 368.

(3)

شرح عقود رسم المفتي 1/ 25 من مجموعة رسائل ابن عابدين.

(4)

الوجيز 2/ 148.

ص: 263

لكن أبا البركات خرج في تعليقه على الهداية قولاً باللزوم، قياساً على ما نص عليه أحمد- رحمه الله فيمن نذر صوماً أو صلاة، ونوى في نفسه أكثر مما يتناوله اللفظ، أنه يلزمه ما نواه، لأن هذه مثل تلك (1).

3 -

ومن ذلك أنهم نقلوا عن الإمام أحمد بشأن الشهادة على الشهادة روايتين، إحداهما نص عليها، وهي المصححة عندهم، أنه لا تثبت شهادة شاهدي الأصل إلا بشاهدين، فتثبت سواء شهدا على كل واحد منهما، أو شهدا على كل شاهد شاهد. وأخراهما أنه لا تثبت الشهادة إلا بأربعة شهود، يشهد على كل أصل فرعان. وذلك قياساً على عدم إثبات إقرار مقرين بشهادة اثنين، كل منهما على شاهد واحد (2). وخرجوا على هذه الرواية أنه يكفي شهادة فرعين بشرط أن يشهدا على كل واحد من الأصلين، لأن بهذا يتحقق المراد من شهادة فرعين على كل أصل (3).

4 -

ومن ذلك ما ورد في كتب الشافعية بشأن حكم من يممه غيره، وكان قادراً على التيمم بنفسه، أنه يجوز ذلك كما يجوز في الوضوء. وهو مما نص عليه الشافعي في الأم، كما نص أيضاً على أنه إذا ألقت الريح عليه تراباً استوعب وجهه ويديه، وأمر يديه على وجهه، فإنه لا يجزيه ذلك. فخرج ابن القاص قولاً بعدم الجواز في الحالة الأولى، قياساً على الحالة الثانية.

(1) قواعد ابن رجب ص 281.

(2)

المحرر 2/ 340 و 341، والنكت والفوائد السنية لابن مفلح في الموضع المذكور، والمغني 9/ 212 و 213 والقول بمقتضى هذه الرواية مما قطع به ابن هبيرة عن الإمام أحمد. وهو ظاهر ما نقل عن ابن بطة. كما أنه قول أبي حنيفة ومالك والشافعي في القول الآخر.

(3)

هو أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري ثم البغدادي: المعروف بابن القاص، بسبب أن والده كان يقص الأخبار والآثار، أو أنه نفسه كان يقوم بذلك.

كان من أئمة فقهاء الشافعية في زمانه، توفي في طرسوس سنة 335 وقيل سنة 336هـ.

من مؤلفاته: المفتاح في الفقه الشافعي، وأدب القاضي، والتلخيص في فروع الفقه= الشافعي

ص: 264

وقد استبعد جمهور علماء الشافعية أن يكون ذلك معدوداً في المذهب (1).

5 -

ومن ذلك في مذهب أحمد- رحمه الله أن الترتيب في الوضوء واجب، وقال في المغني: لم أر فيه اختلافاً، وهو مذهب الشافعي وأبي ثور (2) وأبي عبيد (3). لكنه ذكر أن أبا الخطاب حكى رواية أخرى عن أحمد أنه غير واجب وهو مذهب مالك والثوري (4) وأصحاب الرأي، وآخرين من السلف (5).

وما ذكره ابن قدامة من حكاية أبي الخطاب هي تخريج له، وافقه عليه ابن عقيل، عن طريق القياس. ذلك أنه نقل عن أحمد أن الترتيب بين المضمضة والاستنشاق غير واجب، فقاس أبو الخطاب سائر أعضاء الوضوء

(1) = راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 1/ 51، وطبقات الشافعية الكبرى 2/ 103، ومعجم المؤلفين 1/ 149.

() المجموع 2/ 235.

(2)

هو إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي. كان من الفقهاء المعروفين، ومن أصحاب الشافعي. توفي سنة 240هـ وقيل سنة 246هـ. له مؤلفات عدة، منها اختلاف مالك والشافعي.

راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 1/ 7، وشذرات الذهب 2/ 93، والأعلام 1/ 37.

(3)

الظاهر أن المراد من ذلك هو علي بن الحسين بن حرب الملقب بأبي عبيد. كان فقيهاً مجتهداً من أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي، وكان قاضياً. ولد ببغداد وتوفي فيها سنة 319هـ.

راجع في ترجمته: شذرات الذهب 2/ 281، والأعلام 4/ 277.

(4)

هو أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الكوفي. كان من أئمة علماء زمانه في الفقه والحديث والتفسير. وأحد كبار المجتهدين. عرف بورعه وزهده وكونه ثقة فيما يرويه. توفي في البصرة سنة 161هـ على الصحيح.

من مؤلفاته: الجامع الكبير، والجامع الصغير في الحديث، وكتاب الفرائض. وجمع له بعضهم كتاباً في التفسير، مما تناثر من أقواله في ذلك، في كتب التراث.

راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 2/ 127، والجواهر المضية 2/ 227، والأعلام 3/ 104.

(5)

المغني 1/ 136.

ص: 265

على ذلك (1)، ونسب إلى أحمد- رحمه الله رواية أخرى، أنه لا يرى وجوب الترتيب.

وقد ضعف هذا التخريج، بتقوية الرواية الأخرى وتقريرها بالأدلة (2).

6 -

ومن ذلك ما لو اقتسم الشريكان داراً، فحصل الطريق في نصيب أحدهما، ولم يكن للآخر منفذ يتطرق منه. فقد ذهب أبو الخطاب إلى بطلان القسمة، وبرأيه أخذ ابن قدامة وأبو البركات (3) ووجه هذا الرأي أن القسمة تقتضي التعديل، والنصيب الذي لا طريق له ذو قيمة قليلة، فلا تتحقق العدالة في القسمة، ولأن من شرط الإجبار على القسمة، أن يكون ما يأخذه كل واحد من الشريكين مما يمكن الانتفاع به، وهذا الشرط غير متحقق في القسمة المذكورة (4).

وخرج ابن قدامة في المسألة وجهاً آخر، هو تصحيح القسمة، مع الاشتراك في الطريق، وذلك عن طريق القياس على نص الإمام أحمد- رحمه الله في اشتراكها في مسيل الماء. ففي قوم اقتسموا داراً كانت أربعة أسطح يجري عليها الماء، فلما اقتسموا أراد أحدهم منع جريان ماء الآخر عليه، وقال: هذا شيء قد صار لي. قال أحمد-: إن كان بينهما شرط أنه يرد الماء فله ذلك. فإن لم يكن فليس له منعه (5).

وكلام أحمد هذا ليس فيه إبطال القسمة، بل تجويزها، مع عدم إعطاء ذي الماء حقاً يمنعه عن غيره. ففي المسألة قياس الطريق على مجرى الماء بجامع انتفاء المنفعة في الأرض، أو نقصانها بمنع الماء أو المرور فيها.

(1) المنهج الأحمد 2/ 238.

(2)

المغني 1/ 136.

(3)

المغني 9/ 131، وقواعد ابن رجب ص 416، والمحرر 2/ 218.

(4)

المغني في الموضع السابق.

(5)

المغني في الموضع السابق، والإنصاف 11/ 367.

ص: 266