الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
كان في طائفة غير قليلة من الفروع الفقهية المبنية على القواعد، يستقصي المسألة من جوانبها المختلفة، ويوسع فيها الكلام مصححاً ومرجحاً ومستدلاً. وفي هذا خروج عن المقصود من الكتاب، لأن تأليفه كان لبيان كيفية بناء الفروع على الأصول، لا بيان صحة الحكم أو عدمه والاستدلال له (1).
6 -
كانت أكثر الفروع الفقهية الواردة في الكتاب دائرة حول الطلاق وألفاظه، وذكر محقق الكتاب أنها تقارب الثمانين في المائة (2) غير أن هذا التقدير غير صحيح، وتعوزه الدقة، فالألفاظ المذكورة لا تكاد تصل حتى نصف العدد الذي ذكره، والاستقراء وحصر الألفاظ وتصنيفها ينفي مثل هذه الدعوى.
7 -
ويلاحظ أن الأسنوي كان شديد النقد للعلماء، وبخاصة النووي، فهو لا يكاد يظفر بفرصة يسيرة إلا وهاجمه فيها، ومن نعته له قوله (والذي قاله ذهول عجيب وغفلة فاحشة)(3)، وقوله (والذي ذكره النووي غلط فاحش)(4) وقد تكرر هذا كثيراً منه في الكتاب مع أنه في بعض المواضع كان مخطئاً وكان الحق بجانب النووي (5).
الفرع الثاني: نموذج من الكتاب:
نذكر فيما يأتي المسألة (17) من مسائل باب الحكم الشرعي وأقسامه، وهي المسألة الخاصة بالأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أو لا؟ وقد آثرنا نقلها مع هوامش المحقق وتعليقاته، ونظراً إلى أن المحقق لم يوثق الآراء في
(1) مقدمة المحقق ص35.
(2)
ص 34.
(3)
ص 115 مسألة 2 من أركان الحكم.
(4)
ص 220 مسألة 7 تعارض ما يخل بالفهم.
(5)
لاحظ ص 347 مسألة دخول المتكلم في عموم خطابه، وهامش 3 للمحقق.
المسألة، وإنما اكتفى بذكر بعض مظانها، فقد أضفنا إلى ذلك بضعة هوامش لهذا الغرضن كما فعلنا مع تخريج الفروع على الأصول للزنجاني، وقد فصلنا هوامشنا عن هوامش المحقق، ورمزنا لها بالأحرف الهجائية.
قال الأسنوي في المسألة 17 من مسائل باب الحكم ص 94.
الأمر بالشيء، هل هو نهي عن ضده أم لا (1)؟
فيه ثلاثة مذاهب، حكاها إمام الحرمين في "البرهان"(2) وغيره.
ولنقدم على ذلك مقدمة، وهي: أنه إذا قال السيد لعبده مثلاً: اقعد، فمعناه أمران منافيان للمأمور به، وهو وجود القعود.
أحدهما مناف له بذاته، أي بنفسه، وهو عدم القعود، لأنهما نقيضان، والمنافاة بين النقيضين بالذات، فاللف الدال على القعود؛ دال على النهي عن عدمه، أو على المنع منه بلا خلاف.
والثاني: مناف له بالفرض، أي بالاستلزام، وهو الضد، كالقيام في مثالنا، أو الاضطجاع وضابطه: أن يكون معنى وجودياً يضاد المأمور به، ووجه منافاته بالاستلزام: أن القيام مثلاً يستلزم عدم القعود، الذي هو نقيض القعود، فلو جاز عدم القعود؛ لاجتمع النقيضان، فامتناع اجتماع الضدين؛ إنما هو لامتناع اجتماع النقيضين؛ لا لذاتهما، فاللفظ الدال على القعود يدل
(1) من "أ" وفي الأصل و"ط" ولا.
(2)
انظر للوقوف على التفصيل في هذه المسألة وتحقيق القول فيها رفع الحاجب عن ابن الحاجب 1/ق 321ب، والإبهاج بشرح المنهاج 1/ 76 لابن السبكي حيث ذكر فيهما بحثاً نفيساً وطويلاً جلي فيه جوانب المسألة وأوضحها. وانظر تريج الفروع على الأصول للزنجاني ص 128 حيث جعل الخلاف فيها بين الشافعي وأبي حنيفة، وليس الأمر على ما ذكره فإن في كلا المذهبين مني قول به ومن ينفيه. وقد تعرض لها أيضاً ابن التلمساني في كتابه مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول ص 34 وذكر عدداً من الفروع المبنية عليها (ب).
............................
(أ) البرهان 1/ 250 - 255 في الفقرات 163، 164، 165.
(ب) انظر في هذه المسألة وما يتخرج عليها من الفروع في المذهب الحنبلي: القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص 183 القاعدة (48).
على النهي عن الأضداد الوجودية، كالقيام بالالتزام، والذي يأمر قد يكون غافلاً عنها.
كذا ذكره الإمام (أ) وغيره، وحكى القرافي (1) عن بعضهم أن المنافاة بين الضدين ذاتية إذا علمت ذلك؛ فلنرجع إلى ذكر المذاهب فنقول:
أحدها: أن الأمر بالفعل هو نفس النهي عن ضده، فإذا قال (2) مثلاً: تحرك فمعناه: لا تسكن. واتصافه بكونه أمراً ونهياً باعتبارين، كاتصاف الذات الواحدة بالقرب والبعد بالنسبة إلى شيئين.
والثاني: وهو الصحيح عند الإمام (ب) وأتباعه، وكذلك الآمدي: أنه غيره، ولكنه يدل عليه بالالتزام (ج)، لأن الأمر دال على المنع من الترك، ومن لوازم المنع من ذلك منعه من الأضداد، فيكون الأمر دالاً على المنع من الأضداد بالالتزام، وعلى هذا فالأمر (3) بالشيء نهي عن جميع أضداده بخلاف النهي عن الشيء، فإنه أمر بأحد أضداده كما ستعرفه.
والثالث: واختاره ابن الحاجب (4) أنه لا يدل عليه أصلاً (د)، لأنه قد
(1) هو الإمام أحمد بن إدريس، أبو العباس، شهاب الدين القرافي، له مصنفات شائعة مشهورة في الفقه والأصول منها "أنوار البروق في أنواء الفروق" و"الذخيرة" في الفقه المالكي، و"شرح تنقيح الفصول" في الأصول توفي سنة 684هـ.
(2)
في "ط" و"أ" فإذا قال له.
(3)
في "ط" الأمر.
(4)
وإليه ذهب إمام الحرمين والغزالي (هـ).
..............................
(أ) البرهان 1/ 252 - 254 الفقرة (164).
(ب) المصدر السابق 1/ 251 الفقرة (163).
(ج) الإحكام 2/ 170، وقد اختار الآمدي التفصيل فانظره فيما ذكر من مرجع.
(د) انظر اختيار ابن الحاجب في: منتهى الوصول ص 95، ومختصر المنتهى بشرح العضد 2/ 85 وما بعدها.
(هـ) انظر رأي الغزالي في المنخول ص 109، أما إمام الحرمين فقد ذكرنا مصدر رأيه فيما سبق.
يكون غافلاً عنه كما سبق، ويستحيل الحكم على الشيء مع الغفلة عنه (1).
وإذا قلنا بأنه يدل، فهل يختص بالواجب، أم يدل أيضاً أمر الندب على كراهة ضده؟ فيه قولان، حكاهما الآمدي، وابن الحاجب (أ) وغيرهما.
أصحهما: أنه لا فرق.
ويشترط في كونه نهياً عن ضده، أن يكون الواجب مضيقاً (2).
ما نقله شراح المحصول عن القاضي عبد الوهاب (3).
(1) قال ابن السبكي في الإبهاج 1/ 78 ويتعين أن تكون هذه المذاهب في الكلام النفسي بالنسبة إلى المخلوق، وأما الله تعالى فكلامه واحد كما عرفت، لا تتطرق الغيرية إليه ولا يمكن أن يأمر بشيء إلا وهو مستحضر لجميع أضداده، لعلمه بكل شيء بخلاف المخلوق، فإنه يجوز أن يذهل ويغفل عن الضد، وبهذا الذي قلنا، صرح الغزالي، وهو مقتضى كلام إمام الحرمين والجماهير .. وأما المتكلمون في اللساني، فيقع اختلافهم على قولين أحدهما: أن يدل عليه بطريق الالتزام، وهو رأي المعتزلة، والثاني أنه لا يدل عليه أصلاً، ولبعض المعتزلة مذهب ثالث وهو أن أمر الإيجاب يكون نهياً عن أضداده، ومقبحاً لها، لكونها مانعة من فعل الواجب، بخلاف المندوب، فإن أضداده مباحة غير منهي عنها، لا نهي تحريم، ولا نهي تنزيه. ولم يقل أحد هنا:"إن الأمر بالشيء نفس النهي عن ضده لكونه مكابرة وعناداً كما قررناه" أ. هـ.
(2)
قال ابن السبكي في الإبهاج 1/ 79. "وما قاله القاضي عبد الوهاب"، من اشتراط التضييق، لم يتضح لي وجهه، فإن الموسع إن لم يصدق عليه أنه واجب فأين الأمر حتى يستثنى من قولهم، الأمر بالشيء نهي عن ضده. وإن صدق عليه أنه واجب بمعنى أنه لا يجوز إخلاء الوقت عنه فضده الذي يلزم من فعله تفويته منهي عنه. وحاصل هذا، أنه إن صدق الأمر عليه، انقدح كونه نهياً عن ضده، وإلا فلا وجه لاستثنائه. أ. هـ.
(3)
انظر ترجمة القاضي عبد الوهاب في ص 29 من هذا الكتاب، وقد أعرضنا عن ذكر ترجمة المحقق له في هذا الهامش، تجنباً للتعارض والتكرار.
...................
(أ) انظر: الإحكام، ومنتهى الوصول، ومختصر المنتهى في المواضع السابقة.
لأنه (1) لابد أن ينتهي عن الترك المنهي عنه حين ورود النهي، ولا يتصور الانتهاء (2) عن تركه إلا مع الإتيان بالمأمور به، فاستحال النهي مع كونه موسعاً.
إذا علمت ذلك فقد ذكر الرافعي (أ) في "الشرح الصغير"(ب) فائدة الخلاف في هذه المسألة، وفي عكسها من الفروع فقال:
1 -
إذا قال لامرأته: إن خالفت أمري؛ فأنت طالق، ثم قال لها (3): لا تكلمي زيداً، فكلمته، لم تطلق، لأنها خالفت نهيه، لا أمره هذا هو المشهور. وقال الغزالي: أهل العرف يعدونه مخالفاً للأمر (ج).
2 -
ولو قال: إن خالفت نهيي، فأنت طالق (4)، ثم قال لها: قومي، فقعدت. فللأصوليين من الأصحاب وغيرهم خلاف في أن الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده أم لا فذهب بعض من جعله نهياً على وقوع الطلاق.
(1) في "ط" أنه.
(2)
في "أ" النهي.
(3)
في "ط" ثم قال لا تكلمي.
(4)
في "ط" طالقة.
.........................
(أ) ترجم المحقق للرافعي في ص 53 هامش 6 من كتاب التمهيد فقال:
هو: الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم، القزويني، الرافعي، إمام المذهب الشافعي، وصاحب التصانيف المشهورة التي لم يصنف مثلها في المذهب "كالشرح الكبير" وغيره توفى سنة 623هـ في أواخرها (طبقات الشافعية 8/ 281 - العبر 5/ 94، شذرات الذهب 5/ 108 - طبقات ابن هداية الله 83).
(ب) هو: أحد شرحي الرافعي لكتاب الوجيز لأبي حامد الغزالي (تهذيب الأسماء واللغات 2/ 264) والكبر منهما هو فتح العزيز شرح الوجيز.
(ج) الوجيز 2/ 70.
والأظهر عند الإمام وغيره المنع مطلقاً (أ) إذ لا يقال في عرف اللغة لمن قال: قم: إنه نهي.
انتهى كلام (1)"الشرح الصغير" ملخصاً. ولم يذكر الرافعي في "الشرح الكبير" شيئاً من ذلك، مع ذكر ذلك في "الوجيز"، وكأن نظره انتقل حالة الشرح، أو سقط ذلك من نسخة "الوجيز" الذي كان ينقل منه، ولم ير النووي خلو "الروضة" عن هذه المسألة فأثبتها فيهان ناقلاً لها من "الوجيز"، إلا أنه بسط كلامه، وخالف أيضاً ما ذكره الرافعي في "الشرح الصغير" فيما إذا قال: إن خالفت نهيي، ثم قال: قومي، فقعدت، فإن كلام الرافعي يقتضي أن المعروف في النقل أنه لا يقع، وكلام "الروضة" يقتضي عكسه، وكان ينبغي للنووي أن ينبه على أن هذه المسلة من زوائده، فإن الواقف عليها في "الروضة" يتوهم أن الرافعي ذكرها، وأن كلامه قد اختلف، على أن بعض نساخ الرافعي قد أثبتها أيضاً من "الوجيز".
(1) في (أ) انتهى كلامه.
.......................
(أ) انظر الفقرة (164) من كتاب البرهان لإمام الحرمين، وممن رفض أنها تطلق الإمام الغزالي. وذكر أن من قال بالطلاق بنى قوله على أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، وهو فاسد (الوجيز 2/ 70).
ويبدو أن بناء هذا الفرع هو على أن النهي عن الشيء هل هو أمر بضده أو لا فانظر القاعدة (48) من القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام ص 184 و185.