المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالثالتخريج على الأصول - التخريج عند الفقهاء والأصوليين

[يعقوب الباحسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيدفي تعريف التخريج وبيان أنواعه

- ‌الباب الأولفي أنواع التخريج

- ‌الفصل الأولتخريج الأصول من الفروع

- ‌المبحث الأولنشأته وتطوره

- ‌المبحث الثانيأمثلة لبعض الأصول المخرجة

- ‌المبحث الثالثحكم نسبة الأصول المخرجة إلى الأئمة

- ‌الفصل الثانيتخريج الفروع على الأصول

- ‌المبحث الأولنشأة العلم وتطوره

- ‌المبحث الثانيأسباب اختلاف الفقهاء

- ‌المبحث الثالثالتخريج على الأصول

- ‌المبحث الرابعالتعريف بأهم الكتب المؤلفة

- ‌المطلب الأولكتاب (تأسيس النظر) لأبي زيد الدبوسي

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب

- ‌المطلب الثانيتخريج الفروع على الأصول

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب:

- ‌المطلب الثالثمفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب:

- ‌المطلب الرابعالتمهيد في تخريج الفروع على الأصول

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نموذج من الكتاب:

- ‌المطلب الخامسالقواعد والفوائد الأصولية

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نموذج من الكتاب:

- ‌الفصل الثالثتخريج الفروع على الفروع

- ‌المبحث الأولمصادر التخريج

- ‌المطلب الأولنص الإمام وما يجري مجراه

- ‌الفرع الأول: في بيان المراد من النص وما يجري مجراه

- ‌الفرع الثاني: طرق معرفة النصوص

- ‌الطريق الأول:مؤلفاتهم المنسوبة إليهم

- ‌الطريق الثاني:نقل أصحابهم لآرائهم في المسائل المختلفة

- ‌المطلب الثانيمفهوم نص الإمام

- ‌المطلب الثالثفي أفعال الأئمة

- ‌المطلب الرابعتقريرات الإمام

- ‌المطلب الخامسالحديث الصحيح

- ‌المبحث الثانيطرق تخريج الفروع على الفروع

- ‌المطلب الأولالتخريج بطريق القياس

- ‌المطلب الثانيالنقل والتخريج

- ‌المطلب الثالثلازم مذهب الإمام

- ‌الباب الثانيفي مراتب المخرجين وصفاتهم وشروطهم

- ‌الفصل الأولمراتب المخرجين بين طبقات الفقهاء

- ‌المبحث الأولتقسيم وترتيب ابن كمال باشا

- ‌المبحث الثانيتقسيم وترتيب ابن الصلاح

- ‌المبحث الثالثتقسيم وترتيب ابن حمدان

- ‌المبحث الرابعفي تقسيمات أخر

- ‌الفصل الثانيشروط وصفات علماء التخريج

- ‌المبحث الأولشروط وصفات علماء التخريج

- ‌المبحث الثانيفي تحقق فرض الكفاية بهم

- ‌الفصل الثالثأنواع الأحكام المخرجة وصفاتها

- ‌خاتمة

- ‌المصادر والمراجع

- ‌فهرس الأعلام المترجم لهم

الفصل: ‌المبحث الثالثالتخريج على الأصول

‌المبحث الثالث

التخريج على الأصول

وحكم نسبة الآراء إلى الأئمة بناء عليه

يتصل موضوع تخريج الفروع على الأصول بمسألة التعليل اتصالاً وثيقاً لأنه فرع هذه المسألة، ومنها يستمد قوة ابتنائه، وعليها يعتمد في تفريعاته، ولكن تبقى بعد ذلك مسألة صحة نسبة هذه الأقوال المفرعة إلى الأئمة موضع بحث. فإذا عرف أصل من أصول الأئمة، فهل يصح أن يعلل به، أو أن يبني عليه استنباط حكم ينسب إلى الإمام في وقائع جديدة لم يرد فيها عنه نص.

إن الحكم على ذلك يمكن أن يدخل في مجالين:

الأول: أن يكون الحكم الشرعي مما نص عليه الإمام، أو مما ورد عنه بطريقة معتد بها، ويكون التخريج لغرض التوجيه والتعليل وبيان المأخذ ليس غير.

الثاني: أن لا يكون للإمام رأي في المسألة المعروضة، فيقوم العلماء بتخريج رأي فقهي له بناء على قواعده وأصوله.

أما المجال الأول فلا يبدو أن فيه ما يمنع من ذلك، إذا لم يترتب على مثل هذا التعليل إلحاق فروع جديدة بما ورد عن الإمام في المسألة، لأن التعليلات والتوجيهات ليست أحكاماً تكليفية، وليس فيها نسبة قول للإمام إلا إذا ادعى أن هذا هو مأخذ الإمام، الأمر الذي يترتب عليه إلحاق فروع جديدة بما تم تعليله، وتدخل المسألة حينئذ في نطاق القياس على نصوص الإمام، في حالة ما إذا كانت العلة مستنبطة من قبل المخرج، وهي مسألة

ص: 99

سترد عند الكلام عن تخريج الفروع من الفروع.

أما المجال الثاني فإن الحديث عنه يُعد حديثاً عن مصادر التخريج التي تطرق إليها العلماء. وقد رأينا أن نبحث في هذا المصدر، وهو أصول الإمام وقواعده وضوابطه، في مجال تخريج الفروع على الأصول، نظراً لأنه القاعدة التي ينبني عليها هذا النوع من التخريج تاركين مصادر التخريج الأخرى في مجالها الخاص، وهو تخريج الفروع على الفروع لمناسبتها له وارتباطها به.

إن المقصود من هذا البحث، هو النظر في قواعد الإمام الأصولية أو ضوابطه الفقهية، من أجل بناء الأحكام الفرعية التي لم يرد عنه نص بشأنها عليها. ولتوضيح ذلك نقول: إذا علمنا مثلاً أن وجهة نظر الإمام أبي حنيفة – رحمه الله – أن العام قطعي في دلالته على معناه قبل التخصيص، وأنه لا يجوز تخصيصه ابتداء بدليل ظني كالقياس وخبر الآحاد، فهل نحكم فيما لو جاءنا نص عام في الكتاب أو السنة المتواترة، وجاء خبر آحاد يقتضي معناه تخصيص العام فهل نحكم على هذه الجزئية التي لم يرد بشأنها نص عن الإمام المذكور بأن رأيه فيها عدم جواز تخصيص عموم النص بالخبر المذكور؟

وهل نطبق قواعده وضوابطه الفقهية على ما يجد من الوقائع الجزئية؟ فيقال: إن رأي الإمام الفلاني هو كذا، بناء على هذه القواعد والضوابط؟

إن الذي يهر من كلام ابن الصلاح (ت 643هـ)(1) جواز ذلك،

(1) هو: أبو عمرو تقي الدين عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي المعروف بابن الصلاح.

جمع بين التفسير والحديث والفقه والأصول والنحو ومعرفة الرجال، مع المشاركة في علوم عديدة. تفقه على والده. ثم على طائفة من علماء الموصل، ثم علماء بغداد، وجال في بلاد خراسان واستفاد من مشايخها. وعاد إلى الشام فتصدر للافتاء ودرس في القدس ودمشق في مدارس عدة. وكانت وفاته في دمشق سنة 643هـ.

من مؤلفاته: الفتاوى، ومعرفة أنواع علوم الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلاح وأدب المفتي والمستفتي، وطبقات الفقهاء الشافعية =

ص: 100

ولكنه جعل مثل هذا التخريج، متوقفاً على عدم وجدان نص للإمام يقاس عليه، قال:(تخريجه تارة يكون من نص معين لإمامه في مسألة معينة، وتارة لا يجد لإمامه نصاً معيناً يخرج منه [فيخرج] على وفق أصوله، بأن يجد دليلاً من جنس ما يحتج به إمامه وعلى شرطه فيفتي بموجبه)(1).

وقد اختار جمهور المحققين من الحنفية جواز ذلك (2). ونص ابن الهمام (ت 861هـ) على أن تجويز ذلك إنما هو لمن اطلع على مآخذ أحكام المجتهد وكان أهلاً لذلك (3). وفسر قوله بأن يكون قادراً على التفريع على قواعد الإمام متمكناً من الفرق والجمع والمناظرة في ذلك، وبتعبير آخر إنه ينبغي أن (يكون له ملكة الاقتدار على استنباط أحكام الفروع المتجددة التي لا نقل فيها عن صاحب المذهب. من الأصول التي مهدها صاحب المذهب)(4).

وقد اختار ابن حامد (5) جواز ذلك، وأدخله في باب القياس على قول

(1) = راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 2/ 408ن وطبقات الشافعية الكبرى 5/ 137، وشذرات الذهب 5/ 221، والأعلام 4/ 207، والفتح المبين 2/ 63، ومعجم المؤلفين 6/ 257.

() أدب المفتي والمستفتي 1/ 34 و35 تحقيق د/ عبد المعطي وص 97، بتحقيق د/ موفق عبد القادر.

(2)

تيسير التحرير 4/ 249، والتقرير والتحبير 3/ 346ن رسوم عقد المفتي 1/ 31، مسلم الثبوت وشرحه 2/ 404.

(3)

المصادر السابقة.

(4)

التقرير والتحبير 3/ 346.

(5)

هو: أبو عبد الله الحسن بن حامد بن علي البغدادي الوراق. من فقهاء وأصوليي الحنابلة. كان إمامهم ومدرسهم ومفتيهم في زمانه. سمع العلم من كثيرين، وأخذ ذلك عنه كثيرون أيضاً، منهم القاضي أبو يعلي الفراء. كان متعففاً، وكان ينسخ الكتب ويقتات من أجرتها، توفى – رحمه الله راجعاً من مكة بقرب واقصة سنة 403هـ.

من مؤلفاته: الجامع في المذهب، وشرح الخرقي، وتهذيب الأجوبة، وكتاب في أصول الفقه =

ص: 101

الإمام الذي يدخل في أصل يحتوي على مسائل متعددة، وذكر مثالاً لذلك قوله:(صورة هذا أن يقول في ماء الباقلاء والورد لا يتوضأ به، إذا عير الماء، فينسب إليه ما هو في معنى ذلك، وإن كثرت مسائله)(1).

ومعنى ذلك أن كل ما غير الماء، وحوله من وصف الإطلاق، لم يجز الوضوء به، فيلحق بذلك ماء الحمص والزهر وغير ذلك، وينسب إلى الإمام.

وقد ذكر الطوفي (ت 716هـ)(2) وغيره من العلماء فرقاً بني اصطلاح (النقل والتخريج) واصطلاح (التخريج) وجعلوا التخريج أعم من النقل والتخريج (لأن التخريج يكون من القواعد الكلية للإمام، أو الشرع، أو العقل، فحاصله أنه بناء فرع على أصل مشترك كتخريجنا على قاعدة تفريق الصفقة فروعاً كثيرة، وعلى قاعدة تكليف ما لا يطاق، أيضاً، فروعاً كثيرة في أصول الفقه وفروعه)(3)، وهذا بخلاف النقل والتخريج (فهو مختص بنصوص الإمام).

(1) = راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 2/ 171، والمنهج الأحمد 2/ 98، وشذرات الذهب 3/ 166، والأعلام 2/ 187، والفتح المبين 1/ 219.

() تهذيب الأجوبة ص 37.

(2)

هو: أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي الصرصري نسبة إلى قرية طوفا من أعمال صرصر في العراق. من علماء الحنابلة المشهورين، تلقى العلم عن مشاهير علماء عصره، في بلده وفي بغداد وغيرها، وعرف بقوة الحافظة وشدة الذكاء، تنقل بين بغداد ومصر والحرمين وفلسطين، وأسهم في علوم مختلفة كالأصول والتفسير واللغة والحديث، وقد اتهم بالرفض والانحراف فعزر وضرب وكان آخر عهده في مدينة الخليل حيث توفى فيها سنة 716هـ.

من مصنفاته: البلبل في أصول الفقه، اختصر فيه كتاب روضة الناظر لابن قدامة، وشرح مختصر الروضة (البلبل)، والذريعة إلى معرفة أسرار الشريعة، وتحفة أهل الأدب في معرفة لسان العرب، ومختصر الجامع الصحيح للترمذي، وشرح الأربعين النووية وتعاليق على الأناجيل.

راجع في ترجمته: الذيل على طبقات الحنابلة 2/ 366، الدرر الكامنة 2/ 295، شذرات الذهب 6/ 39، الأعلام 3/ 127، الفتح المبين 2/ 120.

(3)

شرح مختصر الروضة 3/ 644 و645.

ص: 102

وجواز التخريج على ما ذكر يلزم منه أن تسم صحة نسبة القاعدة أو الأصل إلى الإمام، وذلك لاحتمالات الخطأ في استنباط القاعدة نفسها، ولاحتمالات وجود القرائن والصوارف عن إدخال الفروع الجزئية ضمن القاعدة، كما ذكرنا ذلك من قبل.

على أنه مهما يكن الأمر في هذا الشأن؛ فإنه متى سلمت القاعدة ابتنى عليها كثير من الأحكام المتجددة الوقائع.

وسنكتفي بذكر ضابطين أو أصلين يوضحان ذلك

الأول: أن الأصل عند محمد بن الحسن – رحمه الله (ت 189هـ) إنه إذا اجتمعت الإشارة والتسمية في العقد، فإن كان المسمى من جنس المشار إليه "يتعلق العقد بالمشار إليه، لأن المسمى موجود في المشار إليه ذاتاً والوصف يتبعه، وإن كان من خلاف جنسه يتعلق بالمسمى، لأن المسمى مثل للمشار إليه، وليس بتابع له، والتسمية أبلغ في التعريف من حيث إنها تعرف الماهية، والإشارة تعرف الذات) (1)، فإذا باع جارية فإذا هي غلام لم ينعقد البيع، وإذا باع كبشاً فإذا هو نعجة انعقد البيع وتنجز وذلك؛ لأن الغلام والجارية جنسان عندهم، لأن الغلام يصلح لخدمة خارج البيت، كالتجارة والزراعة وغيرها، والجارية لخدمة داخل البيت كالاستفراش والاستيلاد اللذين لم يصلح لهما الغلام بالكلية أما الكبش والنعجة فهما جنس واحد، لأن الغرض الكلي من الحيوانات الأكل والركوب والحمل .. والذكر والأنثى في ذلك سواء. فالمعتبر في اختلاف الجنس واتحاده تفاوت الأغراض (2).

(1) الهداية 1/ 152 و3/ 35، رد المحتار 1/ 426، تبيين الحقائق 2/ 151، 152، لكن ابن نجيم كر في الأشباه أن الشارحين قالوا بأن هذا الأصل متفق عليه في طائفة من الأبواب ص 345.

(2)

العناية إلى الهداية للبابرتي 3/ 306 بهامش فتح القدير، فتح القدير 3/ 206. ولاحظ: في ص 345 وما بعدها من الأشباه والنظائر لابن نجيم طائفة مما اتفقوا عليه ومما اختلفوا فيه من الأجناس.

ص: 103

وعلى هذا الأصل يمكننا تخريج كثير من المسائل، فلو باعه دنا على أنه خل فإذا هو دبس أو باعه فصاً على أنه ياقوت فإذا هو زجاج، أو جهازاً على أنه آلة تصوير فإذا هو راديو، أو باعه هذه المكنسة الكهربائية فإذا هي جهاز لتقطيع الخضر وعصر الفواكه، بطل البيع، لاختلاف الجنس باختلاف الأغراض، ولو باعه فصاً على أنه ياقوت أحمر فإذا هو ياقوت أصفر، أو هذا الثوب المصري فإذا هو مغربي، لم يبطل البيع وخير المشتري لفوات الوصف.

الثاني: قاعدة أو ضابط تفريق الصفقة (1)، وقد ذكرنا أن طائفة من علماء الحنابلة كالطوفي وغيره، ذكروا أنه ينبني عليها فروع كثيرة، ولهذا فإننا سنبين ما يريدونه من تفريق الصفقة. وما الذي ينبني ويخرج عليها من الفروع. بإيجاز غرضه الكشف عن المعنى لا تحقيق المسألة والدخول في تفاصيلها ومناقشاتها.

إن المقصود من تفريق الصفقة عندهم هو أن يجمع بين ما يجوز بيعه وما لا يجوز في صفقة واحدة بثمن واحد. وقد ذكروا أن لها ثلاث صور:

1 -

أن يبيع معلوماً ومجهولاً، كقوله بعتك هذه الفرس وما في بطن هذه الفرس الأخرى بألف فهذا البيع باطل لأن المجهول لا يصح بيعه لجهالته، والمعلوم مجهول الثمن ولا سبيل إلى معرفته، لأن معرفته إنما تكون بتقسيط الثمن عليهما، والحمل لا يمكن تقويمه فيتعذر التقسيط.

2 -

أن يبيع جزءا مشاعاً بينه وبين غيره من دون إذن شريكه، كعبد مشترك بينهما، أو أن يبيع ما ينقسم عليه الثمن أجزاء كقفيزين من صبرة واحدة باعهما من لا يملك إلا بعضهما، وهذه الصورة لها في مذهب أحمد وجهان:

أحدهما: يصح في ملكه بقسطه من الثمن، ويفسد فيما لا يملكه.

(1) انظر بعض الأحكام المتعلقة بذلك في المنثور في القواعد للزركشي 1/ 382 وما بعدها. وانظر ص 263 و264 من إيضاح المسالك للونشريسي المالكي، فقد ذكر أن بعض مشايخ المذهب حصل تسعة أقوال في الصفقة إذا جمعت حلالاً وحراماً.

ص: 104

الثاني: لا يصح فيهما، وأصل الوجهين أن أحمد – رحمه الله نص فيمن تزوج حرة وأمة على روايتين أحداهما يفسد فيهما، والثانية يصح في الحرة.

3 -

أن يكون المبيعان صفقة واحدة، معلومين ولكن لا ينقسم عليهما الثمن بالأجزاء كعبد وحر وخل وخمر، وعبد غيره وعبده.

وفي هذه الصورة يبطل البيع فيما لا يصح بيعه، وأما الآخر ففي المذهب روايتان (1).

وعند أبي حنيفة أن من جمع بين حر وعبد أو شاة مذكاة وشاة ميتة بطل العقد فيهما، وعند أبي يوسف ومحمد أنه إن سمي لكل واحد منهما ثمناً جاز فيما يجوز وبطل فيما لا يجوز، أي أنه يجوز في العبد والشاة المذكاة، ويبطل في الحر والشاة الميتة (2).

وللشافعية في هذه المسألة قولان. ذكرهما الشيرازي (ت 476هـ)(3) في المهذب، وهما:

القول الأول: تفريق الصفقة فيبطل البيع فيما لا يجوز، ويصح فيما يجوز.

(1) لاحظ تفاصيل ذلك والآراء والمذاهب والاستدلالات عليها في: المغني لابن قدامة 4/ 261 - 263، وكشاف القناع عن متن الإقناع 3/ 177 - 179.

(2)

الهداية 3/ 37 و38.

(3)

هو: أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزابادي الشافعي، الملقب جمال الدين. ولد يفيروز آباد ببلاد فارس، وتفقه بشيراز، وقدم إلى البصرة، ثم بغداد فاستوطنها، ولزم القاضي أبا الطيب الطبري وكان من أفصح وأورع وانظر أهل زمانه.

اشتهر بقوة الحجة في الجدل والمناظرة، وعرف بالتواضع، وانتهت إليه رياسة المذهب، ورحل إليه الفقهاء من سائر الأقطار. درس بالنظامية وكان أول من تولى ذلك فيها. كان فقيراً متعففاً قانعاً باليسير. ولم يحج لعدم قدرته المالية. عرف بحفظ الحكايات الحسنة والأشعار، كما أن له شعراً حسناً توفى في بغداد سنة 476هـ.

من مؤلفاته: التنبيه، والمهذب في الفقه، والتبصرة في أصول الفقه، واللمع وشرحه في أصول الفقه، وطبقات الشافعية.

راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 1/ 9، وطبقات الشافعية للأسنوي 2/ 83، وهدية العارفين 1/ 8، والأعلام 1/ 51، ومعجم المؤلفين 1/ 68.

ص: 105

القول الثاني: إن الصفقة لا تفرق فيبطل العقد فيهما (1).

وذكر السيوطي (ت 911هـ)(2) أن أصح القولين أو الوجهين هو الصحة في الحلال، أي تفريق الصفقة. ولكنه ذكرها على أنها داخلة في قاعدة (إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام)(3)، وهذا الكلام لا يتجه إلا على القول الآخر عند الشافعية وهو البطلان في الكل.

ومهما يكن من أمر فإن تفريق الصفقة بالمعنى الذي ذكرناه ينبني عليه فروع فقهية لا حصر لها، سواء كان رأي الإمام فيها البطلان في الكل، أو التفريق فيهما، فكل عقد جمع فيه بين ما يجوز بيعه وما لا يجوز، فرأي الإمام ومذهبه فيه هو هو في المسائل الأخرى من غير فرق.

وننبه هنا إلى أن ما ذكرناه عن ابن الصلاح يبين أن التخريج من القواعد يأتي في مرتبة تالية لمرتبة القياس على نصوص الإمام، وأن اللجوء إلى التخريج على القواعد إنما يتم عند عدم وجدان نص للإمام يقاس عليه.

(1) المهذب بشرح المجموع للنووي 9/ 379 وما بعدها.

(2)

هو: جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد المصري الخضيري السيوطي. ولد ونشأ يتيماً في القاهرة، وقرأ على جماعة من العلماء، وكان إماماً بارعاً في كثير من العلوم، فكان مفسراً ومحدثاً وفقيهاً ونحوياً وبلاغياً ولغوياً.

اعتزل التدريس والافتاء والناس بعد بلوغ الأربعين، وانصرف إلى التأليف توفى سنة 911هـ.

من مؤلفاته: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، والمزهر في اللغة، والإتقان في علوم القرآن، والأشباه والنظائر في فروع الشافعية، والأشباه والنظائر النحوية، وحسن المحارة وغيرها.

راجع في ترجمته: شذرات الذهب 8/ 51، الفتح المبين 3/ 65، ومعجم المؤلفين 5/ 128.

(3)

الأشباه والنظائر ص 120 وما بعدها.

ص: 106