الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
تخريج الفروع على الفروع
تمهيد في: تعريفه - بيان موضوعه - مباحثه - فائدته
المبحث الأول: مصادر تخريج الفروع على الفروع.
المطلب الأول: النص وما يجري مجراه.
المطلب الثاني: مفهوم النص.
المطلب الثالث: أفعال الأئمة.
المطلب الرابع: تقريرات الأئمة.
المطلب الخامس: الحديث الصحيح.
خاتمة: في نسبة ما وافق الحديث الصحيح إلى المجتهد، إن لم يقله.
المبحث الثاني: طرق التخريج
المطلب الأول: التخريج عن طريق القياس.
المطلب الثاني: التخريج عن طريق لازم المذهب.
المطلب الثالث: النقل والتخريج.
تمهيد
تعريفه- بيان موضوعه ومباحثه - فائدته
لما كان ما نقل عن الأئمة المجتهدين من فروع فقهية، واجتهادات وفتاوى، بشأن أحكام الوقاع، غير شامل لكل ما يحتاجه الناس، على مدى الأزمنة، ولا يجيب عن تساؤلاتهم، بشأن بعض الأمور؛ بسبب نشوء المعاملات والتصرفات والوقائع التي لم تكن في زمنهم، لجأ تلاميذهم وأتباعهم إلى استخراج آراء لأئمتهم المتبوعين في أحكام هذه الوقائع ونسبوها إليهم، وجعلوها كأنها من تراثهم المنقول، حتى زخرت كتب الفقه بتلك المسائل الفرعية التي يصعب حصرها، مما هو واقع ومما هو مفترض، الأمر الذي لا تصح معه دعوى أنه مما نص عليه الإمام أو فعله بنفسه.
إن هذا الاستكشاف أو الاستنباط - إن صح التعبير - هو عملية تخريج باصطلاح الفقهاء والأصوليين، وهو الذي تناولته كتب الأصول في مباحث الاجتهاد والتقليد، والكتب المتخصصة بالفتوى وشروطها وصفاتها وآدابها وغير ذلك.
ومن تتبعنا لأقوالهم وجدنا أنهم يطلقون التخريج على أمرين:
الأول: على استنباط الأحكام من القواعد، أو إخراج أحكام جزئيات القاعدة من القوة إلى الفعل (1)، وهذا أمر قد أدخلناه في مجال تخريج الفروع على الأصول، وقد سبق بيان حكمه وآراء العلماء في صحة نسبة ما خرج بناء عليه، إلى الأئمة.
(1) تقريرات الشربيني على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع بحاشية البناني 1/ 22، وبحاشية العطار 1/ 32.
الثاني: على استنباط الأحكام من فروع الأئمة المنسوبة إليهم، سواء كانت من أقوالهم أو أفعالهم أو تقريراتهم. وهذا هو ما رأينا أن نجعله موضوع هذا الفصل وآثرنا أن نطلق عليه (تخريج الفروع على الفروع).
تعريفه:
جاء في المسودة إن التخريج هو (نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها والتسوية بينهما فيه)(1)، وهذا التعريف نقله بنصه غير واحد من العلماء منهم المرداوي (ت 885هـ)(2) في كتابه الإنصاف (3).
والتخريج وفق هذا التعريف يتعلق بمادة هذا الفصل تعلقاً مباشراً. وظاهره أن المقصود بالتخريج هو القياس، الذي يتضمن نقل مثل حكم مسألة جزئية إلى أخرى، لوجود شبه بينهما، سواء كان باتفاقهما في العلة وذلك هو قياس العلة، أو بانتفاء الفارق بينهما وهو ما يسمى، عندهم، بالقياس بنفي الفارق، أو القياس في معنى الأصل (4).
لكنا نلاحظ أن هذا التعريف يقتصر على بيان معنى التخريج بصفة عامةن ويس تعريفاً له على أنه علم معين. وعملنا في هذا الفصل يقوم على
(1) المسودة ص 533.
(2)
هو: أبو الحسن علي بن سليمان الملقب بعلاء الدين. ولد في مردا من أعمال نابلس، وفيها حفظ القرآن وتركها إلى الخليل ثم دمشق، وتلقى علومه على طائفة من العلماء، فنبغ في ذلك، وانتهت إليه رياسة المذهب، كان حجة محققاً متفنناً. توفي في دمشق سنة 885هـ.
من مؤلفاته: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، والتنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع، وتحرير المنقول في أصول الفقه وشرحه المسمى التحرير.
راجع في ترجمته: شذرات الذهب 7/ 340، الأعلام 4/ 292، ومعجم المؤلفين 7/ 102.
(3)
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل 1/ 6 و12/ 257.
(4)
الإحكام للآمدي 3/ 4.
جمع كل ما له صلة بالتخريج بهذا المعنى، سواء كان ذلك متعلقاً بشروطه، أو بشروط أهل التخريج، أو بحكم نسبة الفروع المخرجة إلى الأئمة، أو غير ذلك مما له صلة بهذا الشأن.
وهو بهذا المعنى شأنه شأن ما تقدم، إذ لم نجد له تعريفاً خاصاً، لأنه لم يبحث على أنه علم قائم بذاته، وإنما كانت موضوعاته ترد متفرقة، تارة في كتب الأصوليين، وتارة في كتب الفقهاء، وتارة في الكتب الخاصة بصفات المفتي والمستفتي، وتارة في مواضع أخر.
وإذا أردنا أن نضع له تعريفاً يتناول ما تقدم قلنا بأنه:
هو العلم الذي يتوصل به إلى التعرف على آراء الأئمة في المسائل الفرعية، التي لم يرد عنهم فيها نص، بإلحاقها بما يشبهها في الحكم، عند اتفاقهما في علة ذلك الحكم، عند المخرج أو بإدخالها في عمومات نصوصه أو مفاهيمها، أو آخذها من أفعاله أو تقريراته، وبالطرق المعتد بها عندهم، وشروط ذلك، ودرجات هذه الأحكام.
وهذا التعريف قد يخالف ما اشترطه المناطقة في التعريفات، من حيث ضرورة الإيجاز فيه والابتعاد عن التفاصيل، أو ذكر ما ليس ركناً في المعرف، سواء كان من شروطه أو لم يكنن ولكننا ذرنا ذلك من أجل إعطاء صورة واضحة عن تصوراتنا لما يشتمل عليه هذا العلم وما يتقوم به.
فقولنا: العلم جنس شامل لكل أنواع العلوم.
وقولنا: الذي يتوصل به إلى آراء الأئمة
…
قيد أول اخرج، ما لم يكن الغرض منه التوصل إلى هذه الآراء.
وقولنا: في المسائل الفرعية قيد ثان أخرج ما يتوصل به إلى غير ذلك، كأن يتوصل به إلى قواعدهم وأصولهم، مما يدخل في نطاق تخريج الأصول من الفروع، أو غير ذلك من الأمور.
وقولنا: بلحاقها بما يشبهها في الحكم عند اتفاقهما .. قيد ثالث
لإخراج التوصل إلى أحكام المسائل الفرعية من القواعد والأصول، مما يدخل في نطاق تخريج الفروع على الأصول.
والقيود المذكورة فيما بعد لبيان ما يشمله هذا العلم من المباحث، وما يشترط في عملية التخريج المذكورة، سواء كان ذلك متعلقاً بالمصدر الذي يخرج منه، أو بمن يقوم بعملية التخريج.
موضوعه ومباحثه:
من خلال تعريف هذا العلم، اتضح لنا موضوعه ومباحثه، فهو يبحث في نصوص الأئمة وأفعالهم، وتقريراتهم، من حيث التعرف منها على ما يشبه الوقائع الجزئية الحادثة المطلوب معرفة حكمها الشرعي، من وجهة نظر إمام المذهب، فيلحقها بها قياساً، أو إدخالاً لها في عموم نصه أو مفهومه، أو ما شابه ذلك.
كما يبحث في صفات المخرج والشروط اللازمة له، وصفات الأقوال المخرجة ودرجاتها.
فائدته:
والفائدة من هذا العلم التعرف على أحكام المسائل الجزئية المتنوعة التي سكت عنها الأئمة إما لأنه لمي قع عنها سؤال في زمنهم، أو لأنها من الوقائع والنوازل الجديدة، التي لم يرد عنهم فيها شيء.