الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
نشأته وتطوره
يبدو أن التخريج بالمعنى السابق ظهر حين نشأة المذاهب، وبروز ظاهرة الاتباع ثم التقليد، فمنذ ظهرت رسالة الإمام الشافعي رحمه الله (ت: 204هـ) (1) أصبح البحث عن الأدلة والقواعد الأصولية يؤرق تلاميذ المذاهب الأخرى، سعياً على الكشف عما عند أئمتهم من قواعد في استنباطاتهم الفقهية، وإلى إبراز المبررات التي دعتهم إلى مخالفة غيرهم في أحكامهم وتدوين ذلك في رسائل أو كتب، كانت نواة التأليف الأصولي في المذاهب المختلفة.
على أننا ننبه إلى أن تخريج أصول وقواعد المذاهب لم يتزامن مع أصول وقواعد الأئمة المجتهدين نفسها، لأن القواعد المذكورة لابد أن
(1) هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي المطلبي، أحد أئمة المذاهب الإسلامية السنية الأربعة، ولد بغزة في فلسطين، على ما هو الصحيح والمشهور من الآراء، سنة 150هـ وحمل إلى مكة وعمره سنتان. فنشأ فيها وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين، وموطأ مالك وهو ابن عشر، وتفقه على مسلم بن خالد الزنجي فقيه مكة. لازم الإمام مالكاً، ثم قدم بغداد مرتين، وحدث بها، واجتمع إليه علماؤها وأخذوا عنه، ثم خرج إلى مصر، وأقام فيها حتى اختاره الله إلى جواره سنة 204هـ، ودفن في مقابرها.
من آثاره: الرسالة في الأصول، واختلاف الحديث، والمبسوط في الفقه برواية الربيع بن سليمان والزعفراني، وأحكام القرآن، والأم.
راجع في ترجمته: وفيات العيان 3/ 305، معجم الأدباء 17/ 281، طبقات الشافعية للأسنوي 1/ 11، شذرات الذهب 2/ 9 - 10، الفتح المبين 1/ 127 وما بعدها، معجم المؤلفين 9/ 32 وسائر الكتب الخاصة المؤلفة في ترجمته.
تكون أقدم من الفروع الفقهية؛ إذ من المستبعد أن نتصور أن الأئمة قد اجتهدوا دون أن تكون معالم طريقهم واضحة لهمن وعرفوا ما يستدل وما لا يستدل به، وما هي المناهج الاستنباطية المعتد بها.
غير أنه لما لم يرد عن أغلبهم التصريح بأصولهم التي اعتدوا بها عند الاجتهاد- كما هو الشأن في رسالة الإمام الشافعي – قام التلاميذ والأتباع باستنباط تلك الأصول من الفروع. وقد كانت تلك الأصول في البداية متناثرة، ولم يقم بها شخص واحد، بل كانت جهود علماء كثيرين.
وبعد ذلك انتظمت في كتب أصولية مذهبية، متدرجة في التنظيم والتنسيق والترتيب بحسب التدرج الزمني.
إن هذا المنهج الاستقرائي هو الظاهرة الطبيعية في نشأة كثير من العلوم، سواء كانت في اللغة أو غيرها، وهو الطريق السليم إلى اكتشاف الروابط والأسس بين قضايا العلوم المتناثرة والجزئية.
ويرى كثير من الباحثين أن أصول الفقه الحنفي قامت على هذا الأساس (1).
بل إن طائفة من أصول بعض الأئمة كانت كذلك (2). قال الدهلوي (3):
(واعلم أني وجدت أكثرهم يزعمون أن بناء الخلاف بين أبي
(1) تاريخ التشريع الإسلامي للخضري ص 330. الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي لمحمد بن الحسن الحجوي 1/ 354، مقدمة ابن خلدون ص 816.
(2)
الفكر الاسمي 1/ 355.
(3)
هو: أحمد بن عبد الرحيم الفاروقي الدهلوي من مدينة دلهي الهندية الملقب شاء ولي الله. من علماء الهند البارزين خلال القرن الثاني عشر الهجري. كان حنفي المذهب، مطلعاً مساهماً في كثير من العلوم، توفي سنة 1176هـ.
من مؤلفاته: حجة الله البالغة، والإنصاف في أسباب الخلاف، وعقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد، وتأويل الأحاديث، وإزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء.
راجع في ترجمته: أبجد العلوم 3/ 241ن والأعلام للزركلي 1/ 149ن وكتاب آراء الإمام ولي الله الدهلوي في تاريخ التشريع الإسلامي لسلمان الندوي.
حنيفة (1) والشافعي- رحمهما الله- على هذه الأصول المذكورة في كتاب اليزدوي (2)، ونحوه، وغنما الحق أن أكثرها مخرجة على قولهم.
وعندي أن المسالة القائلة بأن الخاص مبين ولا يلحقه البيان، وأن الزيادة نسخ وأن العام قطعي كالخاص، وأن لا ترجيح بكثرة الرواة، وأنه لا يجب العمل بحديث غير الفقيه، إذا انسد باب الرأي، وأن لا عبرة، بمفهوم الشرط أو الوصف أصلاً، وأن موجب الأمر هو الوجوب ألبتة، وأمثال ذلك أصول مخرجة على كلام الأئمة، وأنه لا تصح رواية عن أبي حنيفة وصاحبيه) (3).
وفي أصول السرخسي (4) ما يشهد لذلك، فقد ذكر عن محمد – رحمه
(1) أبو حنيفة: هو النعمان بن ثابت الكوفي التيمي بالولاء، أحد أئمة المذاهب الفقهية السنية الأربعة. ولد في الكوفة سنة 80هـ، ونشأ فيها وتلقى علمه على حمد بن أبي سليمان. أراده عمر بن هبيرة على القضاء في الكوفة فامتنع وأراده المنصور العباسين بعد ذلك على القضاء ببغداد فلم يوافق، فحبس وكانت وفاته ببغداد سنة 150هـ.
من آثاره: الفقه الأكبر في الكلام، والمسند في الحديث، والرد على القدرية والمخارج في الفقه.
راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي ص 86، الفهرست ص 284، أخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري ص1 - 141، شذرات الذهب 1/ 277، الفتح المبين 1/ 101، وما بعدها معجم المؤلفين 13/ 104، وغير ذلك ومنها الكتب الخاصة للترجمة لأبي حنيفة.
(2)
هو: أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم بن الحسين البزدوي المعروف بفخر الإسلام، من كبار فقهاء الحنفية وأصولييهم ومحدثيهم ومفسريهم بما وراء النهر. سكن سمرقند وفيها توفي سنة (482هـ). والبزدوي نسبة إلى بزدة وهي قلعة قريبة من نسف.
من مؤلفاته: المبسوط وشرح الجامع الكبير في فروع الفقه الحنفي، وشرح الجامع الصحيح، وكنز الوصول إلى معرفة الأصول في أصول الفقه.
راجع ترجمته في: الجواهر المضيئة 2/ 594، مفتاح السادة 2/ 53، هدية العارفين 1/ 693، الأعلام 4/ 328 ومعجم المؤلفين 7/ 192.
(3)
الإنصاف في بيان أسباب الخلاف ص 88 و89، والحجة البالغة 1/ 160 لولي الله الدهلوي نفسه.
(4)
هو: أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي الملقب بشمس الأئمة، متكلم
…
=
الله- وقد سأله بعضهم: أسمعت هذا كله من أبي حنيفة؟ فقال: لا. فقال أسمعت من أبي يوسف (1) فقال: لا. وإنما أخذنا ذلك مذاكرة (2).
ومثل ذلك يمكن أن يقال عن أصول الإمام مالك – رحمه الله (3) فما
(1) = وفقيه وأصولي ومناظر. ويعد في طبقة المجتهدين في المسائل في الفقه عند الحنفية. تخرج بعلماء مشهورين من أبرزهم شمس الأئمة الحلواني. توفي سنة 490هـ. وقيل سنة 483هـ.
من مؤلفاته: كتاب في أصول الفقه طبع باسم أصول السرخسي، وله أيضاً المبسوط في الفروع، وهو شرح للجامع الصغير، والمحيط في الفروع.
راجع في ترجمته: الجواهر المضيئة 3/ 78، مفتاح السعادة 2/ 54، هدية العارفين 2/ 76، معجم المؤلفين 8/ 239، الفتح المبين 1/ 264، ومعجم المطبوعات العربية والمعربة لسركيس 1016.
() هو: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي صاحب الإمام أبي حنيفة. من الفقهاء والأصوليين المجتهدين، وإلى جانب ذلك فهو محدث وحافظ وعالم بالتفسير والمغازي وأيام العرب. تفقه على الإمام أبي حنيفة، وروى عنه محمد بن الحسن وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين.
تولى القضاء لثلاثة من خلفاء بني العباس، هم: المهدي، والهادي، والرشيد ودعي بقاضي القضاة: توفي في بغداد سنة 182هـ.
من آثاره: كتاب الخراج، وأدب القاضي، واختلاف الأمصار وكتاب البيوع وغيرها،
راجع في ترجمته: الجواهر المضيئة 3/ 611، والفهرست ص 286، وطبقات الفقهاء للشيرازي ص 134، وأخبار أبي حنيفة وأصحابه للصيمري ص 90، والفتح المبين 1/ 108، ومعجم المؤلفين 13/ 240.
(2)
أصول السرخسي 1م378 و379.
(3)
مالك: هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني. ولد بالمدينة سنة 93هـ وقيل 95هـ وأخذ العلم عن ربيعة بن عبد الرحمن، فقيه أهل المدينة، واحد أئمة المذاهب الفقهية السنية الأربعة. توفي في المدينة سنة 179هـ، ودفن في البقيع.
من آثاره: الموطأ، والمدونة الكبرى وهي تمثل فتاواه، وآراءه برواية تلاميذه.
راجع في ترجمته: طبقات الفقهاء للشيرازي ص 68، والفهرست ص 280، وفيات
…
=
في كتب المالكية من أصول منسوبة إلى هذا الإمام ليست كلها مما صرح به، بل إن منها مما خرج من مسائله الفقهية. وهكذا القول عن الإمام أحمد – رحمه الله (1) فإنه لم يدون أصولاً، وإنما جمعت أصوله مما صرح به، ومن فتاواه الفقهية وتفاسيره لبعض آي القرآن وأحاديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – وغير ذلك.
(1) = الأعيان 3/ 284، الديباج المذهب ص 17 - 30، الفتح المبين 1/ 112، معجم المؤلفين 8/ 168، شذرات الذهب 1/ 289، الأعلام 5/ 257، وسائر الكتب المؤلفة في حياة وسيرة الإمام مالك خاصة.
() أحمد: هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي البغدادي، أحد أئمة المذاهب الفقهية السنية الأربعة. ولد في بغداد، ونشأ فيها وتلقى علمه على مشايخها في الفقه والحديث وسائر العلوم. تنقل في بلدان كثيرة والتقى فيها العلماء، ضُرب وعذب بسبب صلابة موقفه في وجه المعتزلة المثيرين لفتنة القول بخلق القرآن كان إلى جانب علمه ورعاً زاهداً. قال الشافعي: خرجت من بغداد وما خلفت فيها أفقه ولا أورع ولا أزهد من ابن حنبل. توفي – رحمه الله سنة 241هـ.
من آثاره: المسند في الحديث، والناسخ والمنسوخ، وكتاب الزهد، والجرح والتعديل وغيرها.
راجع في ترجمته: طبقات الحنابلة 1/ 4 - 21، المنهج الأحمد 1/ 51 - 109، شذرات الذهب 2/ 96، الفتح المبين 1/ 149، معجم المؤلفين 2/ 96، وسائر الكتب المؤلفة في ترجمته خاصة.