المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالثلازم مذهب الإمام - التخريج عند الفقهاء والأصوليين

[يعقوب الباحسين]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيدفي تعريف التخريج وبيان أنواعه

- ‌الباب الأولفي أنواع التخريج

- ‌الفصل الأولتخريج الأصول من الفروع

- ‌المبحث الأولنشأته وتطوره

- ‌المبحث الثانيأمثلة لبعض الأصول المخرجة

- ‌المبحث الثالثحكم نسبة الأصول المخرجة إلى الأئمة

- ‌الفصل الثانيتخريج الفروع على الأصول

- ‌المبحث الأولنشأة العلم وتطوره

- ‌المبحث الثانيأسباب اختلاف الفقهاء

- ‌المبحث الثالثالتخريج على الأصول

- ‌المبحث الرابعالتعريف بأهم الكتب المؤلفة

- ‌المطلب الأولكتاب (تأسيس النظر) لأبي زيد الدبوسي

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب

- ‌المطلب الثانيتخريج الفروع على الأصول

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب:

- ‌المطلب الثالثمفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نماذج مختارة من الكتاب:

- ‌المطلب الرابعالتمهيد في تخريج الفروع على الأصول

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نموذج من الكتاب:

- ‌المطلب الخامسالقواعد والفوائد الأصولية

- ‌الفرع الأول: التعريف بالكتاب:

- ‌الفرع الثاني: نموذج من الكتاب:

- ‌الفصل الثالثتخريج الفروع على الفروع

- ‌المبحث الأولمصادر التخريج

- ‌المطلب الأولنص الإمام وما يجري مجراه

- ‌الفرع الأول: في بيان المراد من النص وما يجري مجراه

- ‌الفرع الثاني: طرق معرفة النصوص

- ‌الطريق الأول:مؤلفاتهم المنسوبة إليهم

- ‌الطريق الثاني:نقل أصحابهم لآرائهم في المسائل المختلفة

- ‌المطلب الثانيمفهوم نص الإمام

- ‌المطلب الثالثفي أفعال الأئمة

- ‌المطلب الرابعتقريرات الإمام

- ‌المطلب الخامسالحديث الصحيح

- ‌المبحث الثانيطرق تخريج الفروع على الفروع

- ‌المطلب الأولالتخريج بطريق القياس

- ‌المطلب الثانيالنقل والتخريج

- ‌المطلب الثالثلازم مذهب الإمام

- ‌الباب الثانيفي مراتب المخرجين وصفاتهم وشروطهم

- ‌الفصل الأولمراتب المخرجين بين طبقات الفقهاء

- ‌المبحث الأولتقسيم وترتيب ابن كمال باشا

- ‌المبحث الثانيتقسيم وترتيب ابن الصلاح

- ‌المبحث الثالثتقسيم وترتيب ابن حمدان

- ‌المبحث الرابعفي تقسيمات أخر

- ‌الفصل الثانيشروط وصفات علماء التخريج

- ‌المبحث الأولشروط وصفات علماء التخريج

- ‌المبحث الثانيفي تحقق فرض الكفاية بهم

- ‌الفصل الثالثأنواع الأحكام المخرجة وصفاتها

- ‌خاتمة

- ‌المصادر والمراجع

- ‌فهرس الأعلام المترجم لهم

الفصل: ‌المطلب الثالثلازم مذهب الإمام

‌المطلب الثالث

لازم مذهب الإمام

ومما يتصل بطرق التخريج استقاء رأي الإمام من لازم مذهبه. وهذا أمر متردد بين أن يكون من مصادر مذهب الإمام، أو من الطرق التي تتبع في التخريج. وقد آثرنا أن نبحثه مع طرق التخريج، لقلة الاعتماد عليه في التخريج، ولكثرة الاختلاف بشأنه، ولأن الرأي المستفاد منه مبني على إدراك معاني نصوص الإمام ومراميها.

ولم أجد- فيما اطلعت عليه من كتب الأصول- من أفرد هذا الموضوع ببحث، لكنه كان يذكر في طائفة من المباحث المختلفة. وربما كان بعض ما يذكر ليس معدوداً من لوازم المذهب، ولهذا فإن تحديد نطاق اللازم يجعل الأمر أكثر وضوحاً، ويصوره على وجه يجعل الحكم عليه أكثر دقة.

ذكر الأسنوي في نهاية السول ما يفيد أن مسألة لازم المذاهب وهل هو مذهب أو لا؟ تطلق على حالة معينة، وهي حالة ما إذا لم يعرف للمجتهد قول في مسألة، ولكن عرف له قول في نظيرها، فإن لم يكن بين المسألتين فرق البتة فالظاهر أن يكون قوله في إحدى المسألتين قولاً له في الأخرى (1).

وفي البحر المحيط كرر الزركشي (2) هذا التصور أيضاً، واختار أن

(1) نهاية السول 4/ 443 (مع سلم الوصول)، والمحصول 2/ 441.

(2)

هو: أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي الشافعي الملقب ببدر الدين. عرف بالفقه والأصول والحديث والأدب وعلوم القرآن. تركي الأصل مصري المولد والوفاة. تلقى علومه على جمال الدين الأسنوي وسراج الدين البلقيني، رحل إلى حلب، وسمع الحديث في دمشق وغيرها. كان منقطعاً لا يتردد إلا إلى أحد أسواق الكتب. درس وأفتى. وكانت وفاته بالقاهرة سنة 794هـ.

=

ص: 280

الصحيح في ذلك عدم جواز التخريج، وأن الأصح عدم جواز نسبة القول إلى الإمام، بناءً على اختياره، أن لازم المذهب ليس بمذهب، لاحتمال أن يكون بينهما فرق، فلا يضاف إليه مع قيام الاحتمال (1). وعلى هذا فإن المسألة داخلة في موضوع التخريج بالقياس، لكن مسألة الاستدلال باللازم على المذاهب واسعة، وما ذكره الأسنوي لا يمثل المسالة كلها. والدليل على ذلك أنهم نسبوا طائفة من الآراء إلى علماء متعددين بغير الطريق المذكور. ومن ذلك:

1 -

أنهم نسبوا إلى أبي الحسن الأشعري (2) أنه يقول بجواز التكليف بالمحال. مع أنه لم يثبت تصريح الأشعري بذلك، ولكنهم خرجوه من لازم مذهبه، وذلك لأصلين كان يقول بهما:

الأول: أن لا تأثير لقدرة العبد في أفعاله، بل هي مخلوقة لله تعالى

(1) = من مؤلفاته: البحر المحيط في أصول الفقه، تشنيف المسامع بشرح جمع الجوامع في أصول الفقه، البرهان في علوم القرآن وغيرها.

راجع في ترجمته: الدرر الكامنة 5/ 133، شذرات الذهب 6/ 335، هدية العارفين 2/ 174، الأعلام 6/ 60، معجم المؤلفين 9/ 121.

() البحر المحيط 6/ 127.

(2)

هو: أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، لقب بذلك، لأن جده الأعلى ولد وعليه شعر، كما قيل. ولد أبو الحسن في البصرة، وتفقه على أبي إسحاق المروزي وابن سريج وأخذ الحديث عن أبي زكريا الساجي، وتتلمذ في العقائد والكلام على أبي علي الجبائي المعتزلي. برع في الكلام والجدل على طريقة أهل الاعتزال، ولكنه لما اكتملت معارفه، ونضج عقله أعرض عن رأي المعتزلة، وأعلن ذلك أمام الملأ في أحد مساجد البصرة، وهاجم أفكارهم، وأفرغ جهده للرد عليهم، وعلى غيرهم من الفرق المبتدعة.

عرف بتقواه وورعه وكثرة عبادته. توفي في بغداد سنة 324هـ وقيل غير ذلك.

من مؤلفاته: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع، والإبانة عن أصول الديانة، وغير ذلك من الكتب التي جاوزت المئة.

راجع في ترجمته: وفيات الأعيان 2/ 466، الطبقات الكبرى 2/ 254، مفتاح السعادة 2/ 21، شذرات الذهب 2/ 303، الأعلام 4/ 263، معجم المؤلفين 7/ 35، الفتح المبين 1/ 176.

ص: 281

ابتداءً فالعبد مطالب بما هو من فعل ربه.

والثاني: أن القدرة- عنده- مع الفعل لا قبله. والتكليف الذي هو استدعاء الفعل واقع قبل الفعل لا معه. فهو في حال التكليف غير مستطيع (1).

2 -

ومن ذلك ما قيل من أن من نفى أن يكون لله تعالى كلام قائم بنفسه، وأن كلامه هو ما خلقه في غيره، يلزمه أن لا يكون القرآن العربي كلام الله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لأن (الكلام لا يكون مفعولاً منفصلاً عن المتكلم، ولا يتصف الموصوف بما هو منفصل عنه)(2). (وإذا كان القرآن مخلوقاً في محل كان ذلك المحل هو المتكلم به، ولم يكن كلام الله)(3) وعد هذا لازماً لقول من قال: إن كلامه- تعالى- هو ما خلقه في غيره.

3 -

ومن ذلك أنهم قالوا إن من قال إن جزاء قتل الصيد في الحرم كفارة كالإمام مالك، يترتب عليه أنه لو قتل جماعة من المحرمين صيداً في الحل أو الحرم، أو من المحلين بالحرم، فإنه يجب على كل واحد منهم جزاء كامل، أي يلزم، على رأيه هذا، أن يكون حكمه هنا كحكمه في أية كفارة. وأما من قال إن جزاء قتل الصيد قيمته كما نسب إلى الشافعية، فيلزم أن يكون الواجب في ذلك جزاء واحداً على الجميع، كما هو الشأن في الضمان (4).

فهذه الحالات وكثير غيرها ليست من باب القياس، ولهذا فإننا سنحاول أن نفسر اللازم بما هو أوسع نطاقاً من ذلك، وبما يتفق مع اصطلاحات

(1) البرهان 1/ 103، الأحكام للآمدي 1/ 134، نهاية السول 1/ 148، سلم الوصول 1/ 335، التلويح 1/ 197، الإبهاج 1/ 173، الإبهاج 1/ 173، سلاسل الذهب ص 138، شرح الكوكب المنير 1/ 486.

(2)

درء تعارض العقل والنقل 2/ 111.

(3)

المصدر السابق.

(4)

قواعد المقري 2/ 608، وانظر رأي الشافعية في المجموع 7/ 436.

ص: 282

الأصوليين ومناهجهم في هذا المجال. فاللازم في اللغة هو الثابت والدائم (1). وفي الاصطلاح عرفوه بأنه ما يمتنع انفكاكه عن الشيء (2). وقد يطلق على ما يتبع الشيء ويرادفه، وعلى ما له تعلق ما (3). وهو يتنوع بحسب الحاكم باللزوم، سواء كان العقل أو الشرع أن العادة أو اللغة. ويختلف الأصوليون عن المناطقة في أنهم يوسعون مجال الدلالة الالتزامية، ولا يقصرون ذلك على ما كان لازماً بيناً بالمعنى الأخص، ولا على ما كان الحاكم باللزوم فيه العقل، فاللازم عندهم يتناول ما احتاج إلى واسطة أو دليل خارجي في فهم اللزوم، وما لم يكن كذلك أيضاً، بأن اكتفي بالحكم باللزوم فيه بتصور المتلازمين معاً أو بتصور الملزوم وحده (4). كما يتناول ما كانت الملازمة فيه شرعية كالوجوب والتحريم اللازمين للمكلف، أو عادية، أو عرفية كالارتفاع اللازم للسرير (5).

وعلى هذا فمن الممكن أن نذكر هنا طائفة من الأسس التي يمكن أن يعد بناء القول عليها لازماً للمذهب. وهي ليست حاصرة، ولكنها للتمثيل والتوضيح، وربما كان في بعضها مجال للنقاش. فمن ذلك:

1 -

أن توجد مسألة لا يعرف للمجتهد فيها قول، ولكن عرف له قول في مسألة تشبهها، أو هي نظيرها، فإثبات الحكم في المسألة التي لم يرد عنه فيها نص، هو من لازم المذهب عندهم. وهذا الأساس هو ما ذكرناه عن الأسنوي وغيره من الأصوليين، وقد قصر بعضهم لازم المذهب على ذلك.

(1) المعجم الوسيط.

(2)

التعريفات للجرجاني ص 66. وكشاف اصطلاحات الفنون 3/ 1304.

(3)

الكليات لأبي البقاء الكفوي ص 796.

(4)

شرح التهذيب للخبيصي ص 21 و 22، والمنطق الصوري ص 83.

(5)

شرح الكوكب المنير 1/ 130.

ص: 283

2 -

بناء الرأي على قاعدة الإمام أو أصله، كالذي نسبوه إلى أبي الحسن الأشعري، وكالأحكام المخرجة على قواعد الأئمة الأصولية أو الفقهية. وربما كان اتصال ذلك بلازم المذهب سبباً في عد العلماء التخريج على القواعد، تالياً للتخريج على نص محدد بطريق القياس. ومما يدخل في ذلك مسألة وجوب مقدمات الواجب وفق ضوابط وأسس خاصة، إن كان الواجب لا يتم إلا بها (1). لأنها داخلة في نطاق قواعد الإمام. فإن كان ممن يرى أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كان وجوب تلك المقدمات لازماً لمذهبه، وإن كان لا يرى ذلك لم تكن من لوازم مذهبه. ومن ذلك حرمة نقيض ما قال بوجوبه، لأن حرمة النقيض جزء مفهوم الواجب، أو لازمه، والدال على الوجوب بالمطابقة يدل على أجزائه بالتضمن والالتزام (2). وهي المسألة المعروفة بمسألة الضد، أو أن الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده؟ ومن ذلك قاعدته في النهي هل يقتضي الفساد أو لا (3) فكل ما ينبني على هذه القواعد أو ما يشبهها مما لم يرد عن الإمام فيه نص فهو لازم مذهبه.

3 -

الاستدلال بالتلازم كأن يستدل من نفيه أحد النقيضين على إثبات الآخر، أو من إثبات أحدهما على نفي الآخر، أو من حكمه بالتلازم بين شيئين على وضع التالي عند وضع المقدم، أو رفع المقدم عند رفعه التالي، وفق شروط خاصة في مجال الأحكام الشرعية (4) فلو كان أحد الأئمة يرى

(1) شرح المنهاج لشمس الدين محمود عبد الرحمن الأصفهاني 1/ 102 و 103، الإحكام للآمدي 1/ 110. ولاحظ تفصيل المسألة في البحر المحيط، 1/ 223 وما بعدها.

(2)

شرح المنهاج للأصفهاني 1/ 110، 111 والإحكام 2/ 170.

(3)

الإحكام 2/ 188.

(4)

شرح مختصر المنتهى للعضد الإيجي 2/ 181، رفع النقاب عن تنقيح الشهاب للشوشاوي ص 123 بتحقيق عبد الرحمن الجبرين، والتمهيد في تخريج الفروع على الأصول ص 242 وما بعدها.

ص: 284

ملازمة بين النجاسة والتحريم، فنستطيع أن نستنتج من عدم تحريمه شيئاً، قولاص له بعدم نجاسته، ومن حكمه بنجاسة شيء، قولاً له بتحريمه. ومن الملاحظ أن الاستدلال بالتلازم مما يصعب طرده في الأحكام الشرعية، نظراً لخصوصيات كثير من الوقائع الجزئية، ولما يتطلب فيها من الشروط، ولوجود الاستثناءات الكثيرة التي لا تتفق مع الاستدلالات المنطقية. فالملازمة في الأحكام الشرعية ظنية وليست قطعية. فلا نستطيع أن نستنتج من ملازمة النجاسة لكأس الحجام في العادة، الآراء والمذاهب والأحكام، فلا نستطيع الاستنتاج من كونه كأس حجام أنه نجس، لجواز أن يكون جديداً لم يستعمل، أو أنه استعمل ولكن أزيلت نجاسته بالغسل أو غيره، كما لا نستطيع أن ندعي أنه ليس بكأس حجام، إن لم يكن نجساً. وكون الوضوء ملازماً للغسل لا يلزم من ثبوت الغسل ثبوته، ولا من نفيه نفي الغسل، نظراً لجزئية الملازمة، وعدم عمومها جميع الأزمان والأحوال.

فالوضوء لازم للغسل إذا سلم من النواقض حالة إيقاعه فقط. وعلى هذا فلا يصح استنتاج بعض العلماء أن الغسل لا يجزئ عن الوضوء، وأنه لا بد للمغتسل من الوضوء، لأنه بنى رأيه هذا على أن الملازمة الشرعية كالملازمة العقلية، وعلى أنها تقتضي انتفاء الملزوم أي المقدم، من انتفاء اللازم أي التالي. فلو كان الوضوء لازماً للغسل، للزم انتفاء الغسل بانتفائه، أي إذا أحدث المغتسل حدثاً أصغر لزمه الغسل، وهذا أمر مخالف للإجماع، وإذا لم تكن بينهما ملازمة فلا بد للمغتسل من الوضوء، وإن الاغتسال من دون الوضوء لا يجزئ عنه.

وهذا الاستنتاج غير صحيح، لأن الملازمة بين الوضوء والغسل ملازمة جزئية خاصة ببعض الأحوال، وهي حالة الابتداء فقط، وأما بعد ذلك فلا ملازمة بينهما (1) وهذا بخلاف الملازمة الكلية التي تترتب عليها مثل هذه

(1) رفع النقاب عن تنقيح الشهاب ص 1233 - 1236.

ص: 285

الأحكام. كلزوم العقل للمكلف، فإنه يصح أن نستنتج من حكم إمام يرى أن كل مكلف عاقل، بكون فرد ما مكلفاً، أنه عاقل، ومن كونه غير عاقل، أنه غير مكلف (1).

ومما يمكن أن يدخل في هذا المجال ما ذكره أبو حامد الغزالي في شفاء الغليل، ومنه:

أ- الاستدلال بالنتيجة على المنتج وبعدمها على عدم المنتج، ووجه دلالة ذلك- كما يقول الغزالي- واضحة، ومثل لذلك بأن العالمية نتيجة العلم وقيامه بالذات، فنقول الباري- سبحانه وتعالى عالم، فدل على قيام العلم به. فمن وصفه بأنه عالم لزمه أن يكون العلم قائماً به.

ومن ذلك أن نستنتج من قول الفقيه عن بيع ما: أنه بيع لا يفيد الملك، إنه بيع غير منعقد، ومن قوله: هذا نكاح لا يفيد الحل، إنه غير منعقد، ومن قوله المقارض: أنه لا يملك ربح الربح، إنه لا يملك الربح نفسه. (2).

ب- الاستدلال على الشيء بوجود خاصيته، كالاستدلال على أن الوتر نفل أو ليس بفرض بأنه يؤدى على الراحلة. فلو فرض أن المقتدى به أداه على الراحلة، أو صرح بجواز ذلك، فإنه يلزم من ذلك أن يكون مذهبه أنه ليس بفرض، وذلك لما عرف من أن الأداء على الرواحل هو خاصية النوافل، فلا تؤدى فريضة على الراحلة بحال.

وهذا الاستنتاج ونسبة ما يترتب عليه إلى ما جوز ذلك، مبني على التسليم بالخاصية، إذ معنى الخاصية الملازمة لذات الشيء بحيث لا تنفصل عنه (3).

(1) شفاء الغليل في بيان الشبه والمخيل ومسالك التعليل ص 444 و 445.

(2)

المصدر السابق ص 441 و 442.

ص: 286

4 -

ومما عد من لوازم المذهب ما إذا نص الإمام على قولين مختلفين، أو علل مسألة بعلة نقضها في موضع آخر، فإن لازم مذهبه أن يخرج له في كل مسألة قولان أحدهما نص عليه والآخر لزم من قوله في المسألة الأخرى. وهذا الأمر ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه (1)، وقد سبق لنا أن بحثنا حكم مثل هذا اللازم في موضوع النقل والتخريج.

تلك بعض الصور التي تمثل لازم المذهب، وقد أعرضنا عن ذكر بعض ما يمكن أن يدخل في هذا المجال، كالمفهوم المخالف والتقريرات، لأنه سبق الكلام عنها، وعن صحة نسبة الآراء إلى الأئمة، إن كانت مستندة إليها، في مصادر التخريج فاستغنينا بذكرها هناك عن إعادتها في هذا المجال، ولكننا ذكرنا القواعد والأصول، لتصريحهم بنسبة أقوال إلى بعض العلماء على أنها من لوازم المذهب، بناء عليها، دون إعادة لتفصيلات ما ذكر بشأنها في موضعها.

وبعد أن أوضحنا المقصود من لازم المذهب، ومن المجالات التي يدخل فيها نذكر آراء العلماء بشأن صحة نسبة لازم المذهب للإمام.

لقد اختلف العلماء في ذلك، لكن اختلافهم هذا كان في حالة ما إذا سكت الإمام ولم يصرح بالتزامه ما يلزم من قوله، أما لو صرح بذلك، وقال بالتزامه ما يلزم من قوله، فليس ذلك موضع خلاف. ففي الحالة الأولى ذكر الشيخ محمد بخيت المطيعي (2) ثلاثة أقوال في المسألة، ولكنه لم يتعرض

(1) الفتاوى 35/ 288 و 289.

(2)

هو الشيخ محمد بن بخيت بن حسن المطيعي الحنفي. ولد في المطيعة من أعمال أسيوط، ودرس في الزهر وتخرج فيه حاصلاً على الشهادة العالمية، وكان من أساتذته الشيخ حسن الطويل وجمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الشربيني. اتجه بعد تخرجه إلى التدريس فرياسة المحاكم الشرعية. ثم قلد منصب مفتي الديار المصرية. وعرف بشدة معارضته لحركة الشيخ محمد عبده. توفي سنة 1354هـ. ودفن بقرافة المجاورين ثم نقل سنة 1944م إلى مسجد فاروق الأول بحلمية الزيتون.

من مؤلفاته: البدر الساطع على مقدمة جمع الجوامع، والقول المفيد في علم =

ص: 287

لكل الصور المتقدمة، بل بنى تلك الآراء على مسألة إلحاق المسكوت عنه بنظيره المنصوص عليه من قبل الإمام، وفق ما طرحه الأسنوي في نهاية السول. وهذه الأقوال، هي:

القول الأول: إنه ينسب إليه مطلقاً بلا قيد أنه مخرج.

والقول الثاني: إنه ينسب إليه مقيداً بأنه قول مخرج لا منصوص، حتى لا يلتبس بالمنصوص.

والقول الثالث: إنه لا ينسب إليه مطلقاً. وقال الشيخ: إن أصحهما هو القول الثاني (1) وفي طائفة من كتب الأصول ذكرت الآراء في هذه المسألة حين الكلام عن نسبة القول بالتكليف بالمحال إلى أبي الحسن الأشعري بناءً على قواعده وأصوله، وإن لم يكن قد نص على ذلك بشيء، كما سبقت الإشارة إليه.

ومهما يكن من أمر فإنه من تتبع أقوال العلماء في هذا الشأن نجد ثلاثة أقوال في ذلك، وهي:

1 -

القول الأول:

إن لازم المذهب ليس بمذهب، وعلى هذا لا تصح نسبته إلى الإمام، وهذا ما صوبه شيخ الإسلام ابن تيمية في حالة عدم التزام صاحب المذهب به (2) وهو ما اختاره وصححه الزركشي في البحر المحيط (3) ولعل وجهة نظرهم مبنية على ما يأتي:

(1) = التوحيد، وإرشاد أهل الملة في إثبات الأهلة، وسلم الوصول على نهاية السول للأسنوي وكثير من الرسائل والفتاوى.

راجع في ترجمته: الفتح المبي 3/ 181 - 187، والفكر السامي 2/ 201 و202، والأعلام 6/ 50، ومعجم المؤلفين 9/ 98 ومعجم المطبوعات 1/ 538.

() سلم الوصول 4/ 443 و 444.

(2)

مجموع الفتاوى 5/ 306.

(3)

1/ 391.

ص: 288

أ- إن لازم القول قد لا يخطر على بال الإمام. وربما لو نبه إليه لصرح بخلافه، فالغفلة عن ذلك ممكنة، والتناقض في الرأي من غير المعصوم جائز. قال ابن تيمية:(ومن سوى الأنبياء يجوز أن يلزم قوله لوازم لا يتفطن للزومها، ولو تفطن لكان إما أن يلتزمها أو لا يلتزمها، بل يرجع عن الملزوم، أو لا يرجع عنه ويعتقد أنها غير لوازم)(1).

ب- إن تحديد لوازم القول من الأمور التي يجوز أن يقع فيها الخطأ والوهم، فضلاً عن أن بعض اللوازم مما لم يتفق على اعتبارها والاعتداد بها. وقد خطأ الشيخ محمد الخضيري- رحمه الله (2) من نسب التكليف بالمحال إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري (ت 324هـ) بناءً على الأصلين الذين ذكرناهما سابقاً، وقال إنه لا يلزم منهما ما قالوه ووجه تخطئته لهم بهذا الشأن (3).

ج- إننا لو التزمنا بذلك لأدى الأمر إلى تكفير كثير من العلماء كتكفير من قال عن الاستواء أو غيره من الصفات إنه مجاز وليس بحقيقة، لأن لازم هذا القول يستلزم التعطيل والأخذ بأقوال غلاة الملاحدة (4).

(1) مجموع الفتاوى 35/ 288.

(2)

هو محمد بن عفيفي الباجوري المصري المعروف بالخضري من علماء الشريعة المعاصرين البارزين تخرج في مدرسة دار العلوم، وعين قاضياً شرعياً في الخرطوم، ثم مدرساً في مدرسة القضاء الشرعي بالقاهرة، مدة (12) سنة وأستاذاً في التاريخ الإسلامي في الجامعة المصرية فوكيلاً لمدرسة القضاء الشرعي.

توفي في القاهرة سنة 1345هـ- 1927م وفيها دفن.

من مؤلفاته: محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية، تاريخ التشريع الإسلامي، أصول الفقه، إتمام الوفا في سيرة المصطفى، ونقد كتاب الشعر الجاهلي للدكتور/ طه حسين وغيرها.

راجع في ترجمته: معجم المطبوعات 1/ 725، 826، الأعلام 6/ 269، معجم المؤلفين 1/ 295.

(3)

أصول الفقه ص 77 و 78 وانظر وجه التخطئة في المصدر المذكور.

(4)

مجموع الفتاوى 20/ 217.

ص: 289

2 -

القول الثاني:

إن لازم المذهب مذهب، وإنه تصح نسبته إلى الإمام، ولسنا نعلم علماء معينين ذهبوا إلى ذلك، ومن ذكروا هذا القول لم ينسبوه إلى أحد. لكن شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ) ذكر أن الأثرم والخرقي وغيرهما يجعلون اللازم مذهباً للإمام (1). غير أنه جعل لازم المذهب معنى شاملاً لنص الإمام في مسألتين متشابهتين على قولين مختلفين، وعلى تعليله مسألة بعلة ينقضها في موضع آخر. وهذا موضوع آخر يدخل في نطاق القياس على ما نص عليه المجتهد، وفي نطاق ما يسمى (النقل والتخريج) مما سبق الكلام عنه.

ولم تذكر لهذا القول أدلة، ولكن يمكن أن يسعفوا بأدلة من جوز النقل والتخريج، وأن يقال بأن الظاهر من الإمام أن تكون أحكامه مطردة ومنسجمة وغير متناقضة، وإلحاق لازم المذهب بالمذهب يحقق مثل هذا الانسجام، ويدرأ عنه شائبة التناقض والاختلاف.

3 -

القول الثالث:

التفصيل في المسألة، وقد اختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وخلاصة رأيه أن لازم قول الإنسان نوعان:

أحدهما: لازم قوله الحق، وهذا مما يجب عليه أن يلتزمه، وأن يضاف إليه، إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره، لأن لازم الحق حق.

وثانيهما: لازم قوله الذي ليس بحق، فهذا لا يجب التزامه.

ووجهة نظر الشيخ- رحمه الله أن إضافة لازم قوله الحق إليه، إن علم من حاله أنه يرضاه، بعد وضوحه، هو الظاهر من اقتضاء اللزوم، وأن كثيراً

(1) مجموع الفتاوى 35/ 289.

ص: 290

مما يضيفه الناس إلى مذاهب الأئمة من هذا الباب.

أما لازم قوله الذي ليس بحق فلا يعد قولاً له ولا تصح نسبته إليه، لما يترتب على ذلك من المفاسد، ومن نسبة أقوال باطلة إليه، يتضمن كثير منها تكفيره، وأكثر ما في نسبة ذلك إليه أن ينسب إلى التناقض، وهذا لا خير فيه، لأن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين (1) وهذا مشروط بأن يعرف من حاله أنه لو ظهر له فساده لم يلتزمه، أما إذا عرف من حاله التزامه مع ذلك، فقد يضاف إليه (2).

وفي الحق إن عد لازم المذهب مذهباً، ونسبة ذلك إلى المجتهد من الأمور المشكلة، وقد تترتب عليه نتائج سيئة وثمرات خطيرة، من أبرزهما اللوازم التي يكفر الذاهب إليها. ونسبة ذلك إليه، وإن كان حقاً وصواباً، فيه نوع من المجازفة أيضاً، فالمجتهد ليس معصوماً، وقد يكون غافلاً عن تلك اللوازم، ولا ندري فيما لو عرضت عليه أكان يقبلها أم يرفضها.

وقد لاحظنا كيف أن بعض العلماء خطأ تخريجات للعلماء السابقين، بنوها على لوازم أقوال بعض الأئمة.

والدقة تقتضي عدم جواز نسبة ذلك إلى الأئمة، والتعبير عن ذلك بأسلوب احترازي، كأن يقال: مقتضى مذهبه أو قواعده، كذا، أو أن قاعدته أو رأيه في المسألة الفلانية يستلزم كذا.

أمثلة فقهية للازم المذهب:

ومما يتضح به ما يذكرونه في لازم المذهب الأمثلة الآتية:

1 -

الإقالة وهل هي فسخ أو بيع؟

اختلف العلماء في الإقالة (3)، فذهب مالك وأبو يوسف إلى أنها بيع،

(1) المصدر السابق 29/ 49.

(2)

المصدر السابق.

(3)

الإقالة في اللغة الإسقاط والرفع، وفي اصطلاحات الفقهاء: هي رفع البيع السابق. =

ص: 291

وهو رواية عن الإمام أحمد- رحمه الله، وذهب الشافعي ومحمد بن الحسن إلى أنها فسخ، وهو رواية عن أحمد- رحمه الله، واختارها وصححها كثير من علماء الحنابلة. وعند أبي حنيفة- رحمه الله أنها فسخ في حق المتعاقدين بيع في حق ثالث (1).

وقد ترتب على هذه الآراء لوازم مختلفة، تتناسب مع تلك الآراء، وتمثل ثمرة الخلاف في ذلك. فمن قال أنها فسخ لزمته أحكام متعددة منها: جوازها قبل القبض وبعده، وعدم استحقاق الشفعة بها، وعدم حنث من حلف لا يبيع بها (2). وصحتها بعد النداء لصلاة الجمعة (3). ومن قال أنها بيع لزمه أن لا يجوز ذلك قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض، وأن تستحق بها الشفعة، ويحنث بها من حلف لا يبيع (4)، وعدم صحتها بعد النداء لصلاة الجمعة.

ومن تلك اللوازم أيضاً، أنه لو اشترى عبداً كافراً من كافر فأسلم، ثم أراد الإقالة، فإن قلنا إنها بيع لم يجز، وإن قلنا إنها فسخ جار. ولو تقايل البائع والمشتري في عقود الربا، فإن قلنا إنها بيع وجب التقابض في المجلس، وإن قلنا إنها فسخ لم يجب.

ولو استخدم المشتري المبيع بعد الإقالة، فإن قلنا: إنها بيع فلا أجرة عليه، وإن قلنا إنها فسخ فعليه الأجرة.

2 -

التدبير- وهل هو وصية أو عتق بصفة؟

(1) = كشاف اصطلاحات الفنون ص 1211.

() انظر الآراء والاستدلالات في: المغني 4/ 135 وما بعدها، وتبيين الحقائق 4/ 70، واللباب في شرح الكتاب 2/ 32. وقواعد ابن رجب (الفائدة الخامسة) ص 379.

وقد ذكر واحداً وعشرين حكماً مرتباً عليها وفتح القدير 5/ 246، ورد المحتار 5/ 119.

(2)

المغني 4/ 136.

(3)

منتهى الإرادات 1/ 375.

(4)

الأشباه والنظائر للسيوطي ص 190، وانظر بعض أحكام الفسخ والإقالة في المنثور 3/ 41 - 53 للزركشي.

ص: 292

ومما يمثل ما نحن بصدده التدبير، الذي هو تعليق العتق بالموت (1). فهل هو وصية أو عتق بصفة؟

للحنابلة في هذه المسألة روايتان ينبني على كل واحدة منهما لوازم تختلف عن اللوازم التي تنبني على الأخرى. ومن هذه اللوازم:

لو قتل المدبر سيده، فإن من قال إن التدبير وصية يلزم رأيه أن لا يعتق المدبر لأن الموصى له إذا قتل الموصي، بعد الوصية، لم يعتق. وتلك طريقة ابن عقيل. ومن قال إنه عتق بصفة لزمه أن يعتق.

ومن قال: إنه وصية يلزمه اعتباره في الثلث، ولو باع المدبر ثم اشتراه فهل يكون بيعه رجوعاً فلا يعود تدبيره أو لا يكون رجوعاً فيعود؟

فعلى القول بأنه وصية، فإن الوصية تبطل بخروجه عن ملكه، وإن قلنا: هو عتق بصفة عاد بعود الملك، بناءً على الأصل عندهم في عود الصفة بعودة الملك في العتق والطلاق.

ولو جحد السيد التدبير، فقد قال الأصحاب: إن قلنا هو عتق بصفة لم يكن رجوعاً، وإن قلنا هو وصية فوجهان، بناءً على أن جحد الموصي الوصية هل هو رجوع أو لا.

وقد خرج العلماء طائفة من الأحكام المختلفة بهذا الشأن، بناءً على الاختلاف في مذاهبهم في الحكم على حقيقة التدبير، وهل هو وصية أو عتق بصفة (2).

3 -

وفي مسألة رفع الحدث بالوضوء نجد من العلماء من قال: إن كل عضو غسل ارتفع حدثه دون النظر إلى بقية الأعضاء، ومنهم من قال إن الحدث لا يرتفع إلا بكمال الوضوء. وقد جاء في القاعدة (54) من قواعد المقري (اختلف المالكية في الحدث هل يرتفع عن كل عضو بالفراغ منه،

(1) التعريفات للجرجاني ص 47، ومنهاج الطالبين بحاشية قليوبي وعميرة 4/ 358.

(2)

قواعد ابن رجب: الفائدة الثالثة عشرة ص 403 وما بعدها.

ص: 293

كما تخرج منه الخطايا أو بالإكمال؟) (1) وقد تضاربت آراء علماء المالكية في نسبة هذه القاعدة للمذهب، فأنكرها طائفة منهم وصحح نسبتها آخرون. جاء في إيضاح المسالك عن بعض العلماء (وما زال الحذاق من الشيوخ يبنون عليه، وتظهر فائدته في مسائل. وذلك كاف في ثبوت الخلاف في مثله)(2).

وقد ترتب على ذلك أن ألزموا من قال إن كل عضو يطهر على انفراد، جواز مس المصحف لمن غسل وجهه ويديه، وتفريق النية على الأعضاء (3).

4 -

وفي الخلع اختلف العلماء في تكييفه، فذهب الجمهور منهم إلى أنه طلاق، وبه أخذ مالك وأبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين. وذهب الآخرون إلى أنه فسخ، وبذلك أخذ الشافعي في قوله القديم، وأحمد في رواية أخرى، وغيرهم من العلماء. وهو رأي ابن عباس من الصحابة (4) وهذا الخلاف يلزمه الخلاف في كثير من الفروع الفقهية.

فمن قال إن الخلع طلاق يلزمه أن الخلع ينقص عدد الطلقات، فلو كان طلقها اثنتين ثم خالعها، حرمت عليه حتى تنكح زوجاً غيره، وكذا لو خالعها ثلاثاً. وأما من قال إن الخلع فسخ فلا تحرم عليه حتى لو خالعها مائة مرة. وقالوا: إن الخلاف هنا هو في حالة ما إذا خالعها بغير لفظ الطلاق ولم ينوه (5).

(1) 1/ 275، 276.

(2)

إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك للونشريسي ص 181.

(3)

المصدر السابق.

(4)

انظر الآراء والاستدلالات في: بداية المجتهد 2/ 69، والإفصاح عن معاني الصحاح 2/ 144، والمغني 7/ 56، وتبيين الحقائق 2/ 268، والوجيز 2/ 41.

(5)

المغني 7/ 57، هذا ومما يدخل في ذلك أمور كثيرة منها: اختلافهم في القسمة هل هي إفراز أو بيع؟ (قواعد ابن رجب ص 417)، واختلافهم في الزكاة هل تجب في عين النصاب أو في ذمة المالك (قواعد ابن رجب ص 370) وغيرها. وكل رأي من ذلك تلزمه أحكام غير ما تلزم الرأي الآخر.

ص: 294