الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع
التمهيد في تخريج الفروع على الأصول
لجمال الدين أبي محمد عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي
المتوفى سنة 772هـ
الفرع الأول: التعريف بالكتاب:
ومن الكتب المؤلفة في هذا المجال كتاب (التمهيد في تخريج الفروع على الأصول) لجمال الدين عبد الرحيم بن الحسن الأسنوي (ت: 772هـ) وقد طبع هذا الكتاب أول مرة في المطبعة الماجدية بمكة سنة 1353هـ، وكانت طباعته رديئة، لم تخل من التصحيف والتحريف، ثم طبع بعد ذلك، بدمشق سنة 1391هـ/1972م، بتحقيق الدكتور / محمد حسن هيتو.
وقد ادعى الأسنوي في مقدمة كتابه: (الكوكب الدري فيما يخرج على الأصول النحوية من الفروع الفقهية)، أن تأليفه في فن التخريج يُعد ابتكاراً منه، وأنه لم يسبقه أحد، قال:(ثم بعد ذلك كله - استخرت الله- تعالى- في تأليف كتابين ممتزجين من الفنين المذكورين (1). ومن الفقه، مل يتقدمني إليهما أحد من أصحابنا:
أحدهما: في كيفية تخريج الفقه على المسائل الأصولية.
والثاني: في كيفية تخريجه على المسائل النحوية) (2).
(1) أي اللغة والأصول.
(2)
الكوكب الدري ص 188 و189 بتحقيق د. محمد حسن عواد.
وهي دعوى ينقصها الدليل، وينفيها الواقع، إذ الزنجاني (ت 656هـ)، وهو شافعي قد سبق الأسنوي بذلك بما يزيد على قرن من الزمان. اللهم إلا إذا كان الأسنوي يقصد تخصيص ذلك في نطاق المذهب، دون تجاوزه إلى غيره، من مذاهب العلماء.
ومهما يكن من أمر، فقد تأثر بهذا الكتاب طائفة من علماء المذاهب الأخرى، أرادوا بما ألفوه أن يتابعوا ما فعله الأسنوي في المذهب الشافعي، لا سيما أنه في مقدمة كتابه حث علماء المذاهب الأخرى على الاقتداء بما فعله، في نطاق مذاهبهم (1). ومن هؤلاء احد علماء الشيعة في القرن العاشر في كتابه (كشف الفوائد في تمهيد القواعد)، ومنهم الشيخ محمد بن عبد الله التمرتاشي الحنفي المتوفى سنة 1004هـ، وقد ذكر كل منهما في كتابه أنه ألف كتابه على نمط كتاب الأسنوي. وفيما يأتي وصف موجز لهذا الكتاب:
1 -
ذكر المؤلف، بعد المقدمة، بابين باباً في الحكم الشرعي ذكر فيه 19 تسع عشرة مسألة، وباباً في أركان الحكم الشرعي وذكر فيه 6 ست مسائل، ثم رتب كتابه بعد ذلك على كتب وأبواب وفصول ومسائل فكانت الكتب تتفرع إلى الأبواب، والأبواب إلى الفصول، والفصول إلى المسائل التي تمثل القواعد الأصولية، وعلى تل المسائل كان يبنى تخريج الفروع الفقهية.
بلغ عدد كتبه، بعد البابين المشار إليهما، سبعة كتب هي: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والدلائل المختلف فيها، والتعادل والتراجيح والاجتهاد. وفيما عدا كتابي التعادل والتراجيح والاجتهاد فإن هذه الكتب مثلت أدلة الأحكام الشرعية، وكان حديثه عن الكتاب أوسع من حديثه عن كل ما تعرض له في كتابه، بينما كان تعرضه للمباحث الأخرى يسيراً، وفي المباحث المتعلقة بالكتاب تناول موضوع الألفاظ
(1) ص 47 من التمهيد.
ودلالتها، وكيفية استخراج الأحكام منها. وقد تناول ذلك في 125 مسألة من مجموع مسائل الكتاب البالغة 188 مسألة، لكنه لم يتناول من مسائل الكتاب نفسه إلا القراءة الشاذة وقد وزع مسائله على الكتب وفق الآتي:
باب الحكم الشرعي وفيه 19 مسألة بحثها في 60 صفحة
باب أركان الحكم الشرعي وفيه 6 مسائل بحثها في 24 صفحة
الكتاب الأول في الكتاب وفيه 125 مسألة بحثها في 302 صفحة
الكتاب الثاني في السنة وفيه 7 مسائل بحثها في 9 صفحات
الكتاب الثالث في الإجماع وفيه 4 مسائل بحثها في 9 صفحات
الكتاب الرابع في القياس وفيه 9 مسائل بحثها في 22 صفحة
الكتاب الخامس في دلائل اختلف فيها وفيه 3 مسائل بحثها في 16 صفحة
الكتاب السادس في التعادل والتراجيح وفيه 6 مسائل بحثها في 12 صفحة
الكتاب السابع في الاجتهاد والافتاء وفيه 9 مسائل بحثها في 16 صفحة
188
2 -
يلاحظ أن المؤلف رتب كتابه على مناهج كتب الأصول فبدأ بالأحكام ثم الأدلة وما يتعلق بها ثم التعارض والتراجيح ثم مباحث الاجتهاد والفتى، وفرع عليها المسائل الفقهية ولم يرتبه على الأبواب الفقهية كصنيع الزنجاني. وقد تناول أمهات القضايا الأصولية ولكنه لم يستوعبها جميعاً، ولا يصح ما ذكره محققه د/ محمد حسن هيتو، في مقدمته بأنه (لم يترك قاعدة أصولية مهما كانت إلا تعرض لها). فما تركه من تلك القواعد كثير، ويكفي النظر إلى كتابي الإجماع والقياس ليتضح هذا الأمر، فهو في افجماع لم يتناول إلا أربع مسائل هي:
1 -
تعريف الإجماع وشروطه ولم يذكر من الشروط إلا مسألة ما قاله بعضهم من ضرورة انضمام الفعل إلى القول، والأقوال في حجية الإجماع السكوتي وما يترتب على ذلك من الفروع الفقهية (ص451 ..).
2 -
اتفاق أهل العصر الثاني على أحد قولي العصر الأول (ص 456).
3 -
اختلاف أهل العصر على قولين ثم اتفاقهم على قول (ص458).
4 -
إذا اجمعوا في شيء على حكم ثم حدث فيه صفة، فهل يستدل بالإجماع الموجود قبل الصفة عليه بعد الصفة أيضاً (ص 459).
وهذه المسائل لاتمثل إلا جزءاً محدوداً من مباحث الإجماع، فهل انقراض العصر شرط؟ ومن هو المعتد به في الإجماع؟ وإذا اختلف أهل العصر على قولين فهل يجوز لمن بعدهم أن يحدث قولاً ثالثاً؟ وهل يدخل في المجمعين من بلغ رتبة الاجتهاد من رجال العصر الذي يلي عصر المجمعين؟ وغير ذلك. وفي القياس ذكر تسع مسائل لم تغط جميع مباحثه، فلا حديث عن جواز التعليل بالعلة القاصرة، ولا عن كثير من مسالك العلة كالدوران والسبر والتقسيم والطرد وغيرها، بل والنص صريحاً وإيماء، ولا عن الخلاف فيما يقدح في العلة وما لا يقدح، ولا عن التعليل بالحكم أو تركيب العلة وغير ذلك.
وقد ذكرنا هذين الكتابين للتمثيل ليس غير، وألا فإن هذا حاصل في سائر الكتب والأبواب، بل، إنه في بعض الكتب لم يتناول من مباحثها إلا الشيء القليل، كما في مباحث السنة التي لم يتناول فيها إلا أفعال النبي – صلى الله عليه وسلم – في مسألتين موجزتين، وأقحم في مباحثها حديثه عن شرع من قبلنا، وكذلك الأدلة المختلف فيها. إذ لم يتناول منها إلا الاستصحاب، والأصل بعد الشرع، وقول الصحابي، وترك الاستحسان والمصلحة والعرف وسائر أنواع الاستدلال.
3 -
كان يذكر الدليل أو القاعدة الأصولية أولاً، ثم يذكر وجهات النظر التي قيلت فيها ويعرض ذلك عرضاً سريعاً، دون أن يستدل لها إلا في القليل
منها، وإذا استدل اكتفى بالاستدلال الموجز، واكتفى من ذلك بالاستدلال للمذهب الراجح أو الصحيح عنده.
وإذا انتهى من ذلك، ذكر ما يبنى على القاعدة من فروع، قائلاً:(إذا علمت ذلك فمن فروع المسألة).
4 -
جعل تفريعاته على الأدلة والقواعد الأصولية تابعة لوجهات نظر علماء الشافعية، فهو محصور في مجال عرض الخلافات على آرائهم، وفي حالات غير كثيرة كان يذكر آراء بعض علماء المذاهب الأخرى، ولكنه لم يذكر شيئاً مما يتفرع على آرائهم بهذا الشأن.
وعلى هذا فإن تفريعاته كانت في غالبها روايات أو وجوهاً أو طرقاً في المذهب. وقد يذكر تخريجاً من عنده، على ما تقتضيه القاعدة، إن لم يقف على نقل عن علماء المذهب.
وقد بين الأسنوي نفسه في مقدمة كتابه أن ما يذكره من الفروع أقسام:
أ-فمنه ما يكون جواب الأصحاب فيه موافقاً للقاعدة.
ب- ومنه ما لم يقف فيه على نقل بالكلية، فيذكر ما تقتضيه قاعدة المذهب الأصولية (1).
وبذلك يتضح أن ما يذكره من الفروع ليس كله مما نص عليه في المذهب، بل منه ما هو مستنبط أو مخرج على القاعدة من قبل الأسنوي نفسه. وقد صرح بذلك بقوله عن بعض الفروع (أو استخرجته أنا وصورته)(2). وذكر أنه فعل ذلك من أجل لفت نظر العلماء إلى مأخذ ما نص عليه الأصحاب، وأصلوه، ويتنبه به على استخراج ما أهملوه (3).
(1) ص 46.
(2)
ص 47.
(3)
ص 46 و47.