الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
في تعريف التخريج وبيان أنواعه
معناه في اللغة: قال ابن فارس: الخاء والراء والجيم أصلان.
قال: وقد يمكن الجمع فيهما:
فالأول: النفاذ عن الشيء.
والثاني: اختلاف لونين (1).
ويبدو من خلال تتبع معاني المادة في المعاجم أن المعنى الأول هو الأكثر استعمالاً، فالخروج عن الشيء هو النفاذ عنه وتجاوزه، ومنه خراج الأرض وهو غلتها.
ويبدو أن هذا المعنى هو الأقرب لما نحن فيه، فالتخريج مصدر للفعل خرج المضعف، وهوي فيد التعدية بأن لا يكون الخروج ذاتياً، بل من خارج عنه، ومثله أخرج الشيء واستخرجه فإنهما بمعنى استنبطه، وطلب إليه أن يخرج (2).
ويقال أيضاً خرج فلاناً في العلم أو الصناعة دربه وعلمه، والمصدر تخريج (3).
معناه في الاصطلاح:
وقد استعمل لفظ (التخريج) في طائفة من العلوم، فأصبحت
(1) معجم مقاييس اللغة.
(2)
راجع: لسان العرب، والقاموس المحيط في مادة (خرج) باب الجيم فصل الخاء.
(3)
المعجم الوسيط (مادة خرج) ص 224.
استعمالاته عندهم تعني مصطلحاً خاصاً، كما هو الشأن عند علماء الحديث، وعلماء الفقه والأصول، وسنذكر فيما يأتي معناه عندهم:
1 -
معناه عند المحدثين:
أطلق المحدثون التخريج على ذكر المؤلف الحديث بإسناده في كتابه (1). ومنه قولهم: هذا الحديث خرجه أو أخرجه فلان بمعنى واحد هو ما ذكرناه.
وذكر بعضهم أنه عند المحدثين (إيراد الحديث من طريق أو طرق أخر تشهد بصحته، ولابد من موافقتها له لفظاً ومعنى)(2).
وحده بعضهم بأنه "عزو الحديث إلى مصدره أو مصادره من كتب السنة المشرفة، وتتبع طرقه وأسانيده وحال رجاله وبيان درجته قوة وضعفاً"(3).
وعلى هذا فالتخريج لا يقتصر على ذكر الأسانيد، بل لابد من بيان أمر رجال الحديث وقوة أسانيده، والحكم عليه قوة وضعفاً، وبيان صحته أو عدمها.
ولتخريج الأحاديث طرق متعددة، وفوائد كثيرة، لعل من أهمها جمع الطرق التي جاء الحديث منها، وجمع ألفاظ متن الحديث (4).
(1) قواعد التحديث في فنون مصطلح الحديث ص 219 لمحمد جمال الدين القاسمي.
(2)
القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً ص 114 لسعدي بن أبي حبيب.
(3)
تخريج أحاديث اللمع في أصول الفقه ص 10 لعبد الله بن محمد الصديقي الغماري، نقله عنه صبحي السامرائي في مقدمته لكتاب تخريج أحاديث مختصر المنهاج للحاف العراقي. كما ورد بمقدمة تحقيق كتاب الغماري المذكور.
وبهذا المعنى للتخريج عرفه د/ محمود الطحان، فقال في كتابه "أصول التخريج ودراسة الأسانيد"(هو الدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصيلة التي أخرجته بسنده، ثم بيان مرتبته عند الحاجة).
(4)
طرق تخريج حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 14، للدكتور/ أبو محمد عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي.
هذا وللمحدثين طرق متنوعة لتخريج الحديث اشتهر منها خمسة. ولمعرفة ذلك
…
=
كما أطلق المحدثون التخريج على الإشارة إلى كتابة الساقط من المتن في الحواشي وهو المسمى اللحق، أو التنبيه على شرح أو غلط أو اختلاف رواية أو نسخة أو غير ذلك (1). ولهم في بيان كيفية تخريج السقط ضوابط خاصة.
2 -
معناه عند الفقهاء والأصوليين:
وإذا تأملنا استعمالات الفقهاء والأصوليين، وجدنا أن مصطلح التخريج يدور في أكثر من نطاق، وأنهم لم يستعملوه بمعنى واحد، وإن كان بين هذه المعاني تقارب وتلاحم، فمن تلك الاستعمالات:
(1) = ومعرفة الأمثلة والمراجع في هذا المجال، راجع:
أصول التخريج ودراسة الأسانيد للدكتور/ محمود الطحان ص 35 - 133، ومفاتيح علوم الحديث وطرق تخريجه لمحمد عثمان الخشت ص 131 - 151.
() من المختار عند المحدثين في ذلك (أن يخط من موضع سقوطه من السطر خطا صاعداً إلى فوق ثم يعطفه بين السطرين عطفة يسيرة إلى جهة الحاشية التي يكتب فيها اللحق، ويبدأ في الحاشية بكتابة اللحق مقابلاً للخط المنعطف وليكن ذلك في حاشيته ذات اليمين، وإن كانت تلي وسط الورقة، إن اتسعت له فليكتبه صاعداً إلى أعلى الورقة لا نازلاً به إلى أسفل).
لاحظ في ذلك:
-التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح ص 211 - 213 لعبد الرحيم بن الحسين العراقي [ت806هـ] بتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان.
وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي أيضاً 3/ 29 - 32.
تفاصيل كيفية التخريج يميناً وشمالاً وإلى الجهات الأخرى تلاحظ في فتح المغيث هذا.
وهناك ضوابط متعددة تتعلق بالكيفيات المتعددة بتعدد موضع اسقط، ومن رأي القاضي عياض أن لا يخرج لغير السقط خط، لئلا يدخل اللبس ويحسب من الأصل. فلذا توضع له علامة أخرى كالتضبيب، ولم يرتض الحافظ العراقي ذلك، ورأى أن تخريج السقط يوضع بين الكلمتين فلا يلتبس بغيره. (راجع: التقييد والإيضاح ص 213).
ما توصلوا إليه من أحكام، في المسائل الفقهية المنقولة عنهم، وذلك من خلال تتبع تلك الفروع الفقهية واستقرائها استقراء شاملاً يجعل المخرج يطمئن إلى ما توصل إليه، فيحكم بنسبة الأصل إلى ذلك الإمام.
ب) إطلاق التخريج على رد الخلافات الفقهية إلى القواعد الأصولية، على نمط ما في كتاب (تخريج الفروع على الأصول) للزنجاني، أو التمهيد في تخريج الفروع على الأصول) للأسنوي، أو (القواعد، والفوائد الأصولية والفقهية) لابن اللحام.
وهو بهذا المعنى يتصل اتصالاً واضحاً بالجدل وبأسباب اختلاف الفقهاء، إذ هو في حقيقته يتناول واحداً من تلك الأسباب، وهو الاختلاف في القواعد الأصولية، وما ينبني على ذلك الاختلاف من اختلاف في الفروع الفقهية، سواء كانت في إطار مذهب معين، أو في إطار المذاهب المختلفة، وقد يتسع هذا المجال فيشمل من أسباب الاختلاف ما هو خلاف في الضوابط أو بعض القواعد الفقهية، كما هو الشأن في كتاب (تأسيس النظر) المنسوب إلى أبي زيد الدبوسي. وهذا هو ما اصطلح عليه بـ:(تخريج الفروع على الأصول).
ج) وقد يكون التخريج - وهذا هو غالب استعمال الفقهاء - بمعنى الاستنباط المقيد، أي بيان رأي الإمام في المسائل الجزئية التي لم يرد عنه فيها نص، عن طريق إلحاقها بما يشبهها من المسائل المروية عنه، أو بإدخالها تحت قاعدة من قواعده، والتخريج بهذا المعنى هو ما تكلم عنه الفقهاء والأصوليون في مباحث الاجتهاد والتقليد، وفي الكتب المتعلقة بأحكام الفتوى.
د) وقد يطلقون التخريج بمعنى التعليل، أو توجيه الآراء المنقولة عن الأئمة وبيان مآخذهم فيها، عن طريق استخراج واستنباط العلة وإضافة الحكم إليها (1). بحسب اجتهاد المخرج، وهو في حقيقته راجع إلى المعاني
(1) شرح مختصر الروضة للطوفي 3/ 242 ولاحظ قول الآمدي في الرد على دليل =
السابقة، لأن تلك المعاني لا يتحقق أي منها دون التعليل والتوجيه، ومن هذا القبيل ما يسمى (تخريج المناط).
لكن الذي نهتم به من إطلاقات التخريج، هو ما يصلح أن يكون عنواناً لعلم مستقل، نسعى لتأصيله، وبيان مقوماته، ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن التخريج يتنوع إلى الآتي:
1 -
تخريج الأصول من الفروع.
2 -
تخريج الفروع على الأصول.
3 -
تخريج الفروع من الفروع.
ونظراً إلى مثل هذا الاختلاف في معنى التخريج عند الفقهاء والأصوليين (1)، فإنه من الصعب أن نعطي عن نشأة التخريج بكل هذه المعاني تاريخاً واحداً، أو أن نتحدث عنها بكلام واحد، ولهذا فإننا سنتحدث عن كل منها على انفراد، مبينين ما يتعلق بها نشأة وتاريخاً وأحكاماً.
(1) = الخصم: (وما ذكروه فقد سبق تخريجه في مسألة تكليف ما لا يطاق) الأحكام 4/ 181، وهو يقصد بذلك تأويله وتوجيهه أو تعليله بما يجعله دليلاً معارضاً لرأيه. ومثل ذلك عنده، كثير.
() من الملاحظ أن هناك إطلاقات خاصة لبعض العلماء على التخريج، لم نذكرها في المتن لعدم عمومها بين العلماء. فقد كان ابن الحاجب رحمه الله مثلاً يطلق التخريج على ما قابل الاتفاق، وعلى ما قابل المعروف، وعلى ما قابل المنصوص، وفي أحيان كان يسمى التخريج (الاستقراء).
(انظر: ص109 و110 من كتاب كشف النقاب الحاجب من مصطلح ابن الحاجب لابن فرحون).