الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحاولات التوفيقية
لتأنيس الفائدة في المجتمع الإسلامي
الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين
مقدمة
في القرآن الكريم جاء ذم جريمة الربا، والتشنيع على مرتكبها، ربما بما لم يجئ مثله في حق جريمة أخرى؛ ففي مقابل وصف الزنا مثلا بأنه {فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (1) وصف المرابون بأنهم:{لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (2)، وجاء:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (3)، وتوعد المرابون بأنهم إن لم يذروا ما بقي من الربا، فليأذنوا بحرب من الله ورسوله، وبالإضافة إلى ما ورد في القرآن جاءت الأحاديث الكثيرة بالنهي عن الربا وعن شبهته، وإنذار الفرد والمجتمع الذي يمارسه بأعظم العقوبات.
وقد وقعت أغلب بلاد العالم الإسلامي تحت نير الاستعمار الأوربي، ولما كان الاقتصاد دافعا رئيسيا للاستعمار كان من الطبيعي أن يرسخ الاستعمار في البلاد التي خضعت تحت نير النظام البنكي الغربي، القائم على " الفائدة الربوية "؛ إذ كان هذا النظام وسيلة فعالة للتحكم في أموال العالم الإسلامي المستعمر، والسيطرة على اقتصاده.
ومن البداية واجه المجتمع الإسلامي واقعا ذا مظهرين:
أولا: بسبب رادع تحريم الإسلام للربا، واعتباره كبيرة من كبائر الذنوب،
(1) سورة الإسراء الآية 32
(2)
سورة البقرة الآية 275
(3)
سورة البقرة الآية 276
بل من أكبرها على ما وصف آنفا، فقد امتنع المسلم التقي من الحصول على الفائدة الربوية عن إيداعاته، فحظي البنك الأجنبي - في الغالب - بالانتفاع بأموال المسلمين مجانا، وبدون تحمله دفع أي تعويض عن استغلاله لرأس المال الإسلامي.
ثانيا: بسبب الرادع المشار إليه - امتنع المسلم التقي عن الانتفاع بالتسهيلات الائتمانية التي تمنحها البنوك، فكانت الأموال والمدخرات الإسلامية المجمعة تضخ في الأسواق المالية الغربية، وتجري في شرايين الاقتصاد الغربي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ففي المجتمعات المختلطة بين المسلمين وغيرهم كالقارة الهندية كانت المجتمعات غير المسلمة تنفرد بالتمتع بمزايا التسهيلات الائتمانية، فيتنامى نشاطها الاقتصادي على حساب النشاط الاقتصادي للمجتمع الإسلامي.
وقد أذهلت هذه الظواهر رجال الفكر في العالم الإسلامي، فشغلتهم بالبحث عن سبيل للخروج بالمجتمع الإسلامي من ورطة هذا الواقع الأليم، إن هذا المأزق تصوره أوضح تصوير صيغ الاستفتاءات، التي كانت تنهال من الأفراد والمجتمعات الإسلامية، فيما يتعلق بهذه المشكلة وإجابات المفتين.
ولكن ربما كان من أبلغ الأمثلة في تصوير الشعور بهذا المأزق فتوى نشرت لأحد المفتين مضمونها أن أحاديث الربا من وضع اليهود، أدخلوها على المسلمين بقصد الإضرار بهم عن طريق تحريم التجارة عليهم؛ لتكون التجارة في يد اليهود، إن ما جعل المشكلة تبدو مستحيلة الحل غياب مؤسسات مصرفية لا تقوم على الربا، فكان يبدو أن لا بديل للنظام المصرفي الغربي، بل لا بديل للاقتصاد الغربي، وحتى بعد ظهور الشيوعية ومشاطرة المذهب الاقتصادي الشيوعي المذهب الرأسمالي الغربي كان يظهر أن لا فرصة للعالم للخروج عن الدوران في أحد الفلكين.
ونتيجة لذلك كان من الطبيعي أن يتجه الفكر الإسلامي إلى المحاولات التوفيقية بغرض تأنيس الفائدة لقبولها في المجتمع الإسلامي، ولكن كل هذه