الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في ذكر مولده ونشأته ورحلته
اتفقت المصادر على أن مولده كان في آخر سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة بشاطبة، قيل إنه ولد أعمى (1).
بدأ -رحمه الله تعالى- حياته العلمية بحفظ كتاب الله سبحانه وتعالى، وتعلم قراءاته ورواياته في بلدته التي ولد بها، وهي شاطبة، ثم تلقى بها العلوم الأخرى التي كان يتوق إليها طلاب العلم من أمثاله، فنبغ في صغره.
وظهرت آثار ذلك النبوغ المبكر عليه، فعين خطيبا لأهل بلده، وهو فتى صغير مع ما كان بها من العلماء الكبار والخطباء.
وإلى ذلك أشار ابن خلكان بقوله: وخطب ببلده على فتاء سنه (2)، ولم تذكر المصادر التي بين أيدينا هل كان لأبويه دور في هذه الحياة العلمية المبكرة، أم أنه نشأ يتيما فأحاطته العناية الإلهية.
ولما رأى الشاطبي أنه استكمل أخذ العلوم التي ببلده عن شيوخها رحل في طلب العلم، فكانت أول مدينة رحل إليها هي بلنسية، وكانت قريبة من بلدته شاطبة، فعرض بها التيسير لأبي عمرو الداني من حفظه على علمائها، وتلقى بها علم الحديث، وشرح الهداية للمهدوي، وأخذ عن علمائها علم التفسير والنحو.
ثم عاد رحمه الله تعالى إلى مدينة شاطبة، بعد أن استوعب وحفظ كل
(1) غاية النهاية: 2/ 21.
(2)
وفيات الأعيان: 4/ 73.
العلوم التي رحل في طلبها فكان حافظ عصره، عالما بكتاب الله تعالى قراءة وتفسيرا، وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، مبرزا فيه، وكان إذا قرئ عليه صحيح البخاري ومسلم وموطأ الإمام مالك تصحح النسخ من حفظه، ويملي النكت على المواضع المحتاج إليها، وكان أوحد عصره في النحو واللغة (1).
ومع هذه المكانة العلمية فقد عاش فقيرا، وطلب منه أن يلي خطابة جامع بلده بعد عوده من بلنسية فامتنع من ذلك لأجل مبالغة الخطباء على المنابر في وصف الملوك (2).
ثم رحل إلى مصر سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة لقصد الحج، فقدم الإسكندرية، وهي الرحلة الثانية، وبها أخذ علم الحديث عن محدثها أبي طاهر السلفي المتوفى سنة (576 هـ)(3).
وكان يقول عند دخوله إلى مصر: إنه يحفظ وقر بعير من العلوم، بحيث لو نزلت عليه ورقة أخرى لما احتملها (4).
وفي هذا النص دليل على أنه ما خرج من بلاد الأندلس إلى المشرق إلا بعد أن استكمل معرفة معظم العلوم الشرعية، وصار يشار إليه بالبنان.
ثم رحل من الإسكندرية إلى القاهرة وهي رحلته الثالثة، وهناك استقبله القاضي عبد الرحيم صاحب المدرسة الفاضلية، وأكرمه وعرف له قدره، وأنزله بمدرسته التي بناها بدرب الملوخية داخل القاهرة، وجعله شيخها
(1) وفيات الأعيان ابن خلكان: 4/ 97، الديباج ابن فرحون 2/ 150.
(2)
البداية والنهاية للحافظ ابن كثير 13/ 11، وفتح المواهب للقسطلاني. مخطوط لوحة: 9 / أ.
(3)
وفيات الأعيان: 4/ 72، غاية النهاية 2/ 20.
(4)
وفيات الأعيان: 4: 72.
ونظم قصيدته الرائية واللامية بها، فقصده الخلائق للإقراء وتعلم اللغة والنحو (1).
ولما فتح الملك الناصر صلاح الدين يوسف بيت المقدس توجه إليه الشاطبي وزاره سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وصام به شهر رمضان، ثم رجع إلى القاهرة، وأقام بالمدرسة الفاضلية يقرئ الناس بها، حتى توفي رحمه الله، وهذه هي الرحلة الرابعة (2).
ثم رحل إلى مكة لأداء فريضة الحج، وقد أشارت المصادر إلى هذه الرحلة باقتضاب، فقد ذكر ابن الجزري وغيره أنه خرج من بلاده يريد الحج (3)، ولم يذكروا في أي سنة كان ذلك، ولا مدة إقامته في الحرمين.
(1) وفيات الأعيان: 4/ 72، غاية النهاية: 2/ 20. معرفة القراء الكبار للذهبي: 2/ 458.
(2)
البداية والنهاية للحافظ ابن كثير: 13/ 11. غاية النهاية 2/ 21.
(3)
البداية والنهاية: 13/ 11. غاية النهاية: 2/ 20.