الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المستشرقين: الإسلام محجوب بأهله، يعني المنتسبين إليه بدون اتصاف بحقيقته.
لا نقول إن الإسلام مفقود بالكلية؛ لأن الله سبحانه وتعالى ضمن بقاءه ببقاء كتابه، كما قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1)، وببقاء جماعة من المسلمين تقوم على تطبيقه وحفظه والدفاع عنه، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} (2) وقال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (3)، نعم هي الجماعة التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم:«لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى، وهم على ذلك (4)» . ومن هنا يجب علينا التعرف على هذه الجماعة المباركة التي تمثل الإسلام الصحيح، جعلنا الله منها؛ ليعرفها من يريد التعرف على الإسلام الصحيح، وعلى أهله الحقيقيين؛ ليقتدي بهم ويسير في ركابهم، ولينضم إليها من يريد الدخول في الإسلام من الكفار.
(1) سورة الحجر الآية 9
(2)
سورة المائدة الآية 54
(3)
سورة محمد الآية 38
(4)
صحيح مسلم الإمارة (1920)، سنن الترمذي الفتن (2229)، سنن أبو داود الفتن والملاحم (4252)، سنن ابن ماجه الفتن (3952)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 279).
المراد بالفرقة الناجية أهل السنة والجماعة
كان المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمة واحدة كما قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (1)، وكم حاول اليهود والمنافقون تفريق المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستطيعوا، قال المنافقون:{لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} (2)، فرد الله عليهم بقوله:{وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} (3)، حاول اليهود تفريق المسلمين، وارتدادهم عن دينهم:
(1) سورة الأنبياء الآية 92
(2)
سورة المنافقون الآية 7
(3)
سورة المنافقون الآية 7
{وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (1)، لكن الخطة لم تنجح؛ لأن الله كشفها وفضحها؛ حاولوا مرة ثانية، فأخذوا يذكرون الأنصار ما جرى بينهم من عداوة وحروب قبل الإسلام، وما تقاولوا به من أشعار الهجاء فيما بينهم، فكشف الله خطتهم بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} (2)، إلى قوله تعالى:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} (3)، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأنصار فوعظهم وذكرهم بنعمة الإسلام، واجتماعهم به بعد الفرقة- فتصافحوا وتعانقوا وفشلت خطة اليهود، وبقي المسلمون أمة واحدة، والله تعالى أمرهم بالاجتماع على الحق، ونهاهم عن الاختلاف والتفرق- فقال تعالى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (4)، وقال تعالى:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (5).
وقد شرع لهم سبحانه الاجتماع في أداء العبادات في الصلاة والصيام والحج وطلب العلم. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحث على اجتماع المسلمين، وينهاهم عن التفرق والاختلاف.
وكان صلى الله عليه وسلم يخبر خبرا معناه الحث على الاجتماع والنهي عن التفرق، فكان يخبر بحدوث تفرق في هذه الأمة، كما حصل للأمم قبلها؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم:«فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي (6)» .
وقال صلى الله عليه وسلم: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة- كلها في النار إلا واحدة. قلنا من هي يا رسول
(1) سورة آل عمران الآية 72
(2)
سورة آل عمران الآية 100
(3)
سورة آل عمران الآية 106
(4)
سورة آل عمران الآية 105
(5)
سورة آل عمران الآية 103
(6)
سنن الترمذي العلم (2676)، سنن أبو داود السنة (4607)، سنن ابن ماجه المقدمة (44)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 126)، سنن الدارمي المقدمة (95).
الله- قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي (1)»، وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم فتفرقت الأمة في أواخر عصر الصحابة، ولكن هذا التفرق لم يؤثر كثيرا في كيان الأمة، طيلة عصر القرون المفضلة التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:«خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم (2)» ، قال الراوي: لا أدري ذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة. وذلك لوفرة العلماء من المحدثين والمفسرين والفقهاء، بما فيهم علماء التابعين وأتباع التابعين والأئمة الأربعة وتلاميذهم، ولقوة دولة الإسلام في تلك القرون، فكانت الفرق المخالفة تجد الجزاء الرادع بالحجة والقوة.
وبعد انقضاء عصر القرون المفضلة، اختلط المسلمون بغيرهم من أصحاب الديانات المخالفة، وعربت علوم أهل الملل الكافرة، واتخذ ملوك الإسلام بعض البطانات من أهل الكفر والضلال، فصار منهم الوزراء والمستشارون، فاشتد الخلاف وتعددت الفرق والنحل، ونجحت المذاهب الباطلة، ولا يزال ذلك مستمرا إلى وقتنا هذا، وإلى ما شاء الله.
ولكن بحمد الله بقيت الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة متمسكة بالإسلام الصحيح، تسير عليه وتدعو إليه، ولا تزال ولن تزال بحمد الله؛ مصداقا لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من بقاء هذه الفرقة واستمرارها وصمودها، وذلك فضل من الله سبحانه، من أجل بقاء هذا الدين وإقامة الحجة على المعاندين.
إن هذه الطائفة المباركة تمثل ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، في القول والعمل والاعتقاد، كما قال صلى الله عليه وسلم:«هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي (3)» ، إنهم بقية صالحة من الذين قال الله فيهم:{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} (4).
(1) سنن الترمذي الإيمان (2640)، سنن أبو داود السنة (4596)، سنن ابن ماجه الفتن (3991)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 332).
(2)
صحيح البخاري الشهادات (2651)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2535)، سنن النسائي الأيمان والنذور (3809)، سنن أبو داود السنة (4657)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 427).
(3)
سنن الترمذي الإيمان (2641).
(4)
سورة هود الآية 116