الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
ثم هم مع هذه الأصول، التي مر ذكرها، يتحلون بصفات عظيمة هي من مكملات العقيدة، ومن أعظم هذه الصفات:
أولا: أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، على ما توجبه الشريعة؛ عملا بقوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (1)، وبقوله صلى الله عليه وسلم:«من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان (2)» ، وقلنا على ما توجبه الشريعة، خلافا للمعتزلة الذين يخرجون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عما توجبه الشريعة، فيرون أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الخروج على ولاة أمر المسلمين - إذا ارتكبوا معصية، وإن كانت دون الكفر. فأهل السنة والجماعة يرون مناصحتهم في ذلك، دون الخروج عليهم، وذلك لأجل جمع الكلمة والابتعاد عن الفرقة والاختلاف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد أكثر من الذي في إزالته.
ثانيا: ومن صفات أهل السنة والجماعة المحافظة على إقامة شعائر الإسلام، من إقامة صلاة الجمعة والجماعة، خلافا للمبتدعة والمنافقين الذين لا يقيمون الجمعة والجماعة.
ثالثا: ومن صفاتهم قيامهم بالنصيحة لكل مسلم، والتعاون على البر والتقوى؛ عملا بقوله صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة. قلنا لمن؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (3)» ، وبقوله صلى الله عليه وسلم «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا (4)» .
رابعا: ومن صفاتهم: ثباتهم في مواقف الامتحان، وذلك بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء.
(1) سورة آل عمران الآية 110
(2)
صحيح مسلم الإيمان (49)، سنن الترمذي الفتن (2172)، سنن النسائي الإيمان وشرائعه (5009)، سنن أبو داود الصلاة (1140)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1275)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 54).
(3)
صحيح مسلم الإيمان (55)، سنن النسائي البيعة (4197)، سنن أبو داود الأدب (4944)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 102).
(4)
صحيح البخاري الصلاة (481)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2585)، سنن الترمذي البر والصلة (1928)، سنن النسائي الزكاة (2560)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 405).
خامسا: ومن صفاتهم أنهم يتحلون بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، وبر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار، وينهون عن الفخر والخيلاء، والبغي والظلم، والترفع على الناس؛ عملا بقوله تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (1)، وبقوله صلى الله عليه وسلم:«أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا (2)» ، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم بمنه وكرمه، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
(1) سورة النساء الآية 36
(2)
سنن الترمذي الرضاع (1162)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 250)، سنن الدارمي الرقاق (2792).
صفحة فارغة
حب رسول الله صلى الله عليه وسلم
أسامة بن زيد
بقلم د. محمد بن سعد الشويعر
واحد من شباب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث توفي صفوة الخلق صلوات الله وسلامه عليه، وهو في الثامنة عشرة من عمره "18 عاما"، ويكفيه مكانة أنه ولد ونشأ في بيت النبوة، وفتح عينيه، بعدما بدأ يعي أمور الدنيا على تباشير الدعوة المحمدية، التي جاءت من عند الله، يترجع صداها من جبال مكة ووهادها، وليدرك من حركات القوم في مكة أخبار السابقين لدين الإسلام، وما يلاقونه من جبابرة قريش من مشقة وجهود وأعمال، يراد منها إطفاء هذا النور، الذي أرسله الله ليضيء القلوب، قبل انبلاجه على البطاح والقفار.
ولتتروى منه النفوس الظامئة، التي أراد الله لها الخير، أمكن من حرصهم على تتبع خضرة ما تحتاجه أنعامهم من كلأ تتفتح عنه الأرض، بعدما يصيبها الوابل في فصل الشتاء.
بل يكفيه فخرا أن رسول الهداية صلى الله عليه وسلم أوصى به خيرا، واعتبره من أحب الناس إليه، وأكرم بها منزلة؛ فقد روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن أسامة بن زيد لأحب الناس إلي، أو من أحب الناس إلي، وأنا أرجو أن يكون من صالحيكم، فاستوصوا به خيرا (1)» .
وقد أدرك مكانة هذا الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في
(1) أسد الغابة لابن الأثير: 79: 1.
مواقف عديدة، استئناسا بمكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركون أن من لوازم حسن الاتباع في دين الإسلام- محبة ما أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم والحرص عليه، وبغض ما أبغضه رسول الله صلى الله عليه وسلم والبعد عنه؛ اهتماما بالصحبة، وتقربا إلى الله بمثل ذلك العمل، كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه وأبو هريرة رضي الله عنه، في حديثين روياهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين (1)» أخرجه البخاري ومسلم والنسائي.
وإدراك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، جاء من تلك النظرة الشمولية التي تربت عليها نفوس صحابة رسول الله المتروية من منبع الرسالة الصافي، فاهتموا بكل أمر يهتم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاسوا الأمور على ذلك المحك الإيماني الرفيع، حرصا واهتماما، واتباعا وحسن توجيه. .
فنراه رضي الله عنه، ينقاد وبطواعية وراحة نفس إلى الانضمام للجيش الذي عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لواءه، وأمر عليه أسامة بن زيد رضي الله عنه، مع حداثة سنه، ولم يتأفف ابن الخطاب رضي الله عنه، مع جلالة قدره، ومع تقدم سنه ومكانته في الإسلام، قوة وسبقا. أعز الله الإسلام به، بل ولم يدر بخلده ولا جال في خواطر كثير من كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار أن يتمردوا على قائدهم الجديد؛ لأنهم انتقدوا بعض الناس الذين طعنوا في هذه الإمارة، والتي ما هي إلا طعن في أمر صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد ذكره الكاندهلوي «أن القالة لما كثرت في ذلك، فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعض ذلك القول فرده على من تكلم به، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد اشتكى فأخبره بقول من قال، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، وقد عصب على رأسه بعصابة، وعليه قطيفة، ثم صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة؟. فوالله، لئن طعنتم في إمارتي أسامة، لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وايم الله، إن
(1) رواية أنس، أما رواية أبي هريرة- ففيها زيادة في بداية الحديث، والذي نفسي بيده، ورواها البخاري والنسائي.
كان للإمارة لخليق، وإن ابنه من بعده لخليق بالإمارة، وإن كان لأحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي، وإنهما لمخيلان لكل خير، فاستوصوا به خيرا، فإنه من خياركم (1)».
ولذا نرى عمر رضي الله عنه قد اهتم بالانضواء تحت إمرة أسامة بن زيد رضي الله عنهما، كما انقاد مثله كثير من كبار المهاجرين والأنصار؛ حيث لم يبق من المهاجرين أحد إلا انتدب في تلك الغزوة، ومن هؤلاء: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد من المهاجرين، وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم من الأنصار وغيرهم.
لكن أبا بكر رضي الله عنه، لما بويع- سأل أسامة أن يبقى عنده في المدينة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأن يعفيه من الذهاب في هذا البعث؛ لحاجته إليه في الاستشارة والإعانة- ففعل أسامة تقديرا منه لأبي بكر، وإعانة له في المهمة الكبيرة المناطة به (2).
ولما تقلد عمر رضي الله عنه إمرة المؤمنين بعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وبدأ تدوين العطاءات للمهاجرين والأنصار. نراه «يفرض لأسامة بن زيد رضي الله عنهما ثلاثة آلاف وخمسمائة، ويفرض لابنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ثلاثة آلف فقط، ولما قال عبد الله لأبيه: لم فضلت أسامة علي، فوالله ما سبقني إلى مشهد. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في جواب محكم: اسكت عبد الله، وأعطاه درسا سار عليه بقية حياته؛ لأن زيدا كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وكان أسامة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فآثرت حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، على حبي (3)» ، أخرجه الترمذي، وقال حسن غريب.
(1) حياة الصحابة 1: 407، نقلا عن ابن عساكر في التهدب 1: 120، في قصة اهتمامه صلى الله عليه وسلم ببعث أسامة إلى الشام في مرض وفاته.
(2)
من حديث رواه الترمذي في مناقب أسامة برقم 3819، وانظر طبقات ابن سعد 4:67.
(3)
سنن الترمذي المناقب (3813).