الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصول أهل السنة والجماعة
إن أهل السنة والجماعة يسيرون على أصول ثابتة وواضحة في الاعتقاد والعمل والسلوك، وهذه الأصول العظيمة مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وهذه الأصول تتلخص فيما يلي:
الأصل الأول: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.
1 -
فالإيمان بالله يعني الإقرار بأنواع التوحيد الثلاثة، واعتقادها والعمل بها، وهي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات؛ فتوحيد الربوبية معناه توحيد الله بأفعاله من الخلق والرزق، والإحياء والإماتة، وأنه رب كل شيء ومليكه، وتوحيد الألوهية معناه إفراد الله بأفعال العباد التي يتقربون بها إليه- إذا كانت مما شرعه الله؛ كالدعاء والخوف والرجاء والمحبة، والذبح والنذر والاستعانة والاستعاذة والاستغاثة، والصلاة والصوم والحج، والإنفاق في سبيل الله، وكل ما شرعه الله وأمر به، لا يشركون مع الله غيره فيه، لا ملكا ولا نبيا ولا وليا غيرهم.
وتوحيد الأسماء والصفات معناه: إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات، وتنزيه الله عما نزه عنه نفسه، أو نزهه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من العيوب والنقائص، من غير تمثيل ولا تشبيه، ومن غير تحريف ولا تعطيل ولا تأويل، كما قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1)، وكما قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (2).
2 -
والإيمان بالملائكة معناه: التصديق بوجودهم، وأنهم خلق من خلق الله خلقهم من نور؛ خلقهم لعبادته، وتنفيذ أوامره في الكون، كما قال تعالى:
(1) سورة الشورى الآية 11
(2)
سورة الأعراف الآية 180
{بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} (1){لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (2)، {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} (3).
3 -
والإيمان بالكتب يعني: التصديق بها، وبما فيها من الهدى والنور، وأن الله أنزلها على رسله لهداية البشر، وأعظمها الكتب الثلاثة التوراة والإنجيل والقرآن، وأعظم الثلاثة القرآن الكريم، وهو المعجزة العظمى؛ قال تعالى:{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (4)، ويؤمن أهل السنة والجماعة بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق؛ حروفه ومعانيه، خلافا للجهمية والمعتزلة، القائلين بأن القرآن مخلوق كله حروفه ومعانيه.
وخلافا للأشاعرة، ومن شابههم، القائلين بأن كلام الله هو المعاني، وأما الحروف فهي مخلوقة، وكلا القولين باطل. قال تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (5)، {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} (6)؛ فهو كلام الله لا كلام غيره.
4 -
والإيمان بالرسل يعني: التصديق بهم جميعا؛ من سمى الله منهم، ومن لم يسم، من أولهم إلى آخرهم. وآخرهم وخاتمهم نبينا محمد، عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، والإيمان بالرسل إيمان مجمل، والإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم إيمان مفصل، واعتقاد أنه خاتم الرسل؛ فلا نبي بعده، ومن لم يعتقد ذلك فهو كافر، والإيمان بالرسل يعني أيضا: عدم الإفراط والتفريط في حقهم، خلافا لليهود والنصارى الذين غلوا وأفرطوا في بعض الرسل، حتى جعلوهم أبناء الله، كما قال تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} (7)، والصوفية والفلاسفة فرطوا في حق الرسل، وتنقصوهم وفضلوا أئمتهم عليهم، والوثنيون والملاحدة
(1) سورة الأنبياء الآية 26
(2)
سورة الأنبياء الآية 27
(3)
سورة فاطر الآية 1
(4)
سورة الإسراء الآية 88
(5)
سورة التوبة الآية 6
(6)
سورة الفتح الآية 15
(7)
سورة التوبة الآية 30
كفروا بجميع الرسل. واليهود كفروا بعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، والنصارى كفروا بمحمد، ومن آمن ببعضهم وكفر ببعضهم- فهو كافر بالجميع؛ قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} (1){أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} (2)، وقال تعالى:{لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (3).
5 -
والإيمان باليوم الآخر يعني: التصديق بكل ما يكون بعد الموت، مما أخبر الله به ورسوله من عذاب القبر ونعيمه، والبعث من القبور والحشر، والحساب ووزن الأعمال، وإعطاء الصحف باليمين أو الشمال، والصراط والجنة والنار. والاستعداد لذلك بالأعمال الصالحة، وترك الأعمال السيئة والتوبة منها.
وقد كفر باليوم الآخر الدهريون والمشركون، واليهود والنصارى؛ لم يؤمنوا به الإيمان الصحيح المطلوب، وإن آمنوا بوقوعه {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} (4)، {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} (5).
6 -
والإيمان بالقدر يعني: الإيمان بأن الله علم كل شيء؛ ما كان وما يكون، وقدر ذلك وكتبه في اللوح المحفوظ، وأن كل ما يجري من خير وشر، وكفر وإيمان، وطاعة ومعصية- فقد شاءه الله وقدره وخلقه، وأنه يحب الطاعة ويكره المعصية.
وللعباد قدرة على أفعالهم، واختيار وإرادة لما يقع منهم من طاعة أو معصية- لكن ذلك تابع لإرادة الله ومشيئته، خلافا للجبرية الذين يقولون إن العبد مجبر
(1) سورة النساء الآية 150
(2)
سورة النساء الآية 151
(3)
سورة البقرة الآية 285
(4)
سورة البقرة الآية 111
(5)
سورة البقرة الآية 80
على أفعاله، ليس له اختيار، وللقدرية الذين يقولون إن العبد له إرادة مستقلة، وأنه يخلق فعل نفسه، وأن إرادة العبد ومشيئته خارجة عن إرادة الله ومشيئته، وأنه يخلق فعل نفسه.
وقد رد الله على الطائفتين في قوله تعالى {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (1)، فأثبت للعبد مشيئته ردا على الجبرية الغلاة، وجعلها تابعة لمشيئة الله ردا على القدرية النفاة.
والإيمان بالقدر يكسب العبد صبرا على المصائب، وابتعادا عن الذنوب والمعائب.
كما يدفعه إلى العمل، ويبعد عنه العجز والخوف والكسل.
(1) سورة الإنسان الآية 30
ثانيا: ومن أصول أهل السنة والجماعة، أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فليس الإيمان قولا وعملا دون اعتقاد؛ لأن هذا إيمان المنافقين، وليس هو مجرد المعرفة، وبدون قول وعمل؛ لأن هذا إيمان الكافرين الجاحدين؛ قال تعالى {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (1)، وقال تعالى:{فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (2)، وقال تعالى:{وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} (3).
وليس الإيمان اعتقادا فقط، أو قولا واعتقادا دون عمل؛ لأن هذا إيمان المرجئة، والله تعالى كثيرا ما يسمي الأعمال إيمانا؛ قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (4){الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (5){أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} (6)، وقال تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (7) أي صلاتكم إلى بيت المقدس، سمى الصلاة إيمانا.
(1) سورة النمل الآية 14
(2)
سورة الأنعام الآية 33
(3)
سورة العنكبوت الآية 38
(4)
سورة الأنفال الآية 2
(5)
سورة الأنفال الآية 3
(6)
سورة الأنفال الآية 4
(7)
سورة البقرة الآية 143
ثالثا: ومن أصول أهل السنة والجماعة، أنهم لا يكفرون أحدا من المسلمين، إلا إذا ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام، أما الكبائر التي هي دون الشرك- فإنهم لا يحكمون على مرتكبها أي الكبائر بالكفر، إلا إذا دل دليل على كفره؛ كترك الصلاة تكاسلا، فإنه قد دل الدليل على كفره، وإنما يحكمون عليه بالفسق ونقص الإيمان، وإذا لم يتب منها - فإنه تحت المشيئة، إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذبه، لكنه لا يخلد في النار؛ قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1)، ومذهب أهل السنة في ذلك وسط، بين الخوارج الذين يكفرون مرتكب الكبيرة، وإن كانت دون الشرك، وبين المرجئة الذين يقولون: هو مؤمن كامل الإيمان، ويقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
(1) سورة النساء الآية 116
رابعا: ومن أصول أهل السنة والجماعة: وجوب طاعة ولاة أمور المسلمين، ما لم يأمروا بمعصية، فإذا أمروا بمعصية- فلا تجوز طاعتهم فيها، وتبقى طاعتهم بالمعروف في غيرها؛ عملا بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (1)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد (2)» ، ويرون أن معصية الأمير المسلم معصية لرسول الله؛ عملا بقوله صلى الله عليه وسلم:«من يطع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني (3)» ، ويرون الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، والدعاء لهم بالصلاح والاستقامة ومناصحتهم.
(1) سورة النساء الآية 59
(2)
سنن الترمذي العلم (2676)، سنن ابن ماجه المقدمة (42)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 126)، سنن الدارمي المقدمة (95).
(3)
صحيح البخاري الجهاد والسير (2957)، صحيح مسلم الإمارة (1835)، سنن ابن ماجه الجهاد (2859)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 313).
خامسا: ومن أصول أهل السنة تحريم الخروج على ولاة أمور المسلمين، إذا ارتكبوا مخالفة دون الكفر؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بطاعتهم في غير معصية، ما لم يحصل منهم كفر بواح، بخلاف المعتزلة الذين يوجبون الخروج على الأئمة إذا ارتكبوا شيئا من الكبائر، ولو لم يكن كفرا، ويعتبرون هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والواقع أن عمل المعتزلة هذا هو أعظم المنكر؛ لما يترتب
عليه من مخاطر عظيمة من الفوضى وفساد الأمر، واختلاف الكلمة وتسلط الأعداء.
سادسا: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله، كما وصفهم الله بذلك في قوله تعالى، لما ذكر المهاجرين والأنصار وأثنى عليهم، قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (1)، وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا- ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه (2)» ، خلافا للمبتدعة من الرافضة والخوارج الذين يسبون الصحابة ويجحدون فضائلهم، ويرى أهل السنة أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، فمن طعن في خلافة واحد من هؤلاء- فهو أضل من حمار أهله؛ لمخالفته النص والإجماع على خلافة هؤلاء، على هذا الترتيب.
(1) سورة الحشر الآية 10
(2)
صحيح البخاري المناقب (3673)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2541)، سنن الترمذي المناقب (3861)، سنن أبو داود السنة (4658)، سنن ابن ماجه المقدمة (161)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 55).
سابعا: ومن أصول أهل السنة والجماعة محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوليهم؛ عملا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، بقوله:«أذكركم الله في أهل بيتي (1)» ، ومن أهل بيته أزواجه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن، فقد قال الله تعالى بعدما خاطبهن بقوله:{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ} (2) ووجه إليهن نصائح ووعدهن بالأجر العظيم، قال تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (3)، والأصل في أهل البيت قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد بهم هنا الصالحون منهم خاصة، أما قرابته غير الصالحين- فليس لهم حق؛ كعمه أبي لهب ومن شابهه، قال تعالى:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} (4) السورة؛ فمجرد القرابة من الرسول صلى الله عليه وسلم والانتساب إليه، من غير صلاح الدين، لا يغني صاحبه من الله شيئا؛ قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر قريش اشتروا
(1) صحيح مسلم فضائل الصحابة (2408)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 367)، سنن الدارمي فضائل القرآن (3316).
(2)
سورة الأحزاب الآية 30
(3)
سورة الأحزاب الآية 33
(4)
سورة المسد الآية 1
أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا (1)»، وقرابة الرسول الصالحون لهم علينا حق الإكرام والمحبة والاحترام، ولا يجوز لنا أن نغلو فيهم؛ فنتقرب إليهم بشيء من العبادة، أو نعتقد فيهم أنهم ينفعون أو يضرون من دون الله؛ لأن الله سبحانه يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم:{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} (2)، {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} (3).
فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك، فكيف بغيره، فما يعتقده بعض الناس بمن ينتسبون لقرابة الرسول اعتقاد باطل.
(1) صحيح البخاري الوصايا (2753)، صحيح مسلم الإيمان (206)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3185)، سنن النسائي الوصايا (3646)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 361)، سنن الدارمي الرقاق (2732).
(2)
سورة الجن الآية 21
(3)
سورة الأعراف الآية 188
ثامنا: ومن أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء، وهي ما قد يجريه الله على أيدي بعضهم، من خوارق العادات إكراما لهم، كما دل على ذلك الكتاب والسنة، وقد أنكر وقوع الكرامات المعتزلة والجهمية، وهو إنكار لأمر واقع معلوم، ولكن يجب أن نعلم أن من الناس في وقتنا من ضل في موضوع الكرامات وغالى فيها، حتى أدخل فيها ما ليس منها من الشعوذة وأعمال السحرة والشياطين والدجالين، والفرق واضح بين الكرامة والشعوذة؛ فالكرامة ما يجري على أيدي عباد الله الصالحين، والشعوذة ما يجري على يد السحرة والكفرة والملاحدة؛ بقصد إضلال الخلق وابتزاز أموالهم، والكرامة سببها الطاعة، والشعوذة سببها الكفر والمعاصي.
تاسعا: ومن أصول أهل السنة والجماعة، في الاستدلال، اتباع ما جاء في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، باطنا وظاهرا، واتباع ما كان عليه الصحابة من المهاجرين والأنصار عموما، واتباع الخلفاء الراشدين خصوصا؛ حيث أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين (1)» .
(1) سنن الترمذي العلم (2676)، سنن ابن ماجه المقدمة (44)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 126)، سنن الدارمي المقدمة (95).
ولا يقدمون على كلام الله وكلام رسوله كلام أحد من الناس؛ ولهذا سموا أهل الكتاب والسنة، وبعد أخذهم بكتاب الله وسنة رسول الله- يأخذون بما أجمع عليه علماء الأمة، وهذا هو الأصل الثالث الذي يعتمدون عليه بعد الأصلين الأولين؛ الكتاب والسنة.
وما اختلف فيه الناس ردوه إلى الكتاب والسنة؛ عملا بقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1)؛ فهم لا يعتقدون العصمة لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتعصبون لرأي أحد حتى يكون موافقا للكتاب والسنة، ويعتقدون أن المجتهد يخطئ ويصيب، ولا يسمحون بالاجتهاد إلا لمن توفرت فيه شروطه المعروفة عند أهل العلم، ولا إنكار عندهم في مسائل الاجتهاد السائغ.
فالاختلاف عندهم في المسائل الاجتهادية- لا يوجب العداوة والتهاجر بينهم، كما يفعله المتعصبة وأهل البدع، بل يحب بعضهم بعضا، ويوالي بعضهم بعضا، ويصلي بعضهم خلف بعض مع اختلافهم في بعض المسائل الفرعية، بخلاف أهل البدع؛ فإنهم يعادون أو يضللون أو يكفرون من خالفهم.
(1) سورة النساء الآية 59