الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الركنين الأخيرين- لم تأت إلا في وقت متأخر، كما ذكره الأفغاني في تحقيقه لكتاب حجة القراءات لأبي زرعة، وقد وصف الصفاقسي اشتراط غير صحة السند، بأنه قول محدث لا يعول عليه.
ثانيهما: أن علماء القراءات خلطوا بين الركن والشرط، وهو خلط غير مقصود به ما يقصده الأصوليون في التمييز بينهما؛ فعلماء القراءات يعنون بالركن الشرط أو العكس، وهم على أية حال لا يقصدون به إلا التعبير عن الأمور الثلاثة، إن شئت سميتها أركانا أو شروطا، وهي مثل إطلاق السبب على العلة، والعلة على السبب، دون قصد في التدقيق والتحقيق في الفارق بينهما.
بعد هذا التنويه والتنبيه نقول: إن كان الحديث عن القراءات ومعناها قد كثر فيه الخلاف والاختلاف، بين أئمة هذا العلم، فإن الحديث عن أركانها أو شروطها أكثر خلافا؛ فأكثرهم يشترط لقبول القراءة أركانا ثلاثة، ومنهم من يكتفي بركنين، ومنهم من يقتصر على ركن واحد، والقائلون بالأركان الثلاثة يتفاوتون في الأخذ بكل ركن منها، وسأضع بين يديك هذه الأركان كما نظمها أحد أئمة هذا الشأن شعرا؛ فقال:
فكل ما وافق وجه نحوي
…
وكان للرسم احتمالا يحوي
وصح إسنادا هو القرآن
…
فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختل ركن أثبت
…
شذوذه ولو أنه في السبعة (1)
فهذه هي الأركان الثلاثة، وسأبدأ بذكر أهمها، بل المجمع على إشتراطه؛ ألا وهو:
(1) من منظومة ابن الجزري، في كتابه النشر.
1 -
صحة السند:
هذا أول الأركان المعتبرة، بل هو الذي يستهل به العلماء حديثهم عن أركان أو شروط القراءات.
فابن مجاهد شيخ هذه الصنعة؛ إذ هو أول من سبع السبعة، قد قال:" والقراءة التي عليها الناس، بالمدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام، هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم تلقينا، وقام بها في كل مصر، من هذه الأمصار، رجل ممن أخذ عن التابعين، أجمعت الخاصة والعامة على قراءته، وسلكوا فيها طريقه وتمسكوا بمذهبه (1) ".
فلا يمكن اعتبار للقراءة القرآنية، إلا إذا كانت قد أخذت بطريق التلقي والمشافهة، وهذا ما يؤكده في موضع آخر؛ إذ يقول:" فهؤلاء سبعة نفر، من أهل الحجاز والعراق والشام، خلفوا في القراءة التابعين، وأجمعت على قراءتهم العوام من أهل كل مصر من هذه الأمصار ".
فابن مجاهد يشترط، لقبول القراءة، صحة السند، وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء المحققين، كابن شنبوذ والإمام أبو الحسن البغدادي وابن خالويه ومكي بن أبي طالب والإمام الكواشي والإمام أبو شامة.
ولم يشذ عن إجماع هؤلاء العلماء، إلا محمد بن الحسن بن يعقوب المتوفى سنة 354 هـ.
فإنه لم يشترط السند، واكتفى بقبول القراءة بشرطين: موافقة الرسم، وموافقة اللغة العربية، وأسقط صحة السند، وفي ذلك يقول ابن الجزري: وله " أي المذكور " اختيار في القراءة رويناه في الكامل وغيره، رواه عنه أبو الفرج الشنبوذي ويذكر عنه أنه كان يقول: إن كل قراءة وافقت المصحف ووجها في العربية، فالقراءة بها جائزة وإن لم يكن لها سند (2).
والحق أن: هذه هفوة من الهفوات التي لا يرتضيها شرع ولا عقل، وهي من أفسد الأقوال، فالقراءات قد تزداد وتنقص، وفق احتمال موافقتها للغة أو للرسم القرآني، وبالتالي فهي وفق هوى واجتهاد أئمة اللغة.
(1) كتاب السبعة في القراءات، لابن مجاهد تحقيق شوقي ضيف ص 49.
(2)
غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري 2/ 124.