الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجوه اللغوية، سواء أكان الوجه فصيحا مجمعا عليه، أم كان مختلفا فيه اختلافا لا يضير، مثله كما يقولون (1)
(1) كتاب النشر جـ 1/ 44 غاية النهاية 2/ 124.
نظرة في الأركان:
لو تأملنا هذه الأركان، لوجدناها أركانا تخضع لاستقراء العلماء واستنباطهم؛ فمنهم من جعلها ركنا واحدا، ومنهم من جعلها ركنين، مع اختلاف في تحديد الركنين، ومنهم من جعلها ثلاثة أركان. ومنهم من اكتفى بصحة السند، ومنهم من أضاف إليه الموافقة للرسم، ومنهم من أضاف الموافقة للغة، وفي كل شرط خلاف؛ ففي السند: من العلماء من ذهب إلى اشتراط التواتر، ومنهم من اشترط الشهرة، ومنهم من اكتفى بصحة السند ولو نقل آحادا.
وفي موافقة الرسم: منهم من اشترط الموافقة تحقيقا، ومنهم من قبلها ولو تقديرا، ومنهم من أضاف ولو احتمالا، وفي موافقة اللغة كلام استوفيناه في موضعه.
والذي لا شك فيه، بل المجمع عليه، هو صحة السند، بل أرى أنه الركن الوحيد الذي ينبغي أن يقتصر عليه، والذي أعنيه بصحة السند ليس مجرد الصحة، بل التواتر؛ ذلك لأن القرآن كله متواتر، لا يشك في ذلك مسلم من المسلمين، وقراءته يتعبد بتلاوتها المؤمنون، وقراءاته المختلفة لا ضير بالاكتفاء ببعضها؛ لأنها كلها قرآن؛ فأرجلكم من قوله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} (1) قرآن، وأرجلكم بالكسر، في نفس الموضع، قرآن، (ومالك يوم الدين) إن قرأت بهذه القراءة قرآن، وملك يوم الدين قرآن، إن شئت قرأت بهذه أو بتلك. فالقراءة قرآن يتعبد بتلاوتها، فلا بد من تواترها لإثبات قرآنيتها.
أما القراءة التي لم تتواتر سندا، فلا تعتبر قراءة، مهما أضفت إليها من معايير
(1) سورة المائدة الآية 6
وشروط، وقد أخطأ من حكم بقرآنيتها، إذا وافقت الرسم ووافقت اللغة، وأنزلها منزلة التواتر.
إن التواتر لا يكون إلا بالسند الذي يرويه جمع عن جمع. . إلخ، إذا وضح عندنا صحة اعتبار تواتر السند، فلا ضير علينا في الركنين الأخيرين؛ لأنه لم يثبت لدينا أن قراءة من القراءات المتواترة قد خالفت الرسم القرآني، أو خالفت العربية، ودع عند ما يقال إن بعض القراءات القرآنية المتواترة قد خالفت العربية، كما زعموا في قوله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} (1)، بالكسر، أو قراءة "فتوبوا إلى بارئكم "بالتسكين؛ فإن كلام النحاة، الذين خالفوا كلام القراء، لا يستند إلى دليل، ولست في مجال الرد عليهم، فإن الكلام في ذلك يطول.
أعود لأقول: إن شرط القراءة أو ركنها، كما يقول بعض العلماء، هو صحة السند وتواتره، ولا ثاني له، والله أعلم.
ويقول الأستاذ سعيد الأفغاني: والشرط الأساسي، كما يظهر للمتأمل هو الأول (أي صحة السند)، أما الثاني والثالث- فالغالب أنهما أضيفا، ليتكون من الثلاثة ما ينطبق تمام المطابقة على القراءات العشر المعروفة.
ثم أضاف أن أول وأشهر من عرف عنه اشتراط الشروط الثلاثة، هو (مكي بن أبي طالب) الذي عاش في المائة الخامسة للهجرة، منذ قال:" والقراءات الصحيحة ما صح سندها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما صح وجهها في العربية، ووافقت خط المصحف "، وشاع هذا القول بعده، حتى تبعه على ذلك بعض المتأخرين، ومشى عليه ابن الجزري في نشره وطيبه، واستنكرت الجمهرة ذلك. حتى قال الصفاقسي:" وهذا قول محدث لا يعول عليه "(2).
أقوال العلماء في تواتر السند:
لست بدعا في اشتراط التواتر، في السند، فقد قال بذلك علماء أذكر منهم
(1) سورة النساء الآية 1
(2)
في مقدمة تحقيق حجة القراءات، لأبي زرعة، تحقيق الأستاذ سعيد الأفعاني.
على سبيل المثال لا الحصر:
ابن عبد البر - ابن عطية - ابن تيمية - النووي - الأوزاعي - السبكي - الزركشي - ابن الحاجب
وأعجب من قول ابن الجزري؛ إذ إنه كان يقول بالتواتر، ثم عدل عنه، كما صرح بذلك بقوله (ولقد كنت، قبل، أجنح إلى هذا القول)(1) يعني اشتراط التواتر في القراءة.
وما أقوى البرهان، الذي ساقه النيسابوري في كتابه "غرائب القرآن ورغائب الفرقان. . . " قال: القراءات السبع متواترة، يعني أن ثبوت التواتر بالنسبة إلى المتفق على قراءته من القرآن، كثبوته بالنسبة إلى كل من المختلف في قراءته، ولا مدخل للقارئ في ذلك، إلا من حيث إن مباشرته لقراءته أكثر من مباشرته لغيرها، حتى نسبت إليه، وإنما قلنا إن القراءات متواترة؛ لأنه لو لم تكن كذلك- لكان بعض القرآن غير متواتر (كملك- ومالك) ونحوهما، إذ لا سبيل إلى كون كليهما غير متواتر؛ فإن أحدهما قرآن بالاتفاق، وتخصيص أحدهما بأنه متواتر دون الآخر، تحكم باطل؛ لاستوائهما في النقل، فلا أولوية فكلاهما متواتر (2)
(1) النشر 1/ 13.
(2)
مقدمة غرائب القرآن للنيسابوري.
الطاعنون في القراءات
المفسرون بين طاعن ومرجح ومدافع عن القراءات، وشرعت بذكر الطاعنين؛ لأن موقفهم من القراءات مبني عليه موقف المدافعين، الذين يدفعون الهجوم بعد وقوعه، ولأن أول طاعن في القراءات هو صاحب التفسير الكبير جامع البيان في تأويل آي القرآن، الذي كان لكتابه الأولوية في التفسير زمانا وفنا، كما قال أستاذنا الشيخ الذهبي، من أجل هذا بدأت بذكر الطاعنين، وأبدأ بأولهم، وهو الإمام ابن جرير الطبري.