الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المشرع إلى تحديده للتخفيف من رزاياه، وهذا هو المبرر القوي الذي حمل القانون في هذه الحالة على التدخل ".
ثم يقول: " وسنرى فيما يلي كيف كره المشرع المصري الربا، فحدد لفوائد رءوس الأموال سعرا قانونيا وسعرا اتفاقيا، وتشدد في مبدأ سريان هذه الفوائد، وأجاز استرداد ما يدفع زائدا على السعر المقرر، وأعفى المدين في حالات معينة من دفع الفوائد، حتى في الحدود التي قررها، ومنع تقاضي الفوائد على متجمد الفوائد، في هذه وغيرها آيات على كراهية المشرع (المصري) للربا، وعلى الرغبة في التضييق منه "، ثم يقول:" وقد زاد التقنين الجديد على التقنين القديم في كراهية الربا " اهـ الوسيط جزء 3 ص (88).
وكما يرى القارئ: فإن المفهوم الشائع للربا المشار إليه آنفا ظل في الفقه العربي الحديث محتفظا باسم الربا، مع خروج التقنينات العربية على هذا المفهوم بإباحة بعض صوره على سبيل الاستثناء.
وفي موضع آخر من مصادر الحق ج 2 ص (364)، يصف الدكتور السنهوري القرض بفائدة بأنه:" أول عقد ربوي في الشرائع الحديثة ".
والمقصود من كل ما سبق أن الربا ظل محتفظا بمفهومه المشار إليه، بالرغم من ممارسة الناس له، إما بصفة قانونية أو بصفة غير قانونية.
إن هذه الحقيقة مهمة جدا؛ لأن هذه الورقة سوف تعود إليها بالإشارة وبالاستدلال، بين حين وآخر.
المحاولات التوفيقية:
قبل استعراض هذه المحاولات، من المهم الإشارة إلى بعض الأسس التي سيرجع إليها في المناقشة.
معروف أن لفظ الربا ورد في القرآن الكريم في أربعة مواضع: في سورة الروم.
{وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} (1)، وفي سورة آل عمران {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (2)، وفي سورة النساء {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} (3)، وفي سورة البقرة {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (4){يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} (5){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (6){فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (7)، وبعض هذه الآيات نزل في مكة، وبعضها في المدينة، ويلاحظ هنا.
1 -
أن كلمة الربا، حيثما تكررت في القرآن، يجب افتراض أن لها مفهوما واحدا، حتى يقوم من الأدلة ما يثبت أنها وردت بمفاهيم مختلفة، ومن غير المنطقي القول بأن الربا في سورة البقرة وآل عمران والروم لا يدخل في مفهوم الربا الوارد في سورة النساء، ولا منازعة في أن هذا اللفظ يقصد به الربا الذي يمارسه اليهود عند نزول الوحي، ولا منازعة في أن الصورة الأصلية لهذا الربا هي دفع الشخص المال لشخص آخر لأجل معلوم في نظير زيادة يدفعها المدين مع رأس المال؛ (أي ما يسمى الآن القرض بفائدة).
2 -
أن بعض الألفاظ في نصوص القرآن والحديث نقلت من معانيها الأصلية إلى معان شرعية؛ كالصلاة نقلت من مجرد الدعاء إلى الحركات الخاصة
(1) سورة الروم الآية 39
(2)
سورة آل عمران الآية 130
(3)
سورة النساء الآية 161
(4)
سورة البقرة الآية 275
(5)
سورة البقرة الآية 276
(6)
سورة البقرة الآية 278
(7)
سورة البقرة الآية 279
الشرعية، وكالوضوء نقل إلى الهيئة الخاصة بغسل الأعضاء التي ورد بها الشرع، ولكن ألفاظا أخرى بقيت بمفهومها المعروف عند الناس، وإن كان هذا المفهوم قد ألحق به مفاهيم أخرى، وردت بها النصوص، ومن هذه الألفاظ الأخيرة، مثلا لفظ (الزنا) يدخل فيه بحكم الأصل المفهوم المعروف لدى الناس وقت نزول الوحي، وإن كان قد ألحق به كل اتصال جنسي بين رجل وامرأة لا يقوم بينهما عقد الزوجية الشرعي كالزواج بالمحارم، ومثل (الربا) يدخل فيه بحكم الأصل المفهوم المعروف لدى الناس وقت نزول الوحي، كما يدخل فيه التصرفات المالية التي وردت بها الأحاديث الثابتة، كبيوع ربا الفضل.
وإذن فإن دعوى خروج صور من المفهوم المعروف لدى الناس عند نزول الوحي لكلمة ربا، وادعاء أنه غير مقصود بالنص، دعوى على خلاف الأصل.
3 -
مع احتفاظ النصوص بالمفهوم المعروف عند الناس لكلمة الربا، فقد ألحقت بهذا المفهوم في التحريم صور يجمعها في الغالب أنها ذريعة لارتكاب الربا بالمفهوم المعروف، وهذا يعني تأكيد هذا المفهوم وتأكيد حكم التحريم.
4 -
إن الربا بالمفهوم المعروف كان يمارس في المجتمع القرشي الجاهلي بصور مختلفة؛ منها الصورة المشهورة حين يحل أجل الدين، فيطلب الدائن من المدين: إما أن يدفع له دينه، أو أن يزيد في قيمته، في نظير تمديد الأجل.
ولكن الصورة الغالبة والشائعة -كما تقتضي طبائع الأشياء- هي الصور الغالبة في المجتمعات الأخرى، وهي ما يطلق عليه في الوقت الحاضر القرض بفائدة، ومعلوم أن الصورتين من جنس واحد هو أخذ الدائن زيادة من جنس الدين في نظير انتفاع المدين بالدين. وعلى هذا الأساس يفهم ما ورد من الأخبار بأن الربا المعروف عند الجاهلية هو صورة إما أن تقضي، وإما أن تربي، فليس المقصود نفي غير هذه الصورة