الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: الزمخشري
هو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الإمام الحنفي المعتزلي الملقب بجار الله، ولد في سنة (467)، بقرية من قرى خوارزم تدعى زمخشر، وتوفي سنة (538). وهو إمام في التفسير والحديث والنحو والبلاغة والأدب، وقد ألف في شتى العلوم، ومن أهم كتبه (تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل). . (وأساس البلاغة في اللغة والمفصل في النحو).
ويعتبر تفسيره من أمهات كتب التفسير بالرأي، كما أن تفسير الطبري من أمهات التفسير بالمأثور، بيد أن الزمخشري كان معتزلي الاعتقاد، متظاهرا بالاعتزال، فيقرأ كتابه على حذر، قال السبكي:(واعلم أن الكشاف كتاب عظيم في بابه، ومصنفه إمام في فنه، إلا أنه رجل مبتدع متجاهر ببدعته، يضع من قدر النبوة كثيرا، ويسيء أدبه على أهل السنة والجماعة).
لذا، ينصح قارئ الكشاف بقراءته مع أحد حواشيه، وأحسنها حاشية (فتوح الغيب) للإمام شرف الدين الحسن بن محمد الطيبي، أو حاشية الكشاف على الكشاف لسراج الدين البلقيني، أو حاشية (الانتصاف) لناصر الدين ابن المنير الإسكندري.
موقف الزمخشري من القراءات:
لقد جارى الإمام الزمخشري (اللغويين والنحويين)، ونهج منهجهم في رد بعض القراءات القرآنية، التي خالفهم قواعدهم، وطعن فيها، ومن نسبت إليهم عن القراء.
ففي قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} (1) يقول: قرئ (والأرحام) بالحركات الثلاثة، فالنصب.
(1) سورة النساء الآية 1
على وجهين؛ إما على اتقوا الله والأرحام، أو بعطف على محل الجار والمجرور كقولك مررت بزيد وعمرا، وينصره قراءة ابن مسعود " تساءلون به والأرحام "، والجر على عطف الظاهر على الضمير، وليس بسديد؛ لأن الضمير المتصل، متصل والجار والمجرور كشيء واحد؛ فحكم على قراءة الجر بأنها ليست سديدة، ومعلوم أنها قراءة متواترة عن السبعة، قرأ بها حفص وحده، وقرأ الباقون (والأرحام) نصبا.
وفي قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} (1) قرأ ابن عامر: قتل أولادهم شركائهم، برفع القتل وجر الشركاء، على إضافة القتل إلى الشركاء، والفصل بينهما بغير الظرف، يقول الزمخشري:" لو كان في مكان الضرورات، وهو الشعر، لكان سمجا مردودا كما سمج "
زج القلوص أبي مزادة
"، فكيف به في الكلام المنثور؟ فكيف به القرآن المعجز، بحسن نظمه وجزالته.
لم يقف الزمخشري عند هذا الحد، في الطعن، بهذه القراءة، بل وصف القارئ بها أن الذي حمله، على ذلك، أن رأى في بعض المصاحف (شركائهم) مكتوبا بالياء، ولو قرأ بجر الأولاد والشركاء- لكان الأولاد شركاءهم في أموالهم، لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب.
والزمخشري، في طعنه في القراءات، يجرح القراء أحيانا، ويخطئهم أحيانا، بأنهم يلحنون لقلة درايتهم بالنحو والصرف؛ ففي قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} (2) قرئ: فيغفر ويعذب مجزومين، عطفا على جواب الشرط، ومرفوعين على فهو يغفر ويعذب، فإن قلت: كيف يقرأ الجازم، قلت يظهر الراء ويدغم الراء في اللام، لا من مخطئ خطأ فاحشا، ورواية عن أبي عمرو مخطئ مرتين؛ لأنه يلحن وينسب إلى أعلم الناس بالعربية ما يؤذن
(1) سورة الأنعام الآية 137
(2)
سورة البقرة الآية 284
بجهل عظيم، والسبب في نحو هذه الروايات قلة ضبط الرواة، والسبب في قلة الضبط قلة الدراية، ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو (1).
إن موقف الزمخشري من القراءات القرآنية المخالفة في زعمه قواعد النحو العربية هو نفس موقف الطبري، إلا أنه سليط اللسان في التهكم، لا على القراءة وحدها، بل على القراء أنفسهم.
أما موقفه من القراءات القرآنية التي تحتمل معنى يراه جديرا بالقبول في طعنه، أو تفضيله، وترجيحه للقراءة التي تحمل المعنى الأقوى في نظره. وذلك في مثل موقف الطبري من قراءة "ملك يوم الدين ". غير أن الزمخشري يضيف بعدا جديدا لهذا الموقف أعني الترجيح لقوة المعنى في نظره. هذا البعد الجديد يتجلى في توجيهه للقراءة توجيها بلاغيا لولعه وعنايته، وهاك شيئا من مواقفه في هذا الجانب:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} (2) قرأ ابن كثير وأبو عمرو البصري: " إن الله يدفع "، بفتح الياء والفاء وإسكان الدال من غير الألف، وقرأ الباقون يدافع بضم الياء وفتح الدال وألف بعدها مع كسر الفاء. يقول الزمخشري: " ومن قرأ يدافع فمعناه يبالغ في الدفع عنهم، كما يبالغ فيه؛ لأن فعل المغالب يجيء أقوى وأبلغ.
وليت الزمخشري يقف عند هذا الحد، في الترجيح بين القراءات المتواترة، فقد عمد إلى قراءة شاذة مخالفة للرسم القرآني، ورأى فيها بلاغة ما لم يره في المتواتر؛ ففي قوله تعالى:{فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} (3)
قرأ الأعمش " إلا قليل" بالرفع، وهي قراءة لم تثبت، قال وهذا من ميلهم مع المعنى، والإعراض عن اللفظ جانبا، وهو باب جليل من علم العربية (4) وقد لا يكون هناك أدنى مبرر للحكم بالقوة لقراءة دون قراءة، إلا
(1) الآية 284 من سورة البقرة، وتفسيرها من الكشاف 1/ 407.
(2)
سورة الحج الآية 38
(3)
سورة البقرة الآية 249
(4)
الآية 249 من البقرة، وتفسيرها في الكشاف 1/ 381.
لاشتمالها على نكتة بلاغية، يلمحها فيها، كما في قوله تعالى:{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} (1).
يقول: قرأ قتادة " كاشف الضر " على فاعل بمعنى فعل، وهو أقوى من كشف؛ لأن بناء المغالبة يدل على المبالغة.
وثالثة الأثافي: موقف الزمخشري من القراءات التي تخالف الرسم، والذي اختلفت عن موقف الطبري؛ إذ أن الطبري قد وقف موقفا واضحا وسليما من تلك القراءات التي تخالف الرسم أو الرسوم على حد تعبيره، فردها ردا قاطعا لعدم قرآنيتها، أما الزمخشري فقد أكثر من ذكر هذه القراءة، دون نقد أو رد، بل صرف عنايته لتوجيهها، ولعل هذا الفارق بين الطبري والزمخشري يعود إلى علم الأول بالقراءات، وجهل الثاني بها؛ إذ رماه أبو حيان بأنه ضعيف في هذا العلم، وهاك بعض الأمثلة:
قال تعالى: {أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} (2) يقول: وقرئ، " أعجمي "، ولم يعقب على ذلك، بل اكتفى بشرح كلمة الأعجمي، بأنه الذي لا يفصح، ولا يفهم كلامه، من أي جنس كان.
وفي قوله تعالى: {لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} (3)، يقول: وقرأ أنس يجمزون، فسئل، فقال: يجمحون، ويجمزون ويشتدون واحد.
وفي قوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى} (4) يقول: وقرأ زهير الفرقبي " أدنأ " بالهمزة من الدناءة، ولا شك أنها قراءة مخالفة للرسم، ولكن الزمخشري لا يعول على ذلك؛ إذ همه توجيه المعنى وسلامته، ولا يهمه بعد ذلك أن يعرفنا بالقارئ، ومدى اعتبار قراءة مثل هذا الشخص زهير الفرقبي، بل لا يذكر لنا من هو القارئ لقراءة في منتهى الشذوذ، وما أعجب كلامه
(1) سورة النحل الآية 54
(2)
سورة فصلت الآية 44
(3)
سورة التوبة الآية 57
(4)
سورة البقرة الآية 61