المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأولتعريف القراءات - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٣٥

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌المؤمنون يرون ربهم يوم القيامة رؤية حقيقية

- ‌من حق الله عليك أن تؤدي الزكاة

- ‌الخلاصة:

- ‌أولا: التمهيد:

- ‌ معنى الاستحالة لغة:

- ‌ استحالة النجس إلى حقيقة أخرى بالإحراق أو غيره هل تكسبه الطهارة:

- ‌ هل تطهر الخمر بالاستحالة:

- ‌ثانيا: استحالة المياه المتنجسة بسبب اختلاف أسبابها:

- ‌ استحالة المياه المتنجسة بصب ماء طهور عليها، أو نزح بعضه، أو زوال التغير بنفسه

- ‌ طريقة الحنفية:

- ‌ طريقة المالكية:

- ‌ طريقة الشافعية:

- ‌ طريقة الحنابلة:

- ‌ الاستحالة برمي تراب ونحوه فيها:

- ‌ الاستحالة بسقي النباتات بها، وشرب الحيوانات إياها:

- ‌ حكم استعمال مياه المجاري بعد استحالتها وزوال أعراض النجاسة منها:

- ‌ أوراد الطريقة البرهامية

- ‌ جماعة القاديانية، ونبيهم المزعوم غلام أحمد القادياني

- ‌ الفرق بين المسلمين والأحمديين

- ‌ الورد الذي يقوم به التيجانيون

- ‌ الفرقة التيجانية

- ‌ الصلاة، خلف الأئمة المبتدعين وأصحاب الطرق

- ‌ أوراد التيجانية والقادرية

- ‌ أوراد المتصوفة

- ‌ قصيدة تتضمن دعاوى ومآثر لشيخ الطريقة القادرية

- ‌ اتخاذ قراءة مناقب الشيخ عبد القادر أو نحوه وسيلة لمحبة الأولياء، واتخاذ مد السماط عادة عند ذلك

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز

- ‌أدوية تحتوي على مواد مخدرة وأخرى كحولية

- ‌ طريقة التيمم الصحيحة

- ‌ صفة الحجاب الشرعي

- ‌ التداوي قبل وقوع الداء كالتطعيم

- ‌ مصافحة النساء

- ‌ تقام في المستشفى عدة جماعات للصلاة، والمساجد قريبة، فهل يلزم من بقربها الذهاب للمسجد

- ‌ ادخر المسلم مبلغا من المال، فكيف يكون حساب زكاته في نهاية العام

- ‌ وجهة من يقول: إن الدخان محرم في شرع الله تعالى

- ‌المحاولات التوفيقيةلتأنيس الفائدة في المجتمع الإسلامي

- ‌مقدمة

- ‌لماذا فشلت المحاولات التوفيقية

- ‌المحاولات التوفيقية:

- ‌استعراض المحاولات التوفيقية:

- ‌أولا: محاولة الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله

- ‌ثانيا: محاولة الدكتور معروف الدواليبي:

- ‌ثالثا: وجدت محاولة ثالثة لعدد من الكتاب ملخصها:

- ‌رابعا: محاولة السنهوري:

- ‌المناقشة:

- ‌مستقبل المحاولات التوفيقية:

- ‌لماذا لا يوجد موجب لمحاولة إباحة القروض بفائدة

- ‌خاتمة:

- ‌من أصول أهل السنة والجماعة

- ‌المراد بالفرقة الناجية أهل السنة والجماعة

- ‌أسماء الفرقة الناجية ومعناها

- ‌أصول أهل السنة والجماعة

- ‌الخاتمة

- ‌مولده ونشأته:

- ‌وفاته:

- ‌مكانته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌مواقفه الحربية:

- ‌الفصل الأولالقراءات القرآنية

- ‌المبحث الأولتعريف القراءات

- ‌ صحة السند:

- ‌ موافقة القراءة للرسم العثماني:

- ‌ موافقة القراءة للغة:

- ‌نظرة في الأركان:

- ‌ الإمام ابن جرير الطبري

- ‌تقييم لموقف ابن جرير

- ‌موقف الزمخشري من القراءات:

- ‌حكم الطعن في القراءات

- ‌الخاتمة وأهم النتائج

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌المبحث الثانيفي ذكر مولده ونشأته ورحلته

- ‌المبحث الثالثفي ذكر أسماء شيوخه:

- ‌المبحث الرابعفي ذكر ثناء الأئمة عليهبالأوصاف الكريمة وسعةحفظه وكثرة علومه الجسيمة

- ‌المبحث الخامسفي حسن سيرتهوزهده وعبادته وبعض كراماته

- ‌المبحث السادسذكر مصنفاته البديعةوذكر شيء من شعره

- ‌المبحث السابع:ما زاده الشاطبي في كتابهحرز الأماني على تيسيرأبي عمرو الداني

- ‌القسم الثالثزيادة بعض الراوياتفي الفرش

- ‌المبحث الثامنالشروح المصنفةعلى حرز الأماني ووجه التهاني

- ‌المبحث التاسعتلاميذه

- ‌المبحث العاشرفي ذكر وفاته

- ‌الطريق الوسطفي بيان عدد يوم الجمعة المشترط

- ‌مدخل

- ‌موضوع الرسالة:

- ‌أهمية الرسالة:

- ‌المؤلف:

- ‌وصف النسخ:

- ‌منهج التحقيق:

- ‌النص المحقق

- ‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المبحث الأولتعريف القراءات

‌الفصل الأول

القراءات القرآنية

‌المبحث الأول

تعريف القراءات

معناها اللغوي:

القراءات جمع قراءة، وهي مصدر من قرأ يقرأ قراءة وقرآنا، واسم الفاعل منه قارئ، وجمعه قراء.

ويأتي الفعل غير مهموز كقرى، ولا يختلف مع الأول في معناه (1).

قال ابن فارس (2)(قرى) القاف والراء والحرف المعتل أصل صحيح يدل على جمع واجتماع، وإذا همز هذا الباب كان هو والأول سواء، ويطلق لفظ قرأ، ويراد منه عدة معان: فإذا قلت: قرأت القرآن، معناه لفظت به مجموعا؛ أي ألقيته، وأقرأت حاجتك إذا دنت، وقرأت الشيء قرآنا، إذا جمعته وضممت بعضه إلى بعض.

وإذا قلت: قرأت في الكتاب، فمعناه تفقهت فيه، وأقرئه السلام؛ أي أبلغه. وبعد هذا يتحدث علماء اللغة عن القرء والحيض والطهر، ولا يعنينا استقصاء ذلك والإسهاب فيه.

معناها الاصطلاحي:

ذكر علماء القراءات تعريفات كثيرة، يطول بنا الحديث إذا ذكرناها جميعا، ونكتفي بأشهرها.

(1) انظر تهذيب اللغة 9/ 272، وقاموس المحيط 1/ 24.

(2)

معجم مقاييس اللغة 5/ 79، ولسان العرب 1/ 123.

ص: 188

قال الزركشي: القراءات اختلاف ألفاظ الوحي، المذكور في الحروف وكيفيتها، من تخفيف وتشديد وغيرها (1).

أما ابن الجزري فعرفها:

" بأنها علم بكيفية أداء كلمات القرآن، واختلافها بعزو الناقلة، وهذا التعريف اعتمده كثير من المؤلفين في علم القراءات.

أما الدمياطي فقد أسهب في تعريفه فقال: " القراءات علم يعلم منه اتفاق الناقلين لكتاب الله، واختلافهم في الحذف والإثبات، والتحريك والتسكين، والفصل والوصل، وغير ذلك من هيئة النطق والإبدال وغيره من حيث السماع (2).

وهناك من عرف القراءات بأنها: " مذهب يذهب إليه المقرئ "، وهو وإن كان مقصوده ما ذهب إليه العلماء، أن مبنى ما ذهب إليه القارئ هو الوحي والسماع، إلا أن المستشرقين قد جعلوا من مثل هذه التعاريف مأربا خبيثا للصيد في الماء العكر؛ إذ رأوا أن اختلاف القراءات مبناه اختلاف القراء، وفق هواهم ومعتقداتهم، وراحوا يقيسون اختلاف الأناجيل على اختلاف الروايات في القراءات (3)، ومع كل الأسف فقد وجدنا ممن شايعهم من يذهب إلى مثل أقوالهم، ولعل في تعريف الزركشي ما أجلى هذه الحقيقة، وما يبعد هذه الشبهة؛ إذ قال عن القراءات واختلافها:" إنها اختلاف ألفاظ الوحي ".

فهذا التعريف يلقي الضوء على أن مبنى القراءات الوحي النازل من السماء، وقد تبعه علماء القراءات، قديما وحديثا، في تجلية هذه الحقيقة، فجاءوا بتعريفات واضحة وناصعة؛ ففي " إتحاف فضلاء البشر، في القراءات الأربعة عشر " تعريف للقراءات بأنها: " النطق بألفاظ القرآن، كما نطقها النبي صلى الله عليه وسلم "

(1) البرهان في علوم القرآن 1/ 318.

(2)

الدمياطي البنا: هو محمد بن محمد الدمياطي. توفي سنة 1117.

(3)

انظر أقوال جولد زيهر وغيره، في كتاب المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن.

ص: 189

ومثله: " تلاوة ألفاظ القرآن الكريم، كما تلاها المصطفى صلى الله عليه وسلم، أو كما علمها، أو سمعها منه أصحابه، وأقرهم عليها (1).

وكلها تعريفات قريبة مما ذكره الزركشي؛ فاختلاف ألفاظ الوحي هي مثل النطق بألفاظ القرآن، كما نطقها النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل تلاوة ألفاظ القرآن، كما تلاها النبي صلى الله عليه وسلم.

وصدق الله العظيم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (2){إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (3)

(1) إتحاف فضلاء البشر، في القراءات الأربعة عشر، ص5، وكذلك القراءات القرآنية ص64.

(2)

سورة النجم الآية 3

(3)

سورة النجم الآية 4

ص: 190

نشأة القراءات

هذا العنوان الذي يستعمله كثير من المؤلفين، عن حسن قصد، ويؤكده المستشرقون لغرض في نفوسهم، كما سنبينه، فيه نظر؛ وذلك أن القراءات المتواترة قرآن لا شك فيه؛ فقوله تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (1) و (ملك يوم الدين) بالألف وبدونها {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (2) و (اهدنا السراط المستقيم)، بسينها وصادها، وكل قراءة قرآنية متواترة، كل ذلك قرآن، وهو قديم، فلا يقال لقراءة منه: نشأت؛ لأن ذلك يشعر بالحداثة لبعضها في وقت من الأوقات.

لذا أرى، في استعمال المؤلفين المخلصين، هذا العنوان تجوزا، إن صح التعبير، وأرى في استعمال المستشرقين له مقصدا خبيثا، ونحن قد رأينا، فيما أومأنا إليه سابقا، من تعريف للقراءات بأنها اختلاف ألفاظ الوحي، كما قاله الزركشي، ما يشير إلى أن القراءة قرآن لا تنفك قرآنيتها عنه، ما دامت قد تواترت، فلا يقال لها ناشئة، إلا إذا قيل للقرآن ناشئا، وليس الأمر كذلك؛ فقد نزل الوحي بالقراءة، فيما ورد في بعض ألفاظه أكثر من قراءة، بل حين بدأ

(1) سورة الفاتحة الآية 4

(2)

سورة الفاتحة الآية 6

ص: 190

نزول الوحي، بدأها بأول كلمة في أول سورة نزلت، وهي (اقرأ)؛ ففيها قراءتان متواتران؛ الأولى: هي قراءة الجمهور بهمزة ساكنة، والثانية قراءة عاصم بحذف الهمزة (اقرا يقرا كسعى يسعى)(1).

وإنه لأمر يسترعي الانتباه أن تكون أول كلمة، في أول سورة نزلت، كلمة اقرأ، وأن يكون القرآن والقراءات مشتقا من مشتقاتها.

بعد هذا التمهيد أرى أن الحديث عن مصدر القراءات هو الحاسم لكثير من الشبه والأضاليل، التي يتمسك بها المستشرقون، والتي كان لأقوال بعض المفسرين، وبعض العلماء قدر غير يسير في الإسهام، في مد أولئك الملحدين، بشيء من أسباب الضلالة من غير قصد منهم رحمهم الله إلى شيء من ذلك بطبيعة الحال، ولكنهم رحمهم الله لما لم يلزموا جانب الحيطة والحذر، وأقصى غايات الحذر، في هذا الأمر الجلل- فقد أمدوا، من حيث لا يشعرون، من في قلبه مرض واستعداد طبيعي لاتخاذ كل شاردة وواردة من القول صيدا ثمينا، وفرصة ذهبية للنيل من مقدسات هذه الأمة وقرآنها.

أقول: إن المصدر الوحيد للقراءات إنما هو الوحي النازل من السماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، الذي بلغه بكل دقة وبكل حركة إلى أصحابه الكرام، فكان يقرئهم إياه، كما أنزل؛ كما روى ابن مسعود «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم العشر، فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى، حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل فإذا ما علمهم القرآن، فأتقنوا تلاوته أحب أن يسمعه منهم توثيقا لما سمعوه عنه (2)» .

روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ علي القرآن، قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء، حتى إذا جئت إلى هذه الآية:

(1) ورد في كتب القراءات أنها قراءة متواترة وسبعية.

(2)

والحديث صحيح، وأورده القرطبي في جامعه جـ 1/ 39.

(3)

صحيح البخاري تفسير القرآن (4582)، صحيح مسلم صلاة المسافرين وقصرها (800)، سنن الترمذي تفسير القرآن (3025)، سنن أبو داود العلم (3668)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 433).

ص: 191

قال: حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان (1)».

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتعهد أصحابه بتعليم القرآن وحفظه، حتى أصبحت صدورهم سجلا لما نزل من الحق، وربما علم النبي، عليه الصلاة والسلام، بعض أصحابه قراءة لم يسمعها بعض الصحابة، فيقرأ بعضهم القرآن على القراءة التي سمعها، ويقرأ آخر على قراءة غيرها سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم، فيسمع أحدهما الآخر، فينكر عليه عدم سماعه لها من الرسول صلى الله عليه وسلم.

ففي البخاري ومسلم «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: " سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة، لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة، فانتظرته حتى سلم، ثم لببته بردائه أو بردائي، فقلت: من أقرأك هذه السورة؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه، قلت له: كذبت، فوالله، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرؤها، فانطلقت أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله يا عمر، اقرأ يا هشام، فقرأ هذه القراءة التي سمعته يقرؤها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه (2)»

وروى مسلم، «عن أبي بن كعب قال:" كنت في المسجد، فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ، فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما (3)». . . " الحديث.

(1) سورة النساء الآية 41 (3){فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}

(2)

هذه الأحاديث صحيحة، بل وصفها السيوطي بأنها متواترة، انظر البخاري 6/ 100 ومسلم 2/ 202 وأبو داود 2/ 101 والترمذي 1/ 61.

(3)

هذه الأحاديث صحيحة، بل وصفها السيوطي بأنها متواترة، انظر البخاري 6/ 100 ومسلم 2/ 202 وأبو داود 2/ 101 والترمذي 1/ 61.

ص: 192

فمن حديث عمر وهشام رضي الله عنهما، يتبين لنا أن تعدد القراءات سببه واحد، هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأ كلا منهما تلك القراءة، كما أنزلت من عند الله تعالى.

ومن حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، أن عدد القراءات ثلاث، وكلها حسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها متلوة من الوحي، جعلها الله من باب التهوين والتسهيل على أمته.

يقول الشيخ الزرقاني، رحمه الله: ثم إن الصحابة، رضوان الله عليهم، قد اختلف أخذهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فمنهم من أخذ القرآن عنه بحرف واحد، ومنهم من أخذه عنه بحرفين، ومنهم من زاد، ثم تفرقوا في البلاد، وهم على هذه الحال، فاختلف بسبب ذلك أخذ التابعين عنهم، وأخذ تابعي التابعين وهلم جرا، حتى وصل الأمر، على هذا النحو، إلى الأئمة القراء المشهورين، الذين تخصصوا وانقطعوا للقراءات يضبطونها ويعنون بها وينشرونها) (1).

إذن: فالأمر في تعدد القراءات أمر أخذ ونقل من الوحي، فلا يجوز لمسلم أن يعزو أية قراءة لغير ذلك، كما صنع المستشرق (جولد زيهر) وغيره من المستشرقين، الذين عزوا القراءات إلى القارئين، الذين مارس كل واحد منهم القراءة القرآنية ليصحح القرآن، وأن القارئ يقرأ القرآن، وفق ما يحتمله الرسم القرآني، الخالي من النقط والشكل.

يقول جولد زيهر: (وترجع نشأة قسم كبير من هذه الاختلافات؛ أي في القراءات، إلى خصوصية الخط العربي، الذي يقدم هيكله المرسوم مقادير صوتية مختلفة؛ تبعا لاختلاف النقط الموضوعة فوق هذا الهيكل أو تحته، وعدد تلك النقاط. بل كذلك في حالة تساوي المقادير الصوتية، يدعو اختلاف الحركات، الذي لا يوجد في الكتابة العربية الأصيلة ما يحدده، إلى اختلاف مواقع الإعراب للكلمة، وبهذا إلى اختلاف دلالتها، وإذن فاختلاف تحلية هيكل الرسم بالنقط، واختلاف الحركات في المحصول الموحد القالب من

(1) مناهل العرفان جـ 1/ 406.

ص: 193

الحروف، لم يكن منقوطا أصلا، أو لم تتحر الدقة في نقطه أو تحريكه (1).

وقد أرجع الدكتور عبد العال سالم أساس هذا الزعم إلى الزمخشري، وقال: إن مصدر الوحي، لهذا المستشرق جولد زيهر، إنما هو الزمخشري الذي قال بخطأ ابن عامر في قراءته للآية القرآنية (2).

فقد زعم الزمخشري أن الذي حمل ابن عامر على قراءته، أنه رأى في بعض المصاحف (شركائهم)، مكتوبا بالياء؛ فالسبب هو الرسم، ونحن إذ نضع في الاحتمال أن يكون للزمخشري أثر في قول زيهر، إلا أننا نجزم أن مراد كل منهم يختلف عن الآخر؛ إذ يهدف زيهر للوصول إلى قياس تعدد القراءات، على تعدد الأناجيل، وهذه خطيئة ما نظن أن الزمخشري يقع في مثلها.

هذا، وقد تصدى للرد على جولد زيهر كل من:

1 -

الدكتور إبراهيم خليفة، في كتابه (مناهج التفسير)، وهو أجود الكتب وأفضلها.

2 -

الدكتور عبد الفتاح شلبي، في كتابه (رسم المصحف والاحتجاج به في القراءات).

3 -

الدكتور عبد الصبور شاهين، في كتابه (تاريخ القرآن).

4 -

الدكتور عبد العال مكرم، في كتابه (أثر القراءات في الدراسات النحوية).

5 -

الشيخ محمد طاهر الكردي في كتابه (تاريخ القرآن)، في الفصل الرابع، الرد على الإفرنج القائلين باستنباط القراءات من الرسم.

6 -

الشيخ عبد الفتاح القاضي، في كتابه (القراءات في نظر المستشرقين والملحدين).

7 -

الدكتور لبيب سعيد، في كتابه (المصحف المرتل).

8 -

الدكتور عبد الوهاب حمودة، في كتابه (القراءات واللهجات).

(1) مذاهب التفسير ص8.

(2)

أثر القراءات القرآنية في الدراسات النحوية ص 25.

ص: 194

وفي ضوء دراسة هذه الردود، يمكن إيجازها في الأمور الآتية: أولا: أن الاعتماد، في نقل القرآن، على حفظ القلوب والصدور، لا على خط المصاحف والكتب (1)، ثم إن القراءات وجدت قبل مرحلة تدوين المصاحف وكتابتها، وبعد تدوينها كانت في البداية غير منقوطة ولا مضبوطة، ومع ذلك كانت القراءات معروفة ومنتشرة، وكانوا يقرءون الآيات حسب السماع والرواية، لا حسب الرسم والكتابة.

ثانيا: لو كانت القراءة تابعة للرسم- لصحت كل قراءة يحتملها رسم المصحف، ولكن الأمر على غير ذلك؛ فإن بعض ما يحتمل الرسم صحيح، مثل (فتبينوا) في قول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (2) الآية.

وبعضه مردود؛ مثل قراءة حماد الراوية: (أباه)، في قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} (3) الآية، وكذلك قراءة:"تستكثرون"، في قوله تعالى:{مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} (4)، وهذه وتلك قراءة منكرة بالاتفاق، فليست من السبع، ولا الأربع عشرة، ولو كان مجرد الخط كافيا لاعتمدت".

وعلى مثل هذه القراءة المكذوبة، اعتمد جولد زيهر، في الاستدلال، على قضيته الباطلة ودعواه الخبيثة ضد القرآن الكريم.

ثالثا: لقد ثبت، بالتاريخ الصحيح، أننا لا نزال نرى الكثير من المقرئين،

(1) النشر 1/ 6.

(2)

سورة الحجرات الآية 6

(3)

سورة التوبة الآية 114

(4)

سورة الأعراف الآية 48

ص: 195

حتى يومنا هذا، يعطون تلاميذهم، بعد أن يتموا حفظه على أيديهم، إجازة تتضمن سند التلقي، المتصل عنهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن كثيرا من الأسانيد الصحيحة المتصلة مدونة، محفوظة في كتب القراءات، فما ينكر هذا إلا جاهل أو مكابر.

كذلك، إذا نظرنا إلى الأمصار الإسلامية- وجدنا أن كل مصر التزم قراءة قارئ بعينه، مع احتمال رسم المصحف لهذه القراءة، وأن القراء انتشروا في الأمصار ليعلموا الناس قراءة القرآن؛ إيمانا منهم بأن المصحف وحده لا يغني شيئا في مجال القراءة، وبخاصة أنه مجرد من النقط والشكل.

يقول الشيخ الزرقاني " لذلك اختار عثمان حفاظا يثق بهم، وأنفذهم إلى الأقطار الإسلامية، واعتبر هذه المصاحف أصولا ثواني، مبالغة في الأمر وتوثيقا للقرآن، ولجمع كلمة المسلمين فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه، مع من يوافق قراءته في الأكثر الأغلب، روي أن عثمان، رضي الله عنه، أمر زيد بن ثابت أن يقرئ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري (1).

فلو كان الاعتماد على المصحف؛ فلم كلف أمير المؤمنين نفسه بإرسال أولئك القراء إلى تلك الأمصار؟ وملاحظة أن اختيار القارئ كان مبنيا على موافقة قراءته لرسم المصحف المرسل إلى تلك البلد، وهذا يؤكد على أن دعامة قراءة القرآن هو التلقي والرواية.

وإذا كان للمستشرقين عذرهم في تعصبهم للباطل، وحقدهم الدفين ضد الإسلام ومبادئه، فما عذر من جاراهم من المسلمين، وقال بأن القراءات القرآنية منشؤها الخط العربي، حسب رسمها في المصحف العثماني؟، ومن هؤلاء الدكتور علي عبد الواحد وافي (2)، وتبعه في ذلك الدكتور طه حسين في صورة

(1) المناهل 1/ 96، 3/ 397.

(2)

كتابه فقه اللغة ص119.

ص: 196

أكثر بشاعة، وأشد خطرا؛ إذ هو ينكر على المعتقد بشرعية القراءات، وأنها ليست من الوحي، وإنما مصدرها اللهجات واللغات؛ يقول: والحق أن ليست هذه القراءات السبع من الوحي في قليل ولا كثير، وليس منكرها كافرا ولا فاسقا، ولا مغتمزا في دينه، وإنما هي قراءات مصدرها اللهجات واختلافها (1)، وقد نهج الدكتور محمد عبد السلام كفافي نهج طه حسين، فيقول: " وهناك سبب قوي لظهور القراءات؛ لأن مصحف عثمان كتب بغير نقط ولا شكل (2).

والحق، الذي لا يمارى فيه، أن القراءات سنة متبعة، نقلت بالرواية والمشافهة، من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي قرآن لا تنفك عنه، ولا هي مغايرة له، بل هي ألفاظ مختلفة نزل بها الروح الأمين بعرضات متعددة، ولم تكن القراءات وليدة خط أو رسم، أو عدم شكل وضبط لكتاب الله تعالى، ومن يقول بهذا- فهو ضال مضل، لسوء نيته وخبث قصده، سواء كان (جولد زيهر)، أو من سار على دربه، والذي يمعن النظر في كلام زيهر مثلا يجد له أبعادا وأهدافا يرمي من ورائها:

إن الأمة الإسلامية قد اعتمدت في أخذ كتاب ربها، على مثل ما اعتمد عليه غيرها من النقل من الصحف المكتوبة، والقراءة من الخط والرسم؛ فوقعت لذلك، وبسبب تجرد هذا الخط، من أول الأمر، من الشكل والنقط، في كثير من التحريف والتصحيف، في القرآن؛ حيث قرأها كل بحسب ما اتفق له من الفهم، وما رآه من صحة المعنى؛ يقول الدكتور عبد الفتاح شلبي: يظهر أن هؤلاء أجروا القرآن الكريم مجرى ما وقع من التصحيف، من كلام العرب شعرا أو نثرا، فقد صحف الفيض بن عبد الحميد، في حلقة يونس؛ إذ أنشد بيت ذي الإصبع:

عذير الحي من عدوا

ن كانوا حية الأرض

فقال الفيض: كانوا جنة الأرض بالجيم والنون (3).

وحدث قاسم بن إصبع قال: لما رحلت إلى المشرق نزلت القيروان

(1) الأدب الجاهلي ص 96.

(2)

في علوم القرآن، دراسات ومحاضرات ص 107.

(3)

كتاب التصحيف للعسكري ص 13، وما بعدها.

ص: 197

فأخذت عن بكر بن حماد، فقرأت عليه يوما حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قدم عليه قوم من مضر مجتابي النمار، فقال:" إنما هو مجتابي الثمار"، فقلت: إنما هو مجتابي النمار، هكذا قرأته على كل من لقيته بالأندلس والعراق. فقال لي: قم بنا إلى ذلك؛ لشيخ كان في المسجد، فإن له بمثل هذا علما، فقمنا إليه، وسألناه عن ذلك فقال:"إنما هو مجتابي النمار، وهم قوم كانوا يلبسون الثياب مشققة جيوبهم أمامهم " والنمار جمع نمرة (1).

" ولنا أن نتساءل: إذا كان العلماء، قد وقفوا بالمرصاد لما روى هؤلاء، وهم أئمة، فماذا ترى أن يكون موقفهم بجانب كتاب الله الكريم، والمصحفين فيه، وهم المدققون في روايته، وكانوا القوامين عليه، ومن حفظته، ثم هم الذين وقفوا جهودهم على سدانته "(2) إن زيهر وأمثاله يعلمون أن القراءات ليست تصحيفا، وإنما هي قرآن، وجدت في زمن التشريع، ونزلت وانقطعت بنزول الوحي وانقطاعه، ولكنهم يقصدون شيئا آخر ندركه من كلام العالم اللاهوتي (أبيتر فيرتفلس): "من أن كل امرئ يطلب عقائده في هذا الكتاب المقدس، وكل امرئ يجد فيه على وجه الخصوص ما يطلبه)؛ فكل تيار فكري بارز، في التاريخ الإسلامي، زاول الاتجاه إلى تصحيح نفسه على النص المقدس، وإلى اتخاذ هذا سندا على موافقته للإسلام، بمطابقته لما جاء به الرسول، عليه الصلاة والسلام، وبهذا وحده كان عليه أن يدعي لنفسه مقاما وسط هذا النظام الديني، وأن يحتفظ بهذا المقام، وكلامه هذا ينطوي على أمرين فاضحين:

أولهما: أنه وصف الإنجيل بالقداسة، وساوى بينه وبين القرآن، وكل من يحترم العقل، ويعرف له حقه على العقلاء، يعرف أن بين القرآن وبين الإنجيل بونا عظيما وشأوا قصيا، في هذا المضمار؛ فالأناجيل حرفت وغيرت باعترافهم هم، وفي آخر صيحة للحق أن

(1) رسم المصحف والاحتجاج في القراءات، نقلا عن نفح الطيب 1/ 345.

(2)

رسم المصحف والاحتجاج في القراءات، نقلا عن نفح الطيب 24 - 25.

ص: 198

الموسوعة الأمريكية قد أوردت الوضع والتحريف لنصوص الديانة اليهودية والنصرانية، على حد سواء.

ثانيهما:

أما دعوى أن كل امرئ يستطيع وضع النص أو قراءته، على وجه يؤيد بدعته ونحلته، فهو باطل، وذلك أن جولد زيهر نفسه يرى أن من القراءات ما هو متواتر مقطوع بصحته، وهذه القراءات المتواترة، لا يعني بحال أن يعتمدها الناس، بل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه تلقاها بالوحي، وأخبرنا أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، إذن فكل صحابي كان يقرأ على حرف من الحروف التي تلقاها عنه، وقراءة هذا أو ذاك، واختلاف هذا مع ذلك: لم يكن له أثر، بل الكل متبع لا مبتدع، انظر إلى كلام الصحابة:" أقرأنيها رسول الله"، وانظر إلى إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لقراءة هشام حين اختلف مع عمر، (هكذا أنزلت)، وإلى إقراره قراءة عمر (هكذا أنزلت)

فاختلاف القراءات كان قديما، ولكنه اتباع لا ابتداع، ومظاهر الاختلاف في القراءات أصدق أمارة على كمال الإعجاز، ونصوع المسحة الإلهية الحكيمة على كل كلمة من كلام هذا الكتاب المعجز " إن كان ثمة غير هذا- فليحدثنا به، فإذا لم يجد لتفسير هذه الظاهرة فرضا آخر تقبله العقول، لا في جوف الأرض، ولا فوق أديم السماء؛ لكونه من المستحيلات التي لا توجد إلا في تصوير أوهام الحاقدين وجهلة المستكبرين: فإنا نقول له ولأمثاله: إن مسألة تعدد القراءات الثابتة من عند الله تعالى، لا تجافي أبدا حقيقة توحيد النص القرآني (1)

(1) مناهج المفسرين ص 63 وما بعدها، نقلناه بتصرف.

ص: 199

أركان القراءات

يجدر التنويه لأمرين:

أولهما: أن ركن القراءة الوحيد هو صحة السند لا غير، وأن إضافة

ص: 199