الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو أحد قولي أصحاب مالك (1).
وقال الشيرازي: ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة، إلا شيئان أحدهما جلد الميتة إذا دبغ، والثاني الخمر - ثم قال صاحب المهذب: وإن حرق العذرة والسرجين حتى صار رمادا لم تطهر (2) وقال ابن قدامة: ظاهر المذهب أنه لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة، إلا الخمر إذا انقلبت بنفسها خلا، وما عداه لا يطهر كالنجاسات إذا احترقت فصارت رمادا، والخنزير إذا وقع في الملاحة وصار ملحا، والدخان الصاعد من وقود النجاسة (3).
وقال المرداوي على قول ابن قدامة، ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة. قال: هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب ونصروه (4).
واستدل لهذا القول بما ذكره أبو يوسف من أن الرماد أجزاء تلك النجاسة، فتبقى النجاسة من وجه، فالتحقت بالنجس من كل وجه احتياطا (5) وما ذكره الشيرازي بقوله: لأن نجاستها - أي العذرة والسرجين - لعينهما (6) وأما ابن قدامة فقد استدل لذلك بأنها نجاسة لم تحصل بالاستحالة، فلم تطهر كالدم إذا صار قيحا وصديدا (7).
(1) المجموع 21/ 72.
(2)
المهذب 1/ 10.
(3)
المغني مع شرحه 1/ 59.
(4)
الإنصاف 1/ 318.
(5)
فتح القدير 2/ 139.
(6)
المهذب 1/ 48.
(7)
المغني ومعه الشرح 1/ 744.
(ج)
هل تطهر الخمر بالاستحالة:
اتفق أهل العلم - فيما نعلم - على أن الخمر إذا تخللت بنفسها فإنها تكون طاهرة، قال شيخ الإسلام: اتفقوا على أن الخمر إذا انقلبت بفعل الله بدون قصد صاحبها، وصارت خلا أنها تطهر (1) وأما إذا خللت فقد اختلف العلماء في ذلك؛ فمنهم من يقول بطهارتها، ومنهم من يقول بنجاستها، وممن قال بأنها طاهرة الحنفية والمالكية وابن حزم ومن وافقهم جاء في بداية المبتدي وشرحها
(1) مجموع الفتاوى 21/ 475 وما بعدها.
الهداية: وإذا تخللت الخمر حلت سواء صارت خلا بنفسها أو بشيء يطرح فيها ولا يكره تخليلها (1) وفي الحطاب: ولو تخللت الخمر بإلقاء شيء فيها كالخل والملح والماء ونحوه يطهر الخل وما ألقي فيه (2) وقال ابن حزم: إذا تخللت الخمر وخللت فالخل حلال (3).
واستدل لهذا القول بالسنة والمعنى أما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: «نعم الإدام الخل (4)» رواه مسلم والأربعة من حديث جابر. وجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم عم ولم يخص.
وعورض هذا الاستدلال بحديث أنس «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر تتخذ خلا قال: لا (5)» . أخرجه مسلم. وعن أنس أن أبا طلحة «سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا قال: أهرقها. قال: أفلا نجعلها خلا؟ قال: لا (6)» .
ويمكن الجمع بين هذه الأحاديث بحمل الحديث الأول على الخمر إذا تخللت بنفسها، والخل الذي لم يكن أصله خمرا، وحمل الثاني على ما إذا خللت بفعل فاعل قصدا، وعلى هذا فلا دلالة في الحديث الأول على طهارة الخمر إذا خللت قصدا، وأما الدليل من جهة المعنى فقد جاء في البداية وشرحها، أنه بالتخليل يزول الوصف المفسد، وتثبت صفة الصلاح، من حيث تسكين الصفراء وكسر الشهوة والتغذي به والإصلاح مباح، وكذا الصالح للمصالح اعتبارا بالمتخلل بنفسه، وبالدباغ والأقرياب لإعدام الفساد فأشبه الإراقة والتخليل، وذلك لما فيه من احترام حال يصير حلالا في الثاني فيختاره من ابتلي به.
وقد يجاب عن ذلك بأنه دليل اجتهادي في مقابل نص، ولا اجتهاد مع النص، والنص هو حديث أنس الذي رواه مسلم «سئل عن الخمر تتخذ خلا؟ قال: لا (7)» الحديث وقد سبق (8).
القول الثاني: أن الخمر إذا خللت لا تكون طاهرة وممن قال بهذا
(1) البداية وشرحها 4/ 113.
(2)
مواهب الجليل 1/ 98.
(3)
المحلى 1/ 124.
(4)
صحيح مسلم الأشربة (2052)، سنن الترمذي الأطعمة (1839)، سنن أبو داود الأطعمة (3820)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 371)، سنن الدارمي الأطعمة (2048).
(5)
صحيح مسلم الأشربة (1983)، سنن الترمذي البيوع (1294)، سنن أبو داود الأشربة (3675)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 260)، سنن الدارمي الأشربة (2115).
(6)
صحيح مسلم الأشربة (1983)، سنن الترمذي البيوع (1293)، سنن أبو داود الأشربة (3675)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 119)، سنن الدارمي الأشربة (2115).
(7)
صحيح مسلم الأشربة (1983)، سنن الترمذي البيوع (1294)، سنن أبو داود الأشربة (3675)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 260)، سنن الدارمي الأشربة (2115).
(8)
البداية وشرحها 4/ 113.
الشافعية والحنابلة واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، قد جاء في المهذب وإن خللت بخل، أو ملح لم تطهر (1).
وقال ابن قدامة (وإن خللت لم تطهر)، وقال المرداوي تعليقا على ذلك: اعلم أن الخمرة يحرم تخليلها على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب (2).
وقال شيخ الإسلام: والصحيح أنه إذا قصد تخليلها لا تطهر بحال (3)، واستدل لهذا القول بالسنة والأثر والمعنى؛ أما السنة فما رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة عن أنس رضي الله عنه أنا أبا طلحة «سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا فقال: أهرقها. فقال أفلا أخللها قال: لا (4)». .
وجه الدلالة أنه نهاه عن التخليل فدل على أنه لا يجوز.
وأجاب الطحاوي عن ذلك فقال: إنه محمول على التغليظ والتشديد؛ لأنه كان في ابتداء الإسلام، كما ورد ذلك في سؤر الكلب، بدليل أنه ورد في بعض طرقه الأمر بكسر الدنان وتقطيع الزقاق رواه الطبراني في معجمه: حدثنا معاذ بن المثنى، ثنا مسدد، ثنا معتمر، ثنا ليث، عن يحيى بن عباد، عن أنس، عن أبي طلحة قال:«قلت: يا رسول الله، إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري. فقال: أهرق الخمر واكسر الدنان (5)» . انتهى.
ورواه الدارقطني أيضا، وروى أحمد في مسنده: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا أبو بكر بن أبي مريم، عن حمزة بن حبيب، عن ابن عمر رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم شق زقاق الخمر بيده في أسواق المدينة» وقد تقدم بتمامه في أحاديث تحريم الخمر، وهذا صريح في التغليظ؛ لأن فيه إتلاف مال الغير، وقد كان يمكن إراقة الدنان والزقاق وتطهيرها، ولكن قصد بإتلافها التشديد؛ ليكون أبلغ في الردع انتهى بواسطة الزيلعي (6).
ويمكن أن يجاب عن ذلك: بأن حمله على التغليظ على خلاف الظاهر، فيحتاج إلى دليل يدل عليه ذلك، فإن وجد، وإلا فالأصل بقاء
(1) المهذب 1/ 48.
(2)
الإنصاف 1/ 318
(3)
المجموع 21/ 481.
(4)
صحيح مسلم الأشربة (1983)، سنن الترمذي البيوع (1294)، سنن أبو داود الأشربة (3675)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 180)، سنن الدارمي الأشربة (2115).
(5)
سنن الترمذي البيوع (1293)، سنن أبو داود الأشربة (3675)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 119).
(6)
نصب الراية 4/ 311.