الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا الثالث، وهو خيرهم كلهم) (1)
(1) جامع البيان في تأويل القرآن، للطبري [سورة الواقعة، آية رقم 7].
ومن الأسباب أيضا:
إساءة الظن بالعلماء من جهة وبالولاة والأمراء من جهة أخرى:
فينظرون إلى تصرفات الأمير ويحملونها على أسوأ المحامل ثم يحكمون عليه بأهوائهم بالبدعة أو الكفر والعياذ بالله، ويترتب على هذا عندهم جواز الخروج ووجوب إنكار المنكر بالقوة، وينظرون إلى أن العلماء ساكتون عن المنكر مداهنون للسلطان فيضلونهم ولا يقبلون كلامهم، فيبقى الشاب بعد ذلك بلا خطام ولا زمام فلا أمير يسمع له ويطيع ويسير تحت قيادته، ولا عالم يثق فيه ويأخذ من علمه ويقبل توجيهه، فتتلقفه أيدي المفسدين من أعداء الدين ويستغلونه في تحقيق مآربهم ضد أمة الإسلام باسم الدين، وهذا الأمر لم يكن في وقتنا هذا وليس هو وليد العصر، بل حصل منذ عهد الخليفة الراشد ذي النورين أحد المبشرين بالجنة إمام المسلمين في وقته وأفضلهم في زمانه عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد عاب عليه سفهاء الأحلام بعض تصرفاته في الحكم واستحلوا دمه، ولم يقبلوا من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علماء وقتهم، لم يقبلوا توجيههم ونصحهم، فقتلوا خير البشر في زمانه رضي الله عنه وأرضاه ووضعوا السيف وكانت بسببهم الفتنة بين أهل الإسلام، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
والواجب على شباب الأمة وعلى عامتها وخاصتها إحسان الظن بالمسلمين وبعلمائهم وولاتهم، يقول الله تعالى في حق الأنصار مع المهاجرين ومن جاء بعدهم من المسلمين:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1){وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (2)
وليعلموا أن السمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين في غير معصية الله واجبة لا خيار لمسلم فيها ومن عصى الأمير فقد عصى الله تعالى، ولا يجوز الخروج عليهم وإن جاروا وإن ظلموا، وأدلة ذلك مبسوطة في كتب الحديث والعقائد فإن السمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين من عقائد أهل السنة والجماعة التي فارقوا بها أهل البدعة والضلالة من المعتزلة والخوارج ونحوهم. ومن الأدلة في ذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (3)
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا يغل عليهن
(1) سورة الحشر الآية 9
(2)
سورة الحشر الآية 10
(3)
سورة النساء الآية 59
قلب امرئ مسلم، إخلاص العمل لله، وطاعة ولاة الأمر، ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من ورائهم (1)». أخرجه الترمذي وابن ماجه.
ومن أقوال السلف في هذا قول الفضيل بن عياض رحمه الله: (لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام؛ لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد). قال ابن المبارك: (يا معلم الخير، من يجترئ على هذا غيرك).
وقد سبق أن ذكرنا أثر أبي أمامة رضي الله عنه في الحرورية الخوارج وما قاله فيهم وما أمر أتباعه به من السمع والطاعة، وبيان فضل ذلك.
وكذلك علماء السلف يجب احترامهم وتوقيرهم والأخذ عنهم. يقول الطحاوي رحمه الله في أواخر عقيدته: (وعلماء السلف السابقين، ومن بعدهم من التابعين - أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر- لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (فيجب على المسلمين بعد موالاة الله ورسوله موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن، خصوصا العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر، وقد أجمع المسلمون على
(1) سنن الترمذي العلم (2658).