المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القول الأول:لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ الجهل

- ‌ البغي:

- ‌ عدم التوفيق بين النصوص من الكتاب والسنة

- ‌ إساءة الظن بالعلماء من جهة وبالولاة والأمراء من جهة أخرى:

- ‌ الغلو في الدين:

- ‌ الذنوب والمعاصي:

- ‌ ترك القيام بحقوق الله ونسيان الآخرة وعدم الاستعداد لها

- ‌من عمله إعطاء فسوحورخص بالتعامل بالدخان

- ‌إمامة من لا يستطيع السجود على رجله

- ‌ إمامة من ينطق بالضاد ظاء

- ‌ صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح،والمغرب خلف من يصلي العشاء

- ‌صلاة الفذ خلف الصف

- ‌الصلاة في السرحة المنفصلة عن المسجد

- ‌إذا سمعوا صوت الإمام بدون مكبروبينهم وبينه حائل

- ‌المصاب بالسلس هل يعذر بترك الجماعة

- ‌جنود المرور هل تلزمهم الجماعة

- ‌كيفية صلاة المريض

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌الدعاء للميت بالتثبيتيكون بعد الفراغ من الدفن

- ‌التلقين بعد الدفن بدعة

- ‌شبهة في التلقين بعدالدفن والجواب عليها

- ‌حكم الصدقة عن الميت ساعة الدفن

- ‌الأفضل رفع القبر عن الأرض شبرا ونحوه

- ‌حكم الوعظ عند القبر

- ‌لا حرج في جلبالماء البارد للشرب عند القبر

- ‌يقدم الأفضل إلى القبلة

- ‌حكم دفن المرأة والرجل في قبر واحد

- ‌حكم تخصيص بعضأجزاء المقبرة للنساء

- ‌ الدفن ليلا

- ‌الأوقات التي ينهى عن الدفن فيها

- ‌لا يختلف الدفن في مكة عن غيرها

- ‌السنة أن يدفن الميتفي البلد الإسلامي الذي مات فيه

- ‌الكافر لا يدفنفي الجزيرة العربية بل ينقل إلى غيرها

- ‌حكم تنفيذ وصية الميتبدفنه في بلد غير الذي مات فيه

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ بيع الخواتم التي يستعملها الناس للخطوبة

- ‌ حكم الشرع في مهنة صياغة الذهب

- ‌ هل هناك سور معينة يستحب قراءتها في صلاة الوتر وصلاة الضحى

- ‌ حقيقة الإحرام

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمةللبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ من رتب وقته بحيث يستيقظ من نومه غالبا بعد الشروق

- ‌ قضاء الصوم والصلاة

- ‌ هل يعاقب المجنون على الأعمال التي قام بها قبل حدوث الجنون

- ‌ حكم الشريعة الإسلامية في الذي يتناول الخمر ليلا وفي الصباح يقيم الصلاة

- ‌ مرضت عدة أيام ولم أصل في هذه المدة كيف أقضيها

- ‌منقصات التوحيد

- ‌المبحث الثاني: أنواع الشرك الأصغر:

- ‌ النوع الأول: الشرك الأصغر في العبادات القلبية:

- ‌النوع الثالث: الشرك الأصغر في العبادات القولية:

- ‌المثال الأول: الحلف بغير الله:

- ‌الفصل الثاني: الكفر الأصغر:

- ‌الفصل الثالث: النفاق الأصغر:

- ‌المبحث الأول: تعريفه وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: خصاله وأمثلته:

- ‌القول الأول:لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط

- ‌القول الثالث: أن لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود

- ‌القول الرابع: أن لا يبلغ في التعزير على معصية حدا مشروعا في جنسها، ويجوز أن يزيد على حد غير جنسها

- ‌القول الثاني:إن للتعزير حدا أعلى في مدة الحبس لا يحوز تجاوزها

- ‌بدائل السجن

- ‌أولا: الآثار السيئة لعقوبة السجن:

- ‌ثانيا: مراعاة مقاصد الشريعة من العقوبات:

- ‌نماذج من بدائل السجن:

- ‌ثانيا: العقوبة المقيدة للحرية:

- ‌ثالثا: العقوبة المعنوية:

- ‌مشروعية الأضحية

- ‌ حرص الصحابة رضي الله عنهم على جمع الدرهم والدينار لشراء أغلى الأضاحي وأطيبها

- ‌ الإجماع على مشروعية الأضحية:

- ‌كلام نفيس لشيخ الإسلام حول الأضحية ومشروعيتها

- ‌المبحث الأول: فرضية الحج والترغيب فيه وبيان حكمه وأسراره

- ‌المبحث الثاني: قدسية البيت الحرام ومكانته:

- ‌المبحث الثالث: حث السلف على أداء الحج مع العناية بتصحيح النية وطيب النفقة:

- ‌المبحث الرابع: أقوالهم في الحج المبرور وتطبيقهم ذلك

- ‌المبحث الخامس: فضل يوم عرفة وأحوالهم فيه

- ‌المبحث السادس: فضل يوم العيد وأيام التشريق وأقوالهم في ذلك

- ‌المبحث السابع: عنايتهم بمعرفة السنة وتأدبهم في تعلمها

- ‌المبحث الثامن: تمسكهم بالسنة وتحذيرهم من الخلاف

- ‌المبحث التاسع: حرصهم على اتباع السنة وتطبيقها

- ‌المبحث العاشر: الاهتمام بالسنة وثمار اتباعها

- ‌المبحث الحادي عشر: المداومة على العمل الصالح بعد الحج

- ‌بيان من هيئة كبار العلماءحول أحداث الرياض

- ‌بيان من هيئة كبار العلماءحول ما جرى مؤخرا فيالمملكة العربية السعودية من تفجيرات

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌القول الأول:لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط

ثانيا: الجلد لغة: مصدر جلده، أي: ضربه فأصاب جلده، وجالدناهم أي ضاربناهم، وقد يطلق ويراد به الإكراه على الشيء، وجلد الكتاب أي كساه جلدا ليحفظه.

وهو في الاصطلاح: لا يخرج عن المعنى اللغوي فهو ضرب الجلد بما يؤلم.

ثالثا: السجن لغة: الحبس وهو بمعنى المنع (1).

وعرف شيخ الإسلام ابن تيمية الحبس في مجموع الفتاوى بما يلي: (الحبس الشرعي ليس هو السجن في مكان ضيق، وإنما هو تعويق الشخص من التصرف بنفسه سواء في بيت أو مسجد أو بتوكيل نفس الخصم أو وكيل الخصم عليه؛ ولهذا أسماه النبي صلى الله عليه وسلم أسيرا)(2).

(1) لسان العرب 2/ 102، تاج العروس 9/ 231، المصباح المنير 1/ 286.

(2)

محموع الفتاوى 35/ 398

ص: 175

أكثر ما قيل في التعزير بالجلد

اختلف الفقهاء في أكثر التعزير بالجلد على أربعة أقوال:

‌القول الأول:

لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط

، وهذا هو المعتمد في المذهب الحنبلي، وهو مذهب الظاهرية، وبه قال إسحاق والليث

ص: 175

وبعض الشافعية.

قال في المغني (1): (واختلف عن أحمد في قدره فروي عنه أنه لا يزاد على عشر جلدات، نص أحمد على هذا في مواضع، وبه قال إسحاق

) اهـ.

وقال في الإنصاف (2): (ولا يزاد في التعزير على عشر جلدات في غير هذا الموضع، هذه إحدى الروايات نقلها ابن منصور قال ابن منجا في شرحه: هذا المذهب، وجزم به في الوجيز، وقدمه في الفروع، إلا في وطء الجارية المشتركة .. قال القاضي في كتاب الروايتين: المذهب عندي أنه لا يزاد على عشر جلدات، إلا في وطء الجارية المشتركة وجارية زوجته إذا أحلتها له) اهـ. قال الشارح: هو حسن) أهـ.

وقال ابن حزم في المحلى (3)(وقالت طائفة: أكثر التعزير عشرة أسواط فأقل لا يجوز به أكثر من ذلك، وهو قول الليث بن سعد وقول أصحابنا) اهـ.

استدل أهل هذا القول بالدليل التالي:

عن أبي بردة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله

(1) المغني 12/ 524.

(2)

الإنصاف 10/ 244.

(3)

المحلى 13/ 482

ص: 176

عليه وسلم يقول: «لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله (1)» متفق عليه.

ونوقش هذا الحديث بأن المراد بحدود الله هي ما حرم لحق الله تعالى فقد جعل الله الطلاق البدعي تعديا لحدوده تعالى، حيث قال:{وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (2) أما تسمية العقوبات المقدرة حدودا فهي اصطلاح حادث، وحديث أبي بردة المذكور في تأديب الرجل امرأته وولده وعبده فإنه لا يزيد في ذلك على عشرة أسواط، وهذا رأي شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم.

(1) البخاري في كتاب الحدود باب كم التعزير والأدب برقم (6848)، مسلم في كتاب الحدود باب قدر أسواط التعزير برقم (1708).

(2)

سورة الطلاق الآية 1

ص: 177

القول الثاني:

أن التعزير بالجلد ليس له حد معين، بل هو موكول إلى اجتهاد القاضي حسب المصلحة، وهو مذهب المالكية، وقول لأبي يوسف اختاره الطحاوي، قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير: والحاصل أن الإمام إذا أداه اجتهاده إلى أن يعزره بما يزيد على الحد، ولا يأتي على النفس كمأتي سوط أو بما يأتي على هلاكه كألف كرباج مثلا، فإنه يفعله ويجوز له القدوم على ذلك، ولا ضمان عليه

ص: 177

إذا مات حيث لم يظن الهلاك ابتداء، بل ظن سلامته أو جزم بها) (1).

وقال أبو البركات الدردير (2): [وإن زاد]، التعزير (على الحد) بالجلد كأن زاد على مائة أو أتى على النفس بأن نشأ عنه موت، فلا إثم ولا دية، إن ظن السلامة من فعله، وإنما قصد التشديد لما صدر منه كسب الصحابة وإلا يظن السلامة فإن شك منع.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (3): وأما مالك وغيره، فحكي عنه: أن من الجرائم ما يبلغ به القتل، ووافقه بعض أصحاب أحمد، في مثل الجاسوس المسلم، إذا تجسس للعدو على المسلمين.

وقد استدل فقهاء المالكية لمذهبهم في جواز التعزير بما يزيد على الحد بما يلي:

1 -

ما روي أن معن بن زائدة، عمل خاتما على نقش خاتم بيت المال، ثم جاء به صاحب بيت المال، فأخذ منه مالا، فبلغ عمر رضي الله عنه فضربه مائة، وحبسه، وكلم فيه فضربه مائة أخرى، فكلم فيه من بعد، فضربه مائة، ونفاه (4).

2 -

ما روي أن عليا رضي الله عنه (أتي بالنجاشي قد شرب

(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4/ 355.

(2)

الشرح الصغير 6/ 236، 237

(3)

السياسة الشرعية ص 93

(4)

قال الحافظ ابن حجر في تخريجه لهذا الأثر: لم أجده، انظر تلخيص الحبير 4/ 81.

ص: 178

خمرا في رمضان فأفطر، فضربه ثمانين، تم أخرجه من الغد فضربه عشرين، وقال: إنما ضربتك هذه العشرين لجرأتك على الله وإفطارك في شهر رمضان) (1).

ويمكن أن يستدل لهم بالدليلين التاليين:

(أ) ما روى البزار بسنده عن سعيد بن المسيب قال: «جاء صبيغ التميمي إلى عمر بن الخطاب، فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن قال: "هي الرياح، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: فأخبرني عن قال: هي السحاب، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته.

قال: فأخبرني عن قال: هي الملائكة، ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال فأخبرني عن قال: هي السفن، ولولا أني سمعت

(1) أخرجه عبد الرزاق 7/ 382، البيهقي 8/ 321، وقال الألباني: إسناده حسن، إرواء الغليل 8/ 57.

(2)

رواه البزار، انظر البحر الزخار 1/ 423، 424، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 116 وقال:(رواه البزار وفيه أبو بكر بن أبي سبرة وهو متروك).

(3)

سورة الذاريات الآية 1 (2){وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا}

(4)

سورة الذاريات الآية 2 (3){فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا}

(5)

سورة الذاريات الآية 4 (4){فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا}

ص: 179

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ما قلته، قال: ثم أمر به فضرب مائة، وجعله في بيت، فلما برأ دعا به فضربه مائة أخرى وحمله على قتب، وكتب إلى أبي موسى الأشعري: امنع الناس من مجالسته، فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى، فحلف له بالأيمان المغلظة ما يجد في نفسه مما كان يجد شيئا، فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب عمر: ما أخاله إلا قد صدق فخل بينه وبين مجالسة الناس (1)».

(ب) جلد أبو بكر وعمر رجلا وجد مع امرأة في فراش مائة؟ (2).

وقد أورد العلامة ابن دقيق العيد على هذا الرأي إيرادات عدة: فقال: (وبلغني عن بعض أهل العصر (3) أنه قرر هذا المعنى بأن تخصيص الحد بهذه المقدرات أمر اصطلاحي فقهي، وأن العرف في أول الشرع في أول الإسلام لم يكن كذلك، أو يحتمل أن لا يكون كذلك -هذا أو كما قال- فلا يخرج عنه إلا التأديبات التي ليست عن محرم شرعي. وهذا - أولا: خروج في لفظ- (الحد) عن

(1) سورة الذاريات الآية 3 (5){فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا}

(2)

ورد في ذلك عدة آثار جاءت في مصنف عبد الرزاق 7/ 401، 402).

(3)

يقصد بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية.

ص: 180

العرف فيها. وما ذكره هذا العصري يوجب النقل والأصل عدمه.

وثانيا: أنا إذا حملنا لفظ الحد على ذلك، وأجزنا في كل حق من حقوق الله أن يزاد فيه لم يبق لنا شيء يختص المنع فيه بالزيادة على عشرة أسواط. إذ ما عدا المحرمات كلها التي لا تجوز فيها الزيادة ليس إلا ما ليس بمحرم، وأصل التعزير فيه ممنوع. فلا يبقى لخصوص منع الزيادة معنى. وهذا ما أوردناه على ما قاله المالكي في إطلاقه لحقوق الله. وقد يعتذر عنه بما أشرنا إليه من أنه لا يخرج عنه إلا التأديبات على ما ليس بمحرم، ومع هذا فيحتاج إلى إخراجها عن كونها من حقوق الله.

وثالثا: على أصل الكلام وما قاله العصري- فيما نقل عنه- ما تقدم في الحديث قبله من حديث عبد الرحمن (أخف الحدود ثمانون) فإنه يقطع دابر هذا الوهم، ويدل على أدق مصطلحهم في الحدود إطلاقها على المقدرات التي يطلق عليها الفقهاء اسم (الحد) فإن ما عدا ذلك لا ينتهي إلى مقدار أربعين فهو ثمانون. وإنما المنتهى إليه هي الحدود المقدرات. وقد ذهب أشهب من المالكية إلى ظاهر الحديث. كما ذهب إليه صاحب التقريب من الشافعية، والحديث متعرض للمنع من الزيادة على العشرة ويبقى ما دونها لا تعرض للمنع فيه. وليس

ص: 181

التخيير فيه ولا في شيء مما يفوض إلى الولاة تخيير شهوة (1) بل لا بد عليهم من الاجتهاد.

وقد دفعت إيرادات العلامة ابن دقيق العيد بما يلي:

1 -

أما إيراده الأول على أن المراد بحدود الله ما حرم لحق الله وأن هذا القول خروج في لفظة الحد على العرف فيها وأن هذا يوجب النقل والأصل عدمه.

فيدفع هذا الإيراد بأن تفسير الحد بما حرم لحق الله قد جاء به النقل في نحو قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (2)

2 -

وأما إيراده الثاني: وقوله: إنا إذا حملناه على ذلك وأجزنا في كل حق من حقوق الله أن يزاد، لم يبق لنا شيء يختص المنع فيه بالزيادة على عشرة أسواط، إذ ما عدا المحرمات كلها التي لا تجوز فيها الزيادة ليس إلا ما ليس بمحرم وأصل التعزير فيه ممنوع فلا يبقى لخصوص منع الزيادة معنى.

ويجاب عن هذا: بأن الجلد بالعشرة فما دون محمول على التأديب الصادر من غير الولاة.

(1) إحكام الأحكام لابن دقيق العيد 4/ 139

(2)

سورة البقرة الآية 229

ص: 182

3 -

وأما إيراده الثالث: وقوله: (وثالثا على أصل الكلام وما قاله العصري

إلخ) أي يرد على أصل كلام العصري إيراد ثالث، وهو قول عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أخف الحدود ثمانون، فإنه دال على أن لفظ الحدود في لغة الصحابة هي في المقدرات الشرعية التي عليها يطلقها الفقهاء وأنه لا نقل فيها ولا يراد بها مجرد حقوق الله تعالى وأوامره ونواهيه هنا.

ويرد على هذا بأن الحد في لسان الشرع أعم من ذلك:

1 -

فقد يطلق ويراد به جملة ما أذن في فعله الشرع، سواء كان ذلك عن طريق الوجوب أو الندب أو الإباحة، ومعنى تعدى الحد هنا: هو تجاوز ذلك إلى ارتكاب ما نهي عنه، ودليل ذلك قوله تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (1) وقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (2)

2 -

وقد يطلق ويراد به نفس المحارم، فيقال: لا تقربوا حدود الله، ودليل ذلك من كتاب الله تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (3) والمراد: النهي عن ارتكاب ما نهى الله عنه في الآية من محظورات الصيام والاعتكاف في المساجد.

(1) سورة البقرة الآية 229

(2)

سورة الطلاق الآية 1

(3)

سورة البقرة الآية 187

ص: 183

3 -

وقد يطلق الحد ويراد به العقوبات المقدرة الرادعة عن المحارم المغلظة، كما يقال حد الزنا وحد السرقة وحد القذف، ودليل ذلك حديث عائشة لما شفع أسامة بن زيد في المخزومية التي سرقت، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال:«أتشفع في حد من حدود الله (1)» وينظر في هذه الإطلاقات الثلاثة على الحدود جامع العلوم والحكم (2).

الجواب الثاني: أن هذا الحديث منسوخ: ذهب جماعة من الحنفية والشافعية إلى أن هذا الحديث منسوخ، ودليل النسخ عندهم هو إجماع الصحابة رضي الله عنهم على العمل بخلافه من غير نكير.

قال الحافظ ابن حجر (3): (ومنها أنه منسوخ دل على نسخه إجماع الصحابة، ورد بأنه قال به بعض التابعين وهو قول الليث بن سعد أحد فقهاء الأمصار).

وقال العلامة ابن دقيق العيد (4): (واختلف المخالفون لظاهر هذا الحديث في العذر عنه، فقال بعض مصنفي الشافعية: إنه منسوخ بعمل الصحابة بخلافه وهذا ضعيف جدا؛ لأنه يتعذر عليه إثبات

(1) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 5/ 381.

(2)

ص 247، 246

(3)

فتح الباري 12/ 178

(4)

إحكام الأحكام 4/ 379

ص: 184

إجماع الصحابة على العمل بخلافه وفعل بعضهم أو فتواه بخلافه لا يدل على النسخ).

وكذلك لو سلمنا أن الصحابة أجمعوا على ترك العمل به -أي حديث أبي بردة - فالصحيح أن الإجماع لا ينسخ السنة، لكن الإجماع إذا ثبت صار دليلا على نص ناسخ.

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى (1): (ومحال أن ينسخ الإجماع السنة ولكن لو ثبت الإجماع لكان دليلا على نص ناسخ).

وقال الحافظ ابن حجر متعقبا دعوى نسخه بالإجماع (2): (نعم لو ثبت الإجماع لدل على أن هناك ناسخا).

ويقول الصنعاني: (ولا دليل لهم إلا فعل بعض الصحابة ولا يخفى أن فعل بعض الصحابة ليس بدليل ولا يقاوم النص الصحيح ولعله لم يبلغ الحديث من فعل ذلك من الصحابة (3).

3 -

الجواب الثالث: إن الحديث موجه فيما جلد بالسياط، فإن كان بالدرة والعصا فتجوز الزيادة فيها لكن لا يجاوز أدنى الحدود، وهذا رأي الإصطخري من الشافعية.

(1) الطرق الحكمية ص 309

(2)

تلخيص الحبير 4/ 79

(3)

انظر سبل السلام 4/ 37

ص: 185

قال ابن حجر في الفتح (1): (وأجابوا عن الحديث بأجوبة منها ما تقدم ومنها قصره على الجلد، وأما الضرب بالعصا مثلا وباليد فتجوز الزيادة، لكن لا يجاوز أدنى الحدود، وهذا رأي الإصطخري من الشافعية، وكأنه لم يقف على الرواية الواردة بلفظ الضرب).

وقال الحافظ ابن حجر: (وتفريقه بين السياط والدرة مستفاد من تقييد الخبر بالأسواط وفيه نظر)(2) وقال الحافظ أيضا في الفتح (3): (وكأنه لم يقف على الرواية الواردة بلفظ الضرب).

وهذه الزيادة التي أشار إليها ابن حجر في البخاري من طريق عبد الرحمن بن جابر عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا عقوبة فوق عشر ضربات إلا في حد من حدود الله (4)» .

4 -

الجواب الرابع: أن الحديث مقصور على زمن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر.

قال العلامة ابن دقيق العيد (5): (وقال بعض المالكية: وتأول

(1) فتح الباري 12/ 178

(2)

تلخيص الحبير 4/ 79

(3)

فتح الباري 12/ 178

(4)

صحيح البخاري مع فتح الباري 12/ 176.

(5)

إحكام الأحكام 4/ 380.

ص: 186

أصحابنا الحديث على أنه مقصور على زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر. وهذا في غاية الضعف أيضا؛ لأنه ترك للعموم بغير دليل شرعي على الخصوص وما ذكره مناسبة ضعيفة لا تستقل بإثبات التخصيص).

5 -

الجواب الخامس: معارضة الحديث لما هو أقوى منه، وهو الإجماع على أن التعزير يخالف الحدود، وحديث الباب يقتضي تحديده بالعشر فما دونها فيصير مثل الحد، وقد تعقب هذا القول بأن الحد لا يزاد فيه ولا ينقص فاختلف، وبالإجماع على أن التعزير موكول إلى رأي الإمام فيما يرجع إلى التشديد والتخفيف لا من حيث العدد (1).

6 -

الجواب السادس: فرق ابن حجر بين مراتب المعاصي، فما ورد فيه تقدير لا يزاد عليه، وما لم يرد فيه تقدير، فإن كان كبيرة جاز الزيادة فيه وأطلق عليه اسم الحد وإن كان صغيرة فهو المقصود بمنع الزيادة، قال في الفتح (2): (ويحتمل أن يفرق بين مراتب المعاصي، فما ورد فيه تقدير: لا يزاد عليه -وهو المستثنى في الأصل- وما لم يرد فيه تقدير: فإن كان كبيرة جازت الزيادة فيه وأطلق عليه اسم الحد -كما في الآيات المشار إليها والتحق بالمستثنى- وإن كان

(1) انظر فتح الباري 12/ 178

(2)

فتح الباري 12/ 178

ص: 187