الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الجماعة رحمة والفرقة عذاب (1)» .
(1) رواه أحمد في المسند 4/ 278، وقال الهيثمي "رجاله ثقات" مجمع الزوائد 5/ 218، 8/ 182، وقال الألباني " هذا إسناد حسن رجاله ثقات " السلسلة الصحيحة 2/ 272 برقم 667.
المبحث التاسع: حرصهم على اتباع السنة وتطبيقها
لقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم المثل الأعلى في اتباع السنة والتمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حفلت كتب السنة بنقل ذلك بالأسانيد الصحيحة، فكانوا قدوة لمن بعدهم في اتباع السنة وسرعة الاستجابة، والانقياد التام لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما جاء في الحج ومن أمثلته:
المثال الأول: ما رواه مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء بذي الحليفة فصلى بها، وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك (1)» .
قوله: " بذي الحليفة " هذا من مواقيت الحج المكانية لأهل المدينة، ولمن أتى عليه ممن أراد الحج أو العمرة، ومعنى " أناخ "، أي برك بعيره، والمراد أنه نزل بها، وقوله:" فصلى بها "، يحتمل أن يكون للإحرام، ويحتمل أن يكون للفريضة، ولكن جاء بيان ذلك
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الحج - 3/ 391 برقم 1532.
في حديث أنس رضي الله عنه «أنه صلى الله عليه وسلم صلى العصر بذي الحليفة ركعتين (1)» ، وكان ابن عمر، وهو المعروف بحرصه على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، كما صنع القدوة المعلم عليه الصلاة والسلام.
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الحج - باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح3/ 407 برقم 1547.
المثال الثاني: ما رواه نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه كان إذا صلى الغداة بذي الحليفة، أمر براحلته فرحلت ثم ركب، فإذا استوت به استقبل القبلة قائما، ثم يلبي حتى يبلغ المحرم، ثم يمسك حتى إذا جاء ذا طوى، بات به حتى يصبح، فإذا صلى الغداة اغتسل، وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك» ، وفي رواية أخرى «كان ابن عمر إذا أراد الخروج إلى مكة، ادهن بدهن ليس له رائحة طيبة، ثم يأتي مسجد الحليفة فيصلي ثم يركب، وإذا استوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل (1)» .
اشتمل هذا الحديث على مسائل:
الأولى: بوب البخاري في صحيحه على هذا الحديث بقوله:
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الحج - باب الإهلال مستقبل القبلة 3/ 412 - 413 برقم 1553 - 1554 واللفظ له، ورواه مسلم في صحيحه - كتاب الحج - باب بيان أن الأفضل أن يحرم حين تنبعث به راحلته 8/ 96 - 97.
" باب الإهلال مستقبل القبلة "، قال الحافظ ابن حجر:" قوله: " استقبل القبلة قائما " أي مستويا على ناقته، أو وصفه بالقيام لقيام ناقته، وقد جاء في الرواية الثانية بلفظ " فإذا استوت به راحلته قائمة ".
المسألة الثانية: قوله: " ثم يلبي حتى يبلغ المحرم ثم يمسك، حتى إذا جاء ذا طوى بات به حتى يصبح "، ظاهره أنه كان يترك تكرار التلبية والمواظبة عليها ورفع الصوت بها، الذي يفعله في أول الإحرام، لا أنه كان يترك التلبية إذا جاء الحرم، أما قطع التلبية، فقد دلت الأحاديث الصحيحة، أن المعتمر يقطع التلبية إذا بدأ بالطواف، أما الحاج فيقطع التلبية عند رمي جمرة العقبة يوم العيد.
قال المهلب: " استقبال القبلة بالتلبية هو المناسب؛ لأنها إجابة لدعوة إبراهيم، ولأن المجيب لا يصلح له أن يولي المجاب ظهره، بل يستقبله "، قال الحافظ ابن حجر:" من لازم الموجه إلى مكة في ذلك الموضع أن يستقبل القبلة "(1)، أما ذو طوى، فيقال بضم الطاء وفتحها، واد معروف بقرب مكة، ويعرف ببئر الزاهر وهو مقصور منون وقد لا ينون (2)، وقد ذكر العلماء الخلاصة في اغتساله - صلى
(1) فتح الباري 3/ 414.
(2)
معجم البلدان 4/ 45، فتح الباري 3/ 413.
الله عليه وسلم - بذي طوى، أنه لطول السفر ومشقة الطريق. قال ابن التين:" لم يذكر أصحابنا الغسل لدخول مكة، وإنما ذكروه للطواف، والغسل لدخول مكة هو في الحقيقة للطواف "(1).
المسألة الثالثة: قوله: " وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك "، القائل هو نافع الراوي عن ابن عمر، والزعم هنا يطلق على القول الصحيح، وقد جاء في رواية:" ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك "(2)، وليس المراد بالزعم هنا الافتراء والكذب، وهنا جمع ابن عمر بين تطبيق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفعل، ثم بين أن ما صنعه هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الجمع بين الأمرين ما يدل على حرصه على التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم أولا، وثانيا إرشاد الناس وتعليمهم هذه السنة، ودعوتهم إلى العمل بها، كما صنع هو رضي الله عنه.
(1) فتح الباري 3/ 435.
(2)
رواه البخاري في صحيحه - كتاب الحج - باب الاغتسال عند دخول مكة3/ 435 برقم 1573.
المثال الثالث: ومن تطبيق الصحابة للسنة وفرحهم بذلك، ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي جمرة بن عمران الضبعي قال:
" تمتعت، فنهاني ناس، فسألت ابن عباس رضي الله عنه فأمرني، فرأيت في المنام كأن رجلا يقول لي: حج مبرور وعمرة متقبلة، فأخبرت ابن عباس، فقال: سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: أقم عندي فأجعل لك سهما من مالي "، قال شعبة - الراوي عن أبي جمرة - فقلت: لم؟ فقال: للرؤيا التي رأيت (1).
كان سؤال أبي جمرة لابن عباس زمن ولاية عبد الله بن الزبير، وكان ينهى عن المتعة كما رواه مسلم من حديث جابر (2)، فسأل ابن عباس، فأمره أن يستمر في عمرته ثم يحل منها، ثم يحرم بالحج، وهذا أحد أنساك الحج الثلاثة، قال الحافظ ابن حجر:" ويؤخذ منه إكرام من أخبر المرء بما يسره، وفرح العالم. بموافقته الحق، والاستئناس بالرؤيا الموافقة الدليل الشرعي، وعرض الرؤيا على العالم، والتكبير عند المسرة، والعمل بالأدلة الظاهرة، والتنبيه على اختلاف أهل العلم ليعمل بالراجح منه الموافق للدليل"(3)، ففي هذه القصة من إرشاد ابن عباس السائل إلى الأخذ بسنة النبي - صلى الله
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الحج - باب التمتع والقران والإفراد بالحج 3/ 422 برقم 1567.
(2)
رواه مسلم في صحيحه - كتاب الحج - باب جواز التمتع في الحج والقران 8/ 233.
(3)
فتح الباري 3/ 431.
عليه وسلم - ثم فرحه بهذه الرؤيا الصالحة، وإكرامه له بأن أعطاه جزءا من ماله، ما يدل دلالة واضحة على حرص الصحابة على الأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتقديمها والعمل بها.
المثال الرابع: من هذه الأمثلة والمواقف: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهور، أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله، ثم قال:«إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك (1)» ، هذا الخبر عن عمر، يدل على تمام الانقياد والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ظهرت الحكمة في فعل هذا الأمر أو تركه أم لم تظهر، قال الطبري:" إنما قال ذلك عمر؛ لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم الأحجار، كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يعلم الناس، أن استلامه اتباع لفعل النبي صلى الله عليه وسلم لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته، كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان "(2)، وقال الحافظ ابن حجر: " وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين وحسن
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الحج - باب ما ذكر في الحجر الأسود 3/ 462 برقم 1597، ورواه مسلم في صحيحه - كتاب الحج - باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف 9/ 17.
(2)
فتح الباري 3/ 462، 463.
الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله، ولو لم يعلم الحكمة فيه، وفيه دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصة ترجع إلى ذاته، وفيه بيان السنن بالقول والفعل، وأن الإمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد، أن يبادر إلى بيان الأمر ويوضح ذلك " (1).
(1) فتح الباري 3/ 463.
المثال الخامس: ومثل عمر في اتباعه السنة وحرصه على تطبيقها والعمل بها، ابنه عبد الله حيث روى البخاري أن رجلا سأل ابن عمر رضي الله عنهما، عن استلام الحجر، فقال:" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله، قال قلت: أرأيت إن زحمت؟ أرأيت إن غلبت؟ قال: اجعل أرأيت باليمن، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله "(1).
السائل هنا هو الراوي عن ابن عمر فيما رواه أبو داود الطيالسي وهو الزبير بن العربي (2)، وإنما قال له ذلك؛ لأنه فهم منه معارضة الحديث بالرأي، فأنكره عليه ذلك، وأمره إذا سمع الحديث
(1) رواه البخاري في صحيحه - كتاب الحج - باب تقبيل الحجر 3/ 475 برقم 1611.
(2)
ينظر: مسند أبي داود الطيالسي ص254 برقم 1864
أن يأخذ به ويتقي الرأي، والظاهر أن ابن عمر لم ير الزحام عذرا في ترك الاستلام، وقد روى سعيد بن منصور من طريق القاسم بن محمد قال:" رأيت ابن عمر يزاحم على الركن حتى يدمى "(1) هذا رأي ابن عمر رضي الله عنهما، لكن قد ثبت في الأحاديث الأخرى، أنه عليه الصلاة والسلام أمر بتقبيل الحجر الأسود، فإن لم يتيسر استلمه بيده أو عصاه، فإن لم يتيسر الاستلام أشار إليه وكبر، ولا يزاحم الناس ويضايقهم، وقد روى الفاكهي من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما كراهة المزاحمة، وقال:" لا يؤذي ولا يؤذى " قال الحافظ ابن حجر: " فائدة: المستحب في التقبيل ألا يرفع به صوته، وروى الفاكهي عن سعيد بن جبير قال: إذا قبلت الركن فالا ترفع بها صوتك كقبلة النساء "(2).
(1) ينظر: فتح الباري 3/ 476.
(2)
ينظر: فتح الباري 3/ 476.
المثال السادس: جاء في إحدى روايات حديث عمر السابق في آخره أنه قال: «ما لنا وللرمل؟ إنما كنا راءينا به المشركين، وقد أهلكهم الله، ثم قال: شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه (1)» ، (2) الرمل بفتح الراء والميم الإسراع، قال ابن دريد: (هو شبيه
(1) صحيح البخاري الحج (1605).
(2)
رواه البخاري في صحيحه - كتاب الحج - باب الحج والعمرة 3/ 471 برقم 1605.
بالهرولة، وأصله أن يحرك الماشي منكبيه في مشيه، وهو سنة في الثلاثة الأشواط الأولى)، وجاء في رواية أبي داود «فيم الرملان بالكشف عن المناكب وقد أطأ الله الإسلام ونفى الكفر وأهله، ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)» ، والمراد به الاضطباع، وهو أن يدخل رداءه تحت إبطه الأيمن تم يرد طرفيه على منكبه الأيسر، فيبدي منكبه الأيمن ويستر الأيسر، وهو مستحب عند الجمهور، وفي سؤال عمر هذا ثم قوله:(شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نحب أن نتركه)، دليل على صدق المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته واقتفاء أثره، وقول عمر هنا (مالنا وللرمل؟ إنما كنا راءينا به المشركين)، معناه: أي أريناهم بذلك أنا أقوياء، قال الحافظ ابن حجر (ومحصله: أن عمر كان هم بترك الرمل في الطواف؛ لأنه عرف سببه وقد انقضى، فهم أن يتركه لفقد سببه، ثم رجع عن ذلك لاحتمال أن تكون له حكمة ما اطلع عليها، فرأى أن الاتباع أولى من طريق المعنى، وأيضا كأن فاعل ذلك إذا فعله تذكر السبب الباعث على ذلك، فيتذكر نعمة
(1) رواه أبو داود في سننه- كتاب المناسك- باب في الرمل 2/ 178، 179 برقم 1887.
الله على إعزاز الإسلام وأهله) (1)، وفي هذه القصة مسألتان:
إحداهما: أنه استشكل قول عمر (راءينا) مع أن الرياء بالعمل مذموم، والجواب أن صورته وإن كانت صورة رياء، لكنها ليست مذمومة؛ لأن المذموم أن يظهر العمل ليقال إنه عامل، ولا يعمله بغيبة إذا لم يره أحد، وأما الذي وقع في هذه القصة، فإنما هو من قبيل المخادعة في الحرب، لأنهم أوهموا المشركين أنهم أقوياء لئلا يطمعوا فيهم، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«الحرب خدعة (2)»
الثانية: لا يشرع تدارك الرمل، فلو تركه في الثلاثة الأشواط الأولى لم يقضه في الأربع الباقية، لأن هيئتها السكينة فلا تغير، والرمل خاص بالرجال، فلا رمل على النساء خشية تكشفهن، قال النووي:(واتفق العلماء على أن الرمل لا يشرع للنساء، كما لا يشرع لهن شدة السعي بين الصفا والمروة)(3)، وقال الطبري: (قد
(1) فتح الباري 3/ 472.
(2)
جزء من حديث رواه البخاري في صحيحه -كتاب الجهاد والسير- باب الحرب خدعة 6/ 158 برقم 3029 - 3030، ومسلم في صحيحه -كتاب الجهاد- باب جواز الخداع في الحرب 12/ 45 من حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم 9/ 7.
ثبت أن الشارع رمل ولا مشرك يومئذ بمكة -يعني في حجة الوداع- فعلم أنه من مناسك الحج، إلا أن تاركه ليس تاركا لعمل، بل لهيئة مخصوصة، فكان كرفع الصوت بالتلبية، فمن لبى خافضا صوته لم يكن تاركا للتلبية، بل لصفتها ولا شيء عليه) (1).
(1) ينظر: فتح الباري 3/ 472.
المثال السابع: ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت هو وأسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة، فأغلقوا عليهم، فلما فتحوا كنت أول من ولج، فلقيت بلالا فسألته: هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، بين العمودين اليمانيين (1)» ، وفي رواية أخرى «أنه كان إذا دخل الكعبة، مشى قبل الوجه حين يدخل، ويجعل الباب قبل الظهر، يمشي حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قبل وجهه قريبا من ثلاث أذرع فيصلي، يتوخى المكان الذي أخبره بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيه، وليس على أحد بأس أن يصلي في أي نواحي البيت شاء (2)» هكذا كان ابن عمر
(1) رواه البخاري في صحيحه -كتاب الحج- باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء 3/ 463 برقم 1598، ورواه مسلم في صحيحه -كتاب الحج- باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره 9/ 86.
(2)
رواه البخاري في صحيحه -كتاب الحج- باب الصلاة في الكعبة 3/ 467 برقم 1599.
رضي الله عنهما حريصا على تتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك صلاته عليه الصلاة والسلام في الكعبة، فسأل ابن عمر عن موضعه الذي صلى فيه، لأنه لم يكن قد دخل معه، ثم صلى فيه. قال الحافظ ابن حجر:(وفيه السؤال عن العلم والحرص فيه، وفضيلة ابن عمر لشدة حرصه على تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ليعمل بها)(1).
(1) فتح الباري 3/ 466.
المثال الثامن: من أمثلة حرص الصحابة والتابعين على تتبع السنة والعمل بها، والبحث عن الأفضل، ما جاء في صلاة الركعتين اللتين بعد الطواف، فهما سنة تصليان خلف المقام إن تيسر، فإن لم يتيسر لزحام أو غيره صلاهما في أي موضع، قال البخاري:(قال نافع: كان ابن عمر رضي الله عنهما يصلي لكل سبوع ركعتين، وقال إسماعيل بن أمية: قلت للزهري إن عطاء يقول: تجزئه المكتوبة من ركعتي الطواف، فقال: السنة أفضل، لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم سبوعا قط إلا صلى ركعتين، ثم روى البخاري بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت سبعا، ثم صلى خلف المقام ركعتين، وسعى بين الصفا والمروة، وقال: (2)».
(1) صحيح البخاري الحج (1624)، صحيح مسلم الحج (1234)، سنن النسائي مناسك الحج (2960)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 309).
(2)
سورة الأحزاب الآية 21 (1){لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}
ومما يدل على تمسكهما بالسنة واتباع النبي صلى الله عليه وسلم وحسن الأدب وكريم التعامل مع المخالف، ما رواه مسلم عن وبرة بن عبد الرحمن السلمي قال:«كنت جالسا عند ابن عمر، فجاء رجل فقال: أيصلح لي أن أطوف بالبيت قبل أن آتي الموقف؟ فقال: نعم، فقال: فإن ابن عباس يقول: لا تطف بالبيت حتى تأتي الموقف، فقال ابن عمر: فقد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت قبل أن يأتي الموقف، فبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تأخذ، أو بقول ابن عباس إن كنت صادقا (1)» .
وفي رواية قال: (سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما، أطوف بالبيت وقد أحرمت بالحج؟ فقال: وما يمنعك؟ قال: إني رأيت ابن فلان يكرهه، وأنت أحب إلينا منه، رأيناه قد فتنته الدنيا، فقال: وأينا وأيكم لم تفتنه الدنيا، ثم قال: رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، فسنة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع من سنة فلان إن كنت صادقا)(2) قال النووي: (هذا الذي قاله ابن عمر هو إثبات
(1) صحيح مسلم الحج (1233)، سنن النسائي مناسك الحج (2929).
(2)
صحيح مسلم -كتاب الحج- باب استحباب طواف القدوم للحاج والسعي بعده 8/ 217 - 218.