الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رحمه الله: (الشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور -سبحانه- وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره)(1).
(1) ينظر: مدارج السالكين 2/ 244.
المبحث السابع: عنايتهم بمعرفة السنة وتأدبهم في تعلمها
لقد أكرم الله هذه الأمة حين أرسل إليها أفضل رسله محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة والسلام، أخرجهم به من ظلمات الكفر والجهل، إلى نور الإيمان والعلم، واختار لصحبته صحابته الأخيار، رضي الله عنهم وأرضاهم، الذين تمسكوا بهذا الدين، وعضوا عليه بالنواجذ، واعتصموا بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل هذا الدين ونشره بين العالمين، دون كلل ولا ملل، ولا خور ولا ضعف، مستنين بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، مقتفين أثره، سائرين على منهجه في صغير الأمور وكبيرها، وصدق ربنا تعالى القائل:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} (1)
كيف لا يكون هذا الجيل كذلك، والله عز وجل قد اختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، أفضل البشر وخير من وطئت
(1) سورة الأحزاب الآية 23
قدمه الأرض، روى أبو داود والطيالسي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال:(إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد، فاختار محمدا صلى الله عليه وسلم، فبعثه برسالته وانتخبه بعلمه، ثم نظر في قلوب الناس بعده، فاختار له أصحابه، فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه.)(1)، وفي فضلهم يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه (2)» رواه البخاري ومسلم، وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: من كان متأسيا، فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوا آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.
وقد حج النبي صلى الله عليه وسلم في عمره مرة واحدة، وحج معه أصحابه الذين نقلوا لنا صفة حجه عليه الصلاة والسلام،
(1) رواه أبو داود الطيالسي في مسنده 1/ 33، وأحمد في مسنده 1/ 379.
(2)
رواه البخاري في صحيحه -كتاب فضائل الصحابة- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ((لو كنت متخذا خليلا)) 7/ 21 برقم 3673، ومسلم في صحيحه -كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم باب تحريم سب الصحابة 16/ 93 كلاهما عن أبي سعيد الخدري، واللفظ للبخاري.
وعلموها الناس، وثبتوا على سنته بعد مماته، يحرصون على معرفة السنة ويحذرون من الخلاف والجدل العقيم، يعلمون الجاهل ويذكرون الغافل، إذا جهل أحدهم أمرا سأل عنه، وإذا سئل أحدهم عن شيء يعلمه، أفتى بما يعلم، فإن لم يكن عنده في هذه المسألة علم، أحال السائل إلى غيره، مع أمرهم الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر بحكمة وأسلوب حسن، فكان لهم في ذلك مواقف محمودة، وأحوال مرضية، ومن تلك:
المثال الأول: ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن حنين «أن عبد الله بن عباس والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما اختلفا بالأبواء -وهو مكان بين مكة والمدينة - فقال عبد الله بن عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور لا يغسل المحرم رأسه، فأرسلني -القائل هو عبد الله بن حنين - ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أسأله عن ذلك، فوجدته يغتسل بين القرنين، وهو يستتر بثوب، قال فسلمت عليه فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله بن حنين، أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم، فوضع أبو أيوب رضي الله عنه يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه، ثم قال لإنسان يصب اصبب، فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه، فأقبل بهما
وأدبر، ثم قال: هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل (1)». وفي رواية أخرى قال: (فأمر أبو أيوب بيديه على رأسه جميعا على جميع رأسه، فأقبل بهما وأدبر، فقال المسور لابن عباس: لا أماريك أبدا)(2).
اشتمل هذا الموقف على بعض الدروس والفوائد أهمها:
1 -
أنه يجوز للمحرم أن يغسل رأسه وجسده، فإن كان من جنابة وجب عليه ذلك، أما غسله تبردا فجائز بلا كراهة، ويجوز له إمرار يده على شعره، لكن لا يتعمد نتف شعر رأسه، «فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى، حتى يصبح ويغتسل، ويذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (3)» متفق عليه.
2 -
حسن أدب الصحابة وقطعهم دابر الخلاف، وحسم مادته بسؤال أهل العلم، فإن ابن عباس والمسور بن مخرمة رضي الله عنهما، لم يطل خلافهما في هذه المسألة ولم تظهر له آثار سيئة، بل وكلا العلم إلى عالمه، وأرسلا من يسأل لهما في هذه المسألة، وهكذا
(1) صحيح البخاري الحج (1840)، صحيح مسلم الحج (1205)، سنن النسائي مناسك الحج (2665)، سنن أبو داود المناسك (1840)، سنن ابن ماجه المناسك (2934)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 421)، موطأ مالك الحج (712)، سنن الدارمي المناسك (1793).
(2)
رواه مسلم في صحيحه -كتاب الحج- باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه 8/ 125.
(3)
رواه البخاري في صحيحه -كتاب الحج- باب الاغتسال عند دخول مكة 3/ 435 برقم 1573، ورواه مسلم في صحيحه -كتاب الحج- باب استحباب المبيت بذي طوى عند إرادة دخول مكة 9/ 5.
ينبغي للمسلم عموما أن يسأل عما يشكل عليه في دينه، وهو مطالب بهذا، فإن شرطي قبول العمل الإخلاص والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما روته عائشة رضي الله عنها:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد (1)» ، أي مردود عليه، وقد أمر الله بسؤال أهل العلم في قوله:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون} (2) وقال الشاعر:
شفاء العمى طول السؤال وإنما
…
دوام العمى طول السكوت على الجهل
كما أنه ينبغي للمسلم أن لا يستحي من السؤال، ولا يستكبر عن طلب الحق والعمل به، فمع عظيم منزلة هذين الصحابيين إلا أنهما أرسلا من يسأل لهما في هذه المسألة.
3 -
ينبغي لمن استبان له الحق أن يعمل به، فلا اجتهاد ولا قياس مع وجود النص، وهكذا كان عمل الصحابة رضي الله عنهم، ومن ذلك هذا الموقف، فإن المسور بن مخرمة قبل سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ووافق ابن عباس، بل عاهد نفسه ألا يناقش ابن عباس أو يستوقفه في مسألة، إقرارا منه له بوفور العلم وجلالة القدر، ولم يستكبر عن الرجوع إلى الحق وترك ما هو عليه، بل استجابة تامة وطواعية كاملة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) رواه مسلم في صحيحه -كتاب الأقضية- باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور 12/ 16.
(2)
سورة الأنبياء الآية 7
4 -
مع أن الحق كان مع ابن عباس في هذه المسألة، فإن المسور بن مخرمة لم يكن في صدره شيء على ابن عباس، ولم ينقل إلينا وجود شحناء أو كراهية أو حقد بينهما للخلاف في هذه المسألة، بل محبة وتراحم وترابط، وهكذا ينبغي للمسلم إذا خولف في رأي وكان الحق في غير قوله، أن يقبل الحق ولا يوغر صدره حقدا ولا حسدا على أخيه، أو تتعدى الأمور إلى أعظم من هذا انتصارا لنفسه، ولو على حساب الحق.
5 -
من فوائد هذه القصة، جواز السلام على المتطهر في وضوء أو غسل، وجواز الاستعانة بمن يعين المتوضئ أو المغتسل، وقبول خبر الواحد، وأن ذلك كان مشهورا عند الصحابة رضي الله عنهم (1).
(1) ينظر: شرح النووي 8/ 126.
المثال الثاني: من مجالس الصحابة رضي الله عنهم العامرة بذكر الله عز وجل، والمذاكرة في العلم، والمناقشة في مسائله، والسؤال عما يشكل، معرفة للسنة وحرصا على تطبيقها، ما رواه عروة بن الزبير قال: «كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة، وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن، قال فقلت: يا أبا عبد الرحمن، أعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب؟ قال: نعم، فقلت لعائشة: أي أمتاه، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟
قالت: وما يقول؟ قلت: يقول اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب؟ فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، لعمري ما اعتمر في رجب، وما اعتمر من عمرة إلا وإنه لمعه، قال: وابن عمر يسمع، فما قال لا، ولا نعم، سكت (1)».
في هذه القصة وقفات:
الوقفة الأولى: حرص الصحابة والتابعين على طلب العلم وسؤال العلماء عما يشكل، وهذا هو الواجب على المسلم، أن يسأل أهل العلم عن دينه، قال الله تبارك وتعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون} (2) وفي قصة الرجل الذي أصابته جنابة في برد شديد وهو مثخن بالجراح، فأفتاه من معه بالغسل، مع أن له التيمم والحالة هذه، فمات فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«قتلوه قتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال (3)» ، وروى الإمام البخاري في
(1) رواه البخاري في صحيحه -كتاب العمرة- باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم 3/ 599 برقم 1775، 1776، ورواه مسلم في صحيحه -كتاب الحج- باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن 8/ 236، 237 واللفظ له.
(2)
سورة الأنبياء الآية 7
(3)
رواه عدد من الأئمة منهم الإمام أحمد في مسنده 1/ 330، وأبو داود في سننه -كتاب الطهارة- باب في المجروح يتيمم 1/ 93 برقم 336، 337، وابن ماجه في سننه -أبواب التيمم- باب في المجروح تصيبه جنابة فيخاف على نفسه إن اغتسل 1/ 93 برقم 464، وصححه الألباني، كلهم من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
صحيحه عن الإمام المفسر مجاهد بن جبر أنه قال: لا يطلب العلم مستح ولا مستكبر، وتقول عائشة: نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين (1)، كل هذا أخذا من سؤال عروة بن الزبير بن العوام رحمه الله وهو التابعي المشهور، أحد المكثرين من رواية الحديث، وبخاصة عن خالته أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، حيث سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ثم سأل عائشة عن عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم.
الوقفة الثانية: في قول عروة بن الزبير لعبد الله بن عمر: يا أبا عبد الرحمن، وقوله لعائشة أي أمتاه، أدب جم، وحسن مخاطبة، وطيب كلام مع من يسأله، فإن من الأدب مناداة الشخص بكنيته لا باسمه، أو بما يحبه ويليق به، وهذا من آداب طالب العلم، وقد أكد على أدب الطلب كثير ممن كتب في هذا الموضوع، حيث ذكروا أن تحلي طالب العلم بالأدب وحسن الخلق، أكبر معين -بعد الله عز وجل على استفادته من شيخه، ثم العمل بهذا العلم.
الوقفة الثالثة: في قول عائشة رضي الله عنها: (يغفر الله لأبي عبد الرحمن، لعمري ما اعتمر في رجب)، حسن خطابها مع
(1) ذكرهما البخاري في صحيحه -كتاب العلم- باب الحياء في العلم 1/ 228.
من خالفها، وإن كان هو المخطئ وهي المصيبة، ومع ذلك لم تعنفه ولم تتهمه بالقصور، أو الجهل أو نحو ذلك، بل دعت له بالمغفرة لما وقع فيه من خطأ واضح، ثم بينت الصواب، وكون ابن عمر ما قال: لا أو نعم، بل سكت، قال العلماء: هذا يدق على أنه اشتبه عليه، أو نسي، أو شك، ولهذا سكت رضي الله عنه لما بينت عائشة الصواب في ذلك، ولم يراجعها بالكلام، لأن في ذلك جدلا عقيما، وشقاقا ومنازعة لا فائدة منها (1)، وهكذا يجب على المسلم أن يقبل الحق ويترك ما كان عليه من خطأ، فالحكمة ضالة المؤمن، متى وجدها فهو أحق بها، ولا يجادل بالباطل، أو يماري بغير حق.
الوقفة الرابعة: ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عمر كلهن في ذي القعدة، إلا التي مع حجته، عمرة من الحديبية أو زمن الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من جعرانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجته (2)» ، فقد
(1) ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم 8/ 235، فتح الباري 3/ 602.
(2)
رواه البخاري في صحيحه -كتاب العمرة- باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم 3/ 600 برقم 1778 - 1780، ورواه مسلم في صحيحه -كتاب الحج- باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن 8/ 234 - 235 واللفظ له.
اعتمر صلى الله عليه وسلم أربع مرات:
الأولى: في ذي القعدة عام الحديبية سنة ست من الهجرة، فصدتهم قريش عنها، فتحللوا وحسبت لهم عمرة.
الثانية: في ذي القعدة سنة سبع، وهي عمرة القضاء.
الثالثة: في ذي القعدة سنة ثمان، وهي عام الفتح، حين قسم غنائم حنين.
الرابعة: وكانت مع حجته، وقد أحرم بها في ذي القعدة وأداها في ذي الحجة، ولم يعتمر عليه الصلاة والسلام عمرة قط في رجب.
الوقفة الخامسة: قال العلماء: إنما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم هذه العمر في ذي القعدة لمخالفة أهل الجاهلية في ذلك، فإنهم كانوا يرون العمرة في ذي القعدة من أفجر الفجور، بهتانا وزورا، ففعله صلى الله عليه وسلم أربع مرات ليكون أبلغ في بيان جوازه، وأبلغ في إبطال ما كانت الجاهلية عليه من عادات وموروثات ما أنزل الله بها من سلطان (1).
وبعد، فهذه صورة حية من مجالس الصحابة التي كانت عامرة بالعلم والحرص على اتباع السنة، واقتفاء الأثر، والالتزام بالدليل مع حسن الأدب، وكريم العشرة، ونبل الخصال، وكريم الأخلاق، لا
(1) ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم 8/ 235، 236.
تعرف الخصومات والمنازعات إلى مجالسهم طريقا، وليس للجدل العقيم والنفرة عن قبول الحق والتنكب عنه إلى اجتماعاتهم سبيلا وهكذا كان السلف من بعدهم، كان الحسن البصري رحمه الله إذا سمع قوما يتجادلون يقول:(هؤلاء ملوا العبادة، وخف عليهم القول، وقل ورعهم فتكلموا)، وهم بذلك يقتدون بأفضل الخلق ومعلم البشرية صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح قال: اذبح ولا حرج، فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال: ارم ولا حرج، فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج (1)» ، كرره البخاري ومواضع، ففي كتاب العلم بوب عليه قائلا:(باب الفتيا وهو واقف على الدابة وغيرها)(2)، وقال:(باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار)(3)، وفي كتاب الحج قال:(باب الفتيا على الدابة عند الجمرة)(4)، وغير ذلك، وهكذا ينبغي للحاج أن يعلم الناس
(1) صحيح البخاري الحج (1736)، صحيح مسلم الحج (1306)، سنن الترمذي الحج (916)، سنن أبو داود المناسك (2014)، سنن ابن ماجه المناسك (3051)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 217)، موطأ مالك الحج (959)، سنن الدارمي المناسك (1907).
(2)
صحيح البخاري مع فتح الباري 1/ 180.
(3)
صحيح البخاري مع فتح الباري 1/ 222.
(4)
صحيح البخاري مع الباري 3/ 569.
مناسك الحج، ويرشدهم إلى السنة، ويحثهم على التمسك بها، وينبههم إلى ما يقع منهم من أخطاء ومخالفات لحج النبي صلى الله عليه وسلم، يحث الحجاج على استغلال تلك الأوقات الشريفة، والأزمان الفاضلة، والبقاع الطاهرة، والمشاعر المقدسة بالذكر والتلبية، والصدقة والإحسان، وبذل المعروف، وإسداء الخير بجميع أنواعه، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق، والصبر على ذلك، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
المثال الثالث: من صور تعليم الصحابة غيرهم ميراث النبوة، وحجة النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان كلام الله عز وجل، إزالة لما يرد من إشكال، وفهما صحيحا للآية، ما رواه البخاري ومسلم عن عروة بن الزبير قال: «سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: فو الله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة، قالت: بئس ما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه، كان لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل، فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله
(1) رواه البخاري في صحيحه -كتاب الحج- باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله 3/ 497 برقم 1643 واللفظ له، ورواه مسلم في صحيحه -كتاب الحج- باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به 9/ 22.