المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ترك القيام بحقوق الله ونسيان الآخرة وعدم الاستعداد لها - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ الجهل

- ‌ البغي:

- ‌ عدم التوفيق بين النصوص من الكتاب والسنة

- ‌ إساءة الظن بالعلماء من جهة وبالولاة والأمراء من جهة أخرى:

- ‌ الغلو في الدين:

- ‌ الذنوب والمعاصي:

- ‌ ترك القيام بحقوق الله ونسيان الآخرة وعدم الاستعداد لها

- ‌من عمله إعطاء فسوحورخص بالتعامل بالدخان

- ‌إمامة من لا يستطيع السجود على رجله

- ‌ إمامة من ينطق بالضاد ظاء

- ‌ صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح،والمغرب خلف من يصلي العشاء

- ‌صلاة الفذ خلف الصف

- ‌الصلاة في السرحة المنفصلة عن المسجد

- ‌إذا سمعوا صوت الإمام بدون مكبروبينهم وبينه حائل

- ‌المصاب بالسلس هل يعذر بترك الجماعة

- ‌جنود المرور هل تلزمهم الجماعة

- ‌كيفية صلاة المريض

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌الدعاء للميت بالتثبيتيكون بعد الفراغ من الدفن

- ‌التلقين بعد الدفن بدعة

- ‌شبهة في التلقين بعدالدفن والجواب عليها

- ‌حكم الصدقة عن الميت ساعة الدفن

- ‌الأفضل رفع القبر عن الأرض شبرا ونحوه

- ‌حكم الوعظ عند القبر

- ‌لا حرج في جلبالماء البارد للشرب عند القبر

- ‌يقدم الأفضل إلى القبلة

- ‌حكم دفن المرأة والرجل في قبر واحد

- ‌حكم تخصيص بعضأجزاء المقبرة للنساء

- ‌ الدفن ليلا

- ‌الأوقات التي ينهى عن الدفن فيها

- ‌لا يختلف الدفن في مكة عن غيرها

- ‌السنة أن يدفن الميتفي البلد الإسلامي الذي مات فيه

- ‌الكافر لا يدفنفي الجزيرة العربية بل ينقل إلى غيرها

- ‌حكم تنفيذ وصية الميتبدفنه في بلد غير الذي مات فيه

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ بيع الخواتم التي يستعملها الناس للخطوبة

- ‌ حكم الشرع في مهنة صياغة الذهب

- ‌ هل هناك سور معينة يستحب قراءتها في صلاة الوتر وصلاة الضحى

- ‌ حقيقة الإحرام

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمةللبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ من رتب وقته بحيث يستيقظ من نومه غالبا بعد الشروق

- ‌ قضاء الصوم والصلاة

- ‌ هل يعاقب المجنون على الأعمال التي قام بها قبل حدوث الجنون

- ‌ حكم الشريعة الإسلامية في الذي يتناول الخمر ليلا وفي الصباح يقيم الصلاة

- ‌ مرضت عدة أيام ولم أصل في هذه المدة كيف أقضيها

- ‌منقصات التوحيد

- ‌المبحث الثاني: أنواع الشرك الأصغر:

- ‌ النوع الأول: الشرك الأصغر في العبادات القلبية:

- ‌النوع الثالث: الشرك الأصغر في العبادات القولية:

- ‌المثال الأول: الحلف بغير الله:

- ‌الفصل الثاني: الكفر الأصغر:

- ‌الفصل الثالث: النفاق الأصغر:

- ‌المبحث الأول: تعريفه وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: خصاله وأمثلته:

- ‌القول الأول:لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط

- ‌القول الثالث: أن لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود

- ‌القول الرابع: أن لا يبلغ في التعزير على معصية حدا مشروعا في جنسها، ويجوز أن يزيد على حد غير جنسها

- ‌القول الثاني:إن للتعزير حدا أعلى في مدة الحبس لا يحوز تجاوزها

- ‌بدائل السجن

- ‌أولا: الآثار السيئة لعقوبة السجن:

- ‌ثانيا: مراعاة مقاصد الشريعة من العقوبات:

- ‌نماذج من بدائل السجن:

- ‌ثانيا: العقوبة المقيدة للحرية:

- ‌ثالثا: العقوبة المعنوية:

- ‌مشروعية الأضحية

- ‌ حرص الصحابة رضي الله عنهم على جمع الدرهم والدينار لشراء أغلى الأضاحي وأطيبها

- ‌ الإجماع على مشروعية الأضحية:

- ‌كلام نفيس لشيخ الإسلام حول الأضحية ومشروعيتها

- ‌المبحث الأول: فرضية الحج والترغيب فيه وبيان حكمه وأسراره

- ‌المبحث الثاني: قدسية البيت الحرام ومكانته:

- ‌المبحث الثالث: حث السلف على أداء الحج مع العناية بتصحيح النية وطيب النفقة:

- ‌المبحث الرابع: أقوالهم في الحج المبرور وتطبيقهم ذلك

- ‌المبحث الخامس: فضل يوم عرفة وأحوالهم فيه

- ‌المبحث السادس: فضل يوم العيد وأيام التشريق وأقوالهم في ذلك

- ‌المبحث السابع: عنايتهم بمعرفة السنة وتأدبهم في تعلمها

- ‌المبحث الثامن: تمسكهم بالسنة وتحذيرهم من الخلاف

- ‌المبحث التاسع: حرصهم على اتباع السنة وتطبيقها

- ‌المبحث العاشر: الاهتمام بالسنة وثمار اتباعها

- ‌المبحث الحادي عشر: المداومة على العمل الصالح بعد الحج

- ‌بيان من هيئة كبار العلماءحول أحداث الرياض

- ‌بيان من هيئة كبار العلماءحول ما جرى مؤخرا فيالمملكة العربية السعودية من تفجيرات

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ ترك القيام بحقوق الله ونسيان الآخرة وعدم الاستعداد لها

وثاني الأسباب العامة:‌

‌ ترك القيام بحقوق الله ونسيان الآخرة وعدم الاستعداد لها

بالعمل الصالح: يقول الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} (1)

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج (2)» . وقرأ هذه الآية. أخرجه الإمام أحمد.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: في ضمن حديث له: «فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم (3)» . متفق عليه.

(1) سورة الأنعام الآية 44

(2)

مسند أحمد بن حنبل (4/ 145).

(3)

صحيح البخاري المغازي (4015)، صحيح مسلم الزهد والرقائق (2961)، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2462)، سنن ابن ماجه الفتن (3997)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 137).

ص: 32

وثالث الأسباب العامة: الركون إلى الدنيا والرضا بها

ص: 32

والدعة وكثرة الترفه وظهور الفسق:

والمراد بالترف: الترف الزائد عن الحد، الصارف عن القيام بحقوق الله، الحامل على ظهور الفسق والجهر به.

وقد أخرج أبو داود في سننه عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير من الإرفاه (1)» .

يقول الله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (2) ومعنى أمرنا مترفيها أي أكثرنا فساقها، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن حبان في صحيحه وغيره من الأئمة: «إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم سلط بعضهم على بعض» والمطيطاء: مشية فيها اختيال.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم (3)» . أخرجه أبو داود.

(1) سنن النسائي الزينة (5058)، سنن أبو داود الترجل (4160)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 22).

(2)

سورة الإسراء الآية 16

(3)

سنن أبو داود البيوع (3462)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 84).

ص: 33

والمقصود أن الانغماس في النعيم والترفه الزائد عن الحد الصارف عن القيام بحقوق الله عز وجل سبب للذل والهلاك، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا أهل دنيا وإنما هم من عرف هذه الدنيا وأنها إنما تكون مزرعة للآخرة وليست دار خلود وبقاء، يقول ابن مسعود رضي الله عنه:«اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر الحصير بجلده فجعلت أمسحه عنه وأقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ألا آذنتنا فنبسط لك شيئا يقيك منه تنام عليه، فقال: مالي وللدنيا، فإنما أنا والدنيا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها (1)» . أخرجه أبو داود الطيالسي بسند صحيح. والترمذي وقال حديث حسن صحيح.

فالدنيا دار ممر وعبور لا دار قرار وخلود وهي دار الامتحان والابتلاء ودار الآخرة هي دار الجزاء.

هذه جملة من الأسباب العامة لحصول العقوبات والمصائب وإنما نذكرها هنا للتحذير منها، فمن وقع فيها ليقلع عنها ومن لم يقع فيها ليحذرها فلا يقربها.

(1) سنن الترمذي الزهد (2377)، سنن ابن ماجه الزهد (4109).

ص: 34

هذا وإن العدل في الأقوال والأعمال والاعتدال في جميع الأحوال سبب لدفع النقم ورفعها وحصول النعم واستجلابها وهو مما أمر الله به وحث عليه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (1)

(1) سورة النحل الآية 90

ص: 34

والله سبحانه قد من على أمة الإسلام بأن جعلها أمة وسطا أي عدولا خيارا، يقول الله سبحانه:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (1)

فأمة الإسلام وسط بين الأمم، وسط بين من غلا في الدين وتشدد فيه فشدد الله عليهم، وبين من تساهل وجفا فضلوا عن سواء الصراط، وأهل السنة والجماعة وسط بين أهل النحل، كما أن أهل الإسلام وسط بين أهل الملل.

والوسطية هي: اتباع دين الله والقيام به عقيدة وشريعة، فمن قام بهذا فهو المتبع لكتاب الله، ومن اتبع كتاب الله حقا كان على الطريق الأقوم:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (2)

والوسطية هي دين الله الحق الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أمرنا بسؤال الله الهداية إليها، أصل ذلك قوله تعالى في سورة الفاتحة:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (3){صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (4)

(1) سورة البقرة الآية 143

(2)

سورة الإسراء الآية 9

(3)

سورة الفاتحة الآية 6

(4)

سورة الفاتحة الآية 7

ص: 35

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فأمر سبحانه في " أم الكتاب " التي لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، والتي أعطيها نبينا صلى الله عليه وسلم من كنز تحت العرش، التي لا تجزئ صلاة إلا بها: أن نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم: كاليهود، ولا الضالين كالنصارى.

وهذا (الصراط المستقيم) هو دين الإسلام المحض، وهو ما في كتاب الله تعالى، وهو " السنة والجماعة " فإن السنة المحضة هي دين الإسلام المحض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم روي عنه من وجوه متعددة رواها أهل السنن والمسانيد كالإمام أحمد وأبي داود والترمذي وغيرهم أنه قال:«ستفترق هذه الأمة على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة (1)» وفي رواية: «من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي (2)» .

وهذه الفرقة الناجية (أهل السنة) وهم وسط في النحل، كما أن ملة الإسلام وسط في الملل) (3).

فأهل السنة والجماعة وسط في جميع أبواب السنة والعقيدة؛ لأنهم متمسكون بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه

(1) سنن ابن ماجه الفتن (3993)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 145).

(2)

سنن الترمذي الإيمان (2641).

(3)

مجموع فتاوى ابن تيمية [3/ 369، 370].

ص: 36

وسلم، وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وهكذا (أهل السنة والجماعة) في الفرق. فهم في (باب أسماء الله وآياته وصفاته)، وسط بين (أهل التعطيل) الذين يلحدون في أسماء الله وآياته، ويعطلون حقائق ما نعت الله به نفسه؛ حتى يشبهوه بالعدم والموات، وبين (أهل التمثيل) الذين يضربون له الأمثال ويشبهونه بالمخلوقات.

فيؤمن أهل السنة والجماعة بما وصف الله به نفسه وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف وتمثيل.

وهم في (باب خلقه وأمره) وسط بين المكذبين بقدرة الله، الذين لا يؤمنون بقدرته الكاملة ومشيئته الشاملة وخلقه لكل شيء، وبين المفسدين لدين الله الذين يجعلون العبد ليس له مشيئة ولا قدرة ولا عمل، فيعطلون الأمر والنهي والثواب والعقاب، فيصيرون بمنزلة المشركين الذين قالوا:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} (1)

(1) سورة الأنعام الآية 148

ص: 37

فيؤمن أهل السنة بأن الله على كل شيء قدير، فيقدر أن يهدي العباد ويقلب قلوبهم، وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يكون في ملكه ما لا يريد ولا يعجز عن إنفاذ مراده، وأنه خالق كل شيء من الأعيان والصفات والحركات.

ويؤمنون أن العبد له قدرة ومشيئة وعمل، وأنه مختار، ولا يسمونه مجبورا؛ إذ المجبور من أكره على خلاف اختياره، والله سبحانه جعل العبد مختارا لما يفعله فهو مختار مريد، والله خالقه وخالق اختياره، وهذا ليس له نظير، فإن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.

وهم في (باب الأسماء والأحكام والوعد والوعيد) وسط بين الوعيدية، الذين يجعلون أهل الكبائر من المسلمين مخلدين في النار، ويخرجونهم من الإيمان بالكلية، ويكذبون بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم. وبين المرجئة الذين يقولون: إيمان الفساق مثل إيمان الأنبياء، والأعمال الصالحة ليست من الدين والإيمان ويكذبون بالوعيد والعقاب بالكلية.

فيؤمن أهل السنة والجماعة بأن فساق المسلمين معهم بعض الإيمان وأصله وليس معهم جميع الإيمان الواجب الذي يستوجبون به الجنة، وأنهم لا يخلدون في النار، بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، أو مثقال خردلة من إيمان، وأن النبي صلى الله

ص: 38

عليه وسلم ادخر لأهل الكبائر من أمته.

وهم أيضا في (أصحاب رسول الله) صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم وسط بين الغالية الذين يغالون في علي رضي الله عنه، فيفضلونه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويعتقدون أنه الإمام المعصوم دونهما، وأن الصحابة ظلموا وفسقوا، وكفروا الأمة بعدهم كذلك، وربما جعلوه نبيا أو إلها، وبين الجافية الذين يعتقدون كفره، وكفر عثمان ونحوهما، ويقدحون في خلافة علي رضي الله عنه وإمامته.

وكذلك في سائر (أبواب السنة) هم وسط؛ لأنهم متمسكون بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما اتفق عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان (1).

والذي يجب التنبيه له أن الوسطية في الإسلام ليست أمرا مكتسبا، أي أنها لم تترك لأهواء الناس ومقاييسهم وما يراه كل طائفة من الناس أنه هو الوسط، ولو كلفنا بذلك لكان فيه أشد الضيق والعنت إذ كيف يصل المرء إلى الوسطية وكل طائفة من الناس لها من الآراء والأهواء ما يحصل به التعارض بل والتناقض، ومن رحمة الله أن دلنا على طريق الوسطية، فنحن لم نؤمر بوسطية

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية [3/ 373 - 375].

ص: 39

مطلقة، بل أمرنا باتباع الصراط المستقيم الذي هو شرع الله ودينه، فمن اتبع دين الله الحق الموافق للكتاب والسنة وفق فهم سلف الأمة فهو المتبع للصراط المستقيم الذي أمرنا باتباعه. {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (1) ويقول سبحانه:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (2)

فمن استقام على الصراط المستقيم الذي أوضحه الله بأجلى بيان وبلغه رسوله صلى الله عليه وسلم أعظم بلاغ، من استقام عليه فقد استحق وصف الوسطية ودخل في عموم قول الله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (3)

ومجانبة صراط الله المستقيم والحيدة عن وسطية هذا الدين سبب للضلال والعياذ بالله، والعدول عن الصراط المستقيم يكون بالغلو في الدين أو الجفاء عنه، وكلا الطريقين من مطايا إبليس ولا يبالي بأيهما ظفر من العبد، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فصل وقد تقدم أن دين الله وسط بين الغالي فيه، والجافي عنه. والله تعالى ما أمر عباده بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يبالي

(1) سورة الأنعام الآية 153

(2)

سورة الجاثية الآية 18

(3)

سورة البقرة الآية 143

ص: 40

بأيهما ظفر: إما إفراط فيه، وإما تفريط فيه. وإذا كان الإسلام الذي هو دين الله لا يقبل من أحد سواه، قد اعترض الشيطان كثيرا ممن ينتسب إليه؛ حتى أخرجه عن كثير من شرائعه، بل أخرج طوائف من أعبد هذه الأمة وأورعها عنه، حتى مرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المارقين منه، فثبت عنه في الصحاح وغيرها من رواية أمير المؤمنين (علي بن أبي طالب وأبي سعيد الخدري، وسهل بن حنيف، وأبي ذر الغفاري، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وابن مسعود) رضي الله عنهم، وغير هؤلاء، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الخوارج فقال:«يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم أو فقاتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد (1)» . وفي رواية: «شر قتيل تحت أديم السماء، خير قتيل من قتلوه (2)» وفي رواية: «لو يعلم الذين يقاتلونهم ما زوى لهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل (3)» .

وهؤلاء لما خرجوا في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

(1) صحيح البخاري المغازي (4351)، صحيح مسلم الزكاة (1064)، سنن النسائي الزكاة (2578)، سنن أبو داود السنة (4764)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 68).

(2)

سنن الترمذي تفسير القرآن (3000)، سنن ابن ماجه المقدمة (176).

(3)

سنن أبو داود السنة (4768).

ص: 41

- رضي الله عنه قاتلهم هو وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وتحضيضه على قتالهم، واتفق على قتالهم جميع أئمة الإسلام.

وهكذا كل من فارق جماعة المسلمين وخرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته من أهل الأهواء المضلة والبدع المخالفة) (1).

وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم خطورة العدول عن الصراط المستقيم؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي عنه قال: «خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا فقال: هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله فقال: وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ (3)» . أخرجه الإمام أحمد.

هذا ما قصدنا إلى بيانه إبراء للذمة ونصحا للأمة وإني لأسأل الله العلي العظيم بمنه وكرمه وبعزته وقدرته أن يصلح أحوال المسلمين ويبصرهم في دينهم ويهدي ضالهم ويثبت على الحق مطيعهم ويزيد الجميع هدى وتوفيقا وبرا، وأن يعز الإسلام وأهله، ويرفع من في رفعته عز للإسلام والمسلمين، ويضع من في ضعته وذله

(1) مجموع فتاوى ابن تيمية [3/ 381 - 383].

(2)

صحيح البخاري الرقاق (6417)، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2454)، سنن ابن ماجه الزهد (4231)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 435)، سنن الدارمي المقدمة (202).

(3)

سورة الأنعام الآية 153 (2){وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}

ص: 42

وهوانه عز للإسلام والمسلمين، كما أسأله سبحانه أن يحول ذل المسلمين عزا، وضعفهم قوة، وتفرقهم اجتماعا على الحق، وأن يرهب بهم أعداءه أعداء الدين، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين وقادتهم، ويدلهم على الخير، ويوفقهم للحكم بكتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين وأن يجعلهم رحمة على رعاياهم أعوانا على البر والتقوى، كما أسأله سبحانه أن يوفق ولي أمرنا لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا وإياه من المتعاونين على البر والتقوى، ويرزقنا البطانة الصالحة، ويصلح لنا جميعا العقب والعاقبة إنه سبحانه سميع مجيب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

ص: 43

صفحة فارغة

ص: 44

الفتاوى

من فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

ص: 45

صفحة فارغة

ص: 46

من فتاوى سماحة الشيخ

محمد بن إبراهيم آل الشيخ

مفتي الديار السعودية رحمه الله

إمامة شارب الدخان

من محمد بن إبراهيم إلى المكرم م. ن. ع. سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفتي به عن إمامة شارب الدخان إلى آخره.

الجواب: الدخان خبيث محرم، والذي يجاهر بشربه فاسق لا يصلح للإمامة، ولا ينبغي أن يولى الإمامة في الصلاة إلا بمثله. كما لو كانوا كلهم يشربون الدخان - والعياذ بالله - فيصلي بهم أقرؤهم للضرورة؛ لعدم وجود من ليس كذلك. إلا إذا كان الذي لا يشرب الدخان أميا بمرة لا يحسن قراءة الفاتحة وأذكار الصلاة ووجد من يحسن ذلك ممن يشربون الدخان، فحينئذ يصلي بهم هذا للضرورة؛ لعدم وجود من يحسن الفاتحة وغيرها من أذكار الصلاة. والله أعلم.

ص: 47