الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن قدامة (1): (وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية).
وقال ابن مفلح: (وقد أجمع المسلمون على مشروعيتها).
وقال الغزالي (2): (الضحايا من الشعائر والسنن المؤكدة).
وقال النووي (3): (التضحية سنة مؤكدة، وشعار ظاهر ينبغي لمن قدر أن يحافظ عليها).
وقال ابن حجر (4): (ولا خلاف في كونها من شرائع الدين).
وقال الشوكاني (5): (لا خلاف في مشروعية الأضحية، وأنها قربة عظيمة).
(1)((المغني)) (9/ 345)
(2)
(الوسيط)(7/ 131).
(3)
(روضة الطالبين)) (3/ 192)
(4)
(فتح الباري)(10/ 3).
(5)
(السيل الجرار)(4/ 73).
ولنختم المقال ها هنا ب
كلام نفيس لشيخ الإسلام حول الأضحية ومشروعيتها
، فإنه قال (1) رحمه الله: (فإنها من أعظم شعائر الإسلام، وهي النسك العام في جميع الأمصار والنسك مقرون
(1)(مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية)(23/ 1)
بالصلاة في قوله: {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) وقد قال تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (2) فأمر بالنحر كما أمر بالصلاة، وقد قال تعالى:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} (3) وقال: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (4){لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} (5) وهي من ملة إبراهيم الذي أمرنا باتباع ملته، وبها يذكر قصة الذبيح فكيف يجوز أن المسلمين كلهم يتركون هذا لا يفعله أحد منهم، وترك المسلمين كلهم هذا أعظم من ترك الحج في بعض السنين، وقد قالوا: إن الحج كل عام فرض على الكفاية؛ لأنه من شعائر الإسلام، والضحايا في عيد النحر كذلك، بل هذه تفعل في كل بلد هي والصلاة، فيظهر بها عبادة الله وذكره، والذبح له، والنسك له ما لا يظهر بالحج، كما يظهر ذكر الله بالتكبير في الأعياد).
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2)
سورة الكوثر الآية 2
(3)
سورة الحج الآية 34
(4)
سورة الحج الآية 36
(5)
سورة الحج الآية 37
وإذا علم أن المسلمين أجمعوا على مشروعيتها، كما نقله غير واحد من أهل العلم، فليعلم أن أهل العلم قد اختلفوا: هل هي سنة مؤكدة، أو واجبة لا يجوز تركها؟ على قولين: فذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة، وهو مذهب الشافعي، ومالك، وأحمد في المشهور عنهما.
وذهب آخرون إلى أنها واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (1) وقال: هو أحد القولين في مذهب مالك، أو ظاهر مذهب.
وبسط أدلة القولين ليس ذا محله، وإنما المقصود الإشارة.
(1) انظر (مجموع فتاوى ابن تيمية)(23/ 163)
الحديث الأول:
تخريجه:
أخرجه أحمد في مسنده (4/ 368) والحميدي في مسنده (1/ 112). والحاكم في المستدرك (2/ 422) عن محمد بن سلمة
(1) سنن ابن ماجه الأضاحي (3127)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 368).
الواسطي. وقال: صحيح. ثلاثتهم عن يزيد بن هارون. وأخرجه ابن ماجه في سننه كتاب الأضاحي، باب ثواب الأضحية (2/ 1045 ح/3127) عن محمد بن خلف العسقلاني عن آدم بن أبي إياس.
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (5/ 197) ومن طريقه أخرجه المزي في تهذيب الكمال (14/ 93 - وابن حبان في المجروحين (3/ 55)، والبيهقي في سننه الكبرى (9/ 261). ثلاثتهم من طريق هدبة بن خالد.
وأخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 355) من طريق شيبان النحوي.
وأخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 419) وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 228) كلاهما من طريق عاصم بن علي.
خمستهم: (يزيد بن هارون، وهدبة بن خالد، وآدم بن أبي إياس، وشيبان النحوي، وعاصم بن علي) عن سلام بن مسكين عن عائذ الله المجاشعي عن أبي داود عن زيد بن أرقم مرفوعا.
دراسة الحديث:
من خلال تخريج هذا الحديث يتضح أن مداره على أبي داود نفيع بن الحارث، وقد تفرد عنه برواية هذا الحديث عائذ الله المجاشعي
وكلاهما قد تكلم فيه، وإليك بيان ذلك:
عائذ الله المجاشعي:
قال البخاري: عائذ الله المجاشعي عن أبي داود روى عنه سلام بن مسكين، لا يصح حديثه. وقال أيضا: يتكلمون فيه.
وقال أبو حاتم: منكر الحديث وقال ابن حبان: منكر الحديث على قلته. وذكره ابن الجوزي، والذهبي كلاهما في الضعفاء. وقال ابن حجر: ضعيف.
أبو داود نفيع بن الحارث الأعمى الهمداني:
قال ابن معين: أبو داود الأعمى يضع ليس بشيء. وقال أبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث. وقال البخاري: يتكلمون فيه. وقال الترمذي: يضعف في الحديث. وقال النسائي، والدولابي، والدارقطني: متروك الحديث. وقال النسائي في موضع آخر: ليس
بثقة ولا يكتب حديثه. وقال ابن حبان في الضعفاء: نفيع أبو داود الأعمى يروي عن الثقات الموضوعات توهما لا يجوز الاحتجاج به. وقال الساجي: كان منكر الحديث. وقال ابن عبد البر: أجمعوا على ضعفه، وكذبه بعضهم، وأجمعوا على ترك الرواية عنه.
ولخص الحافظ ابن حجر حاله، فقال: متروك.
والحديث صححه الحاكم كما سبق لكن تعقبه الذهبي بقوله: (1)(عائذ الله قال أبو حاتم: منكر الحديث).
قلت: وقد حكم إمام الجرح والتعديل في زمانه البخاري رحمه الله بعدم صحة حديث المجاشعي هذا، إضافة إلى ذلك فقد قال الحفاظ بضعف روايته كما سبق
وأيضا ممن تعقب الحاكم في تصحيحه لهذا الحديث الحافظ المنذري، فقد قال (2):(بل واهية، عائذ الله هو المجاشعي، وأبو داود واسمه نفيع بن الحارث، وكلاهما ساقط).
فالحديث من هذا الطريق إسناده ضعيف جدا، والله أعلم.
(1) انظر: المستدرك (2/ 389)
(2)
انظر: الترغيب والترهيب (2/ 154).
الحديث الثاني:.
«عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من
هراقة دم، وإنها لتأتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا (1)».
تخريجه:
أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الأضاحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في فضل الأضحية (4/ 83 ح 1493) عن مسلم بن عمرو بن مسلم الحذاء المدني.
ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث هشام بن عروة إلا من هذا الوجه، وأبو المثنى اسمه: سليمان بن يزيد روى عنه ابن أبي فديك. قال أبو عيسى: ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأضحية: «لصاحبها بكل شعرة حسنة (2)» . ويروى: «بقرونها (3)» .
وأخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الأضاحي، باب ثواب الأضحية (2/ 1045 ح 3126)، وابن حبان في المجروحين (3/ 150)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 480)، والبغوي في شرح السنة (4/ 342)، والمزي في تهذيب الكمال (34/ 253) جميعهم من طريق دحيم. وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 246)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 570) من طريق يحيى بن المغيرة كلاهما من طريق أبي سلمة يحيى بن المغيرة المديني. ثم قال 402/ 234 / 402 الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى (9/ 261) من طريق محمد بن إسحاق المدني. أربعتهم: (مسلم بن عمرو بن مسلم الحذاء، ودحيم عبد الرحمن بن إبراهيم، وأبو سلمة يحيى بن المغيرة، ومحمد بن إسحاق المدني) عن عبد الله بن نافع الصائغ عن أبي المثنى عن هشام بن عروة عن عائشة مرفوعا.
دراسة الحديث:
من خلال تخريج هذا الحديث يتضح أن مداره على أبي المثنى: سليمان بن يزيد الخزاعي.
ذكره ابن حبان في الثقات، وذكره أيضا في المجروحين، فقال: أبو المثنى شيخ يروي عن هشام بن عروة روى عنه عبد الله بن نافع الصايغ يخالف الثقات في الروايات لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا للاعتبار.
وقال أبو حاتم: منكر الحديث، ليس بقوي. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن حجر أيضا: ضعيف. فسليمان ضعيف الحديث كما ترى، وضعف سند الحديث ليس منصبا على كون سليمان هذا
(1) سنن الترمذي الأضاحي (1493)، سنن ابن ماجه الأضاحي (3126).
(2)
سنن ابن ماجه الأضاحي (3127)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 368).
(3)
سنن الترمذي الأضاحي (1493)، سنن ابن ماجه الأضاحي (3126).
ضعيف فقط؛ بل إن هناك علة أخرى خفية، هي: أن أبا المثنى لم يسمع من هشام بن عروة، فقد سأل الترمذي شيخه البخاري عن هذا الحديث فقال (1):(هو حديث مرسل، لم يسمع أبو المثنى من هشام بن عروة).
أما تصحيح الحاكم له، فلا يلتفت إليه، خاصة أنه معارض بقول الإمام البخاري الذي حكم بإرساله، كما أن الحافظ الذهبي قد تعقب الحاكم في تصحيحه لهذا الحديث، فقال:(فيه سليمان بن يزيد أبو المثنى، وهو واه، وبعضهم تركه). فالحديث بهذا السند ضعيف، والله أعلم.
(1) انظر: علل الترمذي الكبير ص (244).
الحديث الثالث:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم أضحى: ما عمل ابن آدم في هذا اليوم أفضل من دم يهراق إلا أن يكون رحما مقطوعة توصل» .
تخريجه:
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11/ 32) قال: حدثنا عبدان بن أحمد ثنا هشام بن خالد ثنا الحسن بن يحيى الخشني عن إسماعيل بن عياش عن ليث عن طاوس عن ابن عباس مرفوعا.
دراسته:
هذا الحديث مسلسل إسناده بالعلل، وإليك بيانها:
1 -
الحسن بن يحيي الخشني (1).
قال ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: صدوق سيئ الحفظ. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا ويروي عن الثقات ما لا أصل له. وعن المتقنين ما لا يتابع عليه، وكان رجلا صالحا يحدث من حفظه كثير الوهم فيما يرويه حتى فحشت المناكير في أخباره حتى يسبق على القلب أنه المتعمد لها، فلذلك استحق الترك. وقال الدارقطني: متروك.
2 -
إسماعيل بن عياش العنسي الدمشقي، وهو ثقة في روايته عن أهل بلده من الشاميين، أما حديثه عن غير الشاميين من العراقيين والحجازيين فقد وقع له اختلاط فيها، أما إطلاق الضعف فيه كما فعل النسائي، وإخراجه عن حد الاحتجاج به كما زعم ابن حبان فإنه لا يصح، فضعفه إنما جاء من اختلاطه في الرواية عن
(1) انظر في ترجمته: تهذيب الكمال (6/ 339)، ميزان الاعتدال (1/ 524)، تهذيب التهذيب (2/ 326).
غير الشاميين، ويمكن حمل تضعيف من ضعفه على روايته عن غير أهل بلده، والله تعالى أعلم. وإسماعيل بن عياش هنا قد روى عن ليث بن أبي سليم وهو كوفي.
3 -
ليث بن أبى سليم الكوفي قال الحافظ الذهبي في سيره: لين في حديثه ضعف لنقص حفظه. إلى أن قال: بعض الأئمة يحسن لليث، ولا يبلغ مرتبة الحسن، بل عداده في مرتبة الضعيف المقارب، فيروى في الشواهد والاعتبار وقال الحافظ ابن حجر: ضعيف سيئ الحفظ.
فالحديث بهذا السند ضعيف، والله تعالى أعلم.
الحديث الرابع:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أنفقت الورق في شيء أحب إلى الله من نحير ينحر في يوم عيد» .
تخريجه:
أخرجه الطبراني -واللفظ له- في المعجم الكبير (11/ 17).
البيهقي في سننه الكبرى (9/ 260). وقال: تفرد به محمد بن ربيعة عن إبراهيم الخوزي وليسا بالقويين. وأيضا في شعب الإيمان (5/ 482). والدارقطني في سننه (4/ 282). وابن عدي في الكامل (1/ 227). وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 569). كلهم من طريق محمد بن ربيعة الكلابي.
وأخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 101) من طريق عثمان بن عبد الرحمن. كلاهما: (محمد بن ربيعة الكلابي، وعثمان بن عبد الرحمن) عن إبراهيم بن يزيد الخوزي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس مرفوعا.
دراسته:
هذا الحديث مداره على إبراهيم بن يزيد الخوزي (1) وقد كذبه جمع من الأئمة منهم: مالك، والقطان، وابن معين، وابن المديني، والبخاري، وأبو داود، وأبو حاتم الرازي، والبزار، وابن حبان. فالحديث بهذا السند ضعيف جدا.
أما قول البيهقي: تفرد به محمد بن ربيعة عن إبراهيم الخوزي ا. هـ. فمتعقب برواية عثمان بن عبد الرحمن عند ابن حبان، والله تعالى أعلم.
(1) انظر في ترجمته: تهذيب الكمال (2/ 186)، الكاشف (1/ 91)، ميزان الاعتدال (1/ 57)، تهذيب التهذيب (1/ 158).
الحديث الخامس:
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة: قومي فاشهدي أضحيتك، فإنه يغفر لك بأول قطرة من دمائها كل ذنب عملتيه، وقولي: {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ} (1) إلى قوله {أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (2) قال عمران: قلت: يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة أم للمسلمين عامة قال: لا، بل للمسلمين عامة» .
تخريجه:
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (18/ 239)، وأيضا في الأوسط (3/ 69)، وأيضا في الدعاء (1/ 295)، واللفظ له. والروياني في مسنده (1/ 134) والحاكم في المستدرك (4/ 247) ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والبيهقي في سننه الكبرى (5/ 238، 9/ 283)، وأيضا في شعب الإيمان (5/ 483) وأيضا في فضائل الأوقات ص (403)، وابن عدي في الكامل (7/ 2492). والخطيب في الموضح (1/ 525) كلهم من طريق النضر بن إسماعيل البجلي عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن عمران بن الحصين مرفوعا.
(1) سورة الأنعام الآية 162
(2)
سورة الأنعام الآية 163
دراسته:
هذا الحديث مداره على أبي حمزة الثمالي، وقد تفرد برواية هذا الحديث عن سعيد بن جبير.
وأبو حمزة الثمالي، هو: ثابت بن أبي صفية دينار الثمالي ضعيف الحديث، قال أحمد: ضعيف الحديث ليس بشيء. وكذلك قال يحيى: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال مرة: متروك.
كما أن الراوي عن أبي حمزة الثمالي هو: النضر بن إسماعيل وهو ليس بالقوي. فالحديث سنده ضعيف لضعف أبي حمزة. والنضر بن إسماعيل وهو ليس بالقوي، ولا يلتفت إلى تصحيح الحاكم لهذا الحديث، فقد تعقبه الحافظ الذهبي، بقوله (1): فيه أبو حمزة الثمالي، وهو ضعيف جدا.
وورد لحديث عمران بن حصين هذا شاهدان آخران،
(1) انظر المستدرك (4/ 222).
أحدهما من حديث أبي سعيد الخدري، والآخر من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنهما إلا أن كليهما ضعيف جدا، بل أحدهما - وهو حديث علي - سنده موضوع، وإليك بيان ذلك:
وأما حديث أبي سعيد الخدري: فأخرجه الحاكم (4/ 247) واللفظ له، وابن أبي حاتم في علل الحديث (2/ 38)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (2/ 37) كلهم من طريق داود بن عبد الحميد عن عمرو بن قيس الملائي عن عطية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة عليها الصلاة والسلام: «قومي إلى أضحيتك فاشهديها، فإن لك بأول قطرة تقطر من دمها يغفر لك ما سلف من ذنوبك. قالت: يا رسول الله: هذا لنا أهل البيت خاصة أو لنا وللمسلمين عامة قال: بل لنا وللمسلمين عامة» .
والحديث بهذا السند فيه علتان، هما:
1 -
عطية وهو ابن سعد العوفي: ضعيف، مدلس.
2 -
داود بن عبد الحميد (1) قال أبو حاتم: حديثه يدل على
(1) انظر في ترجمته: ميزان الاعتدال (3/ 17)، المغني في الضعفاء (219)، لسان الميزان (2/ 420).
ضعفه. وقال الذهبي: وقال إذنه: روى عن عمرو بن قيس الملائي أحاديث لا يتابع عليها، منها: عن الملائي عن عطية عن أبي سعيد «يا فاطمة قومي إلى أضحيتك فاشهديها» . وذكره الذهبي في المغني في الضعفاء.
فالحديث بهذا السند ضعيف جدا، وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث فقال (1): هو حديث منكر. اهـ. وهو كما قال رحمه الله.
وأما حديث علي:
فأخرجه عبد بن حميد في مسنده (المنتخب)(1/ 128)، وأحمد بن منيع في مسنده كما في المطالب العالية (رقم 2299)، والبيهقي في سننه الكبرى (9/ 283) وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (1/ 241) كلهم من طريق سعيد بن زيد أخي حماد بن زيد عن عمرو بن خالد عن محمد بن علي عن آبائه عن علي رضي الله عنه مرفوعا.
وأخرجه أيضا أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي في كتابه الترغيب والترهيب كما في نصب الراية (4/ 220)، والدراية (2/ 218).
(1) انظر علل الحديث (2/ 38).
والحديث بهذا الإسناد موضوع، لأجل عمرو بن خالد (1)، فقد كذبه جمع من الأئمة منهم: وكيع، وإسحاق، وأحمد، وابن معين، وأبو داود، وأبو زرعة وابن البرقي، وغيرهم.
فخلاصة القول: أن قصة أمر النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة أن تشهد أضحيتها ضعيفة من جميع الوجوه، والله أعلم.
(1) انظر في ترجمته (3/ 257)، تهذيب التهذيب (8/ 26).
الحديث السادس:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «قال النبي صلى الله عليه وسلم: ضحوا وطيبوا بها أنفسكم، فإنه ليس من مسلم يوجه ضحيته إلى القبلة إلا كان دمها وفرثها وصوفها حسنات محضرات في ميزانه يوم القيامة، وكان يقول: أنفقوا قليلا تؤجروا كثيرا، إن الدم وإن وقع في التراب فهو في حرز الله حتى يوفيه صاحبه يوم القيامة» .
تخريجه:
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (4/ 388) - ومن طريقه الخطيب في الموضح (2/ 274) - عن أبي سعيد الشامي.
وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد (23/ 179) من طريق سليمان بن موسى. كلاهما (أبو سعيد الشامي، وسليمان بن موسى) عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة مرفوعا.
دراسته:
من خلال تخريج هذا الحديث يتضح أن مداره على عطاء بن أبي رباح، وهو ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال قاله الحافظ ابن حجر (1) وقد رواه عنه:
1 -
أبو سعيد الشامي، وهو: عبد القدوس بن حبيب الشامي (2)، متروك الحديث.
قال البخاري: تركوه منكر الحديث. وقال أيضا: ويروي عبد القدوس عن نافع عن مجاهد، والشعبي، ومكحول، وعطاء أحاديث مقلوبة. وقال عبد الرزاق: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله كذاب إلا لعبد القدوس. وقال الفلاس: أجمعوا على ترك حديثه. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن عدي: أحاديثه منكرة الإسناد والمتن. وقال ابن عمار: كان سفيان - يعني الثوري - يروي عن أبي سعيد الشامي وإنما هو عبد القدوس كناه ولم يسمعه، وهو ذاهب الحديث. وقال مسلم: ذاهب الحديث. وقال أبو داود: ليس بشيء وابنه شر منه.
(1) انظر في ترجمته: تقريب التهذيب (ت4591)
(2)
انظر في ترجمته: التاريخ الكبير (6/ 119)، ميزان الاعتدال (4/ 382)، لسان الميزان (4/ 45)
2 -
سليمان بن موسى: أبو أيوب، ويقال: أبو الربيع القرشي الدمشقي. قال الحافظ ابن حجر (1): صدوق، فقيه، في حديثه لين، وخولط قبل موته بقليل.
وعلاوة على ما في سليمان هذا من ضعف، فإن الإسناد إليه لا يصح، إذ أن فيه نصر بن حماد البجلي البصري (2) قال يعقوب بن شيبة: ليس بشيء. وقال البخاري: يتكلمون فيه. وقال مسلم: ذاهب الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال أبو زرعة وصالح بن محمد الحافظ: لا يكتب حديثه. وقال أبو حاتم، وأبو الفتح الأزدى: متروك الحديث. وقال ابن حبان: كان يخطئ كثيرا ويهم في الإسناد، فلما كثر ذلك منه بطل الاحتجاج به. فالحديث إسناده ضعيف جدا، والله أعلم.
(1) انظر: تقريب التهذيب (ت 2616).
(2)
انظر في ترجمته: تهذيب الكمال (29/ 342)، ميزان الاعتدال (4/ 250)، تهذيب التهذيب (10/ 425).
الحديث السابع:
عن علي رضي الله عنه قال: «قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس ضحوا واحتسبوا بدمائها، فإن الدم وإن وقع في الأرض فإنه يقع في حرز الله» .
تخريجه:
أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (8/ 176) حدثنا موسى بن زكريا نا عمرو بن الحصين نا محمد بن عبد الله بن علاثة عن عبد الملك بن أبي غنية عن الحكم عن حنش الكناني عن علي مرفوعا.
دراسته:
من خلال تخريج هذا الحديث يتضح أن في سنده عمرو بن الحصين (1)، متروك الحديث.
قال ابن أبي حاتم: سمع منه أبي، وقال: تركت الرواية عنه ولم يحدثنا بحديثه، وقال: هو ذاهب الحديث، وليس بشيء أخرج أول شيء أحاديث مشتبهة حسانا، ثم أخرج بعد لابن علاثة أحاديث موضوعة فأفسد علينا ما كتبنا عنه، فتركنا حديثه. قال: وسئل عنه أبو زرعة فقال: ليس هو في موضع من يحدث عنه، وهو واهي الحديث. وقال ابن عدي: حدث عن الثقات بغير ما حديث منكر، وهو مظلم الحديث. وقال الأزدي: ضعيف جدا يتكلمون فيه. وقال الدارقطني: متروك. فالحديث سنده ضعيف جدا، قال الهيثمي (2): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عمرو بن الحصين وهو متروك الحديث.
(1) انظر في ترجمته: تهذيب الكمال (21/ 587)، ميزان الاعتدال (2/ 306)، تهذيب التهذيب (8/ 19).
(2)
انظر مجمع الزوائد (4/ 17).
الحديث الثامن:
عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ضحى طيبة بها نفسه محتسبا لأضحيته كانت له حجابا من النار» .
تخريجه:
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/ 84) قال: حدثنا أحمد بن محمد النخعي القاضي الكوفي ثنا عمار بن أبي مالك الجنبي ثنا أبو داود النخعي عن عبد الله بن حسن بن حسن عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ضحى طيبة بها نفسه، محتسبا لأضحيته، كانت له حجابا من النار» .
دراسته:
من خلال تخريج هذا الحديث يتضح أن في سنده أبا داود نفيع بن الحارث النخعي، متروك الحديث، وقد سبق بيان حاله بالتفصيل في الحديث الأول. فالحديث بهذا السند ضعيف جدا، والله أعلم.
الحديث التاسع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استفرهوا ضحاياكم، فإنها مطاياكم على الصراط» .
تخريجه: أخرجه القاضي عبد الجبار في أماليه كما في التدوين في أخبار قزوين (3/ 219). والديلمي في مسند الفردوس، كما في التلخيص الحبير (4/ 152). كلاهما من طريق عبد الله بن المبارك ثنا يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استفرهوا ضحاياكم، فإنها مطاياكم على الصراط» .
درا سته:
من خلال تخريج هذا الحديث يتضح أن في سنده يحيى بن عبيد الله، وهو ضعيف جدا، قاله ابن حجر، والسخاوي (1).
قال العجلوني (2): رواه الديلمي بسند ضعيف جدا عن أبي هريرة رفعه، ووقع في نهاية إمام الحرمين، ثم في وسيط الغزالي
(1) انظر التلخيص الحبير (4/ 152)، المقاصد الحسنة ص (114)، وانظر: تقريب التهذيب (ت 7599)
(2)
انظر: كشف الخفاء (1/ 133).
ووجيزه بلفظ «عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم» ، لكن قال ابن الصلاح: هذا معروف، وليس ثابت فيما علمناه. وقال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي: ليس في فضل الأضحية حديث صحيح ا. هـ.
وقال المناوي (1): «استفرهوا ضحاياكم» من طريق ابن المبارك عن يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة. قال المصنف في الدرر: ويحيى ضعيف. وقال السخاوي: يحيى ضعيف جدا ا. هـ.
والحديث ورد أيضا بلفظ «عظموا ضحاياكم» قال ابن الملقن (2): حديث «عظموا ضحاياكم إنها على الطريق مطاياكم» غريب، قال ابن الصلاح: معروف، وليس ثابت فيما علمناه قلت: وأسنده صاحب مسند الفردوس بلفظ «استفرهوا بدل عظموا» ا. هـ.
قلت: وقد سبق تخريجه، وسنده ضعيف جدا.
تم البحث والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
(1) انظر: فيض القدير (1/ 496).
(2)
انظر خلاصة البدر المنير (2/ 377).
صفحة فارغة
مع السلف الصالح في الحج
للدكتور / بدر بن ناصر البدر (1)
المقدمة
الحمد لله رب العالمين إله الأولين والآخرين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد الأمين والمبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن من شعائر الإسلام الحج إلى بيت الله الحرام، وقد حج النبي صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، وحج معه أصحابه رضي الله عنهم الذين نقلوا لنا هديه وسنته في ذلك، وكان لهم معه عليه الصلاة والسلام وبعده مواقف محمودة وأحوال مرضية في اتباع السنة والعناية بها وتعليم الناس إياها، مع استغلال تلك الأزمان الشريفة والمناسك العظيمة بما هي جديرة به من الأعمال الصالحة والقربات المتنوعة وغير ذلك.
(1) عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية أصول الدين
وقد جمعت من تلك المواقف والأحوال مع دراستها والإفادة مما ذكره أهل العلم والتعليق عليها، وإبراز الفوائد المستنبطة منها والدروس النيرة التي جاءت فيها، مع بيان بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بذلك، ما جاء في هذا البحث الذي جعلت عنوانه (مع السلف الصالح في الحج)، وقد سرت في كتابته حسب المخطط التالي:
- المقدمة:
- المبحث الأول: فرضية الحج والترغيب فيه وبيان حكمه وأسراره.
- المبحث الثاني: قدسية البيت الحرام ومكانته.
- المبحث الثالث: حث السلف على أداء الحج مع العناية بتصحيح النية وطيب النفقة.
- المبحث الرابع: أقوالهم في بيان الحج المبرور وتطبيقهم ذلك.
- المبحث الخامس: فضل يوم عرفة وأحوالهم فيه.
- المبحث السادس: فضل يوم العيد وأيام التشريق وأقوالهم في ذلك.
- المبحث السابع: عنايتهم بمعرفة السنة وتأدبهم في تعلمها.
- المبحث الثامن: تمسكهم بالسنة وتحذيرهم من الخلاف.
- المبحث التاسع: حرصهم على اتباع السنة وتطبيقها.
- المبحث العاشر: الاهتمام بالسنة وثمار اتباعها.
- المبحث الحادي عشر: المداومة على العمل الصالح بعد الحج.
- الخاتمة.
وقد قمت في هذا البحث بترقيم الآيات وتخريج الأحاديث والآثار، وتوثيق النقول وإحالتها إلى مصادرها الأصلية ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
ولا أدعي بهذا العمل الإحاطة بتلك المواقف والدروس المستنبطة منها، فما ذكرته أمثلة موجزة، وفي بطون كتب السنة والسير والتراجم الشيء الكثير.
أسأل الله عز وجل أن ينفع به، وأن يغفر لي خطئي وزللي وتقصيري إنه غفور رحيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.