الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منقصات التوحيد
لفضيلة الدكتور / عبد الله بن عبد العزيز الجبرين (1)
التمهيد:
قبل أن نبدأ في الكلام على الأمور المنقصة للتوحيد نذكر الفرق بين منقصات التوحيد ونواقضه:
فمنقضات التوحيد: هي الأمور التي تنافي كمال التوحيد ولا تنقضه بالكلية، فإذا وجدت عند المسلم قدحت في توحيده، ونقص إيمانه، ولم يخرج من دين الإسلام، وهي المعاصي التي لا تصل إلى درجة الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر، وعلى رأسها: الشرك الأصغر والكفر الأصغر والنفاق الأصغر.
أما نواقض التوحيد: فهي الأمور التي إذا وجدت عند العبد خرج من دين الله بالكلية، وأصبح بسببها كافرا أو مرتدا عن دين الإسلام، وهي كثيرة، تجتمع في الشرك الأكبر، والكفر الأكبر، والنفاق الأكبر (الاعتقادي).
(1) عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين بالرياض.
وسأتكلم عن كل منقض من منقضات التوحيد السابقة في فصل مستقل فيما يلي إن شاء الله تعالى.
الفصل الأول: الشرك الأصغر: وفيه مبحثان:
المبحث الأول: تعريفه وحكمه:
تعريفه في الاصطلاح هو: كل ما كان فيه نوع شرك لكنه لم يصل إلى درجة الشرك الأكبر ويمكن أن يقال: هو كل قول أو عمل بالقلب أو الجوارح جعل العبد فيه ندا لله تعالى، ولم تصل هذه الندية إلى إخراج صاحبها من الملة. وهذا التعريف أسلم من جهة عدم استعمال لفظ المعرف في التعريف، ولكن الأول أوضح. أما تعريفه بأنه:(كل ما ورد تسميته شركا ولم يصل إلى درجة الشرك الأكبر). فهو غير جامع، وكذلك تعريفه بأنه (كل ما يؤدي إلى الشرك) غير مانع، لأنه يدخل فيه كثير من البدع والمعاصي التي ليست من الشرك الأصغر، كالتصوير لغير التعظيم، فهو وسيلة للشرك، ولكن ليس فيه نوع إشراك حتى يكون شركا، ومثله التساهل بالصلاة عند القبر من غير تعظيم له ولا قصد للصلاة عنده، وغير ذلك مما ليس فيه عند فعله نوع إشراك من الفاعل له فلا يدخل في الشرك الأصغر؛ لأنه ليس فيه إشراك أصلا. وينظر المفردات ص 425، القول السديد باب الخوف من الشرك، وباب الذبح ص 34 - 59، حاشية ابن قاسم على كتاب التوحيد ص 50، فتاوى اللجنة الدائمة 1/ 517. وقد أطلق بعض العلماء الشرك الأصغر على جميع المعاصي؛ لأن فيها اتباعا للهوى، وتقديما له على طاعة الله تعالى، مستدلين بقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (1) الجاثية:23 وقد ذهب كثير من المفسرين، وعلى رأسهم ابن عباس رضي الله عنهما إلى أن الآية السابقة في المشرك الذي يعبد ما تهواه نفسه من معبودات، فما استحسن من شيء عبده.
وهذا القول هو الأقرب، وعليه فإن المعاصي لا يدخل منهما في الشرك الأصغر إلا ما كان فيه نوع إشراك لمخلوق آخر. والله أعلم.
(1) سورة الجاثية الآية 23
أما حكمه فيتلخص فيما يأتي:
1 -
أنه كبيرة من كبائر الذنوب، بل هو أكبر الذنوب بعد نواقض التوحيد
والدليل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم لما رأى في يد رجل حلقة من صفر: "ما هذه؟ " قال: من الواهنة. قال: "انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا"، وسيأتي تخريجه عند الكلام على التمائم. ويؤيد هذا قول ابن مسعود رضي الله عنه:"لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا". وسيأتي تخريجه عند الكلام على الحلف بغير الله، فجعل الحلف بالله كاذبا، الذي هو من كبائر الذنوب، أخف من الحلف بغيره صادقا؛ لأنه من الشرك الأصغر هذا وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الشرك الأصغر لا يغفر إذا مات العبد وهو لم يتب منه، لعموم قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (1)
لكن أجيب عن هذا الاستدلال بأمرين:
1 -
أن الآيتين في الشرك الأكبر؛ لأنهما وردتا في ضمن آيات تتحدث عن المشركين والمنافقين وأهل الكتاب.
2 -
أن الآيات الأخرى في كتاب الله تعالى رتب فيها الحكم على وصف الشرك لم يختلف أهل العلم في أن المراد به في هذه الآيات الشرك الأكبر، كقوله تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} (2) وكقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (3) فكذلك آيتا النساء وهذا هو الأقرب
(1) سورة النساء الآية 48 L48
(2)
سورة المائدة الآية 72
(3)
سورة الزمر الآية 65