المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: فرضية الحج والترغيب فيه وبيان حكمه وأسراره - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌ الجهل

- ‌ البغي:

- ‌ عدم التوفيق بين النصوص من الكتاب والسنة

- ‌ إساءة الظن بالعلماء من جهة وبالولاة والأمراء من جهة أخرى:

- ‌ الغلو في الدين:

- ‌ الذنوب والمعاصي:

- ‌ ترك القيام بحقوق الله ونسيان الآخرة وعدم الاستعداد لها

- ‌من عمله إعطاء فسوحورخص بالتعامل بالدخان

- ‌إمامة من لا يستطيع السجود على رجله

- ‌ إمامة من ينطق بالضاد ظاء

- ‌ صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح،والمغرب خلف من يصلي العشاء

- ‌صلاة الفذ خلف الصف

- ‌الصلاة في السرحة المنفصلة عن المسجد

- ‌إذا سمعوا صوت الإمام بدون مكبروبينهم وبينه حائل

- ‌المصاب بالسلس هل يعذر بترك الجماعة

- ‌جنود المرور هل تلزمهم الجماعة

- ‌كيفية صلاة المريض

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌الدعاء للميت بالتثبيتيكون بعد الفراغ من الدفن

- ‌التلقين بعد الدفن بدعة

- ‌شبهة في التلقين بعدالدفن والجواب عليها

- ‌حكم الصدقة عن الميت ساعة الدفن

- ‌الأفضل رفع القبر عن الأرض شبرا ونحوه

- ‌حكم الوعظ عند القبر

- ‌لا حرج في جلبالماء البارد للشرب عند القبر

- ‌يقدم الأفضل إلى القبلة

- ‌حكم دفن المرأة والرجل في قبر واحد

- ‌حكم تخصيص بعضأجزاء المقبرة للنساء

- ‌ الدفن ليلا

- ‌الأوقات التي ينهى عن الدفن فيها

- ‌لا يختلف الدفن في مكة عن غيرها

- ‌السنة أن يدفن الميتفي البلد الإسلامي الذي مات فيه

- ‌الكافر لا يدفنفي الجزيرة العربية بل ينقل إلى غيرها

- ‌حكم تنفيذ وصية الميتبدفنه في بلد غير الذي مات فيه

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ بيع الخواتم التي يستعملها الناس للخطوبة

- ‌ حكم الشرع في مهنة صياغة الذهب

- ‌ هل هناك سور معينة يستحب قراءتها في صلاة الوتر وصلاة الضحى

- ‌ حقيقة الإحرام

- ‌من فتاوى اللجنة الدائمةللبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ من رتب وقته بحيث يستيقظ من نومه غالبا بعد الشروق

- ‌ قضاء الصوم والصلاة

- ‌ هل يعاقب المجنون على الأعمال التي قام بها قبل حدوث الجنون

- ‌ حكم الشريعة الإسلامية في الذي يتناول الخمر ليلا وفي الصباح يقيم الصلاة

- ‌ مرضت عدة أيام ولم أصل في هذه المدة كيف أقضيها

- ‌منقصات التوحيد

- ‌المبحث الثاني: أنواع الشرك الأصغر:

- ‌ النوع الأول: الشرك الأصغر في العبادات القلبية:

- ‌النوع الثالث: الشرك الأصغر في العبادات القولية:

- ‌المثال الأول: الحلف بغير الله:

- ‌الفصل الثاني: الكفر الأصغر:

- ‌الفصل الثالث: النفاق الأصغر:

- ‌المبحث الأول: تعريفه وحكمه:

- ‌المبحث الثاني: خصاله وأمثلته:

- ‌القول الأول:لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط

- ‌القول الثالث: أن لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود

- ‌القول الرابع: أن لا يبلغ في التعزير على معصية حدا مشروعا في جنسها، ويجوز أن يزيد على حد غير جنسها

- ‌القول الثاني:إن للتعزير حدا أعلى في مدة الحبس لا يحوز تجاوزها

- ‌بدائل السجن

- ‌أولا: الآثار السيئة لعقوبة السجن:

- ‌ثانيا: مراعاة مقاصد الشريعة من العقوبات:

- ‌نماذج من بدائل السجن:

- ‌ثانيا: العقوبة المقيدة للحرية:

- ‌ثالثا: العقوبة المعنوية:

- ‌مشروعية الأضحية

- ‌ حرص الصحابة رضي الله عنهم على جمع الدرهم والدينار لشراء أغلى الأضاحي وأطيبها

- ‌ الإجماع على مشروعية الأضحية:

- ‌كلام نفيس لشيخ الإسلام حول الأضحية ومشروعيتها

- ‌المبحث الأول: فرضية الحج والترغيب فيه وبيان حكمه وأسراره

- ‌المبحث الثاني: قدسية البيت الحرام ومكانته:

- ‌المبحث الثالث: حث السلف على أداء الحج مع العناية بتصحيح النية وطيب النفقة:

- ‌المبحث الرابع: أقوالهم في الحج المبرور وتطبيقهم ذلك

- ‌المبحث الخامس: فضل يوم عرفة وأحوالهم فيه

- ‌المبحث السادس: فضل يوم العيد وأيام التشريق وأقوالهم في ذلك

- ‌المبحث السابع: عنايتهم بمعرفة السنة وتأدبهم في تعلمها

- ‌المبحث الثامن: تمسكهم بالسنة وتحذيرهم من الخلاف

- ‌المبحث التاسع: حرصهم على اتباع السنة وتطبيقها

- ‌المبحث العاشر: الاهتمام بالسنة وثمار اتباعها

- ‌المبحث الحادي عشر: المداومة على العمل الصالح بعد الحج

- ‌بيان من هيئة كبار العلماءحول أحداث الرياض

- ‌بيان من هيئة كبار العلماءحول ما جرى مؤخرا فيالمملكة العربية السعودية من تفجيرات

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المبحث الأول: فرضية الحج والترغيب فيه وبيان حكمه وأسراره

‌المبحث الأول: فرضية الحج والترغيب فيه وبيان حكمه وأسراره

الحج أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، فرضه الله على عباده في العمر مرة واحدة، وما ازداد به العبد بعد ذلك فهو تطوع، قال تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (1)، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله (هذه آية وجوب الحج عند الجمهور، وقيل: بل هي قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (2) والأول أظهر، وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد أركان الإسلام ودعائمه وقواعده، وأجمع المسلمون على ذلك إجماعا ضروريا، وإنما يجب على المكلف في العمر مرة واحدة بالنص والإجماع) (3).

وقد تضمن قوله سبحانه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (4) من الحكم والأسرار ما يحث النفوس المؤمنة على أداء فريضة الحج، ويقوي العزائم وينهض الهمم للقيام بهذا النسك العظيم، إيمانا بالله ورضا بفرضيته واستسلاما لأمر الله وحكمه، واقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم القائل:«لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه (5)» ، وفي

(1) سورة آل عمران الآية 97

(2)

سورة البقرة الآية 196

(3)

تفسير القرآن العظيم 1/ 383

(4)

سورة آل عمران الآية 97

(5)

جزء من حديث جابر الذي رواه مسلم في صحيحه -كتاب الحج- باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا 9/ 44.

ص: 254

بيان أسرار هذه الآية ونكاتها ولطائفها يقول ابن القيم: (ومن فوائد هذه الآية وأسرارها أنه سبحانه إذا ذكر ما يوجبه ويحرمه، يذكره بلفظ الأمر والنهي وهو الأكثر، أو بلفظ الإيجاب والكتابة والتحريم، نحو: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (1){حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (2){قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} (3) وفي الحج أتي بهذا النظم الدال على تأكد الوجوب من عشرة أوجه: أنه قدم اسمه تعالى، وقدم عليه لام الاستحقاق والاختصاص، ثم ذكر من أوجبه عليهم بصيغة العموم الداخلة عليها حرف (على)، ثم أبدل منه أهل الاستطاعة، ثم نكر السبيل في سياق الشرط، إيذانا بأنه يجب الحج على أي سبيل تيسرت من قوت أو مال، فعلق الوجوب: بحصول ما يسمى سبيلا، ثم أتبع ذلك بأعظم التهديد بالكفر، فقال:{وَمَنْ كَفَر} (4) أي: بعد التزام هذا الواجب وتركه، ثم عظم الشأن وأكد الوعيد بإخباره باستغنائه عنه، والله تعالى هو الغني الحميد، ولا حاجة به إلى حج أحد .. ثم أكد ذلك بذكر اسم العالمين عموما، ولم يقل: فإن الله غني عنه، لأنه إذا كان غنيا عن العالمين كلهم، فله الغنى الكامل التام من كل وجه .. وكان أدل على عظم مقته لتارك حقه الذي أوجبه عليه، ثم أكد هذا المعنى بأداة " إن " الدالة على التوكيد " (5).

وقد جاءت الأحاديث النبوية آمرة بالحج حاثة عليه ومرغبة فيه،

(1) سورة البقرة الآية 183

(2)

سورة المائدة الآية 3

(3)

سورة الأنعام الآية 151

(4)

سورة البقرة الآية 126

(5)

ينظر: بدائع الفوائد 2/ 45.

ص: 255

ومحذرة من أعرض عنه وتكاسل في أدائه، متى استجمعت فيه شروط الحج، فإنه حينئذ واجب على الفور، ففي الأمر بالحج وبيان أنه أحد أركان الإسلام ما رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا (1)» رواه البخاري ومسلم، وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: (ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه (2)» .

ومما ورد في الترغيب في الحج ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(1) رواه البخاري في صحيحه مع الفتح -كتاب الإيمان- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم 1/ 49 رقم (8)، ورواه مسلم في صحيحه بشرح النووي -كتاب الإيمان - باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام 1/ 176

(2)

رواه مسلم في صحيحه -كتاب الحج - باب فرض الحج مرة في العمر 9/ 100 - 101

ص: 256

«العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (1)» ، ورويا أيضا عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:«من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (2)» ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء (3)» رواه مسلم، وغير ذلك من الأحاديث في فضل الحج والترغيب فيه.

قال ابن القيم رحمه الله: (ثم تأمل كيف افتتح هذا الإيجاب -أي إيجاب الحج- بذكر محاسن البيت، وعظم شأنه بما يدعو النفوس إلى قصده وحجه، وإن لم يطلب ذلك منها، فقال: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (4){فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (5) فوصفه بخمس صفات، أحدهما: أنه أسبق بيوت العالم وضع في الأرض، الثاني: أنه مبارك،

(1) رواه البخاري في صحيحه -كتاب العمرة- باب وجوب العمرة وفضلها 3/ 597 برقم 1773، ورواه مسلم في صحيحه -كتاب العمرة- باب فضل الحج والعمرة 9/ 117

(2)

رواه البخاري في صحيحه -كتاب الحج باب فضل الحج المبرور 3/ 382 برقم 1521 واللفظ له، ورواه مسلم في صحيحه -كتاب الحج باب فضل الحج والعمرة 9/ 119

(3)

رواه مسلم في صحيحه -كتاب الحج- باب فضل يوم عرفة 9/ 117

(4)

سورة آل عمران الآية 96

(5)

سورة آل عمران الآية 97

ص: 257

والبركة كثرة الخير ودوامه، وليس في بيوت العالم أبرك منه، ولا أكثر خيرا ولا أدوم ولا أنفع للخلائق، الثالث: أنه هدى .. الرابع: ما تضمنه من الآيات البينات

الخامس: الأمن لداخله، وفي وصفه بهذه الصفات دون إيجاب قصده، ما يبعث النفوس على حجه، وإن شطت بالزائرين الديار، وتناءت بهم الأقطار.

وهذا يدلك على الاعتناء منه سبحانه بهذا البيت العظيم، والتنويه بذكره، والتعظيم لشأنه، والرفعة من قدره، ولو لم يكن له شرف إلا إضافته إياه إلى نفسه بقوله:{طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} (1) لكفى بهذه الإضافة فضلا وشرفا، وهذه الإضافة هي التي أقبلت بقلوب العالمين إليه، وسلبت نفوسهم حبا له وشوقا إلى رؤيته، فهو المثابة للمحبين، يثوبون إليه، ولا يقضون منه وطرا أبدا، كلما ازدادوا له زيارة ازدادوا له حبا وإليه اشتياقا) (2). ا. هـ مختصرا.

لقد جاء في الكتاب والسنة الأمر بالحج والترغيب في أدائه ومتابعة هذا العمل الصالح، وأبانت الأدلة آثاره على أهله في الدنيا والآخرة، إبانة تدفع النفوس المؤمنة إلى المسارعة والمبادرة في طلب ذلك الفضل، بل ويهون أنواع المتاعب والمشاق، وأنواع الإعطاء

(1) سورة البقرة الآية 125

(2)

ينظر: بدائع الفوائد 2/ 45

ص: 258

والإنفاق، قال تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (1){لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (2) الآيات، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور (3)» ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(شدوا الرحال في الحج فإنه أحد الجهادين) رواه البخاري (4).

ثم إن في شريعة الإسلام وأحكامها الغراء المصالح الشريفة والحكم العظيمة، وقد يظهر لأهل العلم شيء من ذلك، وذكرهم لهذه الحكم من هذه العبادات إنما هو حث على أدائها طاعة لله عز وجل بفعلها، والتزود منها، وهناك من الحكم والأسرار في شرعيتها الشيء الكثير الذي لا نعلمه، {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (5)

ومن العبادات التي تكلم أهل العلم في حكمة مشروعيتها وبيان

(1) سورة الحج الآية 27

(2)

سورة الحج الآية 28

(3)

رواه البخاري في صحيحه -كتاب الحج باب فضل الحج المبرور 3/ 381 برقم 1519، ومسلم في صحيحه -كتاب الإيمان- باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال 2/ 72

(4)

رواه البخاري في صحيحه -كتاب الحج باب الحج على الرحل 3/ 380 تعليقا

(5)

سورة الإسراء الآية 85

ص: 259

أسرار فرضيتها الحج وشعائره، قال ابن القيم رحمه الله:(وأما الحج فشأن آخر، لا يدركه إلا الحنفاء الذين ضربوا في المحبة بسهم، وشأنه أجل من أن تحيط به العبارة، وهو خاصة هذا الدين الحنيف .. وسائر شعائر الحج مما شهدت بحسنه العقول السليمة والفطر المستقيمة، وعلمت بأن الذي شرع هذه لا حكمة فوق حكمته)(1) ا. هـ مختصرا.

وممن تحدث في بيان حكم الحج وأسراره ابن قدامة، فمما ذكره: أن يتذكر بتحصيل الزاد زاد الآخرة من الأعمال، وليحذر أن تكون أعماله فاسدة من الرياء والسمعة، فلا تصحبه ولا تنفعه، كالطعام الرطب الذي يفسد في أول منازل السفر، فيبقى صاحبه وقت الحاجة متحيرا.

وإذا فارق وطنه ودخل البادية وشهد تلك العقبات والصعاب والشدائد، فليتذكر بذلك خروجه من الدنيا بالموت إلى ميقات القيامة، وما بينهما من الأهوال.

ومن ذلك أن يتذكر وقت إحرامه وتجرده من ثيابه أنه يلبس كفنه، وأنه سيلقى ربه بزي مخالف لزي أهل الدنيا، وأنه يأتي ربه متجردا من الدنيا ورفعتها وغرورها، ما معه إلا عمله إن خيرا فخير،

(1) مفتاح دار السعادة 2/ 4

ص: 260

وإن شرا فشر، وإذا لبى فليستحضر بتلبيته إجابة الله تعالى إذ قال:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (1) وليرج القبول وليخش عدم الإجابة، وليتذكر خير من لبى وأجاب النداء، محمدا صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، وليعزم على الاقتداء به واقتفاء سنته واتباع طريقه.

وإذا وصل إلى الحرم فينبغي أن يرجو الأمن من العقوبة، وأن يخشى أن لا يكون من أهل القرب عند الله، معظما رجاءه في ربه محسنا ظنه به، فإذا رأى البيت الحرام استحضر عظمة الله في قلبه وعظمت خشيته منه وازداد له هيبة وإجلالا، وشكر الله تعالى على تبليغه رتبة الوافدين إليه، وليستشعر عظمة الطواف به فإنه صلاة.

وأما الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ثم في منى فيتذكر بما يرى من ازدحام الخلق وارتفاع أصواتهم واختلاف لغاتهم موقف القيامة، واجتماع الأولين والآخرين في ذلك الموطن وما فيه من أهوال وشدائد {يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} (2){كَلَّا لَا وَزَرَ} (3){إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} (4){يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} (5)

وإذا جاء رمي الجمار فاقصد بذلك الانقياد للأمر، وإظهار الرق والعبودية والحاجة والفاقة، وامتثال السنة واتباع الطريقة،

(1) سورة الحج الآية 27

(2)

سورة القيامة الآية 10

(3)

سورة القيامة الآية 11

(4)

سورة القيامة الآية 12

(5)

سورة القيامة الآية 13

ص: 261

وتقديمها على حظوظ النفس ورغباتها (1) ا. هـ.

لقد جمع الحج بمناسكه عبادتين عظيمتين، مادية بالبذل والنفقة، وبدنية بالقيام بشعائره وأداء مناسكه، كما حج عليه الصلاة والسلام القائل:«لتأخذوا مناسككم (2)» ، ولذلك كان الصالحون من عباد الله يتحسرون على فوات الحج وعدم تمكنهم منه، على أن المتخلف لعذر شريك السائر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك:«إن أقواما بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا فيه، حبسهم العذر (3)» . يحدوهم قول الشاعر:

يا سائرين إلى البيت العتيق لقد

سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا

إنا أقمنا على عذر وقد رحلوا

ومن أقام على عذر كمن راحا

ولهؤلاء وغيرهم يقال ليست العبرة بكثرة العمل، إنما العبرة بقبوله مع إخلاص النية وسلامة القلب وطهارته من كل ما يشوبه، وقوة التعلق بالله، خشية منه ومحبة وإجلالا وتعظيما له، ورغبة فيما عنده وزهدا في الدنيا وما عند الناس.

قال ابن مسعود رضي الله عنه لأصحابه: (أنتم أكثر صلاة وصياما من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهم كانوا خيرا

(1) مختصر منهاج القاصدين ص 42 - 43

(2)

صحيح مسلم الحج (1297)، سنن النسائي مناسك الحج (3062)، سنن أبو داود المناسك (1970)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 337).

(3)

رواه البخاري في صحيحه- كتاب الجهاد- باب من حبسه العذر عن الغزو 6/ 46 برقم 2839 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 262