الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنها تعطي إشارة عند الخروج من المنزل يستدل بها رجال الأمن على عدم التزامه بالعقوبة.
وقد ذكر في المعيار المعرب: أن أحد قضاة المسلمين حكم على غلمان مرد بطالين يفسدون بالدراهم بأن يوضع القيد في أرجلهم ويحبسون في بيوت آبائهم (1).
(1) المعيار المعرب 8/ 258
ثالثا: العقوبة المعنوية:
وهي التي تتعلق بشخصية المجرم وسمعته وكلام الناس عليه، والتشهير عقوبة معنوية وهي في الاستعمال الفقهي المناداة بالمجرم وإعلان ذنبه للناس ليعرفوه، فقد كان الولاة المحتسبون السابقون عندما يريدون التشهير بالمذنب يركبونه حمارا أو جملا، ويلبسونه الطرطور، ويدار به في السوق، ويأمر من يطوف به أن يقول: هذا فلان قد فعل كذا فاحذروه، وكذا قال ابن فرحون المالكي في التبصرة:(1)، وقال الماوردي: للأمير إذا رأى من الصلاح في ردع السفلة أن يشهرهم وينادي عليهم بجرائمهم ساغ له ذلك (2).
وقال في منهاج الطالبين (3): (أو قيام من المجلس أو كشف
(1) تبصرة الحكام 2/ 150.
(2)
الأحكام السلطانية للماوردي ص275.
(3)
مناهج الطالبين 8/ 21.
رأس أو تسويد وجه أو حلق رأس لمن يكره في زماننا، لا لحية، وإن قلنا بكراهته وهو الأصح، وإركابه الحمار منكوسا، والدوران به كذلك بين الناس.
ومن التعزيرات المعنوية: الحرمان من ممارسة بعض الحقوق، وقد حرم رسول الله القاتل من حقه في السلب، لسوء معاملته لأميره، رواه مسلم في صحيحه (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومن علم منه أنه يغبن المسلمين فإنه يستحق العقوبة بل يمنع من الجلوس في سوق المسلمين، حتى يلتزم طاعة الله ورسوله، وللمغبون أن يفسخ البيع فيرد السلعة ويأخذ الثمن)(2).
وقال أيضا في تعزير المدين المماطل: (ولو كان قادرا على أداء الدين وامتنع ورأى الحاكم منعه من فضول الأكل والنكاح فله ذلك، إذ التعزير لا يختص بنوع معين وإنما يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم في نوعه وقدره إذا لم يتعد حدود الله)(3).
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) مسلم في (كتاب الجهاد) باب استحقاق القاتل سلب القتيل برقم (1753).
(2)
مجموع الفتاوى 29/ 390.
(3)
الاختيارات الفقهية ص239.
صفحة فارغة
أحاديث فضائل الأضحية
جمع ودراسة
لفضيلة الدكتور/ عبد العزيز بن عبد الله الزير آل حمد (1)
المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:
فإنه مما لا شك فيه أن للأضحية شأن عظيم؛ إذ هي من شعائر الله تعالى ومعالمه التي تدل على تقوى العبد وخشيته، قال تعالى:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (2) قال القرطبي (3) رحمه الله: (الشعائر جمع شعيرة وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم
…
فشعائر الله أعلام دينه لا سيما ما يتعلق بالمناسك، وقال قوم: المراد هنا تسمين البدن والاهتمام بأمرها والمغالاة بها قاله ابن عباس ومجاهد وجماعة، وفيه إشارة لطيفة وذلك أن أصل شراء البدن ربما يحمل على فعل ما لا بد منه فلا يدل على الإخلاص، فإذا عظمها مع حصول الإجزاء. بما دونه فلا يظهر له عمل إلا تعظيم الشرع، وهو من تقوى القلوب).
والذبح لله تعالى والتقرب إليه بالقرابين من أعظم العبادات، وأجل الطاعات، ويكفي المؤمن في هذا أن الله عز وجل قد قرن الذبح بالصلاة في عدة مواضع من كتابه العظيم لبيان عظمه وكبير شأنه وعلو منزلته.
فإذا تبين لك عظم هذه الشعيرة، ومنزلتها من الدين، فاعلم أخي الكريم أنه لا يشترط في كل عبادة يتقرب فيها إلى الله تعالى أن يرد في شأنها فضل من آية أو حديث، بل إن الواجب على المؤمن أن يسلم لله تعالى في كل أمر من أوامره ونواهيه، سواء ورد في شأن هذا الأمر فضل أو لم يرد، فإن هذا من كمال العبودية، وتطبيق لأمر الله تعالى في قوله:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (4)
(1) عضو هيئة التدريس بكلية الملك فهد الأمنية
(2)
سورة الحج الآية 32
(3)
انظر: ((الجامع لأحكام القرآن الكريم)) للقرطبي (12/ 56)
(4)
سورة الأحزاب الآية 36
قال الحافظ ابن كثير (1) معلقا على هذه الآية: هذه الآية عامة في جميع الأمور وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته، ولا اختيار لأحد ها هنا ولا رأي ولا قول، كما قال تبارك وتعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2) وفي الحديث «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به (3)» ولهذا شدد في خلاف ذلك فقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (4) كقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (5)
فإذا تبين لك ما تقدم: فاعلم أن الأضحية من العبادات التي جاءت الشريعة بمشروعيتها، وقد ورد في فضلها بضع أحاديث، أسانيدها ضعيفة، بل أكثرها يميل إلى الضعف الشديد، بل إلى الوضع، كما سترى إن شاء الله تعالى، حتى قال العالم الجليل أبو بكر بن
(1) انظر: تفسير القرآن العظيم (3/ 491)
(2)
سورة النساء الآية 65
(3)
أخرجه الخطيب في تاريخه (4/ 491)، والبغوي في شرح السنة (ح/104)، والحسن بن سفيان كما في فتح الباري، وقال ابن حجر: رجاله ثقات، وقد صححه النووي في آخر الأربعين. انظر: فتح الباري (13/ 289).
(4)
سورة الأحزاب الآية 36
(5)
سورة النور الآية 63
العربي رحمه الله: (ليس في فضل الأضحية حديث صحيح)(1)، وقد نقل كلام ابن العربي هذا عدد من علماء الحديث وأقروه، أمثال: ابن الملقن (2)، وابن حجر (3)، والسخاوي (4)، والعجلوني (5)، والمناوي (6)، والمباركفوري (7) رحمهم الله تعالى.
أسباب اختيار الموضوع:
وقد حداني إلى الكتابة في مثل هذا الموضوع عدة أسباب، أهمها:
1 -
التثبت من صحة ما ذكره أبو بكر بن العربي من أنه لا يصح في فضل الأضحية حديث.
2 -
أن الأسانيد الواردة في فضل الأضحية ليست بصحيحة، بل هي ضعيفة أو شديدة الضعف، بل بعضها يصل إلى حد الوضع.
3 -
أن كثيرا من الوعاظ والخطباء والمؤلفين- وفقهم الله-
(1) انظر: (عارضة الأحوذي)(6/ 288)
(2)
انظر فيض القدير (1/ 496).
(3)
انظر (تلخيص الحبير)(4/ 83).
(4)
انظر (المقاصد الحسنة)(1/ 114).
(5)
انظر (كشف الخفاء)(1/ 133).
(6)
انظر: (فيض القدير)(1/ 496)
(7)
انظر (تحفة الأحوذي)(5/ 63)
يوردون هذه الأحاديث الواردة في فضل الأضحية في مواعظهم وخطبهم وكتبهم على أن أسانيدها صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن الصواب خلاف ذلك.
4 -
حث السلف من أهل الحديث- رحمهم الله على اتباع الصحاح من الأحاديث والآثار والابتعاد كل البعد عن رواية الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
5 -
أنني لم أر أحدا - فيما أعلم- سبقني إلى البحث في مثل هذا الموضوع.
وإذا تبين لك أخي الكريم ضعف هذه الأحاديث، فإنه لا يجوز رواية الحديث الضعيف فضلا عن العمل به، وهذا هو مذهب جمهور المحققين من أهل الحديث، قال الشيخ أحمد شاكر (1) رحمه الله: (والذي أراه أن بيان الضعف في الحديث الضعيف واجب في كل حال؛ لأن ترك البيان يوهم المطلع عليه أنه حديث صحيح
…
وأنه لا فرق بين الأحكام وبين فضائل الأعمال ونحوها في عدم الأخذ بالرواية الضعيفة، بل لا حجة لأحد إلا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث صحيح أو حسن) والحديث في هذا
(1) انظر: شرح ألفية الحديث ص (94)
الباب طويل جدا (1).
وفي الختام: أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الجهد، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
(1) للاستزادة انظر كتاب: ((حكم العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال))