الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسَائِلُ التَّزْكِيَة
وهذه مسائل التزكية من المنتقى، أضيفت إلى هذا الكتاب لشبهها بتأليفه جمعًا بينهما.
قال محمد: التزكية: جودٌ، وهنا معاداة وبلاء على الناس. ولا ينبغي للقاضي أن يعرف له صاحب مسألة ولا تعديل.
وقال: ومن وقّت في التزكية فهو مخطئٌ وهذا على ما يقع في القلب؛ لأنَّه ربما يعرف الرجل الرّجل في شهرين وآخر لا يعرفه في سنة؛ لأنّه يُرائي ويتصنّع.
قال رجلٌ عدلٌ عند القاضي: وأنا لا أعرفه إلاّ أنّه وصف في هل يسعني أن أزكيه. وقد عرفت أن القاضي زكّاه.
قال: لا يسعه أن تعدّله أنت.
قال محمّد: كم من رجل أقبل شهادته ولا أقبل تعديله؛ لأنه يحسن أن يؤدي ما سمع، ولا يحسن التعديل.
قال: وينبغي للقاضي أن يحضر في مجلس قضائه أبدًا رجلان يسمعان إقرار من يقر ويشهدان على ذلك، فينفذ الحكم عليه بشهادة منه وممن حضره.
وينبغي له [أن] يبحث في المسألة عن الشهود بمحضر من رجلين يحضران أيضًا تزكية من أرسله في المسألة عن الشاهد.
قال: ولا يجوز للقاضي أن يقول: قد سألت عنها في السر والعلانية فزكيا
وعدّلا. هذا بمنزلة قوله: أقر عندي بكذا. قال: إذا سأل القاضي عن الشهود في السر فلم يعدّلوا، ثم أتاه الشهود له بعدلين يعدلان شهوده. قال: لا يقبل ذلك. والمسألة مسألة السر.
وقال أبو يوسف: إذا عدل الشاهد في السر فقال المشهود عليه: أنا أجيءُ بالبينة في العلانية على أنه صاحب كذا. الشيء إذا كان كذلك لم يقبل شهادته. فإنيّ لا أقبل ذلك من المدعي قبل إذا عدل في السر.
وكان أبو حنيفة يقول: ينبغي للقاضي أن يلي مسائل الشهود بنفسه، فإن قوي على أن يكتب القصص بنفسه فهو أفضل. ولو شهدوا على رجلٍ بمالٍ فلم يعدلوا به فسأل المشهود عليه الحاكم أن يرد شهادتهم، فإنه يتخوف أن يشهدوا بهذه الشهادة عليه عند قاضٍ آخر غيره فيجيزها عليه. فإنه ينبغي أن يرد حينئذٍ شهادتهم. فإن قال: اشهدوا أني قد رددت شهادتهم أو قد قضيت برد شهادتهم المتهمة في هذه الشهادة أو لأنهم غير عدول في شهادتهم أو سمع ذلك منه ولم يقبل شهدوا، ثم شهدوا بها بعد ذلك عند حاكمٍ. فيسأل المطلوب الحاكم الأوّل أن يكتب له إلى الحاكم ما كان منه في رد شهادتهم. فإنه يكتب له بذلك.
وينبغي للثاني: أن يردّها وإن كان الأوّل سأل عنهم، فلم يعدلوا، فلم يرد شهادتهم حتى شهدوا عليه بها عند حاكمٍ آخر. فسأل عنهم فعدلوا. فإنّ الثاني يمضيها. وهذا كان الأوّل أعاد المسألة عنهم فعدلوا.
وقال محمّد: أقبل شهادة الشاهدين على شهادة شاهدٍ قد عرفاه باسمه ونسبه، وإن لم يعدلاه وقالا: لا معرفةً لنا بصلاحه. واسأل عن الشهود على شهادته. فإن عدل أجزت ذلك، وإن شهدوا على شهادته وأنه
عدلٌ وليس بالمصر من يعرفه، فإن كان موضوعًا للمسألة دعوتهما في السر، فسألتهما عنه. أو بعثت إليهما فيسألا عنه في السّرِّ، فإنّ عدّلاه قبلت ولا أكتفي بما أخبرني به من عدالته في العلانية إذا شهد شاهدان على شهادة شاهدين بألا يعرفانهما بعدلٍ ولا جرحٍ.
قال محمد: قد اتسقا في ذلك. وينبغي للقاضي أن يسأل عنهم جميعًا.
وقال: رجلان شهدا على شهادة رجلٍ وقد عرف القاضي أنّهما عدلانِ فعدلا المشهود عليه.
قال: سألهما أيضًا في السّرِّ ولو قال حين شهدا: إنه لا خير فيه. وزكّاه عشرةٌ لم تقبل شهادته، ولو جرّحه أحد الشّاهدين لم يلتفت القاضي إلى جرحٌ واحدٍ.
قال: إذا قال المشهود عليه هذا الشاهد عبدٌ وزعم الشاهد أنّه حرّ الأصل سألت عنه في السر، فإن قالوا: هذا حرّ الأصل أجزت شهادته. وإن قالوا: أجري عليه الرّقّ لم أقبل شهادته حتى يقيم البينة على أنه حرٌّ. هذا في الشهادة. فأمّا إذا قتل رجلًا أو قطع يده أو قدَمه، وادّعى الفاعل أنه المفعول به، لم أقتله، ولم أقطعه، ولم أحدّه، حتى يقيم الطالب البينة أنّه حرٌّ.
وكذلك لو قال الفاعل: إنّي عبد والمفعول به حرٌّ.
قال محمد عن أبي حنيفة: إذا طعن الخصم في الشّاهدين. قال: هما مملوكان. فسألهما، وقالا: حرًّا الأصل، فإنّي أسأل عنهما في السّرِّ. وأكتفي بها، فإن جاءني على ذلك أجزت شهادتهما وهو قول محمّد.
قال هشام: سألت محمدًا عن المشهود عليه: إن ادّعى أن الشّاهدين
عبدان. قال: أسأل الذي ادّعى شهادتهما، فإن قالا كَانَا مملوكين فَأعتقا. سألتهما البينة على ذلك.
وروى ابن سَمَاعة (1)، عن أبي يوسف قال: لا أجيز شهادة من شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وإن هذا مجونٌ وسفهٌ. وأقبل شهادة الذي تبرأ منهم؛ لأن هذا منه تدينٌ.
(1) قال المصنف في تاج التراجم (ص 19): محمد بن سماعة بن عبيد بن هلال بن وكيع ابن بشر التيمي، أبو عبد الله، حدّث عن: الليث بن سعد، وأبي يوسف، ومحمد ابن الحسن، وكتب النوادر عن أبي يوسف، ومحمد، وروى الكتب والأمالي. قال الصيمري: وهو من الحفاظ الثقات. وقال الخطيب: توفي سنة ثلاث وثلاثين ومئتين، وله مئة سنة وثلاث وستون سنة، كذا، كان مولده سنة ثلاثين ومئة، وروي: أنه بلغ ذلك السن، وهو يركب الخيل ويفض الأبكار. وقال ابن معين: لو كان أهل الحديث يصدقون في الحديث كما يصدق محمد بن سماعة في الرأي، لكانوا فيه على نهاية، وكان يصلي في كل يوم مئتي ركعة، وولي القضاء للمأمون ببغداد سنة اثنتين وتسعين ومئة بعد موت يوسف بن أبي يوسف، فلم يزل على القضاء إلى أن ضعف بصره، فعزل، وضم عمله إلى إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، ولما مات قال ابن معين: اليوم مات ريحانة أهل الرأي. له كتاب أدب القاضي، وكتاب المحاضر والسجلات. وقال الصميري: سبب كتابة ابن سماعة للنوادر عن محمد ابن الحسن؛ أنه رآه في النوم كأنه يثقب البر، فاستعبر، فقيل له: هذا رجل ينطق بالحكمة، فاجتهد أن لا يفوتك من لفظه شيء، فبه أمسك. وكتب عنه النوادر. قال محمد بن عمران: سمعت ابن سماعة يقول: مكثت أربعين سنة لم تفتني التكبيرة الأولى مع الإمام، إلا يوم ماتت فيه أني، ففاتتني صلاة واحدة في الجماعة، فقمت فصليت خمسًا وعشرين صلاة، أريد بذلك التضعيف، فغلبتني عيني فأتاني آتٍ، فقال: يا محمد صليت خمسًا وعشرين صلاة، ولكن كيف بتأمين الملائكة. والله أعلم.
وقال: من أحبّ الشطرنج فكان يتشاغل بها عن الصّلاة أو يقامرُ بها، فإنّي لا أقبل شهادته وأن لا يشغل عن الصلاة ولا يقامر بها قبلت شهادته، ولا أقبل شهادة من يلعب بالحمام وبغيرها. وأقبل شهادة من اتخذها مقصصةً ولا يقامر بها.
ومن سأل عنه فقالوا: نتهمه بشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقبله حتى يقولوا سمعناه يشتم.
وإن قالوا: نتهمه بالفسق والفجور، ونظن به ذلك، ولم يره. فإني أقبل ذلك ولا أجيز شهادته.
وقال رجلٌ ادّعى داراً في يد رجلٍ وأقام عليه شاهدين بأنّها له. فقال المشهود عليه: أنا أقيم البينة على أن الشاهد كان يدّعيها ويزعم أنّها له.
قال: هذا جرحٌ إن عدلت البينة عليه بذلك.
وذكر هشام في نوادره قال: سمعت أبا يوسف يقول: لا أقبل تزكية العلانية حتى يزكّى في السّرِّ. وإذا عرفت هذا لم أسال عنهم أحدًا.
وقال أبو يوسف: إذا سألوا عن الشهود فقالوا: لا نعلمه إلّا خيرًا فهو جائزٌ - يعني: أنّها تزكية -.
وروى إبراهيم، عن محمد: أنّه إذا قال المزكي: لا أعلم منه إلا خيرًا. قال: تقبلُ منه إذا كان عالمًا، بصيرًا. وإن لم يكن فقيهًا يوقف ذلك.
قال: وينبغي للقاضي أن يسأل المزكي عن الجرح إلا أن يكونا عالمين. فيكتفي بقولهما لا خير فيه.
وقال أبو يوسف: أقبل شهادة الشّاعر ما لم يقذف في شعره المحصنات.
قال هشام: سألت محمّدًا عن رجلٍ له مقبل شرب قناةٍ أو نهر أجره شهرًا أو سنةً وقد أعلموه أن هذا مكروه فلا ينتهي. هل يزكّى أن يشهد بشهادةٍ ولا يعلمون عنه إلاّ خيرًا ما عدا بيع الماءِ.
قال محمد: هذا مما يختلف فيه الناس، وفيه شبهة. فإذا فعل ذلك على وجه شبهة أجزنا شهادته.
قال: وسألت عن رجلٍ ليس له أصلٌ، ولكنه استأجر ماءً شهرًا أو سنةً لزرعٍ له. فيفضل منه فضلة فيبيعها أو لا يكون له زرعٌ فيستأجر هذا الماء لينجر فيه للبيع. ماذا ترى في تزكيته للشهادة؟.
قال: إذا كان لا بأس به في غير هذا لا تبطل شهادته.
قال محمد: موسرٌ لم يحج، ولم يؤدّ زكاة ماله. إن كان صالحًا لم تجرح شهادته بهذا؛ لأنّ الحج ليس لهُ وقتٌ. والزّكاة إذا وجبت ليس لها وقت.
قال: وما كان له وقتٌ فأخّره لم أقبل شهادته.
قلت: وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف: الفورية واجبة، فيأثم بالتأخير، ويفسق. وترد شهادته. هكذا في شرح الهداية. والله أعلم.
قال هشام: سألته عن الرجل يشهد على شهادة أبيه، أو يُزكّي أباه. قال: جاز. وله أن يزكي أباه حيًّا وميتًا.
قال: وسألته عن الغريب ينزل بين أظهر قومٍ لا يعرفونه ثم شهد بشهادة ما يقول فيمن قال: إذا نزل بين أظهرهم ستة أشهرٍ وهو غريب، فلم يروا منه إلاّ خيرًا. إنهّم يعدّلونه. فإنّ محمدًا لا يعرف وقت السّتة أشهر.
قلت: أفقاله أحدٌ من أصحابك؟ قال: أظنّ أبا يوسف قال شيئًا من ذلك.
قلت له: فما تقول أنت؟ قال: على قدر ما يقع في قلوبهم - يعني: صلاحه - فإنه لا يكاد يخفى.
وقال أبو يوسف: إذا عرف الرجل باسمه ونسبه، فإن لم يكن له بدينه علمٌ فلا تزكه في الشهادة، فإن علمت منه خيرًا في يومٍ أو شهرٍ فلا تزكه وأدنى ما تزكيه فيه ستة أشهرٍ فصاعدًا تعرفه بالصلاح. وكذلك إذا كان يغيب ويحضر. فإذا كان جميع ما رأيته ستّة أشهر عرفته فيها بالصّلاح زكّيته وشهدت على شهادته.
وقال أبو يوسف: لا تزكية إلاّ بعد معرفة سنةٍ.
قال هشام: قلت لمحمّد: فإذا شهدَ بشهادة فعدل فيها، ثم شهد بشهادةٍ فقال: إذا كان قريبًا اكتفوا بالتعديل الأوّل.
قلت: قال في الصغرى: تكلموا فيه. والصحيح قولان:
أحدهما: مفوّض إلى رأي القاضي.
والثاني: لو تخلل ستّة أشهرٍ يحتاج أشهرًا وإِلَّا فلا.
قال: نصراني شهد شهادة، ثم أسلم.
قال: إن كان عدل قبل أن يسلم قبلت شهادته، وإن كان لم يعدل حتى أسلم سألت عنه. هل كان يعدل في النصرانية، فإن كان يعدل في النصرانية قبلت شهادته.
قال: وسألته عن مشركين شهدا على مشركٍ فعدلا في شركهم، فلم يوجه القضاء حتى أسلم المشهود عليه، فلو أسلم الشاهدان مكانهما.
قال: أسأل الشاهدين أن يعيدا الشهادة عليه.
قلت له: أفتسأل عن تعديلهما؟.
قال: لا. لأنهما قد عدلا عن الشرك.
قلت: فلم لا يؤخر أمرهما حتى ينظر كيف قولهما الإسلام ولفرائضه.
قال: إذا عدلا في الشرك فهما عدلان.
قلت: فمسألة الشرك من يسأل عنهما مسلمون أو مشركون. قال: بل مسلمون. قلت: فإن لم يعرفهم المسلمون. قال: يسأل هؤلاء المسلمون عن عدولٍ من المشركين، ثم أولئك (1) عن الشهود.
قال: وسألته عن الشاهدين إذا رجعت مسألتهما أنهّما عدلان، ولكن أوهما فيما شهدا عليه. فقال: لا أقبل هذا حتى أبعث إلى الذين عدلا فأسألهما ما هذا الذي أوهما فيه.
قلت: فترى لهما إذا عرف الشهود عدول، وأن الذي شهدا عليه وهم منهما: إن اتفقا فلا يجرحا ولا يعدلا؟.
قال: لا. ولكن أحب إليَّ أن يخبرا أنّهما عدلان إلا أنهما أوهما في كذا.
قال هشام: أرى أن يتفقا إذا كان هكذا.
قال محمّد: إذا زكى الشهود عليه الشاهدين. قال: أسأله: أصدقا؟ فإن قال: أوهما، ولكنهما صالحان. قال: لا أقضي عليه؛ لأنه حيث قال أوهما فلم يزكهما.
قال هشام: قلت لمحمد: غريب شهد ولا يعرف إذا سئل عنه في السرِّ؟.
(1) في المخطوط فراغ بمقدار كلمتين.
قال: أسأله عن معارفه في السر، فإذا عدلوا سألتهم عنه، فإن عدلوه قبلت ذلك.
وقال محمّد في رجلٍ شهد عند قاضي مِصر فلم يعرفه أحدٌ. فقال المشهود له: إنّ شاهدي ما يعرف إلَّا في مصري. فاكتب إلى قاضي مصر كذا، فإنه يعرفه أو يعرف في مصره. قال: يكتب له.
قال: إذا سأل الرجل عن تعديل الرجل، فإن كان هناك من يعدله سواه أوسعه أن لا يجيب فيه، وإن أجاب فيه كان أفضل، وإن لم يكن هناك من يجيب فيه، لم يسعه إلاّ أن يقول فيه الحق، وإلاّ فإنه هو الذي أبطل حقه.
وسألته عن رجلٍ رأى منه وافية، وإنسان يشهد له بالزّور على دراهم. فقال: أجعل لك كذا درهمًا على أن تشهد لي بكذا. فاستزاده الشاهد حتى اتفقا وقد أقعد الذي سأله قومًا عدولًا، ثم شهد له الشاهد عند ذلك القاضي.
وشهد شهود عدول على مراضاته هل يصنع به القاضي ما يصنع بشاهد الزور من العقوبة؟.
قال: ولكنه يسأل عنه. فإن عدل أمضى شهادته ولا أقبل هذا؛ لأنه من التهاتر عند محمّد، لو شهد بشهادة عند قاضٍ فعدّل، ثم أتاه قوم علانية فقالوا: رأيناه أمس سكران أو جامع بالزنا أو شرب الخمر.
قال: إن كان شيئًا يلزمه فيه حق من حدٍّ أو ماله يرده على صاحبه. أبطلت شهادته، وإن كان إنما يراد بهذا إبطال شهادته، لا يراد بذلك حقٌّ يلزمه. سألت عنه، فإذا عدّل قبلت شهادته، ولم ألتفت إلى شهادتهم.
وإذا أقام المدّعى عليه البينة على إقرار المدّعي: أن شهوده شهدوا بزورٍ،
أو أنهم لم يحضروا المجلس الذي كان فيه هذا الأمر، أو بعض ما وضعت لك من الجرح الذي لا يقبل على الشهود، فإنه يقبل وتبطل شهادة شهود المدعي.
ولو قال المدّعي قبله: أنا أقيم البينة على الشهود بالزنا أو شرب الخمر فأحضر شهوده. قبلت شهادتهم، وأمضيت الحد عليهم، وأبطلت الشهادة الأولى؛ لأنهم أوجبوا عليه حدًّا. وإنّما الذي لا يقبل أن يردوا إبطال الشهادة فقط.
قلت: فقدم في الوجه الثاني، وفي هذا زيادة أن إبطال الشهادة بعد إمضاء الحد.
قال محمد: كان أبو حنيفة يقبل تعديل المرأة والأعمى والعبد.
وقال محمّد: لا يجوز تعديل الأعمى ولا المرأة ولا العبد.
قال: سألت محمدًا، عن شاهدين عدلين شهدا عند رجلٍ: أنّ فلانًا هذا عدل، هل يسعه إذا سأل عنه في شهادته أن يعدله وهو لا يعرفه؟.
قال: إذا كان الذين عدّلاه يُعرفا في التعديل، ويبقى أن يعدله ولا يجيز، وإن أُجيزَ فقال: يشهد عندي شاهدان بذلك. جاز أيضًا في قياس قول أبي حنيفة؛ لأنه يجيز تعديل الواحد.
وفي قول محمد: هو معدّل واحدٍ حتى يجيء معه معدّل آخر.
قلت له: فاسق أشهد رجلين على شهادته، ثم صلح. قال: لا يشهد الشاهدان بتلك الشهادة، إلاّ أن يشهدها ثانيًا بعدما صلح.
ولو أشهدهما وهو عدلٌ، ثم فسد، لا يسعهما أن يمضيا عليه.
وقال: لا تقبل شهادة من يجلس مجالس الفجور والمجانة على الشّراب، وإن لم يسكر. وإذا سلم الرجل من الفواحش التي فيها الحدود وما يشبه ذلك من العظائم، ثم نظر في معارضته وفي طاعته، فإن كان يؤدي الفرائض وأخلاق البر فيه أكثر من المعاصي قبلنا شهادته؛ لأنه لا يسلم عبدٌ من ذنبٍ، وإذا ترك الصلاة في الجماعة والجمع استخفافًا بها أو مجانةً، فلا شهادة له. وإن كان تركه على تأويل الهوى، وكان عدلًا فيما سوى ذلك قبلت شهادته.
رجل شهد وهو فاسق، ثم تاب وصلح قبل أن يمضي الحكم. لا ينبغي للقاضي أن يمضي تلك الشهادة.
وقال: إذا كان مقيمًا على كبيرةٍ لا تقبل شهادته.
قلت: فإن غنّى بغناءٍ فيه فحشٌ وهو في غير ذلك لا بأس به.
قال: لا تبطل شهادته؛ لأنه إنما يحكي ذلك الغناء عن غيره.
وذكر ابن سَمَاعة (1) في نوادره: عن أبي يوسف قال: أجيز في التزكية سرًّا تزكية العبد والمرأة والأعمى والمحدود إذا كانوا عدولًا، فزكوا لي رجلًا في السر. قبلت منهم. وأجزت قولهم. وليست هذه شهادة إنما كان هذا الدين.
ولو كان عبدًا يزكي رجلًا في العلانية له، أقبل تزكيته.
وكذلك الأعمى والمحدود لا أقبل في تزكية العلانية إلا ما كنت أقبله في الشهادة.
فأمّا تزكية السر، فإنّ ذلك ليس بشهادة.
(1) مرّت ترجمته.
قال أبو يوسف: لا أجيز شهادة الذي إذا سكر. . . (1).
قال إبراهيم: سألت محمدًا عن الرجل يشهد عند القاضي، وهو على رأس خمسين فرسخًا، فيبعث القاضي أمينًا على جُعْلٍ يسأل المعدل عن الشاهدين، على من يكون الجعل.
قال: على المدعي ألا ترى أنّ الصّحيفة التي يكتب فيها قضية عليه.
وقال في رجلٍ أعمى: صوّامٌ قوّامٌ مغفل. يخشى عليه أن يلقن فيأخذ به.
قال: هذا أشد من الفاسق في الشهادة.
وسئل عن العدل في الشهادة؟ قال: الذي لم يظهر منه ريبةٌ.
وقال: من شرب النّبيذ ولعب بالشطرنج وهو متأوّل: أقبل شهادته.
وروى أبو سعيد، عن محمد في كتاب التزكية: أن أبا حنيفة قال في شهود القصاص والحدود، وفي شهود المال: إذا طعن المشهود عليه فيهم، لم يقبل القاضي شهادتهم حتى يعدلوا عنده سرًّا وعلانيةً.
وكذلك قال أبو يوسف ومحمّد في جميع الشهود، وإن لم يطعن فيهم الخصم.
قلت: قد تقدّم: أنّ الفتوى على قولهما كما صرّح به في غاية الكتب المصنفات.
قال: فإن قال الشهود عليه: هو عدلٌ ممن يسأل عن الشهود، هم عدول. ولكنهم قد أوهموا في شهادتهم.
(1) يظهر - والله أعلم - وجود سقط.
قال محمد: هذا كأنه قد زكاهم واحدٌ، فمن قبل تزكية رجلٍ واحدٍ قضى بهذه الشهادة. وهو قول أبي يوسف.
وأمّا في قول محمّد: فإنه ينبغي للقاضي أن يسأل رجلًا آخر أيضًا. وقد مرّت رواية محمّدٍ بخلاف هذا.
قلت: ذاك أولى؛ لأنه مصرّحٌ فيه أنه قال: وهذا مخرج.
قال: وإذا عدلَ المشهود عليه الشهود بعدما شهدوا عليه، ثم طعن فيهم، لم يقبل طعنه وقضى عليه.
وإن كان عدلهم قبل أن يشهدوا عليه، فلما شهدوا عليه طعن فيهم، لم يقض عليه بتعديله إيّاهم قبل أن يشهدوا عليه.
قال: وإذا زكّى الشهود واحد وردهم آخرُ، لم تجز شهادتهم في قول أبي حنيفة وأبي يوسف. والرّد أولى.
وقال محمّد: الشهادة موقوفة على حالها حتى يعدل آخر، ويردّه آخر.
قلت: قد تقدّمت هذه في كلام الصّدر الشهيد. وقولهما أولى على ما ذكر قاضي خان في أوّل فتاويه.
قال محمّد: لا أقبل في تزكية القابلة إذا شهدت على الولادة أقلّ من تزكية رجلين أو رجلٍ وامرأتين في قول محمّد.
ولا أقبل إِلَاّ تزكية من إذا شهد مع غيره على ذلك. قبلت شهادته، ولا تقبل تزكية الأعمى في قول أبي حنيفة. وتقبل عند أبي يوسف رحمه الله؛ لأنه يرى قبول شهادته فيما شهد عليه قبل أن يعمى.
قال أبو حنيفة: لا يجوز تزكية المرأة في الحدود.
وقال محمّد: لا يجوز في تزكية الزّنا إلّا الأربعة كإشهاده.
قلت: وقد مرّت. وقد آثرنا ذكر جميع ما قيل، وإن تكرر كما فعل الإمام جمال الدين الْحَصِيريّ (1).
ولهذا: تبيّن صدق قولي في شأن القاضي الذي سئلت عن صنعه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1) تحرف في المخطوط إلى: (الحصري).
وقال المصنف في تاج التراجم (ص 69): محمود بن أحمد بن عبد السيد بن عثمان ابن نصر بن عبد الملك جمال الدين أبو المحامد الحصيري البخاري، تفقه ببخارى على قاضي خان، وسمع من منصور الفراوي والمؤيد الطوسي بنيسابور، وبحلب من الشريف أبي هاشم، ودرّس بدمشق وأفتى وحدث، وتفقه عليه المعظم عيسى ابن أيوب وجماعة، وشرح الجامع الكبير، وكان كثير الصدقة غزير الدمعة نزهًا عفيفًا يكتب خطًامليحًا، توفي يوم الأحد ثامن من صفر سنة ست وثلاثين وست مئة بدمشق ومولده ببخارى في جمادى الأولى سنة ست وأربعين وخمس مئة، قلت: نسبته إلى محلة ببخارى ينسج بها الحصير واسم شرحه لجامع التحرير عدته ثمان مجلدات، وله آخر مختصر وكتاب آخر في مجلدين سماه خير مطلوب في الفقه. وانظر سير أعلام النبلاء (23/ 53 - 54).