الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَجْمُوعَةُ رَسَائِل العَلَّامَة قَاسِم بن قُطْلُوبُغَا
[19]
تَحْرِيرُ الأَقْوَالِ في مَسْأَلَةِ الاسْتِبْدَالِ
تَأْلِيفُ
العَلَّامَة قَاسِم بْنِ قُطْلُوبُغَا الحَنَفِي
المولود سَنَة 802 هـ والمتوفى سَنة 879 هـ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
(19)
تَحْرِيرُ الأَقْوَالِ في مَسْأَلَةِ الاسْتِبْدَالِ
قال - رحمه الله تعالى -:
قد رفع إلي بعض أهل سؤالًا صورته في ناظر شرعيٍّ على قرية، والقرية وقفٌ على جهاتٍ معينة، في كتاب وقفه، فاستبدل القرية المذكورة بقطعةِ أرضٍ، على أنّ القطعة المذكورة أكثر غلّة وأقرب استغلالاً، وأن الغبطة والحظ والمصلحة لمستحقي ريع القرية المذكورة في استبدال القرية بالقطعة الأرض.
وثبت ذلك على حاكمٍ يرى صحّة الاستبدال، وجواز العمل به على الوجه المشروح فيه، ونفذ ذلك الحكم على نصيحة المذاهب الثلاثة، ثم بعد ذلك تبين: أن القطعة المذكورة لم تكن أكثر غلّة، ولا أقرب استغلالاً، ولا غبطة، ولا مصلحةً لمستحقي ريع القرية المذكورة، وأنّ بعض القطعة المذكورة غرسٌ. وبعضها خوارٌ لا ينتفع بذلك. ولها عادة قديمة بنزول الجند فيها، يصلح فيها للزراعة، وزرعه من غير أجرةٍ. واستمرار ذلك بأيديهم بطريق الشوكة، وعادتهم المستقرة لهم في عرف الإطلاق.
والقطعة المذكورة معروفة قديماً بأناسي، بمقتضى أنها منزلة باسمهم ووقفاً مجلياً عليهم في ديوان الاحتباس، شهد لهم بذلك الديوان والتواقيع التي بأيديهم إلى الآن، وكل وقتٍ ينازعون واضع اليد على القطعة المذكورة
ويشكونه من أبواب الأمر أو غيرهم، فهل يكون هذا الاستبدال والحالة ما ذكر، وأنّ القرية المذكورة هي التي أكثر غلّة وأقرب استغلالاً باطلاً غير صحيح. ولا يعول عليه، ولو حكم به ونفّذ، وللنّاظر ومستحقي القرية المذكورة طلب الفسخ إذا أرادوا ذلك في الاستبدال المذكور واسترجاع القرية المذكورة، وردّ القطعة المذكورة أو طلب عوضٍ في مقابلة ذلك من أرضٍ أو بناءٍ أو ما يقوم مقام ذلك من النفع القائم مقام القرية المذكورة أم لا؟.
فكتبت له ما صورته:
الحمد لله. ربِّ زدني علماً.
هذا الاستبدال باطلٌ لو كانت القطعة الأرض المذكورة أكثر غلّة وأقرب استغلالاً، وأقلّ كلفة، وأكثر خراجاً، وملكاً خاصًّا للمستبدل، إذ ليس شيء من ذلك مسوّغاً للاستبدال عند من يراه من علمائنا، وإنما يعتمد ذلك مسوّغاً جهلاً أو تلبيساً، ولا أثر للحكم بذلك، ولا للثناء فيه، ولا تحتاج إلى طلب الفسخ، بل القرية الموقوفة وقفاً على ما كانت عليه، ولا يصح طلب العوض عنها بوجهٍ، وعلى كلّ حاكمٍ رفع إليه هذا الأمر، رفع الأيدي عن القرية الوقف واسترجاع الأجر لمدةِ هذا الاستبدال الباطل إقامةً للقسط الذي أمر الله به بإجراء الأحكام الشرعية على وجهها، ورفع الأيدي المبطلة عن ملك الله سبحانه وتعالى. وتحصيل مقاصد الواقفين الذين صاروا إلى الله تعالى مفتقرين إلى ما يصل إليهم من ثواب ما قدّمت أيديهم، وثواب الفقراء المستحقين للريع، وتخليص المستبدل من أكل الحرام على ظنّ الحلال إن كان لا يعلم بحقيقة الحال، إلى غير ذلك من الوجوه التي ترتب عليها قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الْمُقْسِطِينَ فِي الدُّنْيا عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نوُرٍ عَنْ يَمِينِ الرّحمَنِ، وكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ
فِي حُكْمِهِم وَأَهْلِهم وَمَا وُلّوا" (1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أصحَابُ الْجَنِّةِ ثَلَاثةٌ (2): ذُوْ سُلْطَانٍ مُقْسِطٍ،. . . الحديث"(3).
وقوله صلى الله عليه وسلم "إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأدناَهُم مَجْلِساً مِنْهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ"(4).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "الْعَادِلُ فِي رَعِيَّتِهِ يَوْماً وَاحِداً أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ الْعَابِدِ فِي أَهْلِهِ مِئَةَ سَنَةٍ أَوْ خَمسِينَ سَنَةً"(5). . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(1) رواه عبد الرزاق (20664) والإمام أحمد (6485 و 6492 و 6897) والحميدي (588) وحسين المروزي في زوائد زهد ابن المبارك (1484) وابن أبي شيبة (13/ 127) ومسلم (1827) والنسائي في المجتبى (8/ 221) وابن حبان (4484 و 4485) والآجري في الشريعة (ص 322) والحاكم (4/ 88) والبيهقي (10/ 87) والأسماء والصفات له (ص 324) والخطيب في تاريخ بغداد (5/ 367) والبغوي في شرح السنة (2470) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(2)
تحرف في المخطوط إلى: (ثلاث). والمثبت من مصادر التخريج.
(3)
رواه الطيالسي (1079) والإمام أحمد (4/ 162) ومسلم (2865) وابن حبان (653) والطبراني في الكبير (17/ رقم 992) والبزار في مسنده (2951) والبيهقي (9/ 20) من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه.
(4)
رواه ابن المبارك في مسند (267) والإمام أحمد (3/ 22 و 55) والترمذي (1329) والقضاعي في مسند الشهاب (1305) وأبو يعلى (1003) وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2004 و 2035) والبيهقي (10/ 88) والشعب له (7366) وأبو محمد البغوي في شرح السنة (2472) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وفيه: عطية بن سعد العوفي، ضعيف. وقال الترمذي: حديثٌ حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(5)
رواه الحارث بن أبي أسامة (597 زوائد) قال: حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام،=
الشَّك من هشيم (1).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "يَوْمٌ مِنْ إِمَامٍ عَادِلٍ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً"(2).
وقوله صلى الله عليه وسلم: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ"(3) الحديث.
فلما وقف على هذا، سألني عن حجتي على ما أجبته به، فكتبت له:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد:
= حدثنا هشيم، عن زياد بن مخراق، عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لعمل العادل في رعيته يوماً واحداً أفضل من عبادة العابد في أهله مئة عام أو خمسين عاماً" الشاك هشيم. وانظر المطالب العالية لابن حجر (2204 النسخة المسندة) وتخريج أحاديث العادلين للسخاوي رقم (10) والمقاصد الحسنة له (858).
(1)
تحرف في المخطوط إلى: (هيثم).
(2)
رواه الطبراني في الكبير (11932) والأوسط (4901) وأبو نعيم في فضيلة العادلين (16) والبيهقي في سننه (8/ 162) وشعب الإيمان (7379 مكرر) وابن عساكر في معجمه (1192) عن ابن عباس رضي الله عنهما وانظر تخريج الإمام السخاوي لأحاديث فضيلة العادلين (ص 52 - 58) رقم (8 و 9) ونصب الراية للزيلعي (4/ 67) وإتحاف السادة المتقين للزبيدي (5/ 314).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ رقم 9002)؛ رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه: سعد أبو غيلان الشيباني، ولم أعرفه، ويقية رجاله ثقات. وقال (6/ رقم 10586): رواه الطبراني في الأوسط، وقال: لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، وفيه: زريق بن السحت، ولم أعرفه.
(3)
رواه مالك (3505) والبخاري (629 و 1357 و 6114 و 6421) ومسلم (1031) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فيقول راجي عفو ربه الكريم قاسم بن قطلوبغا الحنفي:
إنّك قد سألتني عن مستندي فيما كتبته لك من جواب فتياك في إبطال استبدال الأرض التي اعتمد الحاكم في جواز استبدالها على قول المشهور: إن المستبدل به أكثر غلّةً، وأيسر استغلالاً. . . إلخ.
فأقول مستعينا بالله، إنه حسبي ونعم الوكيل:
لا خلاف بين العلماء: أن هذه المسألة لا تتأتّى على قول أبي حنيفة؛ لأنه لا يرى لزوم الوقف، وإنما الجواب على قول صاحبيه.
وقد اتفق فقهاء المذهب: على أنّ الأصل في الوقف: أن لا يوهبه، ولا يورث أصلاً، ولا يباع، ولا يستبدل به إلاّ بشرط الواقف ذلك لنفسه أو لغيره مرةً أو مراراً عند أبي يوسف، كان لم يشترط ذلك، ودعت الحالة إلى الاستبدال، وظهرت المصلحة فيه.
قيل: روي عن أبي يوسف: أنّ ذلك جائز للحاكم.
وعند محمّدٍ: لا عبرة بهذا الشرط، ولا يجوز الاستبدال إلا أن يكون بالعين الموقوفة خللٌ ظاهرٌ، وتظهر المصلحة في الاستبدال.
ثم اختلفت الرواية عنه: هل يملك ذلك النّاظر والواقف أم الحاكم.
وما قيل: إنّ للحاكم الاستبدال إذا رآه مصلحةً. فمعناه: عند حصول الخلل.
ودليلي على هذه المسألة من المنقول: المذهبية والآثار السنية.
ما قاله في الهداية وعامة الكتب: الوقف في الشرع على قولهما: حبس العين على حكم ملك الله تعالى، فيزول ملك الواقف إلى الله تعالى على وجهٍ
تعود منفعته إلى العباد، فيلزم ولا يباع ولا يورث.
ثم قال: وإذا صحّ الوقف، لم يجز بيعه، ولا تمليكه.
ثم قال: الواجب: أن يبدأ من ارتفاع الوقف بعمارته شرط ذلك الواقف أو لم يشترط؛ لأنّ قصد الواقف صرف الغلّة مؤبداً، ولا تبقى قائمة إلا بالعمارة ثم قال: إن كان الوقف على الفقراء؛ لأنه لا يظفر بهم، وأقرب أموالهم هذه الغلة، فيجب فيها، وإن كان الوقف على رجلٍ بعينه وآخره للفقراء فهو في ماله إن شاء في حال حياته، ولا يؤخذ من الغلة؛ لأنه معين يمكن مطالبته، وإنما يستحقّ العمارة عليه بقدر ما يبقى الموقوف على الصفة التي وقفه، فإن خرب يبنى على ذلك الوصف، ثم قال: فإن وقف داراً على سكنى ولده فالعمارة على من له السكنى، فإن امتنع عن ذلك أو كان فقيراً أجّرها الحاكم وعمّرها بأجرتها. ثم قال: ولا يجبر الممتنع ولا يكون امتناعه رضاءً منه ببطلان حقه. ثم قال: وما انهدم من بناءِ الوقف وآلته صرفه الحاكم في عمارةٍ إن احتاج، وإن استغنى عنه أمسكه حتى يحتاج إلى عمارةٍ فيصرفه فيها؛ لأنه لا بد من العمارة لتبقى على التأبيد فيحصل مقصود الواقف. وعلى هذا تواترت عباراتهم في عامّة الكتب.
وقال هلالٌ في وقفه: قلت: أرأيت الصرفة إذا احتاجت إلى العمارة، ولم يكن عند القائم بها ما يعمرها. أترى له أن يستدين عليها؟.
قال: لا.
قال في الذخيرة بعد هذا:
وعن الفقيه أبي جعفر: أن القياس هذا. لكن يترك القياس فيما فيه ضرورة نحو أن يكون في أرض الوقف زرعٌ فكلها الجراد، ويحتاج القسم إلى النفقة
لجمع الزرع أو طالبه السلطان جاز له الاستدانة؛ لأن القياس يترك بالضرورة.
قال: والأحوط في هذه الضرورة: أن يكون بأمر الحاكم؛ لأن ولاية الحاكم أعمّ في مصالح المسلمين.
ومن السنة والآثار:
ما روى الجماعة (1)، عن ابن عمر: أَنْ عُمَرَ أَصَابَ أَرضاً مِنْ أَرضِ خَيْبَرَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَصَبْتُ أَرضاً بِخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تأمُرُنِي؟ قَالَ:"إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصلَها، وتَصَدَّقْتَ بِها". فَتَصَدَّقَ بِها عُمَرُ عَلَى أَنْ لا تُبَاعَ وَلَا تُوهبُ وَلا تُورَثُ، [وَتَصَدَّقَ بِها] فِي الْفُقَرَاءِ، وَذِي الْقُرْبَى، وَ [فِي] الرّقَابِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، لا (2) جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَليَها أَنْ يَكلَ مِنْها بِالْمَعرُوفِ، ويطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ (3). وفي لفظٍ (4): غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ (5) مَالاً.
وفي لفظٍ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "احْبِس أَصلَها، وَسَبِّلْ ثَمَرتها". رواه
(1) رواه الإمام أحمد (4608 و 5179 و 5947 و 6078 و 6460) والبخاري (2737 و 2772 و 2773) ومسلم (1632 و 1633) وأبو داود (2878) والترمذي (1375) والنسائي في المجتبى (6/ 230 و 231) والكبرى (6424 - 6428) وابن ماجه (2396) وابن الجارود (368) وابن خزيمة (2483 - 2486) والطحاوي (4/ 95) وابن حبان (4901) والدارقطني (4/ 187 - 190) وأبو نعيم في الحلية (8/ 263) والبيهقي (6/ 158 - 159) والشعب (3446) وابن عبد البر في التمهيد (1/ 214) والبغوي في شرح السنة (2195).
(2)
تحرف في المخطوط إلى: (على).
(3)
تحرف في المخطوط إلى: (متموم).
(4)
من قول ابن سيرين.
(5)
تحرف في المخطوط إلى: (مقابل).
النسائي (1)، وابن ماجه (2).
وعزي للفظ البخاري (3): "تَصَدّق بأصلِهِ، لَا يُبَاعُ وَلَا يُوْهبُ، وَلَا يُوْرَثُ، وَلَكِنْ يُنْفِقُ ثَمَرة (4) ". فتصدّق به عمر.
وما روى الإمام أبو بكر الخصاف في كتاب الوقف (5) بإسناده نحو هذا.
وما أخرج عن عنبسة (6) قال: تصدّق عثمان بن عفان لنا في أمواله على صدقة عمر.
وما أخرج من طريق فروة بن أذينة قال: رأيت كتاباً عند عبد الرحمن ابن أبان فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هذا ما تصدّق به عثمان بن عفان في حياته، تصدّق بماله الذي بخيبر يدعا مال ابن أبي الحقيق على ابنه أبان بن عثمان صدقة بثلثه، لا يشتري أصلاً أبداً، ولا يوهب، ولا يورث. شهد علي ابن أبي طالب وأسامة بن زيد وكتب.
وما أخرج، عن طريق عبد العزيز بن محمد، عن أبيه، عن علي بن [أبي] طالبٍ: أنّه تصدّق بما أقطعه عمر بن الخطاب مع ما اشتراه هو على الفقراء والمساكين، وفي سبيل الله وابن السبيل، القريب والبعيد، في السلم والحرب،
(1) الكبرى (6430 و 6432).
(2)
ابن ماجه (2397).
(3)
رواه البخاري (2764) والبيهقي (6/ 156) من طريق صخر بن جويرية، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
في المخطوط: (ثمرته). والمثبت موافق لصحيح البخاري.
(5)
لم أستطع الحصول على نسخة من كتاب الوقف.
(6)
في المخطوط: (عنيسة).
ليصرف الله النار بها عن وجهه، يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه.
وأخرجه من طريقٍ آخرَ: أنه تصدّق بأرضٍ له بإبلاً بيقي بها وجهه من جهنم، على مثل عمر. غير أنه لم يستثن منها للوالي شيئاً كما استثناه عمر.
وما أخرجه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن الزبير بن العوام: أنه جعل دوره على بنيه، لا تباع، ولا توهب، ولا تورث، وأن للمردودةِ من بناته أن تسكن غير مضرّةٍ ولا مضرّ بها، فإذا استغنت بزوجٍ فليس لها حقٌّ (1).
وما أخرجه عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالكٍ وأبي قتادة قال: كان معاذ بن جبلٍ أوسع أنصاري بالمدينة ريعاً، فتصدق بداره التي يقال لها دار الأنصار اليوم، وكتب صدقته وذكر القصة.
وما أخرجه عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه قال: لم نرض خيراً للميت ولا للحي من هذه الحُبُس الموقوفة. أنها الميت: فيجري أجرها عليه. وأمّا الحي: فتحبس عليه لا تباع ولا توهب ولا تورث ولا يقدر على استهلاكها. وإنّ زيد بن ثابتٍ جعل صدقته التي وقفها على بنيه صدقة عمر بن الخطاب، وكتب كتاباً على كتابه.
(1) علّقه البخاري في كتاب الوصايا/ باب: إذا وقف أرضاً أو بئراً.
ورواه الدارمي (3300) عن هشامٍ، عن أبيه: أن الزبير جعل دوره صدقةً على بنيه، لا تباع، ولا تورّث، وأنّ للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرَّةٍ، ولا مضارٍّ بها، فإن هي استغنت بزوجٍ فلا حقّ لها.
ورواه البيهقي في سننه (6/ 166) عن هشام بن عروة: أن الزّبير جعل دوره صدقةً. قال: وللمردودة من بناته أن تسكن غير مضرةٍ ولا مضرٍّ بها، فإن استغنت بزوجٍ فلا شيء لها. قال أبو عبيدٍ: قال الأصمعيُّ: المردودة المطلّقة.
وما أخرج عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت: صدقة أبي حَبْسٌ لا تباع ولا توهب ولا تورث، وإن للمردودة من ولده أن تسكن غير مضرّة ولا مضرٍّ بها حتى تستغنِي. الحديث.
وما أخرج عن عبد الرحمن بن الحارث، عن أبيه: أن خالد بن الوليد حبس داره بالمدينة: لا تباع ولا تورث.
وما أخرج عن يحيى بن عبد العزيز، عن أهله: أن سعد بن عبادة تصدق بصدقة عن أمه فيها سقي الماء، ثم حبس عليها مالاً من أمواله على أصله، لا تباع ولا توهب ولا تورث.
وما أخرج عن أبي سعاد الجهني قال: شهدت عقبة بن عامرٍ الجهني على دارٍ تصدّق بها حبساً، ولا تباع ولا توهب ولا تورث على ولده وولد ولده، فإن اقترضوا فعلى أقرب الناس مني حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وما أخرج عن أبي سودة قال: شهدت أبا أروى الدينوري تصدّق بأرضه، لا تباع ولا تورث أبداً.
وما أخرج عن أسماء بنت أبي بكرٍ: أنها تصدقت بدارها صدقةَ حبسٍ لا تباع، ولا توهب، ولا تورث.
وما أخرج عن موسى بن يعقوب، عن عمته، عن أمها قالت: شهدت صدقة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم صدقة حبساً لا تباع ولا توهب.
وما أخرج عن عبد الله بن بسر قال: قرأت صدقة أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم التي بالغابة، أنها تصدقت على مواليها وعلى أعقابها وأعقاب أعقابهم حبسٌ لا يباع ولا يوهب ولا يورث.
وعن منيب المزني قال: شهدت صدقة صفية بنت حيي بدارها لبني عبدان صدقة حبساً لا تباع ولا توهب ولا تورث حتى يرث الله الأرض ومن عليها. شهد على ذلك نفرٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأمّا شرط أبي يوسف: فعلى هلال الرّاوي تلميذ أبي يوسف في كتابٍ وقفه في باب الرجل يقف الأرض على أن يبيعها. قلت: أرأيت لو كان صدقةً موقوفةً لله إبراءً، ولم يشترط أن يبيعها، أله أن يبيعها أو يستبدل بها ما هو خيرٌ منها؟. قال: لا يكون له ذلك إلا أن يكون شَرَطَ البيع، وإلا فليس له أن يبيع. قلت: ولم لا يجوز ذلك وهو خيرٌ للوقف؟! قال: الوقف لا يطلب به التجارة ولا يطلب به الأرياح، وإنما سميت وقفاً لأنها لا تباع، وإنما جوزت ذلك إذا شرطت في غيره الوقف؛ لأنّ الواقف إنما وقف على مثل ذلك، ولو جاز له بيع الوقف بغير شرطٍ كان في أصله، كان له أن يبيع ما استبدل بالوقف، فيكون الوقف يباع في كل يومٍ، وليس هكذا. قلت: أرأيت لو كانت الأرض الموقوفة سبخةً لا ينتفع بها. قال: وإن كانت سبخةً لا ينتفع بها، ليس له أن يبيعها؛ إلا أن يشترط ذلك.
وفي الخلاصة: ثم ليس له أن يستبدل الثانية بأرضٍ ثالثةٍ؛ لأنّ هذا الحكم يثبت الشرط والشرط وجد في الأولى دون الثانية، وصرّح به في وقف الخصاف.
وذكر أنه إذا أراد ذلك أن يكون له مراراً كان له ذلك بأن يجعله شرطاً في أصل الوقف. وهكذا فعله الإمام أبو بكر الخصّاف في كتاب وقفه.
وذكر الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأنصاري البصري صاحب زفر في كتاب وقفه، وكذا الإمام رشيد الدين سعيد في مختصره، وقال في
جزءٍ: إنه الأكمل ولو لم يشترط البيع في الوقف، لا يصح بيعه ولا استبداله، وإن كان الثاني خيراً من الأوّل.
وقال في الذخيرة والخلاصة وقاضي خان وغيرهم: إنّ هذا قول أبي يوسف وعليه الفتوى.
وأمّا إذا لم يشترط الواقف ذلك.
وفي أدب القاضي لأبي بكر الرازي: كان لم يشترط ذلك. قيل: للقاضي ولاية الاستبدال إذا رآه مصلحةً في رواية عن أبي يوسف. وليس لغير القاضي.
وقيل: ليس للقاضي ذلك.
وقال في الفتاوى التتارخانية (1): أما بدون شرطٍ.
أشار في السير: إلى أنه لا يملك الاستبدال إلا القاضي إذا رأى المصلحة في ذلك.
وأمّا شرط محمّد:
فقال في الذخيرة، عن محمَّدٍ: إذا ضعفت الأرض الموقوفة عن الاستغلال، والقيِّمُ يجد بثمنها أرضاً أخرى أكثر ريعاً، له أن يبيع بها هذه الأرض، ويشتري بثمنها ما هو أكثر ريعاً.
وقال قاضي خان: روي عن محمَّدِ: إذا ضعفت الأرض الموقوفة عن الاستغلال، والقيِّمُ يجد بثمنها أرضاً أخرى، وهي أنفع للفقراء وأكثر ريعاً، كان له أن يبيع هذه الأرض ويشتري بثمنها أرضاً أخرى (2).
(1) للإمام الفقيه عالم بن علاء الحنفي. مرّ الكلام عنها.
(2)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق (14/ 327 و 328 و 385) والمحيط (5/ 738).
وعلى هذا: تواردت عبارة المصنفين.
وأمّا الرواية الأخرى عن محمّد فقال في المنتقى، عن محمد: إذا صار الوقف بحالٍ لا ينتفع به المساكين فللقاضي أن يبيعه ويشتري بثمنه غيره. وليس ذلك إلاّ للقاضي.
وقال في شرح السير الكبير: وعن الحسن البصري: لا بأس أن يستبدل بالحبس من علةٍ بهِ. ويكره من غير علّةٍ؛ لأنّ من حبسه رضي بحبسه لا بالاستبدال.
وأمّا إذا كان بِغَلّةٍ، فإنّ قولهم: زوالها كالمرض. كره الاستبدال به عند أبي يوسف ومحمد.
وعند أبي حنيفة: لا يكره؛ لأنّ الحبس عنده غير لازمٍ حتى جاز البيع والرجوع عنه.
فكذا الاستبدال. وعندهما لازمٌ ليس لصاحبه أن يبيعه بعدما مرضَ. فكذا ليس لغيره إلَّا أن يصير بحيث لا يتوهم زوال العلّة نحو إن صار بحالٍ لا يستطاع القيام عليه أو كبرَ، فلا بأس بأن يباع ويشترى بثمنه حبساً مكانه إن أمكن تحصيلاً لغرض الحابس، وإلَّا غُري بالثمن عن صاحبه.
وأمّا أن الرواية المطلقة مقيّدة بما ذكرت، فلما صرحوا به من أنّ الوقف لا يطلب به الاسترباح، وأن ليس الوقف.