الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَجْمُوعَةُ رَسَائِل العَلَّامَة قَاسِم بن قُطْلُوبُغَا
[8]
أَحْكَامُ القَهْقَهةِ
تَأْلِيفُ
العَلَّامَة قَاسِم بْنِ قُطْلُوبُغَا الحَنَفِي
المولود سَنَة 802 هـ والمتوفى سَنة 879 هـ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
(8)
أَحْكَامُ القَهْقَهةِ
قال رحمه الله:
إنهّ قد رفع إليَّ سؤالٌ، صورته:
ما الجواب رضيَ اللهُ عنكم، وأدام النفع بكم بمحمَّدٍ وآلهِ، عن ما نقله الإمام الزركشي في حواشيه على الرافعي فقال:
سؤالٌ على الحنفية وهو: أنَّ حديث القهقهة ورد في صلاة الفرض، فقاسوا عليه النفل دون الجنازة.
فإمّا أن يكون ذلك تعبّدًا، فكيف يقاس عليه النفل.
وإمّا أن يكون معلّلًا، فكيف لم يُقس عليه الجنازة، وعليه جوابٌ صورته:
الحمدُ لله المنعم بالصّواب.
نقول ذلك تعبّدًا، وإلحاق الصلاة النافلة بطريق الدلالة لا القياس؛ لأنّها صلاةٌ حقيقةً حيث كانت أركانها أركان الصلاة وغير ذلك، بخلاف صلاة الجنازة، فهي ليست بصلاةٍ حقيقةً، أو قاصرةً، فلا يلحق بالفرض.
وقال علماؤنا - رحمهم الله تعالى -: إنّ الصلاة النّافلة بمجرد الشروع فيها تصير واجبةً لازمةً، فتعامل معاملة الفرض دون غيرها. والحالة هذه.
وكتبت:
الحمدُ لله. ربّ زدني علمًا.
الجواب: إنّه تعبّد ولم يقس النفل، وإنمّا عملنا بعموم لفظ الصّلاة من قوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلَاةِ قَهْقَهَةً، فَلْيُعِدِ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ"(1).
كما هي رواية ابن عدي (2)، وغيره. ونحوها من الروايات، ولم تدخل الجنازة؛ لأنهّا ليست بمطلقة.
ولا يتصوّر: أن يكون النفل ملحقًا بطريق الدلالة؛ لأنّ النّص الذي يكون له الدلالة نصٌّ يفهم المعنى الذي لأجله الحكم المذكور فيه على الوجه المصرّح به في الأصول.
وحديثُ القهقهة (3): اتفق على أنه يقصر على فهم المعنى الذي لأجله
(1) رواه عبد الرزاق (3763) عن الثوري، عن خالد، عن أم الهذيل، عن أبي العالية قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، إذ جاء رجل في بصره سوء، فوقع في بئر عند المسجد، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من ضحك، فليعد الوضوء، وليعد الصلاة.
وانظره وطرقه وشواهده في سنن الدارقطني (1/ 162).
وانظره أيضًا في معرفة السنن والآثار للبيهقي رقم (337 - و 5203) وسننه (1/ 147).
(2)
الكامل في الضعفاء (3/ 167 و 168 و 5/ 110).
(3)
قال صاحب كتاب اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (1/ 116 - 117)(باب القهقهة تنقض الوضوء): الدارقطني عن أبي العالية الرياحي أن أعمى تردى في بئر والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه، فضحك بعض من كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان ضحك منهم أن يعيد الوضوء والصلاة جميعًا؛ فإن قيل: هذا الحديث مرسل أرسله أَبو العالية الرياحي، وقد قيل: إنه كان لا يبالي من أين كان يأخذ الحديث. وقال ابن عدي: إنما قيل في أبي العالية ما قيل لهذا الحديث، =
الحكم المذكور فيه لكلّ مجتهدٍ. وكان العهد قد بعد بدلالة النصّ، فيذكر بها من بعض مختصراتنا.
فنقول: قال الشيخ الإمام نظام الدين في كتابه: وأمّا دلالة النّص، فهي ما علم علّة الحكم المنصوص عليه لغةً، لا اجتهادًا واستنباطًا.
مثاله: قوله تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23].
فإنّ للتأفيف صورة معلومة، ومعنًى لأجله ثبت الحكم، وهو الأذى المعلوم بالنّصِّ لغةً يفهمه كل من فهم اللغة.
= وإلا فسائر أحاديثه صالحة. قيل له: روى البيهقي، عن ابن شهاب، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا ضحك في الصلاة أن يعيد الوضوء والصلاة. قال الشافعي رضي الله عنه: لم نقبله؛ لأنه مرسل، فلم يذكر فيه علّة سوى الإرسال، فدلّ على صحة إرساله، وأما أَبو العالية: فهو عدل ثقة، وقد اتفق على إرسال هذا الحديث: معمر، وأبو عوانة، وسعيد بن أبي عروية، وسعيد بن أبي بشير، فرووه عن قتادة، عن أبي العالية، وتابعهم عليه: ابن أبي الذيال، وهؤلاء خمس ثقات؛ فإن صحّ عن أبي العالية أنه كان لا يبالي من أين أخذ الحديث! قلنا: لكنه إذا أرسل الحديث لا يرسله إلا عمن تقبل روايته؛ لأن المقصود من رواية الحديث ليس إلا التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصّة إذا تضمن حكما شرعيًا، فإذا أرسل الحديث ولم يذكر من أرسله عنه، مع علمه أو ظنّه بعدم عدالته، كان غاشًا للمسلمين وتاركًا لنصيحتهم، فتسقط عدالته ويدخل في قوله عليه السلام:"من غش فليس منا". وقد ثبتت عدالته، ورواه الثقات عنه مرسلًا، فدل على أنه أرسله عن عدل، ولأن المرسل شاهدٌ على الرسول صلى الله عليه وسلم بإضافة الخبر إليه، فلو لم يكن ثابتًا عنه بطريق تقارب العلم، لما أرسله، ولكان أسنده لتكون العهدة على غيره، وهذه عادةٌ غير مدفوعة، أن من قوي ظنّه بوجود شيء أعرض عن إسناده، فهذه مسألة تفرّد بها أصحابنا اتباعًا لهذا الحديث، وتركوا القياس من أجله، وهذه شهادةٌ ظاهرةٌ لهم، أنهم يقدمون الحديث على القياس، وهم أتبع للحديث من سائر الناس.
وعلى هذا: أوجبنا حد قطاع الطريق على الرّد بدلالة النّص؛ لأنّ العادة المجازية، وصورة ذلك بمباشرة القتال.
ومعناها لغةً: نهي العدو، والتخويف على جهة ينقطع بها الطريق. وهذا معنى معلوم بالمحاربة لغةً.
والرّدُّ مباشرٌ كذلك كالمقاتل.
ولهذا: اشتركوا في الغنيمة، فيقام الحدّ على الرّدّ بدلالة النّصِّ من هذه الوجوه.
وحاصله أمران:
التنبيه بالأدنى على الأعلى، أو بالشيء على ما يساويه.
أمّا على الأعلى:
فنوعان:
قطعيٌّ جليٌّ إن اتفق على طريق تعين مناطه.
وظنيٌّ خفيٌّ، إن اختلف فيه.
أمّا القطعي:
فمن أمثلة ما فهم من حرمة التأفيف، حرمة الضرب، كما مر. وهما معلومان لغةً صورةً ومعنًى.
وصورة التأفيف: التصويت بالشفتين عند الكراهة.
ومعناه: المقصود الأدنى المتحقق.
ومثله: ما فهم من قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا
يَرَهُ} [الزلزلة: 7]. جزاء ما فوقها. ومن {بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 75]. بأدائه ما دونه.
وأمّا الظَّنِّيُّ:
فكما في إيجاب الكفارة على المفطر في رمضان بالأكل والشرب خلافًا للشّافعي، بدلالة سؤال الأعرابي بقوله: وَاقَعْتُ امْرَأَتِي فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا، مرتبًا عليه قوله: هَلَكْتُ وَأَهْلَكْت (1).
عن الجناية على الصّوم، بتفويت ركعةٍ التي هي معنى الموافقة، لا عن الوقاع من حيث هو. وذا مما يفهم لغة. فكذا جوابه صلى الله عليه وسلم عن حكم الجناية لوجوب التطابق خصوصًا عن أفصح النّاس، والوقوع إليها متحققة فيها، بل أولى لكون خوض الصّائم عليها أشد. وسوقه إليهما أحد بمصادقة شرع الصوم. وفيهما الغالبُ، وكونه وجاء. فالظّن من اختلافهم: أنّ طريق فهم المناط يفضي إلى أنه الجناية المطلقة والمقيدة.
(1) رواه الدارمي (1716) عن أبي هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: هلكت. فقال: "وما أهلكك؟ ". قال: واقعت امرأتي في شهر رمضان. قال: "فأعتق رقبةً". قال: ليس عندي. قال: "فصم شهرين متتابعين". قال: لا أستطيع. قال: "فأطعم ستّين مسكينًا". قال: لا أجد. قال: فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرقٍ فيه تمرٌ، فقال:"أين السّائل؟ تصدّق بهذا". فقال: أعلى أفقر من أهلي يا رسول الله!، فوالله ما بين لابتيها أهل بيتٍ أفقر منًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فأنتم إذًا"، وضحك حتّى بدت أنيابه.
ورواه عبد الرزاق (7457) والإمام أحمد (2/ 281) والبخاري (1834 و 1835 و 2460 و 5053 و 5737 و 5812 و 6331 و 6333 و 6435) ومسلم (1111) وأبو داود (2395) والترمذي (724) والنسائي في الكبرى (3117) وابن ماجه (1671) وابن خزيمة (1944 و 1949) وابن حبان (3524).