الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأنَّ تنزيه المسجد واجبٌ، وفي إدخال الميت المسجد احتمالُ وقوع النّجاسةِ فيه، فيكره كما يكره إدخال الصبي والمجنون المسجد؛ لأنه لا يؤمن من تلويث المسجد، فكذا هذا.
و
لو وضعت الجنازة خارج المسجد والإمام خارج المسجد، ومعه صفٌّ والباقي في المسجد
.
اختلفوا فيه:
قيل: لا تكره الصلاة عليه. وهكذا روي عن أبي يوسف في النوازل:
= وسئل أحمد بن حنبل - وهو إمام أهل الحديث والمقدّم في معرفة علل النّقل فيه - عن الصلاة على الجنازة في المسجد؟ فقال: لا بأس بذلك، وقال بجوازه. فقيل: فحديث أبي هريرة؟ فقال: لا يثبت - أو قال: حتى يثبت -. ثم قال: رواه صالح مولى التوأمة، وليس بشيء فيما انفرد به.
فقد صحّح أحمد بن حنبل السنة في الصلاة على الجنائز في المسجد، وقال بذلك.
وهو قول الشافعى وجمهور أهل العلم، وهي السنة المعمول بها في الخليفتين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلّى عمر على أبي بكر الصديق في المسجد، وصلّى صهيبٌ على عمر في المسجد بمحضر كبار الصحابة وصدر السلف من غير نكير، وما أعلم من ينكر ذلك إلا ابن أبي ذئب.
ورويت كراهية ذلك عن ابن عباس من وجوه لا تصحّ ولا تثبت، وعن بعض أصحاب مالك. ورواه ابن القاسم عن مالك، وقد روي عنه جواز ذلك من رواية أهل المدينة وغيرهم.
وانظر تتمة كلام ابن عبد البر في الاستذكار، والتمهيد له (21/ 217 - 223).
أقول: وقد قوّى أمر هذا الحديث جماعةٌ، ورأوا العمل به، انظر زاد المعاد لابن قيّم الجوزية (1/ 501 - 552) والجوهر النقي لابن التركماني (4/ 52) وإعلام السنن للتهانوي (8/ 228 - 230).
أنّه ليس له فيه احتمال تلويث المسجد (1).
وقيل: يكرهُ؛ لأنّ المسجد أعدَّ لأداء المكتوبات، فلا يقام فيه غيرها قصدًا إلّا بعذرٍ.
وقال في شرح القدوري: المسمّى بالمضمرات في قوله: ولا يصلى على ميتٍ في مسجدٍ جماعةٍ.
يُكرهُ أن يصلى على الميت في المسجد سواءٌ كانت الجنازة في المسجد أو هي خارج المسجد، والإمام في المسجد.
وفي النسفية: سئل عن صلاة لجنازة وهي خارج المسجد والناس في المسجد، هل يكرهُ؟ فقال: كان المشايخ أهل سمرقند لا يكرهون ذلك، ويصلون في المسجد والجنّازة على باب المسجد حتّى ورد عليهم السيد أبو شجاع، فرأى منهم ذلك فقال: ما لكم تصلون على الجنازة في المسجد؟.
قالوا: إنّ مشايخنا أجازوا ذلك.
قال: قد تقدمهم مشايخ أخر لم يجوزوه.
قالوا: ومن هم؟.
قال: إمام الأئمة أبو حنيفة، ومن تبعه. ونصّوا على كراهة ذلك في كتبهم، فاتفقوا على أنْ بنوا وراء المقصورة سقيفةً يوضع الميت فيها، وصفوفٌ منَ النّاس في هذه السقيفة، ثم يتّصل منه الصفوف التي في الجامع.
(1) انظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 197).
قال: فالحاصل أنّ إدخال الجنازة في المسجد والصلاة عليها في المسجد مكروهٌ عندنا.
وفي وضع الجنازة على باب المسجد والإمام والقوم في المسجد اختلافُ المشايخ، ووضع الجنازة خارج المسجد. وقيام الناس معه خارج المسجد، ثم اتصال الصفوف بهم غير مكروهٍ.
وأمّا الحجاج:
فقال محمّد في الموطّأ (1): حدثنا مالك، حدثنا نافع، عن ابن عمر: أنّه قال: ما صُلِّيَ على عمرٍ إلَّا في المسجد.
وقال محمد (2): لا يصلَّى على جنازةٍ [في المسجد]، وكذلك (3) بلغنا عن أبي هريرة، وموضع الجنازة بالمدينة خارج [من] المسجد، وهو الموضع الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي [27/ أ] على الجنائز فيه.
فأفاد: أنّ (4) عمل النبي صلى الله عليه وسلم كان على خلاف ما وقع في الصّلاةِ على أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فيحملُ على العذرِ.
وبه قال في المحيط، ولفظه: فلا يقام فيه - أي: المسجد - غيرها - أي: غير الصلاة - قصدًا إلّا لعذرٍ.
وهذا تأويلُ حديث عمرَ: أنَّهُ لَمَّا قتلَ صُلِّيَ عَلَيْهِ في المسجدِ؛ لأنَّهُ كَانَ
(1)(2/ 101) رقم (313).
(2)
(2/ 101) رقم (313).
(3)
في المخطوط: (ولذلك).
(4)
تحرف في المخطوط إلى: (فأما وأن).
لعذرٍ. وهو خوف الفتنة والصَّدِّ عَنِ الدَّفنِ عند النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى الإمام الطحاوي (1)، عن عائشة: أَنَّها حين توفي سعد بن أبي وقاص قالت: ادْخُلُوا به المسجدَ حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهِ. فأنكَرَ ذلكَ النَّاسُ عَلَيْهَا. فقالت: لقد صَلَّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلى سُهَيلِ (2) بْنِ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ.
قال (3): فذهب قومٌ إلى هذا الحديث، فقالوا: لا بأسَ بالصَّلاة على الجنازة في المساجد.
واحتجُّوا أيضًا بما روي عن ابن عمر: أنَّ عمر صُلِّيَ عليه في المسجد.
وخالفهم في ذلك آخرون، فكرهوا الصَّلاة على الجنازة في المساجد.
واحتجُّوا [في ذلك] بما حدَّثنا. . . إلخ.
فروى عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ:"مَنْ صلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فِي مَسْجدٍ، فَلَا شَيْءَ لَهُ"(4).
قال (5): فلمَّا اختلفت الروايات عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، (فكان فيما روينا في الفصل الأوَّل إباحة الصَّلاة على الجنائز في المساجد، وفيما
(1)(1/ 492).
(2)
تحرف في المخطوط إلى: (سهل).
(3)
أي: الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 492).
(4)
شرح معاني الآثار (1/ 492).
(5)
شرح معاني الآثار (1/ 492).
روينا في الفصل الثَّاني كراهة ذلك، احتجنا إلى كشف ذلك) (1) لنعلم المتأَخِّر من الحديثين، فنجعله ناسخًا للمتقدِّم منهما.
فوجدنا في حديث عائشة دليلًا على أنَّهم [قد] كانوا تركوا الصَّلاة على الجنائز في المسجد، بعد أن كانت تفعل فيه، وارتفع (2) ذلك من فعلهم،
(1) ما بين حاصرتين في المخطوط: (نظرنا في ذلك).
(2)
في شرح معاني الآثار: حتى ارتفع ذلك من فعلهم، وذهبت معرفة ذلك من عامّتهم.
فلم يكن ذلك عندها، لكراهةٍ حدثت، ولكن كان ذلك عندها، لأنّ لهم أن يصلّوا في المسجد على جنائزهم، ولهم أن يصلّوا عليها في غيره.
ولا يكون صلاتهم في غيره دليلًا على كراهة الصّلاة فيه.
كما لم تكن صلاتهم فيه دليلًا على كراهة الصّلاة في غيره.
فقالت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات سعدٌ ما قالت لذلك.
وأنكر عليها ذلك النّاس، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم.
وكان أبو هريرة رضي الله عنه قد علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم نسخ الصلاة عليهم في المسجد بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الّذي سمعه منه في ذلك، وأن ذلك التّرك الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة على الجنائز في المسجد، بعد أن كان يفعلها فيه، ترك نسخٍ.
فذلك أولى من حديث عائشة؛ لأنّ حديث عائشة رضي الله عنه إخبارٌ عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال الإباحة التي لم يتقدّمها نهيٌ.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه إخبارٌ عن نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد تقدّمته الإباحة.
فصار حديث أبي هريرة رضي الله عنه أولى من حديث عائشة رضي الله عنهما، لأنة ناسخ له.
وفي إنكار من أنكر ذلك على عائشة رضي الله عنهما، وهم يومئذٍ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على أنهّم قد كانوا علموا في ذلك، خلاف ما علمت، ولولا ذلك لما أنكروا ذلك عليها. =
وذهب معرفته عن عائشة، فلم يكن ذلك عندها لكراهية حديث بأركان الأمر عندها على أنّهم كانوا يصلّون عليها في المسجد لو شاؤوا.
لذلك أمرت به حتى أنكر ذلك الناس عليها، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلمهم بما غاب عنها، فبان بذلك: أنّ الإباحة للصلاة عليها في المسجد هي المتقدمة على ما في حديث عائشةَ (1) من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء في المسجد، وأنّ الترك للصلاة عليها في المسجد هو المتأخر عن ذلك [27/ ب] على ما في حديث أبي هريرة.
وإن حديث أبي هريرة ناسخٌ لحديث عائشة.
وهذا الذي ذكرناه من النهي عن الصلاة على الجنائز في المسجد، وكراهيتها. هو قول أبي حنيفة، ومحمد. وهو قول أبي يوسف أيضًا. غير أنّ أصحاب الإملاء رووا عنه أنه قال: إذا كان مسجدٌ قد أفرد للصَّلاة على الجنازة، فلا بأس بأن يصلَّى عَلَى الجنائز فيه. انتهى.
وما نقله عن أبي يوسف.
قال في المحيط: اختلفوا: هل له حكم المسجد؟ والصحيح: أنَّه ليس بمسجدٍ؛ لأنه (2) ما أعدَّ للصَّلاة حقيقةً؛ لأنَّ صلاة الجنازة ليست بصلاةٍ
= وهذا الّذي ذكرنا من النّهي عن الصَّلاة على الجنازة في المسجد، وكراهتها، قول أبي حنيفة، ومحمّدٍ، وأبي يوسف رضي الله عنهم.
غير أن أصحاب الإملاء رووا عن أبي يوسف رضي الله عنه في ذلك أنّه قال: إذا كان مسجدٌ قد أفرد للصّلاة على الجنازة، فلا بأس بأن يصلّى على الجنائز فيه.
(1)
رواه الإمام أحمد (6/ 79) ومسلم (973).
(2)
في المخطوط: (لأن).
حقيقيَّةٍ، ولهذا: يجوز إدخال الميِّت فيه، وحاجة النَّاس ماسَّةٌ إلى أنه لم يكن مسجدًا توسعَةً للأمر عليهم (1). انتهى.
وقال الإمام أبو الحسين القدوري في التجريد: قال أصحابنا: تكرهُ الصلاة على الموتى في مسجد الجماعة.
وقال الشافعي (2): يجوز لنا حديث أبي هريرة: أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ:
(1) في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 197): في المحيط: واختلفوا في الموضع الذي اتخذ لصلاة الجنازة: هل له حكم المسجد؟ فالصّحيح أنه ليس بمسجدٍ؛ لأنه ما أعدّ للصلاة حقيقةً؛ لأن صلاة الجنازة ليست بصلاةٍ حقيقية، وهذا يجوز إدخال الميت فيه، وحاجة النّاس ماسّةٌ إلى أنّه لم يكن مسجدًا توسعةً للأمر عليهم، واختلفوا أيضًا في مصلّى العيد أنه هل هو مسجدٌ، والصحيح أنه مسجدٌ في حقّ جواز الاقتداء، وإن انفصلت الصّفوف؛ لأنه أعدّ للصلاة حقيقةً.
(2)
قال الشافعي في الأم (7/ 222)(باب الصلاة على الميت في المسجد): أخبرنا مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد. قلت للشافعي: فإنا نكره الصلاة على الميت في المسجد؟ فقال: أرويتم هذا أنه صلى على عمر في المسجد، فكيف كرهتم الأمر فيه، وقد ذكره صاحبكم، أذكر حديثًا خالفه عن النبي صلى الله عليه وسلم فاخترتم أحد الحديثين على الآخر. فقلت: ما ذكر فيه شيئًا علمناه. قال الشافعي - رحمه الله تعالى -: فكيف يجوز أن تدعوا ما رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم فعلوه بعمر، وهذا عندكم عمل مجتمع عليه؛ لأنه لا نرى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا حضر موت عمر، فتخلف عن جنازته، فتركتم هذا بغير شيء رويتموه، وكيف أجزتم أن ينام في المسجد ويمر فيه الجنب طريقًا، ولا يجوز أن يصلى فيه على ميت. أخبرنا الربيع: مات سعيد فخرج أبو يعقوب البويطي وخرجنا معه فصف بنا وكبر أربعًا وصلينا عليه، وكان أبو يعقوب الإمام فأنكر الناس ذلك علينا وما بالينا.
"مَنْ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ فِي الْمَسْجدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ". ذكرهُ أبو داود (1).
قلت: ورواه عن ابن أبي شيبة (2) بلفظ: "مَنْ صلَّى عَلَى جَنَازَة فِي الْمَسْجدِ فَلَا صَلَاةَ (3) لَهُ". قَالَ (4): وَكانَ أصحاب رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا ضاق بهم المكان رجعوا ولم يصلوا.
وسيأتي له لفظٌ آخرَ. والله أعلمُ.
قال (5): ولا يقال: إنه متروك الظاهر، لأننا اجتمعنا على استحقاقه الثواب بسقوط الفرض، لأنّ الفرض وإن سقط فيجوز أن لا يحصل له الثواب، وسقوط الفرض لا يوصف أنه له من غير فواتٍ.
(1) رواه الطيالسي (2310) وعبد الرزاق (6579) والإمام أحمد (9730 و 9865 و 10561) وانظر مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله (2/ 481 - 482) وأبو داود (3191) وابن ماجه (1517) وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2846 و 2848) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 492) وابن حبان في المجروحين (1/ 366) وابن الأعرابي في معجمه (1211) وابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه (346 و 347 و 348 و 349) وأبو نعيم في الحلية (7/ 93) وابن عدي في الكامل (4/ 1374) والبيهقي (4/ 52) ومعرفة السنن والآثار له (2309) وأبو محمد البغوي في شرح السنة (1493) وابن الجوزي في العلل المتناهية (696) من طرقٍ عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
(2)
المصنف (11972).
(3)
في المصنف: (فلا شيء).
(4)
يعني: أبا هريرة رضي الله عنه.
(5)
لعله القدوري؟.
ورويَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نعَى النَّجَاشِيَّ إِلَى أَصْحَابِهِ خَرَجَ فَصَلَّى عَلَيْهِ فِي الْمُصَلَّى (1).
ولو كانَ تَجُوز الصلاة في المسجد، لم يكن للخروج معنًى (2).
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جَنّبوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيانكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ. . . "(3).
وكان المعنى فيهِ: أنهُ لا يؤمنُ تلويثُ المسجد منهم، وهذا موجودٌ في الميت. ولأنَّ الناس أفردوا للجنائز مسجدًا في سائر الأعصار.
ولو جاز في المسجد، لم يكن لإفراد موضع لها معنًى.
(1) رواه البخاري (1188) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلى، فصف بهم وكبر أربعًا. وانظر (1255 و 1263 و 1268 و 3667 و 3668) ومسلم (951).
(2)
قال صاحب رد المحتار (6/ 340): لا يخفى أن الصَّلاة على الميّت فعلٌ لا أثر له في المفعول، وإنما يقوم بالمصلّي، فقوله من صلى على ميّتٍ في مسجدٍ يقتضي كون المصلّي في المسجد سواءٌ كان الميت فيه أو لا، فيكره ذلك أخذًا من منطوق الحديث، ويؤيّده ما ذكره العلّامة قاسمٌ في رسالته من أنّه روي: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا نعى النّجاشيّ إلى أصحابه، خرج فصلى عليه في المصلّى. قال: ولو جازت في المسجد لم يكن للخروج معنًى. اهـ. مع أنّ الميّت كان خارج المسجد.
(3)
رواه ابن ماجه (750) عن واثلة بن الأسقع: "جنبّوا مساجدكم: صبيانكم، ومجانينكم، وشراءكم، وبيعكم، وخصوماتكم، ورفع أصواتكم، وإقامة حدودكم، وسلّ سيوفكم، واتخذوا على أبوابها المطاهر، وجمّروها في الجمع". وفي الزوائد: إسناده ضعيف؛ لأن الحارث بن نبهان متفقٌ على ضعفه. ورواه أيضًا الطبراني في الكبير (22/ رقم 136) ومسند الشاميين (3385).
أقول: وروي مرفوعًا عن أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة عند الطبراني في الكبير (7601) ومسند الشاميين (3436) والبيهقي في سننه (2/ 340).
واحتجوا: بأنّ عائشةَ لمّا مات سعد بن أبي وقاص قالت: أدخلوهُ المسجدَ لأُصلِّي عليهِ. فأُنكرَ عليهَا ذلكَ. فقالت: ما صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على سهيل [28/ أ] ابن البَيْضَاءِ إلّا في المسجد (1).
والجواب: أنَّ إِنكارهم دلّ على أنّ الظاهر في الشرع خلافُ ذلكَ؛ ولأنهم لا ينكرون ما يسوغ فيه الاجتهاد.
وقولها: ما صلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على ابنِ البَيْضاءِ إلّا في المسجد. دلالة عليهم؛ لأنه لو كان يجوز ذلك لصلّى على جميع الناس، ولم يخصه بابن البيضاء. ولأنه يجوز أن يكون صلّى عليه لعذرٍ من مطرٍ أو غيرهِ.
ويجوز أن تكون الجنازة وضعت خارج المسجد، وصلّى عليه في المسجد. فظنّت عائشة: أن النّاس أنكروا عليها فعلَ الصلاة.
وما روي عن عمرَ أنه صلى على أبي بكرٍ في المسجد (2)، وصلّى صُهيبٌ على عمرَ في المسجد (3).
(1) تقدم.
(2)
مرّ قبل قليل أنه في الموطأ برواية محمد بن الحسن (2/ 101) رقم (313).
وروى ابن أبي شيبة (11967) قال: حدثنا حفص، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: ما صلي على أبي بكر إلا في المسجد. وقال (11968): حدثنا وكيع، عن كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: صلي على أبي بكر وعمر تجاه المنبر.
(3)
انظر الاستذكار لابن عبد البر (8/ 273) والاستيعاب له (2/ 472) وطبقات ابن سعد (3/ 147) وحلية الأولياء لأبي نعيم (4/ 96) والبداية والنهاية لابن كثير (1/ 98) وتاريخ الخلفاء للسيوطي (ص 136) والرياض النضرة (1/ 418).
يجوز أن يكونَ في مسجدٍ الجنازة.
قلتُ: وربما يقوّي هذا: أنّها رضي الله عنهما، لم تحتج عليهم بفعلهم في عمرَ؛ فإنّ وفاته سنة ثلاثةٍ وعشرين. ووفاة سعدٍ سنة خمسٍ وخمسين أو ستٍ أو سبعٍ.
قال: ولأنه لا يثبت به إجماعٌ مع إنكارِ من أنكر على عائشة، قالوا: صلاةٌ شرعيةٌ، فلم يكره فعلها في المسجد كسائر الصلوات.
قلنا: نقولُ بموجبه؛ لأنّ الصلاة لا تكرهُ عندنا، وانّما يكرهُ إدخال الميت، ولأنّ سائر الصلوات يؤمنُ فيها تلويث المسجد، وتبطل بصلاة المستحاضة، ومن بهِ سلس البول.
قالوا: المسجدُ أنظف من غيره من البقاع، وكانت الصلوات فيه أفضلُ.
قلنا: من أصلكم: أنَّ صلاة الاستسقاء والعيدين في غير المسجد أفضلُ. وإنْ كانَ المسجد أفضل البقاع. انتهى.
فإن قيل: قال شرف الأئمة العقيلي: إنّ الصلاة على الجنازة في المسجد مكروهٌ كراهة تنزيهٍ.
قلت: الأظهرُ قول شرف الأئمة المكي: أنّها كراهة تحريمٍ كما سمعت من قول محمد، فإن أسلوبه في إطلاق المنع كذلك، ولما سمعت من نسخ الإباحة وظواهر الاستدلال.
قد روى الطيالسي (1): حدثنا ابن أبي ذئبٍ، عن صالحٍ مولى التوأمة
(1) مسند أبي داود الطيالسي (2310).
قالَ: أدركتُ رجالًا ممن أدركُوا (1) النبي صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بكرٍ، إذا جاؤوا فلم يجدوا إلَّا أَنْ يُصَلُّوا في المسجدِ رجعوا فلم [28/ ب] يُصَلُّوْا. وَاللهُ أَعْلَمُ.
* * *
(1) في المخطوط: (أدرك).