الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه علماؤنا من أنه لا بد مع ما يشرط الواقف، وأنه يراه القاضي موضعًا للولاية على الوقف. وليس ما ذكره الخصاف مما يثبت بالشهادة اليوم؛ لأنّ الذي ذكره الخصاف مصرّح بأن الثاني مشارك الأول في الزيادة التي كان لها أفضل وزاد عليه، أو أنّ الأول عرض له ما صار به مفضولاً.
وأمّا الشهادة اليوم فليس فيها، وإنما يحكم بها من غير إفصاحٍ، فلا يتأتّى العمل بها إلاّ على قول بعض متأخري الشافعية من أن حكم الأول مستصحب إلى صدور الثانية، فيعارضها الثانية إلى آخرها.
قال: وإنما قلت: بأنه يحكم بالشهادة من غير إفصاحٍ؛ لأنّ الشهادة بالأرشدية يحتاج أن يكون الأولاد وأولاد الأولاد محصورين معلومين حتى يكون المشهود له أرشد من باقيهم.
ومن شرط الدعوى: سماع البينة في وجه الخصم. فالخصم قد يكون أجنبيًا لمطالبته بالأجرة ونحوها. فلا يكون إثبات الأرشدية بكون الخصم أحد الأولاد وأولاد الأولاد، فيكون إثبات الأرشدية والنظر متصور ولتقديمه على قرابته المشاركة له في الولاية. فإذا قامت بينة أخرى بالأرشدية لغيره فلا بد من تصريحها بأن هذا أمر تجدد وحينئذٍ يصير كما قال الخصاف. والله أعلم.
*
صورة سؤال ورد على الشيخ رحمه الله من دمشق:
الوقف في الشرع ما يباع في كلّ يومٍ عند وجود ما هو أصلح منه، ولما سمعت من عدم جواز بيع حبس به علةً يرجى زوالها إلخ.
وقال في الفتاوى الظهيرية: سئل شمس الأئمة الحلواني عن أوقاف
المساجد، إذا تعطلت وتعذّر استغلالها، هل للمتولي أن يبيعها ويشتري بثمنها مكانها أخرى؟ قال: نعم (1).
قيل: إن لم يتعطل، ولكن يوجد بثمنها ما هو خيرٌ منها، هل له أن يبيعها؟ قال: لا.
قال: ومن المشايخ من لم يجوز بيع الوقف تعطل أو لم يتعطل، ولم يجوز الاستبدال. وهكذا حكي عن شمس الأئمة السرخسي. وإليه رجع الظهير.
ويؤيد صحّة هذا: ما ذكر قاضي القضاة فخر الدين أبو عمر عثمان بن إبراهيم التركماني النفي في جواز الاستبدال، فإني وإن كنت أعتقد صحّته حين يتعطل الوقف أو يؤل إليه لو ترك على حاله لما فيه من إحيائه وإبقائه مع استقرار البيع للموقوف عليهم، وتحصيل غرض الواقف.
اعلم: أن بهذا الحق يتوصلون إلى الباطل. انتهى.
فصار الحاصل المنع، والجواز بشرط أن يشترطه أو حصول خللٍ لا ينجبر بما ذكر من عمارته بأنه بمال من له المنفعة أو بإجارته أو استدامة لا وجود راغبٍ بما هو أنفع من غير ضرورة في الوقف. فقد صح أن ما اعتمده في الاستبدال مسوّغًا ليس بمسوغّ عند من يرى صحة الاستبدال، وحيث لم يوجد المسوغ بطل ما ابتنى عليه. وقد وجهوا المنع بظاهر الحديث المتقدم.
والجواز عند الاشتراط بما قال في المحيط: قال أبو يوسف: إن اشتراط
(1) انظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (31/ 212 - . . .) رسالة في إبدال الوقف، فإنها جديرة بالقراءة.
الاستبدال شرطٌ يقتضيه العقد؛ لأنه ريما تقع الضرورة إليه؛ لأن الأرض ريما لا يخرج منها بما لا يفضل من المُؤنِ فيؤدي إلى أن لا يصل في الموقوف عليهم شيءٌ لفسادٍ يحدث في الأرض وتكون الأرض الأخرى أصلح وأنفع للموقوف عليهم. فلهذه الضرورة جوّزنا شرط الاستبدال في الوقف.
ومحمّدٌ جرى على أصله: من أنّ اشتراط شيءٍ للوقفِ يمنع الخلوص على ما عرف في موضعه، فلم يعتبر هذا الشرط، ووجه له: بأنّ في بيع ما ضعف من الوقف واستبداله بغيره عين مصلحته، ومراعاة بقائه، وإن أخّر حتى انعدمت منفعته بالكلية، ريما لا يرغب أحدٌ في شرائه ألبتّة، فيؤدي إلى استهلاكه وتعطيل منافعه. وفيه: إضاعة المال المنهي عنه شرعًا.
فإن قلت: النصوص المتقدمة مطلقة، والمطلق يجري على إطلاقه.
قلت: راوي الأصل قد أجاز النقل.
فروى صالح بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، ومن جهته: رواه الخلال.
وعنه: رواه أبو بكر، عن القاسم قال: لما قَدِمَ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وكان سَعْدُ بنُ مالكٍ قَدْ بَنَى القَصْرَ، واتّخذ مسجدًا عند أصحاب التَّمْرِ (1)، قَالَ: فَنَقِبَ بَيْتُ المَالِ، فَأخذَ الرّجلَ الّذي نقِبَهُ. فكتبَ إلى عمرَ ابن الخطّاب، فكتب عمر: أن لا يقطع الرّجل، وانقلِ المسجدَ، واجعل بيت المالِ في قبلته، فإنّه لا يزال في المسجد مصل. فَنَقَلَهُ عبدُ اللهِ، فَخَطّ له لهذه الخطة (2).
(1) تحرف في المخطوط إلى: (النمر).
(2)
هذا الأثر غير موجود في مسائل صالح المطبوعة، لعله بسبب وجود سقط في المخطوطة. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه الطبراني في الكبير (8949) قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا المسعودي، عن القاسم قال: قدم عبد الله وقد بنى سعد القصر، واتخذ مسجدًا في أصحاب التمر، فكان يخرج إليه في الصلوات، فلما ولي عبد الله بيت المال، نقب بيت المال، فأخذ الرجل، فكتب عبد الله إلى عمر، فكتب عمر: أن لا تقطعه، وانقل المسجد، واجعل بيت المال مما يلي القبلة، فإنه لا يزال في المسجد من يصلي، فنقله عبد الله، وخط هذه الخطة، وكان القصر الذي بنى سعد شاذر، وإن كان الإمام يقوم عليه، فأمر به عبد الله فنقض حتى استوى مقام الإمام مع الناس. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ رقم 10654): رواه الطبراني، والقاسم لم يسمع من جده، ورجاله رجال الصحيح.
وروى الطبري في التاريخ (2/ 479) قال: كتب إليّ السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعيد في قصة طويلة فيها: (. . . وقد بنى سعد في الذين خطوا للقصر بحيال محراب مسجد الكوفة اليوم، فشيده وجعل فيه بيت المال وسكن ناحيته، ثم إن بيت المال نقب عليه نقبًا وأخذ من المال، وكتب سعد بذلك إلى عمر، ووصف له موضع الدار وبيوت المال من الصّحن مما يلي ودعة الدار، فكتب إليه عمر أن انقل المسجد حتى تضعه إلى جنب الدار، واجعل الدار قبلة، فإن للمسجد اهلاً بالنهار وبالليل، وفيهم حصن لما لهم فنقل المسجد، وأراغ بنيانه. . .) وإسناده واهٍ، لا يصح.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (31/ 215 -): قال أبو بكر عبد العزيز في الشافي الذي اختصر منه زاد المسافر: حدثنا الخلال، حدثنا صالح ابن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا المسعودي، عن القاسم قال: لما قدم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. على بيت المال، كان سعد بن مالك قد بنى القصر، واتخذ مسجدًا عند أصحاب التمر، قال: فنقب بيت المال، فأخذ الرجل الذى نقبه، فكتب إلى عمر بن الخطاب، فكتب عمر: أن لا تقطع الرجل، وانقل المسجد، واجعل بيت المال في قبلته، فإنه لن يزال في المسجد مصل، فنقله عبد الله، فخط له هذه الخطة. قال صالح: قال أبي: يقال: إن بيت المال نقب من مسجد الكوفة، فحوّل عبد الله بن مسعود المسجد، فموضع التمارين اليوم في موضع المسجد=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= العتيق. قال: وسألت أبي عن رجل بنى مسجدًا، ثم أراد تحويله إلى موضع آخر؟ قال: إن كان الذي بنى المسجد يريد أن يحوله خوفًا من لصوصٍ، أو يكون موضعه موضع قذر، فلا بأس أن يحوله، يقال: إن بيت المال نقب، وكان في المسجد، فحول ابن مسعود المسجد. حدثنا محمد بن علي، حدثنا أبو يحيى، حدثنا أبو طالب: سئل أبو عبد الله: هل يحول المسجد؟ قال: إذا كان ضيقًا لا يسع أهله، فلا بأس أن يجعل إلى موضع أوسع منه. حدثنا محمد بن علي، حدثنا عبد الله بن أحمد قال: سألت أبي عن مسجد خرب، ترى أن تباع أرضه، وتنفق على مسجد آخر أحدثوه؟ قال: إذا لم يكن له جيران، ولم يكن أحد يعمره، فلا أرى به بأسًا أن يباع وينفق على الآخر. حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا أبو داود قال: سمعت أحمد سئل عن مسجد فيه خشبتان لهما قيمة، وقد تشعثت، وخافوا سقوطه، أتباع هاتان الخشبتان، وينفق على المسجد، ويبدل مكانهما جذعين؟ قال: ما أرى به بأسًا، واحتج بدواب الحبيس التي لا ينتفع بها، تباع ويجعل ثمنها في الحبيس.
ولا ريب أن في كلامه ما يبين جواز إبدال المسجد للمصلحة، وإن أمكن الانتفاع به؛ لكون النفع بالثاني أكمل، ويعود الأول طلقًا. وقال أبو بكر في زاد المسافر: قال أحمد في رواية صالح: نقب بيت المال بالكوفة، وعلى بيت المال ابن مسعود، فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكتب إليه عمر: أن انقل المسجد، وصيّر بيت المال في قبلته، فإنه لن يخلو من مصل فيه. فنقله سعد إلى موضع التمارين اليوم، وصار سوق التمارين في موضعه، وعمل بيت المال في قبلته، فلا بأس أن تنقل المساجد إذا خربت. وقال في رواية أبي طالب: إذا كان المسجد يضيق بأهله، فلا بأس أن يحول موضع أوسع منه. جوّز تحويله لنقص الانتفاع بالأول لا لتعذره. وقال القاضي أبو يعلى: وقال في رواية صالح: يحوّل المسجد خوفًا من لصوص، وإذا كان موضعه قذرًا. وبالثاني قال القاضي أبو يعلى. وقال في رواية أبي داود: في مسجد أراد أهله أن يرفعوه من الأرض، ويجعل تحته سقاية وحوانيت، وامتنع بعضهم من ذلك؟ ينظر إلى قول أكثرهم. . .
وانظر مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (12/ 451 - 452).