المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل إذا صلى ترويحة واحدة بتسليمة واحدة، وقد قعد في الثانية قدر التشهد - مجموعة رسائل العلامة قاسم بن قطلوبغا

[ابن قطلوبغا]

فهرس الكتاب

- ‌مَدخَل

- ‌الكِتَاب

- ‌وَصفُ المَخْطُوطِ

- ‌صِحَّةُ نِسْبَةِ المَجمُوع

- ‌مَصَادِر المَجْمُوع

- ‌عَمَلُنَا فِي المَجْمُوعِ

- ‌تَرْجَمَةُ العلَّامة قَاسِم بن قُطْلُوبغَا

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده:

- ‌ صفته:

- ‌ العلوم التي برع فيها:

- ‌ مذهبه:

- ‌ المناصب التي وليها:

- ‌ رحلاته العلمية:

- ‌ شيوخه:

- ‌ تلاميذه:

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌ مصنفاته:

- ‌ القرآن وعلومه:

- ‌ التخريج:

- ‌ الرجال وعلومه:

- ‌ الحديث وعلومه:

- ‌ الفقه وعلومه:

- ‌ أصول الفقه:

- ‌ السيرة:

- ‌ النقد:

- ‌ اللغة العربية:

- ‌ علم الكلام:

- ‌ مرضه ووفاته:

- ‌ مصادر الترجمة:

- ‌تَرْجَمَةُ شَمْس الدِّين ابن أَمِيْر حَاج الحَلَبِيِّ

- ‌ اسمه:

- ‌ أولاده:

- ‌ صفته:

- ‌ المناصب التي تولاها:

- ‌ تصانيفه:

- ‌ وفاته:

- ‌ مصادر ترجمته:

- ‌[1]رَفْعُ الاشْتِبَاهِ عَنْ مَسَائِلِ المِيَاهِ

- ‌ لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُفْتِي بِقَوْلنَا مَا لَمْ يَعْرِفْ مِنْ أَيْنَ قُلْنَاهُ

- ‌ سئلت عن مسائل وأجوبتها منقولة فلا بأس نذكرها تتميماً:

- ‌[2]رِسَالَةٌ فِيهَا أَجْوِبَةٌ عَنْ بَعْضِ مَسَائِلَ وَقَعَتْ

- ‌ إذا أصابوا في البئر فأرة متفسخة، وكانوا قبل ذلك قد طبخوا أو عجنوا من مائها، هل يؤكل

- ‌ رجل يمسح على خرقة على جراحةٍ بيده

- ‌ رجلٍ صلّى الظهر، فشكّ وهو في الصلاة أنه على وضوءٍ أم لا، ما الفعلُ

- ‌ إذا تعمَّد ترك الواجب أو تأخيره، لم يجب عليه سجود السهو

- ‌ المسبوق إذا سلَّم مَعَ الإمام ساهيًا، هل تبطل صلاته

- ‌ رجلٌ أجَّرَ دارًا

- ‌ رجلٌ له ثلاث مئة قد حال عليها الحول، فخلطها بخمس مئة، ثم ضاع من المال كله خمس مئة

- ‌ في رجلٍ صائم قال له آخر: امرأته طالق إن لم يفطر

- ‌ التقبيل الفاحش

- ‌[3]النَّجَدَات بِبَيَانِ السَّهْوِ في السَّجْدَاتِ

- ‌[4]أَحْكَامُ الفَأْرَة إِذَا وَقَعَتْ فِي الزَّيتِ وَنَحْوِه

- ‌ تنجّس الدهن:

- ‌[5]أَحْكَامُ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَازَةِ فِي المَسْجِدِ

- ‌لو وضعت الجنازة خارج المسجد والإمام خارج المسجد، ومعه صفٌّ والباقي في المسجد

- ‌[6][رِسَالَةٌ فِي] التَّرَاوِيحِ وَالوِتْرِ

- ‌وَلْيَجْعَلْ آخِرَ صَلَاتِهِ مِنَ اللَّيْلِ وِتْرًا

- ‌فصلٌالانتظار من كل ترويحتين قدر الترويحة

- ‌فصل وقدر القراءة في التراويح

- ‌فصلٌإذا صلّى الإمام التراويح قاعدًا لعذرٍ أو لغير عذرٍ والقوم قيام

- ‌فصلٌ وإذا صلَّى التراويح قاعدًا من غير عذرٍ

- ‌فصلٌ إذا صلّى التراويح مقتديًا بمن يصلي المكتوبة، أو وترًا، أو نافلة غير التراويح

- ‌فَصْلٌ إذا صلَّى ترويحةً واحدةً بتسليمةٍ واحدةٍ، وقد قعد في الثّانية قدر التشهد

- ‌[7]الفَوَائِدُ الجُلَّةُ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِبَاهِ القِبْلَةِ

- ‌ صورة ما كتبه المرحوم الشيخ العلامة يحيى بن محمد الأقصرائي الحنفي

- ‌[8]أَحْكَامُ القَهْقَهةِ

- ‌ تتمة:

- ‌ فائدة:في التوكيل في النكاح

- ‌[9]الأَصْلُ فِي بَيَانِ الفَصْلِ والوَصْلِ

- ‌[10]الأُسُوس في كَيْفَّيةِ الجُلُوسِ

- ‌[11]تَحْرِيرُ الأَقْوَالِ في صَوْمِ السِّتِّ مِن شَوَّال

- ‌ فائدة:

- ‌[12]رِسَالَةٌ في قَضَاءِ القَاضِي

- ‌[13][رِسَالَةٌ فِي] العِدَّةِ

- ‌كتب على هذه بعض مشايخ العصر ما صورته:

- ‌[فَتْوَى عَنِ القَصْرِ وَالإتْمَامِ]

- ‌[14]مَسْأَلَةٌ فِي حَطِّ الثَّمَنِ وَالإِبْرَاءِ مِنْهُ وَصَحَّةِ ذَلكَ

- ‌[15]مِن مَسَائِلِ الشُّيُوع

- ‌سئلتُ عن بيع حصّةٍ شائعةٍ من عقارٍ

- ‌[الفصل] الأوّل:

- ‌ أقسام الشيوع

- ‌ الفصل الثاني:

- ‌ الفصل الثالث:

- ‌ أجرُ الشّائع

- ‌قرض المشاع

- ‌ وهب الشائع

- ‌ الشيوع الطارئ:

- ‌ وقف الشائع:

- ‌ رهنَ الشائع

- ‌ الفصل الرابع:

- ‌ إجارة المشاع:

- ‌ الإعارة في الشائع:

- ‌ الرهن

- ‌ الصّدقة:

- ‌ الوقف:

- ‌[16]أَحْكَامُ التَّزْكِيَةِ وَالشَّهَادَةِ

- ‌سئلتُ عن رجل شهدَ عليه عند قاضٍ مالكي المذهب:

- ‌صورة التزكية

- ‌ العدالة

- ‌البلوغ

- ‌ البصر:

- ‌ العدد في الشهادة:

- ‌مَسَائِلُ التَّزْكِيَة

- ‌[17]القَوْلُ القَائِم في بَيَانِ تَأْثِيرِ حُكْمِ الحَاكِمِ

- ‌[18][رِسَالَةٌ في] مَا يُنقَضُ مِنَ القَضَاءِ

- ‌[19]تَحْرِيرُ الأَقْوَالِ في مَسْأَلَةِ الاسْتِبْدَالِ

- ‌[20]مَسْأَلَةٌ فِي الوَقْفِ وَاشْتِرَاطِ النَّظَرِ لِلأَرْشَدِ فَالأَرْشَدِ

- ‌وسئلت عن واقفٍ شرط أن يكون النظر للأرشد فالأرشد

- ‌ صورة سؤال ورد على الشيخ رحمه الله من دمشق:

- ‌ مسألةٌ مهمّةٌ

- ‌ مسألة أخرى:

- ‌[21]صُورَةُ سُؤَالَاتٍ وَأَجْوِبَةٍ عَنْهَا

- ‌ورد على الشيخ - رحمه الله تعالى - من دمشقٍ:

- ‌ باب العول:

- ‌ باب الرّدّ

- ‌ فائدة:

- ‌[22]مَسْأَلَةُ تَعْلِيقِ الطَّلَاق بِالنِّكاحِ

- ‌هل تكون الخلوة إجازةً

- ‌هل للفضولي فسخ العقد قبل الإجازة

- ‌صورة السجل:

- ‌ تتميم:

- ‌[23]مَسْأَلَةٌ في طَلَاقِ المَرِيضِ زَوْجَتهُ

- ‌ فائدة:

- ‌ فائدة أخرى:

- ‌ نكتة:

- ‌سئلت عن رجلٍ طلّق امرأته طلقتين وراجعها من الثانية

- ‌سئل عن رجلٍ حلف بالطلاق من زوجته

- ‌ سئل - رحمه الله تعالى -: عن امرأةٍ

- ‌سئل رحمه الله: عمّن باع داراً بيع التقاضي وقبض بعض الثمن، ثم أقبض الباقي بعد هذه

- ‌ مسألة:

- ‌سئل عن رجل باع عن رجلٍ

- ‌سئل عن رجلٍ باع ثوباً

- ‌سئل عن رجلٍ باع ديناراً

- ‌سئل عن رجلٍ اشترى من صيّادِ سمكةً ودفع ثمنها

- ‌سئل رحمه الله: عن رجلٍ اقترض من رجلٍ مالاً على تركةِ فلان

- ‌[24][رِسَالَةٌ في] حَفْرِ المُرَبَّعَاتِ

- ‌ سئل - رحمه الله تعالى - عن رجلٍ استأجر أُجراء يحفرون له مربعة

- ‌سئل عن رجلٍ استأجرَ جميع بستانين

- ‌سئل الشيخ من مدينة غزّة:

- ‌سئل - رحمه الله تعالى - عمّن عليه دَينٌ مستغرق

- ‌سئل رحمه الله عن رجل عليه دُيونٌ

- ‌سئل رحمه الله: عن رجلٍ طلّق زوجته البالغة طلاقًا بائنًا

- ‌[25]حُكْمُ الخُلْعِ وَحُكْمُ الحَنْبَلي فِيهِ

- ‌سئل رحمه الله عن زوجين اختصما بعد الفرقة في صغيرةٍ بينهما

- ‌سئل رحمه الله: ما تقول في قول الخلاصة وغيره: إنّ الشّاهدين إذا شهدا أنّ القاضي قضى لفلانٍ على فلانٍ بكذا

- ‌سئل رحمه الله: عن رجلٍ وقف شيئًا معيّنًا من ماله على نفسه

- ‌سئل رحمه الله: في قول السّادة الحنفية، فيمن استأجر عبدًا للخدمة

- ‌سئلتُ عن واقفٍ وَقَفَ وقفًا وشرطَ لنفسهِ التبديل والتغيير، فغيّر الوقف لزوجته

- ‌مُلْحَق المَجْمُوعِ تَعْرِيفُ المُسْتَرْشِد في حُكْمِ الغِراسِ في المَسْجِدِ

- ‌ تنبيه:

- ‌ تذييل:

الفصل: ‌فصل إذا صلى ترويحة واحدة بتسليمة واحدة، وقد قعد في الثانية قدر التشهد

‌فَصْلٌ إذا صلَّى ترويحةً واحدةً بتسليمةٍ واحدةٍ، وقد قعد في الثّانية قدر التشهد

.

اختلف المشايخ فيه (1):

(1) قال الكاشاني في بدائع الصنائع (3/ 151 - 152): ومنها [أي: سنن التراويح]: أن يصلِّي كلّ ركعتين بتسليمةٍ على حدةٍ.

ولو صلّى ترويحةً بتسليمةٍ واحدةٍ وقعد في الثّانية قدر التّشهّد، لا شكّ أنّه يجوز على أصل أصحابنا أنّ صلواتٍ كثيرةً تتأدّى بتحريمةٍ واحدةٍ بناءً على أن التّحريمة شرطٌ وليست بركنٍ عندنا خلافًا للشافعى، لكن اختلف المشايخ أنّه هل يجوز عن تسليمتين أو لا يجوز إِلَّا عن تسليمةٍ واحدةٍ؟ قال بعضهم: لا يجوز إِلَّا عن تسليمةٍ واحدةٍ؛ لأنّه خالف السّنّة المتوارثة بترك التسليمة، والتحريمة، والثنّاء، والتّعوّذ والتّسمية فلا يجوز إِلَّا عن تسليمةٍ واحدةٍ. وقال عامّتهم: إنّه يجوز عن تسليمتين وهو الصّحيح، وعلى هذا لو صلّى التّراويح كلّها بتسليمةٍ واحدةٍ وقعد في كلّ ركعتين. أنّ الصّحيح أنّه يجوز عن الكلّ؛ لأنّه قد أتى بجميع أركان الصّلاة وشرائطها؛ لأنّ تجديد التّحريمة لكلّ ركعتين ليس بشرطٍ عندنا، هذا إذا قعد على رأس الرّكعتين قدر التّشهّد، فأمّا إذا لم يقعد فسدت صلاته عند محمّدٍ، وعند أبي حنيفة، وأبي يوسف يجوز، وأصل المسألةُ يصلّي التّطوّع أربع ركعاتٍ إذا لم يقعد في الثّانية قدر التّشهّد وقام وأتمّ صلاته أنّه يجوز استحسانًا عندهما، ولا يجوز عند محمّدٍ قياسًا، ثمّ إذا جاز عندهما فهل يجوز عن تسليمتين أو لا يجوز إلّا عن تسليمةٍ واحدةٍ، الأصحّ أنّه لا يجوز إِلَّا عن تسليمةٍ واحدةٍ؛ لأنّ السّنّة أن يكون الشّفع الأوّل كاملًا، وكماله بالقعدة ولم توجد والكامل لا يتأدّى بالنّاقص.

ولو صلّى ثلاث ركعاتٍ بتسليمةٍ واحدةٍ ولم يقعد في الثّانية، قال بعضهم: لا يجزئه أصلًا بناءً على أن من تنفّل بثلاث ركعاتٍ، ولم يقعد إلّا في آخرها جاز عند بعضهم؛ لأنّه لو كان فرضًا وهو المغرب جاز، فكذا النّفل، ولا يجوز عند بعضهم؛ لأنّ القعدة =

ص: 255

قال بعضهم: لا يجزئه الأربع إلّا عن تسليمةٍ واحدةٍ.

وقال أكثرهم: يجزئهُ عن تسليمتين وهو الصّحيح؛ لأنه قد أكمل، ولم يُخِلَّ بشيءٍ إلّا أنّه جمعَ بين المتفرق واستدام التحريمة، فكان أولى بالجواز، وإنْ صلّى ستًا أو ثمانيًا أو عشرًا بتسليمةٍ واحدةٍ. وقعد على رأس كلّ ركعتين.

فعلى قول الأولين: لم يجز إِلَّا عَنْ رَكْعَتَيْنِ.

واختلف المشايخ المتأخرون فيه: قال عامّة المتأخرين: كان كلّ ركعتين عن تسليمةٍ. وهو الصّحيح؛ لأنّه قيّد كلّ شفع بالقعودِ بسائرِ الأفعال. والتسليمةُ: قطعٌ وخروجٌ، فلا يكون من تمام الصّلاة.

وفرّق بعض المتأخرين بين هذه المسألة وبين الّتي قبلها. فقال: متى

= على رأس الثّالثة في النّوافل غير مشروعةٍ بخلاف المغرب فصار كأنّه لم يقعد فيها، ولو لم يقعد فيها لم تجز النّافلة فكذا في التراويح، ثمَّ إن كان ساهيًا في الثّالثة لا يلزمه قضاء شيءٍ؛ لأنّه شرع في صلاةٍ مظنونةٍ؛ ولأنّه لا يوجب القضاء عند أصحابنا الثّلاثة، وإن كان عمدًا فعلى قول من قال بالجواز يلزمه ركعتان؛ لأنّ الرَّكعة الثّانية قد صحّت لبقاء التّحريمة، وإن لم يكملها يضّم ركعةً أخرى إليها فيلزمه القضاء، وعلى قول من قال بعدم الجواز يلزمه ركعتان عند أبي يوسف، وعند أبي حنيفة لا يلزمه شيءٌ؛ لأنّ التّحريمة قد فسدت بترك القعدة في الرّكعة الثّانية فشرع في الثّالثة بلا تحريمةٍ، وأنّه لا يوجب القضاء عند أبي حنيفة، وعلى هذا لو صلّى عشر تسليماتٍ كلّ تسليمةٍ بثلاث ركعاتٍ بقعدةٍ واحدةٍ.

ولو صلّى التراويح كلّها بتسليمةٍ واحدةٍ ولم يقعد إلّا في آخرها، قال بعضهم: يجزئه عن التّراويح كلّها. وقال بعضهم: لا يجزئه إِلَّا عن تسليمةٍ واحدةٍ، وهو الصّحيح؛ لأنّه أخلّ بكلّ شفعٍ بترك القعدة.

ص: 256

ما عدّو ما هي مستحبّة في صلاةٍ، فكلّ ركعتين من ذلك يجريان عن تسليمةٍ، ومتى لم يكن كذلك لم يجز إلّا عن قدر المستحبّ؛ لأنّ في الزّيادة كراهة. وفي استحبابه خلافٌ.

ففي هذا اختلافٌ أيضًا.

فعلى هذا: إذا صلّى ستًا تجزئ عن ثلاثِ تسليماتٍ، عند أبي حنيفة، وعند صاحبيه عن تسليمتين.

فإن صلّى عشرًا، فعندهما تجزئ تسليمتين.

وعنده في الرِّواية الشّاذة: عن خمس تسليماتٍ.

وفي روايةِ الأصل: وَإِلَّا فلَا. عن أربعِ تسليماتٍ.

وفي رواية الجامع الصغير: عن ثلاثِ تسليماتٍ، وَإِن صَلَّى التّراويح كلها بتسليمةٍ واحدةٍ عمدًا، وقعدَ في كلّ ركعتين.

فعلى قول الأولين: جاز عن تسليمةٍ واحدةٍ.

وعلى قول عامّة المتأخرين: جازت عن الكل على قول بعض المتأخرين على الاختلاف الّذي حكينا.

والصَّحيحُ قول العامّة.

* * *

فصلٌ وإذا صلّى ترويحةً بتسليمةٍ، ولم يقعد في الرّكعة الثّانية.

فالقياس وهو قول محمّد وزفر، وهو رواية عن أبي حنيفة: أنّه تفسد

ص: 257

صلاته، ويلزمه قضاءُ هذه التسليمة، ولا يجوز ذلك عن شيئين.

وفي الاستحسان: وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف. يجوز.

ثمّ اختلف المشايخ فيه على قولهما.

قال بعضهم: يجزئه عن تسليمةٍ واحدةٍ. وهو الصّحيح؛ لأنه أكمل الأريع بتسليمةٍ واحدةٍ فحسب. بخلاف ما إذا قعد في الثّانية؛ لأنه أكمل كلّ شفعٍ بالقعود.

وإن صلّى ثلاث ركعات بتسليمةٍ واحدةٍ، ولم يقعد في الثّانية ساهيًا، أو عامدًا، فلا شك: أن صلاته باطلة في القياس. وهو قول محمّد وزفر. وهو رواية عن أبي حنيفة. وعليه قضاء ركعتين فحسب.

وأمّا في الاستحسان وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف.

اختلف المشايخ فيه:

قال بعضهم: يجزئه عن تسليمةٍ واحدةٍ.

وقال بعضهم: لا يجزئه عن شيءٍ أصلًا.

وكذا الخلاف في غير التّراويح إذا تنفّل بثلاث ركعات، ولم يقعد إِلّا في آخرها جاز عند الأولين، ولم يجز عند الآخرين.

أما من قال: يجوزُ يقول: الفرض يجوز. بمثل هذه الصّفة. وهو المغرب. فكذا النّفل، ويجب أن يجوز، وإذا جاز النّفل جازت التّراويح؛ لأنها نافلة.

فصار هذا كما لو صلَّى الأريع بقعدةٍ واحدةٍ. وذلك: يجوز عن تسليمةٍ واحدةٍ. فكذا هذا.

وأمَّا من قال: لا يجوز؛ فإنه يقولُ: إن القعدةَ المشروعة قد

ص: 258

تركها.

والتي فعلها في غير موضعها؛ لأنهّا لم تشرع في النّوافل في الثّالثةِ، فصار كأنّه لم يقعد فيها أصلًا، ولو لم يقعد فيها أصلًا، لا يجوز، وإذا لم يجز النفل، لم تجز التراويح؛ لأنّها نافلة بخلاف الأربع؛ لأنّ القعدة في آخرها قعدة في موضعها.

ثمّ على قول أولئك إذا جازت هذه الثّلاثة عن تسليمةٍ، هل يلزمه شيءٌ آخرَ لأجل الثّالثة إن كان ساهيًا؛ لَا لأَنّه شروعٌ في مظنونٍ وإن كان عامدًا، يلزمه ركعتان في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف؛ لأنّه قد صحّت الثّالثة حيث حكم بصحّة التحريمة حين قعد في آخر الصّلاة، ولم يكملها بضمِّ أخرى إليها، فيلزمه القضاءُ على قول هؤلاء إذا لم تجزئ الثلاث عن شيءٍ أصلًا. فيلزمه قضاء الأوليين.

وهل يلزمه قضاء الثالثة: فعلى وجهين:

إن كان ساهيًا فلا يلزمه لما قلنا، وإن كان عامدًا لزمه ركعتان في قول أبي يوسف.

وفي قول أبي حنيفة: لا يلزم؛ لأنّ التحريمة قد فسدت حتّى لم يقعد على رأس الىانية، ولم يأتِ بالرّابعة. فإذا قام إلى الثَّالثةِ فقد شرع في الثّالثة بتحريمةٍ فاسدةٍ.

وهذا موجبٌ للقضاءِ عند أبي يوسف، وعند أبي حنيفة: لا، في الصّحيح من مذهبه.

فعلى هذا: إذا صلّى التّراويح عشر تسليماتٍ، كلّ تسليمة ثلاث ركعاتٍ، ولم يقعد إلّا في آخرها.

ص: 259

ففي القياس: وهو قول محمّد وزفر وهو رواية عن أبي حنيفة: عليهِ قضاءُ التراويح كلِّها، ولا شيءَ عليه سوى ذلك.

وفي الاستحسان: وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف على قول أولئك. جازت التراويح، ولا شيءَ عليه، إن كان قام ساهيًا، وإن قام عامدًا، فعليه أيضًا قضاء عشرين ركعة.

وعلى قول هؤلاء: عليه قضاء التراويح كلها كما في القياس، ولا شيء عليه سوى ذلك في قول أبي حنيفة كيفما كان.

وفي قول أبي يوسف: إن كانَ ساهيًا فهو كذلك. وإن كان عامدًا فعليه مع التراويح قضاء عشرين ركعة أخرى.

وإن صلّى التراويح كلها بتسليمةٍ واحدةٍ عمدًا ولم يقعد إلّا في آخرها.

ففي القياس: وهو قول محمّد وزفر روايةً عن أبي حنيفة: لم يجزِئ عن شيء، وعليه قضاء ركعتين فحسب.

وفي الاستحسان: وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف.

اختلف المشايخ فيه:

قال بعضهم: يجزئه عن التراويح كلها.

وقال بعضهم: يجزئه عن تسليمةٍ واحدةٍ كما ذكرنا من الاختلاف، فيما إذا صلّى ترويحة بتسليمةٍ ولم يقعد على رأس الرّكعتين.

وقال بعضهم: يُنظر إلى قدر المستحبّ، فكل ركعتين من المستحب تجزئ عن تسليمةٍ كما قال هذا القائل فيما إذا صلّى ستًّا أو ثمانيًا فقعد على رأس كلّ ركعتين.

ص: 260

والصّحيح: أن قول هذا القائل فيما إذا قعد على رأس كلّ ركعتين.

أما هنا: الصّحيح ما قال بعض المشايخ: أنه يجزئ عن تسليمةٍ واحدةٍ. والله أعلم.

* * *

فصلٌ وأمّا وقت التّراويح (1):

فقد اختلف المشايخ فيه:

قال الشّيخ الإمام إسماعيل الزّاهد وجماعة: اللّيل كلّهُ إلى طلوع الفجر وقتٌ لها قبل العشاء وبعدها. وقبل الوتر وبعدها؛ لأنّها قيام اللّيل، فكان شرطها: اللّيل فحسب.

(1) قال أبو بكر الكاشاني في بدائع الصنائع (3/ 143): وأما وقتها: فقد اختلف مشايخنا فيه: قال بعضهم: وقتها ما بين العشاء والوتر، فلا تجوز قبل العشاء ولا بعد الوتر. وقال عامّتهم؛ وقتها ما بعد العشاء إلى طلوع الفجر فلا تجوز قبل العشاء؛ لأنّها تبعٌ للعشاء فلا تجوز قبلها كسنَّة العشاء. وذكر النّاطفيّ في إمامٍ صلَّى بقومٍ صلاة العشاء على غير وضوءٍ ناسيًا، ثمّ صلّى بهم إمامٌ آخر التّراويح متوضّئًا، ثمَّ علم أن الأوّل كان على غير وضوءٍ؟ أن عليهم أن يعيدوا العشاء والتّراويح جميعًا: أمّا العشاء فلا شكّ فيها.

وأمّا التّراويح؛ فلأنّها تصلّى إلى طلوع الفجر؛ لأنّ ذلك وقتها.

وقال (3/ 144): وهل يكره تأخيرها إلى نصف اللّيل؟ قال بعضهم: يكره؛ لأنّها تبعٌ للعشاء، ويكره تأخير العشاء إلى نصف اللّيل فكذا تأخيرها، والصّحيح: أنّه لا يكره؛ لأنها قيام اللّيل، وقيام اللّيل في آخر اللّيل أفضل.

ص: 261

وقال عامّةُ مشايخ بلخ وبخارى: وقتها ما بين العشاء والوتر، ولو صلّاها قبل العشاء أو بعد الوتر، لم يؤدّها في وقتها؛ لأنّ الآثار كذا وردت. وإنّما تشيع في التّراويح الآثار.

والصّحيح: أن وقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر، حتّى لو صلّاها بعد الوتر يجوز. ولو صلّاها قبل العشاء لا يجوز؛ لأنّها نوافل سنّت بعد العشاء. فاشبهت التطوع المسنون بعد العشاء في غير شهر رمضان. والله أعلم.

* * *

فصلٌ وإذا فاتت التراويح، هل تقضى بعد وقتها بالجماعة، وغير الجماعة.

اختلف المشايخ فيه:

قال بعضهم: يقضي من الغد ما لم يدخل وقت تراويح أخرى.

وقال بعضهم: تُقْضَى ما لم يمض شهر رمضان.

وقال بعضهم: لا تُقْضَى أصلًا. وهو الصّحيح؛ لأنّها ليست بآكد من سنّة المغرب والعشاء، وتلك لا تُقْضَى وحدها عند أصحابنا، فكذلك هذه (1).

والدّليل عليه أنّها لا تُقْضَى بالجماعة: بالإجماع. ولو كانت تُقْضَى

(1) قال الكاشاني في بدائع الصنائع (3/ 158): فصلٌ: وأمّا بيان أدائها إذا فاتت عن وقتها، هل تقضى أم لا؟ فقد قيل: إنها تقضى، والصّحيح: أنها لا تقضى؛ لأنها ليست بآكد من سنّة المغرب والعشاء، وتلك لا تقضى فكذلك هذه.

ص: 262

لقضيت كما فاتت، فإنّ قضاءها منفردًا كان مستحبًّا كسنّة المغرب إذا قضاها. والله أعلمُ.

* * *

فصلٌ وإذا شكّوا أنهم صلوا تسع تسليماتٍ أو عشرًا.

اختلف المشايخ فيه (1):

قال بعضهم: أعادوا تسليمةً واحدةً بالجماعة احتياطًا.

وإذا قال بعضهم: هل يزيدون؛ لأنّ الزيادة عن التراويح بالشك لا يجوزُ. والصَّحيحُ: أنَّهَا يُصَلّون تسليمةً أخرى فُرَادَى حَتَّى يَقع الاحتياط في فصل السّنة بإتمامها.

ويقع الاحتراز عن أداء النّافلة بالجماعة غير التّراويح. والله أعلم.

* * *

*

فصلٌ وإذا صلّى التّرويحة الواحدة إِمامًا، فكلُّ واحدٍ منهما بتسليمةٍ.

اختلف المشايخُ فيه (2):

(1) انظر رد المحتار (5/ 246) وحاشية رد المحتار (2/ 48) والبحر الرائق شرح كنز الدقائق (4/ 314).

(2)

قال الكاشاني في بدائع الصنائع (3/ 153): ومنها [أي: سنن التراويح]:=

ص: 263

قال بعضهم: لا بأسَ به.

والصحيحُ: أنّه لا يستحبُّ ذلكَ. ولكن كلّ ترويحةِ يؤدِّيها إمامٌ واحدٌ وعليه عمل أهل الحرمين وغيرهم، ويكون تبديل الإمام بمنْزلة الانتظارِ. والله أعلم.

* * *

فصلٌ الأفضل: استيعابُ أكثر اللّيل بالصّلاة، والانتظار.

وبعض مشايخنا قالوا: إذا أخّروها إلى ما بعد نصف اللّيل، لم يستحب، وشبّهها بتأخير العشاء.

والصّحيح: أنّه لا بأس به. وهو المستحب والأفضل؛ لأنّها قيام اللّيل، وقيام اللّيل في آخر اللّيل أفضل.

= أن يصلّي كلّ ترويحةٍ إمامٌ واحدٌ، وعليه عمل أهل الحرمين، وعمل السّلف، ولا يصلّي الترويحة الواحدة إمامان؛ لأنّه خلاف عمل السّلف، ويكون تبديل الإمام بمنزلة الانتظار بين التّرويحتين، وأنّه غير مستحبٌّ.

وقال (3/ 154): ولا يصلّي إمامٌ واحدٌ التّراويح في مسجدين في كلّ مسجدٍ على الكمال ولا له فعلٌ، ولا يحتسب التّالي من التراويح، وعلى القوم أن يعيدوا؛ لأنّ صلاة إمامهم نافلةٌ، وصلاتهم سنّةٌ، والسّنّة أقوى، فلم يصحّ الاقتداء؛ لأنّ السّنّة لا تتكرّر في وقتٍ واحدٍ، وما صلّى في المسجد الأوّل محسوبٌ، وليس على القوم أن يعيدوا ولا بأس لغير الإمام أن يصلّي التراويح في مسجدين؛ لأنّه اقتداء المتطوّع بمن يصلّي السّنّة، وأنه جائزٌ كما لو صلّى المكتوبة ثمَّ أدرك الجماعة ودخل فيها والله أعلم.

ص: 264

وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي في معاني الآثار (1): باب التَّطوُّع بعد الوتر. . . ثمّ روى حديث ثمّ انتهى (2)، وقرَّه إلى السَّحر. ثمّ قال: وذهب قومٌ إلى أنَّه لا يتطوَّع بعد الوتر، وأنَّ من تطوَّع بعده فقد نقضه، وعليه أن يعيد وترًا آخر (3). ثمّ قال: وخالفهم في ذلك آخرون،. . . . . . . . . . . . .

(1) شرح معاني الآثار (1/ 340 - 341).

(2)

قال: حَدَّثَنَا ربيعٌ المؤذّن قال: حَدَّثَنَا أسدٌ قال: حَدَّثَنَا أسباطٌ، عن مطرّفٍ، عن أبي إسحاق، عن عاصم بْن ضمرة، عن عليٍّ - رضى الله عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوّل اللّيل وفي وسطه وفي آخره، ثمّ ثبت له الوتر في آخره.

حَدَّثَنَا ابن مرزوقٍ قال: حَدَّثَنَا سعيد بْن عامرٍ وعفان قالا: حَدَّثَنَا شعبة، قال أبو إسحاق: أنبأني غير مرّةٍ قال: سمعت عاصم بْن ضمرة يحدَّث عن عليٍّ رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.

حَدَّثَنَا ربيعٌ الجيزيّ قال: حَدَّثَنَا يعقوب بْن إسحاق بْن أبي عيّادٍ قال: حَدَّثَنَا إبراهيم ابن طهمان، عن أبي إسحاق، فذكر بإسناده مثله.

حَدَّثَنَا أبو أميّة قال: حَدَّثَنَا عبيد الله بْن موسى قال: أَخْبَرَنَا إسرائيل - وقال مرّةً أخرى: أَخْبَرَنَا أبو إسرائيل -، عن السَّدِّيِّ، عن عبد خيرٍ قال: خرج علينا عليٌّ رضي الله عنه ونحن في المسجد، فقال: أين السّائل عن الوتر؟ فانتهينا إليه فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر أوّل اللّيل ثمّ بدا له فأوتر وسطه ثمَّ ثبت له الوتر في هذه السّاعة، قال: وذاك عند طلوع الفجر.

وهذا عندنا على قرب طلوع الفجر قبل أن يطلع حتّى يستوي معنى هذا الحديث، ومعنى حديث عاصم بْن ضمرة.

(3)

زاد الطحاوي: واحتجّوا في ذلك بتأخير رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر إلى آخر اللّيل، وبما روي عن جماعةٍ من أصحابه من بعده أنهم كانوا يرون من تطوّع بعد وترٍ فقد نقضه.

وذكروا في ذلك ما حَدَّثَنَا أبو بكرة قال: حَدَّثَنَا مؤملٌ قال: حَدَّثَنَا حماد بْن سلمة، =

ص: 265

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عن عبد الملك بْن عميرٍ، عن موسى بْن طلحة، أن عثمان رضي الله عنه قال: إنِّي أوتر أوّل اللَّيل، فإذا قمت من آخر اللَّيل صفيت ركعةً فما شبّهتها إِلَّا بقلوصٍ أضمّها إلى الإبل.

حَدَّثَنَا ابن مرزوقٍ قال: حَدَّثَنَا وهبٌ قال: حَدَّثَنَا شعبة، عن عبد الملك بْن عميرٍ، فذكر بإسناده مثله.

حَدَّثَنَا أبو بكرة قال: حَدَّثَنَا أبو عامرٍ قال: حَدَّثَنَا ابن أبي ذئبٍ، عن عمران بْن بشيرٍ، عن أبيه، عن سعيد بْن المسيَّب: أن أبا بكرٍ كان يفعل ذلك.

حَدَّثَنَا ابن مرزوقٍ قال: حَدَّثَنَا وهبٌ قال: حَدَّثَنَا شعبة، عن أبي هارون الغنويّ، عن حطّان بْن عبد الله قال: سمعت عليًّا - رضى الله عنه - يقول: الوتر على ثلاثة أنواعٍ: رجلٌ أوتر أول اللَّيل ثمَّ استيقظ فصلَّى ركعتين، ورجلٌ أوتر أوّل اللَّيل فاستيقظ فوصل إلى وتره ركعةً فصلّى ركعتين ركعتين ثمَّ أوتر، ورجلٌ أخّر وتره إلى آخر اللَّيل.

حَدَّثَنَا محمّد بْن بحرٍ قال: حَدَّثَنَا يزيد بْن هارون قال: حَدَّثَنَا همّامٌ، عن قتادة ومالك ابن دينارٍ، عن جلاسٍ قال: كنت جالسًا عند عمّارٍ فأتاه رجلٌ فقال له: كيف توتر؟ قال: أترضى بما أصنع؟ قال: نعم. قال: أحسب قتادة قال في حديثه: فإني أوتر بليلٍ بخمس ركعاتٍ، ثمَّ أرقد فإذا قمت من اللَّيل شفعت.

حَدَّثَنَا أبو بكرة قال: حَدَّثَنَا أبو عامرٍ قال: حَدَّثَنَا ابن أبي ذئبٍ، عن يزيد بْن عبد الله ابن قسيطٍ، عن أبي سلمة ومحمّد بْن عبد الرحمن بْن ثوبان، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: من أوتر فبدا له أن يصلِّي فليشفع إليها بأخرى حتّى يوتر بعد.

حَدَّثَنَا أبو بكرة قال: حَدَّثَنَا أبو داود قال: حَدَّثَنَا زهير بْن معاوية قال: حَدَّثَنَا أبو إسحاق، عن مسروقٍ قال: قال ابن عمر رضي الله عنه: شيءٌ أفعله برأيي لا أرويه، ثمَّ ذكر نحو ذلك.

قال مسروقٌ: وكان أصحاب ابن مسعودٍ، يتعجّبون من صنع ابن عمر رضي الله عنهما. حَدَّثَنَا أبو بكرة قال: حَدَّثَنَا أبو داود قال: حَدَّثَنَا حرب بْن شدّادٍ، عن يحيى بْن أبي كثيرٍ، عن أبي الحارث الغفاريِّ، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلًا استفتاه عن رجلٍ أوتر أوّل اللَّيل ثمَّ نام ثمَّ قام كيف يصنع؟ قال: يتمّها عشرًا.

وقد روي عن أبي هريرة - رضى الله عنه - خلاف هذا القول. وسنذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى. . .

ص: 266

وقالوا (1): لا بأس بالتَّطوُّع بعد الوتر، ولا يكون ذلك نقضًا (2) للوترِ (3). ثمّ

(1) في شرح معاني الآثار: فقالوا.

(2)

في شرح معاني الآثار: ناقضًا.

(3)

زاد الطحاوي: ورووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ما: حَدَّثَنَا فهدٌ، قال: حَدَّثَنَا يحيى ابن عبد الله البابلتيّ، قال: حَدَّثَنَا الأوزاعيّ قال: حَدَّثَنَا يحيى بْن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركع ركعتين بعد الوتر قرأ فيهما، وهو جالسٌ فلمّا أراد أن يركع قام فركع.

وقد ذكرنا مثل ذلك أيضًا، عن عائشة رضي الله عنهما في (باب الوتر) في حديث سعد بْن هشامٍ.

حَدَّثَنَا فهدٌ قال: حَدَّثَنَا أبو غسّان قال: حَدَّثَنَا عمارة بْن زاذان، عن ثابتٍ البنانيّ، عن أنسٍ رضي الله عنهما: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الرَّكعتين بعد الوتر بـ {الرَّحَمَنِ} و {الْوَاقِعَةُ} .

حَدَّثَنَا ابن أبي داود قال: حَدَّثَنَا عبد الرّحمن بْن المبارك قال: حَدَّثَنَا عبد الوارث، عن أبي غالب، عن أبي أمامة: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلِّيهما بعد الوتر، وهو جالسٌ يقرأ فيهما {إِذَا زُلْزِلَتِ} و {قُل يَأَيُّهَا الْكَفِرُونَ} .

حَدَّثَنَا فهدٌ قال: حَدَّثَنَا عبد الله بْن صالحٍ قال: حدّثني معاوية بْن صالحٍ، عن شريح ابن عبيدٍ، عن عبد الرّحمن بْن جبير بْن نفيرٍ، عن أبيه، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فقال:"إنّ هذا السّفر جهدٌ وثقلٌ، إذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلَّا كانتا له".

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تطوّع بعد الوتر بركعتين وهو جالسٌ ولم يكن ذلك ناقضًا لوتره المتقدّم، فهذا أولى ممّا تأوّله أهل المقالة الأولى وادّعوه من معنى حديث عليٍّ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتره إلى السّحر. مع أن ذلك أيضًا ليس به خلافٌ عندنا لهذا، لأنّه قد يجوز أن يكون وتره ينتهي إلى السّحر ثمَّ يتطوّع بعده قبل طلوع الفجر.

فإن قال قائلٌ: يحتمل أن يكون تينك الرَّكعتان هما ركعتا الفجر، فلا يكون ذلك من صلاة اللّيل. =

ص: 267

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قيل له: لا يجوز ذلك من جهتين أما أحدهما: فلأنّ سعد بْن هشامٍ إنّما سأل عائشة رضي الله عنها، عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم باللّيل، فكان ذلك منها جوابًا لسؤاله وإخبارًا منها إيّاه، عن صلاته باللّيل كيف كانت.

والجهة الأخرى: أنّه ليس لأحدٍ أن يصلّي ركعتي الفجر جالسًا، وهو يطيق القيام؛ لأنه بذلك تارك لقيامها، وإنّما يجوز أن يصلِّي قاعدًا وهو يطيق القيام ما له أن لا يصلّيه ألبتّة، ويكون له تركه، فهو كما له تركه بكماله، يكون له ترك القيام فيه. فأمّا ما ليس له تركه فليس له ترك القيام فيه.

فثبت بذلك أنّ تينك الرّكعتين اللّتين تطوّع بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الوتر كانتا من صلاة اللَّيل، وفي ذلك ما وجب به قول الّذين لم يروا بالتّطوّع في اللَّيل بعد الوتر بأسًا ولم ينقضوا به الوتر.

وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك من قوله ما يدلُّ على هذا أيضًا ما قد ذكرناه عنه في حديث ثوبان.

وقد حَدَّثَنَا عمران بْن موسى الطّائيّ وابن أبي داود قالا: حَدَّثَنَا أبو الوليد (ح). وحدَّثنا ابن أبي عمران قال: حَدَّثَنَا عليّ بْن الجعد قالا: أَخْبَرَنَا أيّوب بْن عتبة، عن قيس بْن طلقٍ، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلةٍ".

حَدَّثَنَا ابن أبي داود قال: حَدَّثَنَا أبو الوليد قال: حَدَّثَنَا ملازم بْن عمرٍو قال: حدثني عبد الله بْن بدرٍ، عن قيس بْن طلقٍ، عن أبيه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مثله.

حَدَّثَنَا أبو أمية قال: حَدَّثَنَا أبو نعيمٍ وأبو الوليد قالا: حَدَّثَنَا ملازمٌ، عن عبد الله بْن بدرٍ، فذكر بإسناده مثله.

حَدَّثَنَا أبو بكرة قال: حَدَّثَنَا أبو داود قال: حَدَّثَنَا زائدة، عن عبد الله بْن محمّد بْن عقيلٍ، عن جابر بْن عبد الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكرٍ: "متى توتر؟ " قال: أوّل اللّيل بعد العتمة، قال:"أخذت بالوثقى". ثمَّ قال لعمر: "متى توتر؟ " قال: آخر اللَّيل. قال: "أخذت بالقوّة".

حَدَّثَنَا يونس قال: حَدَّثَنَا يحيى بْن عبد الله بْن بكيرٍ قال: حدثني اللَّيث، عن ابن شهابٍ، عن ابن المسيَّب: أنّ أبا بكرٍ وعمر رضي الله عنهما تذاكرا الوتر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، =

ص: 268

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فقال أبو بكرٍ - رضى الله عنه -: أمّا أنا فأصلِّي ثمّ أنام على وترٍ، فإذا استيقظت صلَّيت شفعًا حتّى الصّباح. فقال عمر رضي الله عنه: لكنّي أنام على شفعٍ، ثمَّ أوتر من آخر السّحر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرٍ رضي الله عنه:"حذر هذا". وقال لعمر - رضى الله عنه -: "قوي هذا".

فدلّ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلةٍ" على ما ذكرنا من نفي إعالة الوتر، ووافق ذلك قول أبي بكرٍ رضي الله عنه: أمّا أنا فأوتر أول اللّيل، فإذا استيقظت صلّيت شفعًا حتّى الصّباح. وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم النّكير عليه دليلٌ على أن حكم ذلك كما كان يفعل، وأنّ الوتر لا ينقضه النّوافل الّتي يتنفّل بها بعده.

وقد روي ذلك أيضًا عن جماعةٍ من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم.

حَدَّثَنَا أبو بكرة قال: حَدَّثَنَا وهب بْن جريرٍ قال: حَدَّثَنَا شعبة، عن أبي جمرة قال: سألت ابن عبّاس رضي الله عنه عن الوتر؟ فقال: إذا أوترت أول اللّيل فلا توتر آخره، وإذا أوترت آخره فلا توتر أوّله. قال: وسألت عائذ بْن عمرٍو؟ فقال مثله.

حَدَّثَنَا ابن مرزوقٍ قال: حَدَّثَنَا أبو عامرٍ العقديّ قال: حَدَّثَنَا شعبة، عن قتادة ومالك ابن دينارٍ، أنّهما سمعا خلاسًا قال: سمعت عمّار بن ياسرٍ - وسأله رجلٌ عن الوتر؟ - فقال: أمّا أنا فأوتر ثمَّ أنام، فإن قمت، صلّيت ركعتين ركعتين.

وهذا - عندنا - معنى حديث همّامٍ، عن قتادة الّذي ذكرناه في الفصل الأوّل؛ لأنّ في ذلك، فإذا قمت شفعت.

فاحتمل ذلك أن يكون يشفع بركعةٍ كما كان ابن عمر رضي الله عنهما يفعل، ويحتمل أن يكون يصلِّي شفعًا شفعًا.

ففي حديث شعبة ما قد بيّن أن معنى قول: "شفعت"، أي: صلّيت شفعًا شفعًا، ولم أنقض الوتر.

حَدَّثَنَا أبو بكرة قال: حَدَّثَنَا أبو داود قال: حَدَّثَنَا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بْن جبيرٍ قال: ذكر عند عائشة رضي الله عنها نقض الوتر، فقالت: لا وتران في ليلةٍ.

حَدَّثَنَا أبو بكرة قال: حَدَّثَنَا عبد الله بْن حمران قال: حَدَّثَنَا عبد الحميد بْن جعفرٍ، عن عمران بْن أبي أنسٍ، عن عمر بْن الحكم، أن أبا هريرة - رضى الله عنه - قال: لو جئت بثلاث أبعرةٍ فأنختها، ثمَّ جئت ببعيرين فأنختهما، أليس كان يكون ذلك وترًا؟ قال: وكان =

ص: 269

قال: وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى - (1). والله أعلمُ.

* * *

= يضربه مثلا لنقض الوتر.

وهذا - عندنا - كلامٌ صحيحٌ، ومعناه: أنّ ما صلّيت بعد الوتر من الأشفاع، فهو مع الوتر الّذي أوترته وترًا.

حَدَّثَنَا يونس قال: أَخْبَرَنَا ابن وهبٍ، أن مالكًا حدَّثه، عن زيد بْن أسلم، عن أبي مرّة مولى عقيل بْن أبي طالبٍ رضي الله عنهما، أنه سأل أبا هريرة رضي الله عنه: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؛ فقال: إن شئت أخبرتك كيف أصنع أنا؟ قلت: أخبرني. قال: إذا صلّيت العشاء، صلّيت بعدها خمس ركعاتٍ، ثمّ أنام، فإن قمت من اللّيل، صلّيت مثنى مثنى، وإن أصبحت، أصبحت على وترٍ.

فهذا ابن عبّاسٍ رضي الله عنه، وعائذ بْن عمرٍو، وعمّارٌ، وأبو هريرة رضي الله عنه، وعائشة رضي الله عنها، لا يرون التطوع بعد الوتر، ينقض الوتر.

فهذا أولى - عندنا - مما روي عمّن خالفهم، إذ كان ذلك موافقًا لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله وقوله.

والّذي روي عن الآخرين أيضًا فليس له أصلٌ في النطر، لأنهم كانوا إذا أرادوا أن يتطوَّعوا، صلّوا ركعةً، فيشفعون بها وترًا متقدِّمًا، قد قطعوا فيما بينه وبين ما شفعوا به، بكلامٍ، وعملٍ، ونومٍ، وهذا لا أصل له أيضًا في الإجماع، فيعطف عليه هذا الاختلاف.

فلما كان ذلك كذلك، وخالفه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ذكرنا، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا خلافه، انتفى ذلك، ولم يجز العمل به.

(1)

العبارة في شرح معاني الآثار: (وهذا القول الذي بيّنّا، قول أبي بكرة، وأبي يوسف، ومحمّدٍ).

ص: 270