المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[10]الأسوس في كيفية الجلوس - مجموعة رسائل العلامة قاسم بن قطلوبغا

[ابن قطلوبغا]

فهرس الكتاب

- ‌مَدخَل

- ‌الكِتَاب

- ‌وَصفُ المَخْطُوطِ

- ‌صِحَّةُ نِسْبَةِ المَجمُوع

- ‌مَصَادِر المَجْمُوع

- ‌عَمَلُنَا فِي المَجْمُوعِ

- ‌تَرْجَمَةُ العلَّامة قَاسِم بن قُطْلُوبغَا

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده:

- ‌ صفته:

- ‌ العلوم التي برع فيها:

- ‌ مذهبه:

- ‌ المناصب التي وليها:

- ‌ رحلاته العلمية:

- ‌ شيوخه:

- ‌ تلاميذه:

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌ مصنفاته:

- ‌ القرآن وعلومه:

- ‌ التخريج:

- ‌ الرجال وعلومه:

- ‌ الحديث وعلومه:

- ‌ الفقه وعلومه:

- ‌ أصول الفقه:

- ‌ السيرة:

- ‌ النقد:

- ‌ اللغة العربية:

- ‌ علم الكلام:

- ‌ مرضه ووفاته:

- ‌ مصادر الترجمة:

- ‌تَرْجَمَةُ شَمْس الدِّين ابن أَمِيْر حَاج الحَلَبِيِّ

- ‌ اسمه:

- ‌ أولاده:

- ‌ صفته:

- ‌ المناصب التي تولاها:

- ‌ تصانيفه:

- ‌ وفاته:

- ‌ مصادر ترجمته:

- ‌[1]رَفْعُ الاشْتِبَاهِ عَنْ مَسَائِلِ المِيَاهِ

- ‌ لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُفْتِي بِقَوْلنَا مَا لَمْ يَعْرِفْ مِنْ أَيْنَ قُلْنَاهُ

- ‌ سئلت عن مسائل وأجوبتها منقولة فلا بأس نذكرها تتميماً:

- ‌[2]رِسَالَةٌ فِيهَا أَجْوِبَةٌ عَنْ بَعْضِ مَسَائِلَ وَقَعَتْ

- ‌ إذا أصابوا في البئر فأرة متفسخة، وكانوا قبل ذلك قد طبخوا أو عجنوا من مائها، هل يؤكل

- ‌ رجل يمسح على خرقة على جراحةٍ بيده

- ‌ رجلٍ صلّى الظهر، فشكّ وهو في الصلاة أنه على وضوءٍ أم لا، ما الفعلُ

- ‌ إذا تعمَّد ترك الواجب أو تأخيره، لم يجب عليه سجود السهو

- ‌ المسبوق إذا سلَّم مَعَ الإمام ساهيًا، هل تبطل صلاته

- ‌ رجلٌ أجَّرَ دارًا

- ‌ رجلٌ له ثلاث مئة قد حال عليها الحول، فخلطها بخمس مئة، ثم ضاع من المال كله خمس مئة

- ‌ في رجلٍ صائم قال له آخر: امرأته طالق إن لم يفطر

- ‌ التقبيل الفاحش

- ‌[3]النَّجَدَات بِبَيَانِ السَّهْوِ في السَّجْدَاتِ

- ‌[4]أَحْكَامُ الفَأْرَة إِذَا وَقَعَتْ فِي الزَّيتِ وَنَحْوِه

- ‌ تنجّس الدهن:

- ‌[5]أَحْكَامُ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَازَةِ فِي المَسْجِدِ

- ‌لو وضعت الجنازة خارج المسجد والإمام خارج المسجد، ومعه صفٌّ والباقي في المسجد

- ‌[6][رِسَالَةٌ فِي] التَّرَاوِيحِ وَالوِتْرِ

- ‌وَلْيَجْعَلْ آخِرَ صَلَاتِهِ مِنَ اللَّيْلِ وِتْرًا

- ‌فصلٌالانتظار من كل ترويحتين قدر الترويحة

- ‌فصل وقدر القراءة في التراويح

- ‌فصلٌإذا صلّى الإمام التراويح قاعدًا لعذرٍ أو لغير عذرٍ والقوم قيام

- ‌فصلٌ وإذا صلَّى التراويح قاعدًا من غير عذرٍ

- ‌فصلٌ إذا صلّى التراويح مقتديًا بمن يصلي المكتوبة، أو وترًا، أو نافلة غير التراويح

- ‌فَصْلٌ إذا صلَّى ترويحةً واحدةً بتسليمةٍ واحدةٍ، وقد قعد في الثّانية قدر التشهد

- ‌[7]الفَوَائِدُ الجُلَّةُ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِبَاهِ القِبْلَةِ

- ‌ صورة ما كتبه المرحوم الشيخ العلامة يحيى بن محمد الأقصرائي الحنفي

- ‌[8]أَحْكَامُ القَهْقَهةِ

- ‌ تتمة:

- ‌ فائدة:في التوكيل في النكاح

- ‌[9]الأَصْلُ فِي بَيَانِ الفَصْلِ والوَصْلِ

- ‌[10]الأُسُوس في كَيْفَّيةِ الجُلُوسِ

- ‌[11]تَحْرِيرُ الأَقْوَالِ في صَوْمِ السِّتِّ مِن شَوَّال

- ‌ فائدة:

- ‌[12]رِسَالَةٌ في قَضَاءِ القَاضِي

- ‌[13][رِسَالَةٌ فِي] العِدَّةِ

- ‌كتب على هذه بعض مشايخ العصر ما صورته:

- ‌[فَتْوَى عَنِ القَصْرِ وَالإتْمَامِ]

- ‌[14]مَسْأَلَةٌ فِي حَطِّ الثَّمَنِ وَالإِبْرَاءِ مِنْهُ وَصَحَّةِ ذَلكَ

- ‌[15]مِن مَسَائِلِ الشُّيُوع

- ‌سئلتُ عن بيع حصّةٍ شائعةٍ من عقارٍ

- ‌[الفصل] الأوّل:

- ‌ أقسام الشيوع

- ‌ الفصل الثاني:

- ‌ الفصل الثالث:

- ‌ أجرُ الشّائع

- ‌قرض المشاع

- ‌ وهب الشائع

- ‌ الشيوع الطارئ:

- ‌ وقف الشائع:

- ‌ رهنَ الشائع

- ‌ الفصل الرابع:

- ‌ إجارة المشاع:

- ‌ الإعارة في الشائع:

- ‌ الرهن

- ‌ الصّدقة:

- ‌ الوقف:

- ‌[16]أَحْكَامُ التَّزْكِيَةِ وَالشَّهَادَةِ

- ‌سئلتُ عن رجل شهدَ عليه عند قاضٍ مالكي المذهب:

- ‌صورة التزكية

- ‌ العدالة

- ‌البلوغ

- ‌ البصر:

- ‌ العدد في الشهادة:

- ‌مَسَائِلُ التَّزْكِيَة

- ‌[17]القَوْلُ القَائِم في بَيَانِ تَأْثِيرِ حُكْمِ الحَاكِمِ

- ‌[18][رِسَالَةٌ في] مَا يُنقَضُ مِنَ القَضَاءِ

- ‌[19]تَحْرِيرُ الأَقْوَالِ في مَسْأَلَةِ الاسْتِبْدَالِ

- ‌[20]مَسْأَلَةٌ فِي الوَقْفِ وَاشْتِرَاطِ النَّظَرِ لِلأَرْشَدِ فَالأَرْشَدِ

- ‌وسئلت عن واقفٍ شرط أن يكون النظر للأرشد فالأرشد

- ‌ صورة سؤال ورد على الشيخ رحمه الله من دمشق:

- ‌ مسألةٌ مهمّةٌ

- ‌ مسألة أخرى:

- ‌[21]صُورَةُ سُؤَالَاتٍ وَأَجْوِبَةٍ عَنْهَا

- ‌ورد على الشيخ - رحمه الله تعالى - من دمشقٍ:

- ‌ باب العول:

- ‌ باب الرّدّ

- ‌ فائدة:

- ‌[22]مَسْأَلَةُ تَعْلِيقِ الطَّلَاق بِالنِّكاحِ

- ‌هل تكون الخلوة إجازةً

- ‌هل للفضولي فسخ العقد قبل الإجازة

- ‌صورة السجل:

- ‌ تتميم:

- ‌[23]مَسْأَلَةٌ في طَلَاقِ المَرِيضِ زَوْجَتهُ

- ‌ فائدة:

- ‌ فائدة أخرى:

- ‌ نكتة:

- ‌سئلت عن رجلٍ طلّق امرأته طلقتين وراجعها من الثانية

- ‌سئل عن رجلٍ حلف بالطلاق من زوجته

- ‌ سئل - رحمه الله تعالى -: عن امرأةٍ

- ‌سئل رحمه الله: عمّن باع داراً بيع التقاضي وقبض بعض الثمن، ثم أقبض الباقي بعد هذه

- ‌ مسألة:

- ‌سئل عن رجل باع عن رجلٍ

- ‌سئل عن رجلٍ باع ثوباً

- ‌سئل عن رجلٍ باع ديناراً

- ‌سئل عن رجلٍ اشترى من صيّادِ سمكةً ودفع ثمنها

- ‌سئل رحمه الله: عن رجلٍ اقترض من رجلٍ مالاً على تركةِ فلان

- ‌[24][رِسَالَةٌ في] حَفْرِ المُرَبَّعَاتِ

- ‌ سئل - رحمه الله تعالى - عن رجلٍ استأجر أُجراء يحفرون له مربعة

- ‌سئل عن رجلٍ استأجرَ جميع بستانين

- ‌سئل الشيخ من مدينة غزّة:

- ‌سئل - رحمه الله تعالى - عمّن عليه دَينٌ مستغرق

- ‌سئل رحمه الله عن رجل عليه دُيونٌ

- ‌سئل رحمه الله: عن رجلٍ طلّق زوجته البالغة طلاقًا بائنًا

- ‌[25]حُكْمُ الخُلْعِ وَحُكْمُ الحَنْبَلي فِيهِ

- ‌سئل رحمه الله عن زوجين اختصما بعد الفرقة في صغيرةٍ بينهما

- ‌سئل رحمه الله: ما تقول في قول الخلاصة وغيره: إنّ الشّاهدين إذا شهدا أنّ القاضي قضى لفلانٍ على فلانٍ بكذا

- ‌سئل رحمه الله: عن رجلٍ وقف شيئًا معيّنًا من ماله على نفسه

- ‌سئل رحمه الله: في قول السّادة الحنفية، فيمن استأجر عبدًا للخدمة

- ‌سئلتُ عن واقفٍ وَقَفَ وقفًا وشرطَ لنفسهِ التبديل والتغيير، فغيّر الوقف لزوجته

- ‌مُلْحَق المَجْمُوعِ تَعْرِيفُ المُسْتَرْشِد في حُكْمِ الغِراسِ في المَسْجِدِ

- ‌ تنبيه:

- ‌ تذييل:

الفصل: ‌[10]الأسوس في كيفية الجلوس

مَجْمُوعَةُ رَسَائِل العَلَّامَة قَاسِم بن قُطْلُوبُغَا

[10]

الأُسُوس في كَيْفَّيةِ الجُلُوسِ

تَأْلِيفُ

العَلَّامَة قَاسِم بْنِ قُطْلُوبُغَا الحَنَفِي

المولود سَنَة 802 هـ والمتوفى سَنة 879 هـ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

ص: 343

(10)

الأُسُوس في كَيْفَّيةِ الجُلُوسِ

قال رحمه الله:

إن بعض إخواني الأفاضل سألني عن كيفية الجلوس بين السجدتين عند علمائنا، فأجبتهُ: بأنّها كجلسة التشهد.

فقال: إن فقهاء بعض العصر قال: إنَّ كيفيّتها: أن ينصبَ قدميه كما في السجود، ويجلس عقبيه.

فقلت: هي أنواعٌ من الإقعاء (1)، وقد نصّوا على كراهيته.

يسأل القائل ذلك: أنىّ ذكر هذا في علمائنا. فقال: إنه لا يعلم ذلك في كتابٍ، وإنما سمع ذلك من سيدنا المرحوم الشيخ سراج الدين قارئ الهداية.

وسألني الأخ المذكور: أن أكتب له من ذلك ما تيسر نقلًا ودليلًا.

فقلتُ وبالله التوفيق والعصمة:

للجلوس هيآت:

منها: التربع.

ومنها: أن يضجع قدميه ويجلس عليهما.

(1) الإقعاء: أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه وفخذيه، ويضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب.

ص: 345

ومنها: أن ينصب قدميه، والجلوس بأليته على عقبيه. وهذا نوعٌ من الإقعاء.

ومنها: أن ينصب ساقيه، ويلزق أليته بالأرض ويديه. وهذا هو الإقعاء المشهور.

ومنها: أن ينصب رجله اليمنى، ويؤخر اليسرى، ويجلس على الأرض. وهذا هو التورك.

ومنها: أن ينصب قدمه اليمنى ويفترش اليسرى، ويجلس عليها. وهذا هو الافتراش.

والجلسات في الصلوات بين السجدتين وبعد السجدة الثانية عند القيام إلى الثالثة وبعد السجدة الثانية عند القيام إلى السجدة الثالثة للتشهد الأوّل في الثلاثية والرباعية وبعد الرفع من السجدة الثانية في الركعة الثالثة عند القيام إلى الرابعة، وعند الرفع من الأخيرة للتشهد الأخير.

فأمّا التربع فمكروه في جميع الجلسات، إلاّ من عذرٍ من غير خلافٍ نعلمه.

وفي عامّة الكتب: ولا يتربع إلا من عذرٍ.

وقال ابن عبد البر في الاستذكار (1): والتربع في الصلاة لا يجوز،

(1) قال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 479): التربع لا يجوز للجالس في صلاته من الرجال إذا كانوا أصحاء. واختلف فيه للنساء ودليل ذلك أن ابن عمر نهى عن ذلك ابنه عبد الله، وقال له: سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني رجلك اليسرى. فقال له: إنك تفعل ذلك - وكان يتربع في الصلاة إذا جلس -! فقال ابن عمر: إن رجلي لا تحملاني.

ص: 346

وليس من سننها.

وعلى هذا جماعة، فلا وجه للإكثار فيه.

وقد روي عن ابن عبّاس وأنس ومجاهد وجعفر بن محمد بن علي وسالم وابن سيرين وبكر المزني أنهّم كانوا يصلّون متربعين. وهذا عند أهل العلم على أنهم كانوا يصلون جلوسًا عند عدم القوة إلى القيام، أو كانوا متنفلين جلوسًا؛ لأنهم كلهم قد روي عنهم التربع في الصلاة، لا يجوز إلاّ لمن اشتكى أو يتنفل.

وأمّا الصحيح فلا يجوز له التربع في الصلاة بإجماعٍ من العلماء.

وكذلك أجمعوا على أن من لم يقدر على هيئة الجلوس في الصلوات أتى على حسب ما يقدر، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

وأمّا إضجاع القدمين: فمكروهٌ في جميع الجلسات من غير خلافٍ نعلمه، إلاّ ما حكاه النووي في الروضة (1) وجهًا ضعيفًا شاذًّا في الجلوس بين السجدتين. ووجه الكراهة فيه: ترك الجلسة المسنونة من غير عذرٍ بالاتفاق.

وأمّا نصب القدمين والجلوس على الأليتين: فمكروهٌ في جميع الجلسات من غير خلافٍ نعرفه إلاّ ما ذكره الشيخ محيي الدين النووي في شرح المهذّب، عن الشافعي في قوله له: إنه يستحب الجلوس بين السجدتين بهذه الصفة (2).

(1) روضة الطالبين وعمدة المفتين (1/ 95).

(2)

المجموع شرح المهذب (3/ 439).

وقال صاحب رد المحتار (5/ 24): قال العلامة قاسم في فتاواه: وأمّا نصب القدمين =

ص: 347

قال محمّد في موطئه (1): لا ينبغي أن يجلس على عقبيه (2) بين السجدتين، ولكنه يجلس بينهما كجلوسه في صلاته. وهو قول أبي حنيفة.

وذكره الطحاوي (3): عن (4) أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد.

وقال ابن عبد البر في التمهيد (5): اختلف الفقهاء في هيئة الجلوس [وكيفيته في الصلاة المكتوبة]، فقال مالكٌ: يقعد بأليتيه إلى الأرض، وينصب رجله اليمنى، ويثني رجله اليسرى. وهكذا (6) عنده في كل جلوسٍ في الصلاة. والرجل والمرأة في ذلك [كلّه] عنده سواء.

وقال ابن شاسٍ المالكي (7) في كتابه المسمّى بالجواهر: المستحب في

= والجلوس على العقبين فمكروهٌ في جميع الجلسات بلا خلافٍ نعرفه إلاّ ما ذكره النّوويّ عن الشّافعيّ في قولٍ له: إنّه يستحبّ بين السّجدتين.

(1)

(1/ 240) عقب حديث رقم (154) عن المغيرة بن حكيم قال: رأيت ابن عمر يجلس على عقبيه بين السجدتين في الصلاة، فذكرت له، فقال: إنما فعلته منذ اشتكيت.

(2)

عقبيه - بفتح العين وكسر القاف وبفتح عين وكسرها مع سكون القاف -: مؤخر القدم إلى موضع الشراك.

(3)

شرح معاني الآثار (1/ 260).

(4)

تحرف في المخطوط إلى: (وعن).

(5)

التمهيد (19/ 247).

(6)

في التمهيد: وهذا كله عنده. وفي نسخة: وهذا عنده.

(7)

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (22/ 98 - 99): الشيخ الإمام العلامة، شيخ المالكية، جلال الدين، أَبو محمد عبد الله بن نجم بن شاس بن نزار بن عشائر بن شاس الجذامي السعدي المصري المالكي، مصنف كتاب الجواهر الثمينة في فقه =

ص: 348

صفة الجلوس كله الأول والأخير وبين السجدتين أن يكون توركًا.

وقال الشيخ محيي الدين النووي في الروضة في الجلوس بين السجدتين: السنة أن يجلس مفترشًا على المشهور (1). واحترز بالمشهور بما قدمناه: أن يجلس على العقبين.

وقال ابن قدامة الحنبلي في المغني (2): السنة: أن يجلس بين السجدتين مفترشًا، وهو: أن يثني رجله اليسرى فيبسطها ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى ويخرجها من تحته، ويجعل بطون أصابعه (3) على الأرض معتمدًا عليها، لتكون (4) أطراف أصابعها إلى القبلة.

وجه قولنا ومن وافقه:

ما روى أَبو حميدٍ في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثُمَّ يهوي إلى الأرض، ويجافي بدنه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه، ويثني رجله اليسرى، فيبسطها

= أهل [مشهور بـ عالم] المدينة. سمع من عبد الله بن بري النحوي، ودرس بمصر، وأفتى، وتخرح به الأصحاب، وكتابه المذكور وضعه على ترتيب الوجيز للغزالي. وجوّده ونقّحه، وسارت به الركبان، وكان مقبلًا على الحديث، مدمنًا للتفقه فيه، ذا ورع، وتحرٍّ، وإخلاص، وتأله، وجهاد. وبعد عوده من الحج امتنع من الفتوى إلى حين وفاته، وكان من بيت حشمة وإمرة. حدث عنه الحافظ المنذري، ووصفه بأكثر من هذا، وقال: مات غازيا بثغر دمياط في جمادي الآخرة أو في رجب سنة ست عشرة وست مئة.

(1)

روضة الطالبين وعمدة المفتين (1/ 95).

(2)

المغني (1/ 598).

(3)

في المخطوط: (أصابعها).

(4)

في المخطوط: (فيكون).

ص: 349

ويعتمد عليها. الحديث. متفق عليه (1).

وعن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا سجدَ خَوَّى (2) بيديه حتّى يُرَى وَضَحُ إِبْطَيْهِ (3) مِنْ وَرَائِهِ، وإِذَا قَعَدَ اطْمَأَنَ عَلَى فَخِذِهِ اليُسْرى. رواه النسائي (4).

واستدلّ بقول الشافعي، بما في مسلمٍ (5)، عن طاوس: قلنا لابن عبّاس

(1) رواه الدارمي (1396) وعبد الرزاق (3046) والإمام أحمد (5/ 424) وابن أبي شيبة (1/ 235 و 288) رقم (2438 و 2964) والبخاري (828) وأبو داود (730 و 731 و 733 - 735 و 963 - 967) وابن ماجه (803 و 862 و 863 و 1061) والتّرمذي (260 و 270 و 293 و 304 و 305) والنّسائي (2/ 187 و 211 و 3/ 2 و 34) والكبرى (631 و 692 و 1105 و 1186) وابن خزيمة (587 - 589 و 608 و 625 و 637 و 643 و 651 و 652 و 677 و 685 و 689 و 700) وابن حبان (1865 - 1871 و 1876) عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.

(2)

في المخطوط: (حوى). وخوّى: بالفتح المعجمة وتشديد الواو، ففرج وجنّح وخوّى بمعنى واحد، ومعناه كله: باعد مرفقيه وعضديه عن جنبيه.

(3)

بفتح الضاد، أي: بياضهما.

(4)

رواه الدارمي (1330 و 1332) والإمام أحمد (6/ 333) ومسلم (497) والنسائي في المجتبى (1147) عن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنهما.

(5)

رواه مسلم (536) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا محمّد بن بكرِ قال:(ح).

وحدّثنا حسنٌ الحلوانيّ، حدّثنا عبد الرّزاق - وتقاربا في اللّفظ - قالا جميعًا: أخبرنا ابن جريجٍ، أخبرني أَبو الزّبير، أنّه سمع طاوسًا يقول: قلنا لابن عبّاسِ في الإقعاء على القدمين؟ فقال: هي السّنّة. فقلنا له: إناّ لنراه جفاءً بالرّجل. فقال ابن عبّاسٍ: بل هي سنّة نبيّك صلى الله عليه وسلم.

ورواه عبد الرزاق (3030 و 3033 و 3035) والإمام أحمد (1/ 313) وابن أبي =

ص: 350

في الإِقعاء على القدمين؟ فقال: هي سنّة نبيّك.

= شيبة (1/ 285) والترمذي (283) وابن خزيمة (680) والطبراني في الكبير (10950 و 11010 و 11015) والبيهقي (2/ 119).

وقال النووي في شرحه لمسلم عقب رقم (536): اعلم أن الأقعاء ورد فيه حديثان: ففي هذا الحديث أنه سنة، وفي حديث آخر النهي عنه، رواه الترمذي وغيره من رواية علي، وابن ماجه من رواية أنس، وأحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى - من رواية سمرة وأبي هريرة، والبيهقي من رواية سمرة وأنس، وأسانيدها كلها ضعيفة. وقد اختلف العلماء في حكم الإقعاء وفي تفسيره اختلافاً كثيراً لهذه الأحاديث، والصواب الذي لا معدل عنه، أن الإقعاء نوعان:

أحدهما: أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب. هكذا فسّره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلاّم وآخرون من أهل اللغة، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي.

والنوع الثاني: أن يجعل إليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهذا هو مراد ابن عباس بقوله: سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم. وقد نصّ الشافعي رضي الله عنه في البويطي والإملاء على استحبابه في الجلوس بين السجدتين، وحمل حديث ابن عباس رضي الله عنهما عليه جماعات من المحققين منهم: البيهقي والقاضي عياض وآخرون رحمهم الله تعالى. قال القاضي عياض: وقد روي عن جماعة من الصحابة والسلف أنهم كانوا يفعلونه، قال: وكذا جاء مفسراً عن ابن عباس رضي الله عنهما: (من السنة أن تمس عقبيك إلييك) هذا هو الصواب في تفسير حديث ابن عباس. وقد ذكرنا أن الشافعي رضي الله عنه على استحبابه في الجلوس بين السجدتين، وله نص آخر وهو الأشهر: أن السنة فيه الافتراش، وحاصله أنهما سنتان وأيهما أفضل؟ فيه قولان؛ وأما جلسة التشهد الأول وجلسة الاستراحة فسنتهما الافتراش، وجلسة التشهد الأخير السنة فيه التورك. هذا مذهب الشافعي رضي الله عنه، وقد سبق بيانه مع مذاهب العلماء رحمهم الله تعالى.

ص: 351

ورواه أبو داود (1)، وزاد بعد قوله: على القدمين في السجود.

وبما رواه ابن [أبي] شيبةَ (2)، عن عطية قال: رأيتُ العَبَادِلَةَ يُقْعُونَ في الصَّلَاةِ بين السَّجدتين.

وعورضَ بما رواه مسلم (3)، عن عائشة: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ نهى عَنْ

(1) رواه أبو داود (845).

(2)

رواه ابن أبي شيبة في المصنف (2943) وجاء في آخره: يعني: عبد الله بن الزبير وابن عمر وابن عباس.

وروى البيهقي في معرفة السنن والآثار (903) قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس بن يعقوب قال: حدثنا يحيى بن أبي طالب قال: أخبرنا عبد الوهاب، عن عطاء قال: أخبرنا هشام بن حسان، عن عطاء ابن أبي رياح قال: كانت العبادلة الثلاثة يقعون في الصلاة: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله ابن الزبير. قال: وأظن منهم عبد الله بن صفوان. وقال البيهقي: وقد روينا عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان ينهى عن عقب الشيطان. وروينا عن سمرة وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقعاء في الصلاة، ويحتمل أن يكون حديث عائشة في القعود للتشهد، وحديث سمرة وغيره في الإقعاء الدي فسّره أبو عبيد حكاية عن أبي عبيدة، وهو جلوس الإنسان على أليتيه ناصباً فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع، والمراد بما روينا عن ابن عباس، أن يضع أطراف أصابع رجليه على الأرض ويضع أليتيه على عقبيه، ويضع ركبتيه بالأرض، وفي هذا جمع بين الأخبار.

وروى أبو يوسف في الآثار (1/ 290) رقم (282) حدثنا يوسف بن أبي يوسف، عن أبيه، عن أبي حنيفة، عن حماد قال: رأيت مجاهداً وعطاء وطاوساً يقعون في الصلاة، فسألتهم عن ذلك؟ فقالوا: رأينا ابن عمر يقعي في الصلاة. فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: صدقوا، قد فعل ذلك بعد ما كبر، قال: فأخبرني من رآه وهو شاب أنه كان يكرهه وينهى عنه.

(3)

تحرف في المخطوط إلى: (مسلمة).

ص: 352

عُقْبَةِ (1) الشَّيْطَانِ (2).

قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث (3): عُقْبة الشَّيطانِ: أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَدَمَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.

وقاله في لسان العرب.

وإذا تعارض النهي والفعل قدّم النهي (4).

(1) قال النووي في شرحه لمسلم عقب رقم (498): (عقبة الشيطان) بضم العين، وفي الرواية الأخرى:(عقب الشيطان) بفتح العين وكسر القاف، هذا هو الصحيح المشهور فيه. وحكى القاضي عياض عن بعضهم بضم العين وضعّفه، وفسره أبو عبيدة وغيره بالإقعاء المنهي عنه، وهو أن يلصق ألييه بالأرض وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض كما يفرش الكلب وغيره من السباع.

(2)

رواه الطيالسي (1547) والإمام أحمد (6/ 31 و 194) وابن أبي شيبة (1/ 229 و 284 و 285) ومسلم (498) وأبو داود (783) وابن ماجه (812 و 869 و 893) وابن حبان (1768) والبيهقي (2/ 15 و 85 و 172).

(3)

(3/ 526) وفيه: هو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السّجدتين وهو الذي يجعله بعض الناس الإقعاء. وقيل: هو أن يترك عقبيه غير مغسولين في الوضوء.

(4)

قال صاحب البحر الرائق شرح كنز الدقائق (4/ 123): قوله: (وهو عقب الشيطان. . . إلخ)؛ أي: الإقعاء على التَّفسير الثاني الّذي قاله الكرخي، هو المراد بعقب الشيطان المنهي عنه في الحديث الآخر، وهذا موافق لما سيأتي عن المغرب، لكن نقل العلامة قاسمٌ في فتاواه عن لسان العرب والنهاية لابن الأثير: أن عقبة الشيطان أن يجلس على قدميه بين السجدتين. اهـ.

مع أنّ الإقعاء مكروهٌ في التّشهّدين أيضاً. قال العلاّمة قاسم: من غير خلافٍ نعلمه بين أصحاب المذاهب نصّ على كراهته من علمائنا الكرخيّ في المختصر. اهـ. فليتأمل.=

ص: 353

قال البيهقي (1): يحتمل أنه ورد في الجلوس للتشهد، فلا يكون منافياً.

قلتُ: هذا لا دليل عليه بعد بيان أهل اللسان، كيف وقد روى أبو حميد، في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه كَانَ يَهْوِي إِلَى الأَرضِ، فَيُجَافِي يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، ثُمَّ يَرفَعُ رَأْسَهُ، وَيثنِي رِجْلَهُ اليُسْرَى. . . الحديث. رواه البخاري في صحيحه (2).

ووفّق النووي في شرح المهذب: بأنّ هذا هو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظبُ عليه لتصديق عشرةٍ من الصّحابة أبا حميدٍ على ذلك (3).

وما رواه ابن عبّاس، كان بما فعل قليلاً لبيان الجواز والرّخصة.

وغلط الخطابي في دعواه نسخ ما رواه ابن عباس، وزعمه: أنّ الأحاديث متعارضة تعارضاً لا يمكن معه الجمع.

قلتُ: فيما قاله النووي نظرٌ من وجهين:

= (قوله: والحق أن هذا الجواب ليس لأئمّتنا. . . إلخ) يؤيّده ما قاله العلاّمة قاسمٌ في فتاويه: وأمّا نصب القدمين والجلوس على العقبين فمكروهٌ في جميع الجلسات من غير خلافٍ نعرفه إلَّا ما ذكره الشَّيخ محيي الدّين النووي عن الشافعي في قولٍ له: أنّه يستحب الجلوس بين السجدتين بهذه الصّفة. قال محمَّدٌ رحمه الله في موطئه: لا ينبغي أن يجلس على عقبيه بين السجدتين، ولكنّه يجلس بينهما كجلوسه في صلاته، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله. وذكره الطحاويّ عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

(1)

السنن الكبرى (2/ 408) قال: يحتمل أن يكون وارداً في الجلوس للتشهدّ الأخير فلا يكون منافياً.

(2)

تقدّم.

(3)

المجموع شرح المهذب (3/ 439 و 451).

ص: 354

الأول: أن الجمع المذكور لا يتأتّى مع ما رواه ابن ماجه (1)، عن على: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: "إِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّهُ لِنَفْسِي، وَأكرَهُ لَكَ مَا كرَهُ لِنَفْسِي، لَا تَقْعُ (2) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ".

الثاني: أن بهذا التقدير يصير الدليل مخالفاً للدعوى. وذلك: أن الدّعوى استحباب الجلوس على تلك الهيئة من السجدتين، كما صرّح به البويطي. وإلا فلا. ومقتضى الدليل على ما ذكر مطلق الجواز. والله أعلم.

هذا فيما بين السجدتين.

وأمّا بعد السجدة الثانية عند القيام إلى الثالثة أو الرّابعة فليس فيه جلوسٌ عندنا على ما سنذكر.

ولم يقل بالجلوس إلاّ الشافعي وحده.

قال علماؤنا في عامّة كتبهم: في هذا المحلّ ينهض على صدور قدميه، ولا يقعد ولا يعتمد بيديه على الأرض.

وقال الشافعي: إن الجلوس هنا سنّة، وتسمّى جلسة الاستراحة (3).

(1) رواه الطيالسي (182) وعبد الرزاق (2822) وعبد بن حميد (67) والإمام أحمد (1/ 146) رقم (1244) وابن ماجه (894) والترمذي (282) من طريق إسرائيل ابن يونس، عن أبي إسحاق، عن الحارث الأعور [ضعيف]، عن علي رضي الله عنه. وهو منقطع: أبو إسحاق لم يسمع هذا الحديث من الحارث فيما قاله أبو داود في سننه.

ورواه عبد الرزاق (2836 و 2993) وأبو داود (958) والبزار (854) من طريقين عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه.

(2)

في المخطوط: (يقع).

(3)

انظر روضة الطالبين وعمدة المفتين (1/ 96).=

ص: 355

وقال النووي في الرّوضة (1): والسُّنّة فيها: الافتراش. واستدل له: بما في البخاري (2)، من حديث مالك بن الحويرث: أنّه رأى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يصلّي، فإذا كان في وترٍ من صلاته لم ينهض حتى يستوي [قاعداً].

قال القاضي عياض في شرح مسلم بعد حكايته هذا عن الشافعي: وقال مالك: وكافّة الفقهاء ألاّ يجلس ولكن ينهض كما هو.

وحملوا حديث مالك بن الحويرث: أنّه كان مرّة من فعله ليدل على الجواز أو الشكوى به. انتهى.

قلت: ويدلّ: ما رواه البخاري في حديث أبي حميدٍ. ثم يقول: الله أكبرُ. ويرفع - يعني: من السجدة الأولى - ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يرجع كل عظيم إلى موضعه. . . الحديث.

ودليل مذهبنا ومن وافقه:

ما رواه الترمذي (3)، عن أبي هريرة: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنهضُ فِي

= وروى البخاري (786) عن البراء قال: كان سجود النبي صلى الله عليه وسلم وركوعه وقعوده بين السجدتين قريباً من السواء.

(1)

انظر المجموع شرح المهذب (3/ 443).

(2)

(789).

(3)

رواه الترمذي (288) وقال: حدثنا يحيى بن موسى، حدثنا أبو معاوية، حدثنا خالد ابن إلياس، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهض في الصلاة على صدور قدميه. وقال الترمذي: حديث أبي هريرة عليه العمل عند أهل العلم، يختارون أن ينهض الرجل في الصلاة على صدور قدميه، وخالد بن إلياس ضعيف عند أهل الحديث، وصالح مولى التوأمة هو صالح بن أبي صالح، وأبو صالح اسمه نبهان مدني.=

ص: 356

الصَّلَاةِ عَلَى صُدُوْرِ قَدَمَيْهِ.

وفيه: خالد بن إلياس. فيه مقال.

ألَا ترى أن الترمذي قال: العمل على هذا عند أهل العلم.

وما روى أحمد (1)، والطبراني (2)، عن أبي مالك الأشعري: أنَّهُ جمع قومه فقال: يا معشر الأشعريين! اجتمعوا واجمعوا نساءكم وأبناءكم أعلّمكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فاجتمعوا وجمعوا نساءهم وأبناءهم وأراهم كيف يتوضأ فأحصى الوضوء أَماكنهُ، فلمّا أن فَاء الفيءُ وانكسرَ الظّل، قامَ فأذّن وصفّ الرّجال في أدنى الصّفّ، وصفّ الولدان خلفهم، وصفّ النساء خلف الولدان، ثم أقام الصلاة، فتقدم، فرفع الولدان خلفه وصفّ النساء خلف الولدان، ثم أقام الصلاة، ورفع يديه وكبّر. وفيه: ثم كبّر وخرّ ساجداً، ثم كبّر فرفع رأسه، ثم كبّر فسجد، ثم كبّر فنهض قائماً. الحديث.

وفيه: شهر بن حوشب: صدوق.

وروى أبو داود (3)، عن وائل بن حجر: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما سجد وقعت ركبتاه على الأرض قبل أن يقع كفّاه. فلمّا سجد وضع جبهته بين كفيه، وجافى عن إبطيه. وإذا نهضَ نهضَ على ركبتيه، واعتمد على فخذيه.

= ورواه أيضاً الطبراني في الأوسط (3280).

(1)

رواه ابن المبارك في الزهد (714) وأحمد (5/ 341 و 343) وأبو داود (677).

(2)

رواه الطبراني في الكبير (3436).

(3)

أخرجه أبو داود (838 و 839).

ص: 357

وما روى ابن أبي شيبة (1)، عن ابن مسعودٍ: وأنهّ كان نهضَ على صدور قدميه، ولم يجلس.

وعن عمر وعلي وابن عمر (2) وابن الزبير (3) نحوه.

وأخرج (4) من طريق الشعبي قال: كان عمر وعلي والصَّحابة (5) ينهضون في الصّلاة على صدور أقدامهم.

وعن النعمان بن أبي عيّاش (6): أدركتُ غير واحدٍ من الصحابة

(1) رواه ابن أبي شيبة (3979) قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان عبد الله ينهض في الصلاة على صدور قدميه.

ورواه عبد الرزاق (2966 و 2967) والطبراني في الكبير (9328 و 9329) والبيهقي (2/ 435) عن ابن مسعود.

(2)

رواه مالك في الموطأ (296) و (200 رواية يحيى الليثي) و (154 رواية محمد بن الحسن) عن صدقة بن يسارٍ، عن المغيرة بن حكيمٍ، أنّه رأى عبد الله بن عمر يرجع في سجدتين في الصّلاة على صدور قدميه، فلمّا انصرف ذكر له ذلك؟ فقال: إنّها ليست سنة الصّلاة. وانظر المصنف لعبد الرزاق (3044).

ورواه ابن أبي شيبة (3985) قال: حدثنا وكيع، عن أسامة والعمري، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه.

(3)

رواه ابن أبي شيبة (3983) قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان قال: رأيت ابن الزبير إذا سجد السجدة الثانية قام كما هو على صدور قدميه. و (3984) قال: حدثنا وكيع، عن هشام، عن وهب بن كيسان، عن ابن الزبير بنحوه.

(4)

رواه ابن أبي شيبة (3982).

(5)

في المصنف: وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(6)

تحرف في المخطوط إلى: (عباس). وهو الزّرقي الأنصاري، أبو سلمة المدني، ثقة.

ص: 358

فَكان (1) أحدهم إذا رفع رأسه من السجدة الثانية في الركعة الأولى والثانية نهض كما هو ويجلس (2).

وأخرج حرب الكرماني في مسائله، عن أبي سعيدٍ الخدري، وابن عباس، وابن الزبير: أنهم كانوا ينهضون على صدور أقدامهم.

قال الشيخ الإمام مجد الدين عبد السلام بن تيمية الحراني في شرح هداية أبي الخطّاب: وقد أجمع الصّحابة على ذلك فلا جرم حمل حديث مالك بن الحويرث. وما في معناه على ما ذكر القاضي عياض، عن كافة الفقهاء.

وأمّا في التشهدين فمكروه من غير خلاف نعلمه بين أصحاب المذاهب، نصّ على كراهته من علمائنا: الكرخي في المختصر.

وقال ابن قدامة في المغني (3):

(1) تحرف في المخطوط إلى: (مكان).

(2)

رواه ابن أبي شيبة في المصنف (3989) قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن محمد ابن عجلان، عن النعمان بن أبي عياش قال: أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة، والثالثة قام كما هو ولم يجلس.

(3)

المغني (1/ 598) قال: ويكره الإقعاء، وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه. بهذا وصفه أحمد، قال أبو عبيد: هذا قول أهل الحديث، والإقعاء عند العرب: جلوس الرجل على أليتيه، ناصباً فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع، ولا أعلم أحداً قال باستحباب الإقعاء على هذه الصفة، فأما الأول: فكرهه علي، وأبو هريرة، وقتادة، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، وعليه العمل عند أكثر أهل العلم. وفعله ابن عمر، وقال: لا تقتدوا بي؛ فإني قد كبرت. وقد نقل مهنا عن أحمد أنه قال: لا أفعله، ولا أعيب من فعله. وقال: العبادلة كانوا يفعلونه. وقال طاوس: رأيت العبادلة يفعلونه: ابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير. وعن ابن عباس أنه قال:=

ص: 359

ويكره (1) الإقعاء، وهو: أن يفترش (2) قدميه، ويجلس على عقبيه. وكرهه علىّ، وأبو هريرة، وقتادة، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، وعليه العمل عند أكثر أهل العلم.

ودليل كراهته: ما فيه من ترك الجلسة المسنونة عند الكل على ما سيأتي بيانه.

وأمّا نصب السّاقين. . . إلخ. فمكروهٌ في الصلاة كلّها من غير شكِّ خلافٍ نعلمه.

قال عامّة الأصحاب في كتبهم: لا يقعي المصلي في صلاته. وفسّروه بهذا.

ونصّ على كراهته الشافعي. ذكره الشيخ محيي الدين النووي في شرح المهذّب (3).

= من السنة أن تمس أليتيك قدميك. وقال طاوس: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين في السجود؟ فقال: هي السنة. قال: قلنا: إنا لنراه جفاء بالرجل؟! فقال: هي سنة نبيك. رواه مسلم وأبو داود. ولنا: ما روى الحارث عن علي قال: قال رسول الله عليه صلى الله عليه وسلم: "لا تُقْع بين السجدتين". وعن أنس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رفعت رأسك من السجود، فلا تقع كما يقعي الكلب". رواهما ابن ماجه. وفي صفة جلوس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي حميد: ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها. وفي حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفترش رجله اليسرى، وينصب اليمنى، وينهى عن عقبة الشيطان. وهذه الأحاديث أكثر وأصحّ فتكون أولى، وأما ابن عمر فإنه كان يفعل ذلك لكبره ويقول: لا تقتدوا بي.

(1)

تحرف في المخطوط إلى: (ويكون).

(2)

في المغني: (يفرش).

(3)

تحرف في المخطوط إلى: (المذهب).

ص: 360

وقال القاضي عياض: وكره الإقعاء سائر أئمة الفتوى.

وقال ابن قدامة في المغني (1): ويكرهُ الإقعاء.

ودليل الكراهة:

ما رواه أحمد، وابن أبي شيبة، عن أبي هريرة قال: نهانِي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَلَاثة: نقرَةٍ كَنَقْرَةِ الديكِ، وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ [القِرد]، وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّغلَبِ (2).

(1) المغني (1/ 598).

(2)

رواه الطيالسي (2593) عن أبي هريرة قال: أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث، ونهاني عن ثلاث: أمرني بركعتي الضحى، وصوم ثلاثة أيام من الشهر، والوتر قبل النوم. ونهاني عن ثلاث: عن الالتفات في الصلاة كالتفات الثعلب، وإقعاء كإقعاء القرد، ونقر كنقر الديك.

ورواه الإمام أحمد (2/ 265) عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ، ونهاني عن ثلاثٍ: أوصاني بالوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى. قال: ونهاني عن الالتفات، وإقعاءِ كإقعاء القرد، ونقرٍ كنقر الدّيك. و (2/ 311) عن أبي هريرة قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ، ونهاني عن ثلاثٍ: أمرني بركعتي الضحى كل يوم، والوتر قبل النوم، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ونهاني عن نقرةٍ كنقرة الدّيك، وإقعاة كإقعاء الكلب، والتفاتٍ كالتفات الثعْلب.

ورواه ابن أبي شيبة (2932) عن أبي هريرة قال: نهاني خليلي أن أقعي كإقعاء القرد.

ورواه أبو يعلى (2619) عن أبي هريرة قال: نهاني خليلي عن ثلاث، وأمرني بثلاث: نهاني أن أنقر نقر الديك، وأن ألتفت التفات الثعلب، أو أقعي إقعاء السبع، وأمرني بالوتر قبل النوم، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى.

ورواه البيهقي (2/ 407) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثٍ، ونهاني عن ثلاثٍ، أمرني بصيام ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ، وأن لا أنام إلَّا على وترٍ، =

ص: 361

وما تقدم من حديث: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَنْهى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ عَلَى مَا فَسَّرَهُ عَلِيّ: أَنَّ عُقْبَةَ الشَّيْطَانِ: الإِقْعَاءُ. رواه ابن أبي شيبة (1)، عنه.

وفي الباب: عن أنس، وسمرة، ولأنّ فيه ترك الجلسة المسنونة عند الكُلّ.

وأمّا التّورك: فعندنا مكروه في الصلاة كلها.

قال الطّحاوي (2) بعدما ذكر الافتراش: فَلَم يَجُزْ خِلافُهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ.

وقال مالك: هو سنّة الجلوس في الصّلاة كلها، كما قدّمناه عن ابن عبد البرّ وابن شاس.

وقال الشافعي: هو في كل تشهيد يعقبه التسليم بسلام.

قال النووي في الروضة (3): والسنة في قعود آخر الصلاة: التورك، وفي أثنائها: الافتراش.

وقال أحمد بن حنبل: هو سنة في كلّ تشهدٍ ثان كالمغرب، ورباعية الحاضر.

= وركعتي الضّحى، ونهاني عن الالتفات في صلاتي التفات الثعلب، أو أقعي إقعاء القرد، أو أنقر نقر الدّيك.

(1)

رواه ابن أبي شيبة (2933) عن على: أنّه كره الإقعاء في الصّلاة، وقال: عقبة الشيطان. و (2934) عن عليٍّ: أنّه كره الإقعاء فى الصَّلاة.

(2)

شرح معاني الآثار (1/ 260).

(3)

روضة الطالبين وعمدة المفتين (1/ 96) والمجموع شرح المهذب (3/ 450) والمنهاج له (ص 31).

ص: 362

قال ابن قدامة في المغني (1): وجميع جلسات الصلاة لا يتورك فيها

(1)(1/ 613) قال: مسألة وفصل: مواضع التورك في الصلاة. مسألة: قال: ولا يتورك إلا في صلاة فيها تشهدان في الأخير منهما. وجملته: أن جميع جلسات الصلاة لا يتورك فيها إلا في تشهدٍ ثان. وقال الشافعي: يسن التورك في كل تشهد يسلم فيه، وإن لم يكن ثانيًا كتشهد الصبح والجمعة وصلاة التطوع؛ لأنه تشهد، يسن تطويله فسن فيه التورك كالثاني. ولنا: حديث وائل بن حجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جلس للتشهد افترش رجله اليسرى ونصب رجله اليمنى ولم يفرق بين ما يسلم فيه وما لا يسلم. وقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى. رواه مسلم. وهذان يقضيان على كل تشهد بالافتراش إلا ما خرج منه لحديث أبي حميد في التشهد الثاني، فيبقى فيما عداه على قضية الأصل، ولأن هذا ليس بتشهد ثان فلا يتورك فيه كالأول، وهذا لأن التشهد الثاني إنما تورك فيه للفرق بين التشهدين، وما ليس فيه إلا تشهد واحد لا اشتباه فيه فلا حاجة إلى الفرق، وما ذكروه من المعنى إن صحّ فيضم إليه هذا المعنى الذي ذكرناه، ونعلل الحكم بهما، والحكم إذا علل بعلتين لم يجز تعديه؛ لتعدي أحدهما دون الآخر. والله أعلم.

فصل: قيل لأبي عبد الله: فما تقول في تشهد سجود السهو؟ فقال: يتورك فيه أيضا هو من بقية الصلاة - يعني: إذا كان من السجود - في صلاة رباعية؛ لأن تشهدها يتورك فيه، وهذا تابع له. وقال القاضي: يتورك في كل تشهد لسجود السهو بعد السلام سواء كانت الصلاة رباعية أو ركعتين لأنه تشهد ثان في الصلاة ويحتاج إلى الفرق بينه وبين تشهد صلب الصلاة. وقال الأثرم قلت لأبي عبد الله: الرجل يجيء فيدرك مع الإمام ركعة فيجلس الإمام في الرابعة أيتورك معه الرجل الذي جاء في هذه الجلسة؟ فقال: إن شاء تورك، قلت: فإذا قام يقضي يجلس في الرابعة هو فينبغي له أن يتورك؟ فقال نعم يتورك هذا لأنه هي الرابعة له نعم يتورك ويطيل الجلوس في التشهد الأخير. قال القاضي: قوله إن شاء تورك على سبيل الجواز لأنه مسنون وقد صرح في رواية مهنا فيما أدرك من صلاة الظهر ركعتين لا يتورك إلا في الأخيرتين ويحتمل أن يكون هذا روايتين.

ص: 363

إلاّ في تشهدٍ ثانٍ.

واستدل مالكٌ مما رواه في الموطأ (1)، عن يحيى بن سعيد: أنَّ القاسم ابن محمَّدٍ أراهم الجلوس كذلك. وحدّث به عن ابن عمر.

واستدلّ الشافعي: بما في البخاري (2)، من حديث أبي حميد في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم حيث قال: وَإِذَا جَلَسَ في الرّكعة الأخيرة قدّم رجلهُ اليسرى ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته.

ودليل علمائنا على الكراهة: أنّ فيه ترك الجلسة المسنونة عندهم على ما نبيّن.

وأمّا الافتراش: فهو سنّة الجلوس في جميع الصلاة. نصّ عليه الطحاوي وغير واحدٍ.

وقال الشافعي وأحمد: هو سنّة في القعدة الأولى فقط. لما في البخاري (3)، من حديث أبي حميدٍ في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. حديث قال: وإذا جلس في الرّكعة الأخيرة قدّم رجله اليسرى، فإذا جلس في الرّكعتين جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى.

(1) رواه مالك في الموطأ (298) عن يحيى بن سعيدٍ: أن القاسم بن محمدٍ أراهم الجلوس في التّشهد، فنصب رجله اليمنى، وثنى رجله اليسرى في التشهد، وجلس على وركه الأيسر، ولم يجلس على قدمه، ثنم قال: أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر، وحدّثني أن أباه كان يفعل ذلك.

(2)

صحيح البخاري (1/ 221) في باب: يستقبل بأطراف رجليه القبلة.

ورفع اليدين (3 و 4).

(3)

رواه البخاري (828).

ص: 364

ودليلنا: ما رواه مسلم (1)، عن عائشة في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يفترش رجله اليسرى، وينصب اليمنى.

وما رواه النسائي (2)، عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا سجدَ خَوَّى (3) بيده حتّى يُرَى وَضَحُ إِبْطَيْهِ (4) مِنْ وَرَائِهِ، وإِذَا قَعَدَ اطْمَأَنَّ عَلَى فَخِذه اليُسْرَى.

وعن عبد الله بن عمر أنّه قال: إِنَّ مِنْ سنّة الصّلاة: أَنْ يَنْصُبَ القَدَمَ الْيُمنَى واستقباله بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى. رواه النسائي (5).

وعن عبد الله بن مسعودٍ: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يتشهّد في الصّلاة، إذا جلس على وَرْكِهِ اليسرى. رواه الطبراني (6).

وعنه قال: علّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهّد في وسط الصلاة، وفي آخرها، فكان يقول إذا جلس في وسط الصلاة وفي آخرها على وركه اليسرى:

(1) رواه مسلم (1138).

(2)

رواه الدارمي (1330 و 1332) والإمام أحمد (6/ 333) ومسلم (497) والنسائي في المجتبى (1147) عن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنهما.

(3)

تحرف في المخطوط إلى: (حو). وخوّى: بالفتح المعجمة وتشديد الواو، ففرج وجنح وخوّى بمعنى واحد، ومعناه كله: باعد مرفقيه وعضديه عن جنبيه.

(4)

بفتح الضاد، أي: بياضهما.

(5)

رواه النسائي في الكبرى (744) والمجتبى (1158).

ورواه مالك (297) والبخاري (793) وأبو داود (958 و 959) والنسائي في الكبرى (743) والمجتبى (1157).

(6)

رواه الطبراني في الكبير (9932). وانظر مجمع الزوائد (2/ رقم 2851).

ص: 365

"التَّحِيَّاتُ للهِ. . . الحديث". رواه أحمد ورجاله ثقات (1).

وروى سعيد بن منصور في سننه (2)، عن وائل بن حجر قال: صلَّيت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا قعدَ وتشهّد فرش رجله اليسرى، وجلس عليها.

وأخرج أحمد، وأبو داود، في حديث المسيء صلاته:"فإِذَا صَلَّيْتَ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِكَ الْيُسْرَى"(3).

وفي حديثه في الصحيحين (4): "وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّها".

وعن إبراهيم النخعي قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ افْتَرَشَ

(1) رواه الإمام أحمد (1/ 459) رقم (4382) وابن خزيمة (702 و 708) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 262).

(2)

لم أجده في السنن المطبوعة.

ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 259) قال: حدثنا صالح بن عبد الرحمن وروح بن الفرج قالا: حدثنا يوسف بن عدي قال: حدثنا أبو الأحوص، عن عاصم ابن كليب الجرمي، عن أبيه، عن وائل بن حجر الحضرمي قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: لأحفظن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلما قعد للتشهد فرش رجله اليسرى، ثم قعد عليها، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى، ووضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم عقد أصابعه، وجعل حلقه الإبهام والوسطى، ثم جعل يدعو بالأخرى.

وانظره في مسند الإمام أحمد (4/ 316) رقم (18850).

(3)

رواه الإمام أحمد (4/ 345) وأبو داود (859 و 860) من حديث رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه.

(4)

رواه البخاري (724 و 760 و 5897 و 6290) ومسلم (397) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 366

رِجْلَهُ اليُسْرى حَتَّى اسْوَدَّ ظَهْرُ قَدَمَيْهِ. رواه ابن أبي شيبة (1) بسند الصحيحين.

وأخرج (2) عن يزيد بن قسيط (3) قال: كَانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يفترشُ رجلهُ اليسرى، وينصب اليمنى.

وعن عليّ: أَنَّهُ كانَ يفترشُ اليسرى، وينصب اليمنى (4).

وعن كعبٍ أنّه قالَ: كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إِذَا قَعدتَ فَافْتَرِشْ رِجْلَكَ الْيُسْرَى، فَإنَّهُ أَقْوَمُ لِصَلَاتِكَ"(5).

وروى الأثرم، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنّا نعلم إذا جلسنا في الصّلاة أن يفترش الرّجل منّا قدمه اليسرى، وينصب قدمه اليمنى على صدور قدميه، فَإنّه كانت إبهام أحدنا تُثْنَى، فيدخل يده حتّى يعدلها.

والجواب عمّا استدل به مالك:

ما في الموطّأ (6)، عن ابن عمر: أنّه كان يفعل ما ذكر، ويقول: إِنَّ رِجْلَيَّ (7) لا تَحمِلانِي.

(1) المصنف (2925).

(2)

المصنف (2926).

(3)

تحرف في المخطوط إلى: (قسط). وهو يزيد بن عبد الله بن قسيط.

(4)

رواه ابن أبي شيبة في المصنف (2929).

(5)

رواه ابن أبي شيبة (2928) قال: حدثنا عبد الأعلى، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن كعب قال: إذا قعدت فافرش رجلك اليسرى؛ فإنه أقوم لصلاتك ولصلبك.

(6)

(297).

(7)

في المخطوط: (رجلاي).

ص: 367

وقال ابن قدامة (1) عنه: أنّه كان يقول: لا تقتدوا بي، فإنِّي كبرت.

وما قدّمنا عنه: أنّ من سنّة الصّلاة: أن ينصب اليمنى، والجلوس على اليسرى.

وقد روى البزار في مسنده (2): أخبرنا هارون بن سفيان (3)، حدثنا يحيى ابن إسحاق (4)، حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نهُى عَنِ الإِقْعَاءِ والتورك في الصّلاة. وهذا إسنادٌ حسنٌ.

وقال أيضاً: حدثنا إبراهيم بن الْمُسْتَمِر (5)، حدثنا محمد بن بكّار (6)،

(1) المغني (1/ 598).

(2)

أخرجه البزار (549). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ رقم 2467): رواه البزار عن شيخه هارون بن سفيان، ولم أجد من ذكره، وبقية رجاله رجال الصحيح. ورواه البيهقي في سننه (2/ 406) عن أنسٍ: أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقعاء، والتّورك في الصّلاة.

(3)

في المخطوط: (سليمان). وفي هامش المخطوط: (سفيان).

وانظر تاريخ الإسلام للذهبي (وفيات 247 هـ)(ص 514) و (وفيات 251 هـ)(ص 359 - 360).

(4)

هو يحيى بن إسحاق البجلي، أبو زكريا، ويقال: أبو بكر، السّيلحيني - بمهملة ممالة، وقد تصير ألفاً، وفتح اللام وكسر المهملة، ثم تحتانية ساكنة ثم نون -، نزيل بغداد، مات في شعبان سنة 210 هـ في دار الرقيق ببغداد في خلافة المأمون. قال الإمام أحمد: صالح، ثقة، صدوق.

(5)

تحرف في المخطوط إلى: (المستمير). وهو إبراهيم بن المستمر الهذلي النّاجيّ العروقيّ العصفريّ، أبو إسحاق البصري، صاحب العروق. قال النسائي: صدوق. وفي موضع آخر: ليس به بأس. تهذيب الكمال للمزي (2/ 201). وقال ابن حجر في التقريب: صدوقٌ يغرب.

(6)

هو محمد بن بكّار بن بلال العامليّ.

ص: 368

حدثنا سعيد بن بشير (1)، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عَنِ الإِقْعَاءِ وَالتَّوَرُّكِ، وَأَنْ نستَوْفزَ (2) فِي صَلَاتِنَا (3).

وسعيد بن بشير (4): فيه مقال.

(1) تحرف في المخطوط إلى: (بشر). وهو سعيد بن بشير الأزدي، ويقال: النضريّ، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو سلمة الشامي، أصله من البصرة، ويقال: من واسط، وقيل: إنه من أهل دمشق، حمله أبوه إلى البصرة، فسمع بها ثم رجع إلى دمشق، مات سنة 168 أو 169 هـ.

(2)

تحرف في المخطوط إلى: (نستوفر). أي: لا نتعجل، وتكون العجلة سبباً في عدم الطمأنينة.

(3)

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ رقم 2468): رواه البزار والطبراني في الأوسط، وفيه: سعيد بن بشير، وفيه كلام.

ورواه الإمام أحمد (5/ 10) والطبراني في الكبير (6883) عن سمرة قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتدل في الجلوس، وأن لا نستوفز.

ورواه الطبراني في الكبير (6884) ومسند الشاميين (2649) عن سمرة قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتدل في السجود، ولا نستوفز.

ورواه الطبراني في الكبير (7020) عن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا في الصلاة ورفعنا من رؤوسنا من السجود أن نطمئن على الأرض جلوساً، ولا نستوفز على أطراف الأقدام.

ورواه الحاكم (1/ 271) وعنه البيهقي في سننه (2/ 370) عن سمرة بن جندب قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستوفز الرجل في صلاته. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه.

(4)

تحرف في المخطوط إلى: (بشر). قال أبو حاتم الرازي: قلت لأحمد بن صالح: سعيد بن بشير شامي دمشقي، كيف هذه الكثرة عن قتادة؛ قال: كان أبوه بشير شريكًا لأبي عروبة، فأقدم بشير ابنه سعيداً البصرة، فبقي بالبصرة يطلب الحديث مع سعيد ابن أبي عروبة. =

ص: 369

والجواب عما استدل به الشافعي، وأحمد:

أن حديث أبي حميد كما روي على ما ذكرنا.

قال أبو داود (1): حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الملك بن

= وقال شعبة بن الحجاج: صدوق الحديث. وفي رواية أخرى: ذاك صدوق اللسان. وقال سفيان بن عيينة: كان حافظًا. وقال أبو مسهر: لم يكن في جندنا أحفظ منه، وهو ضعيف منكر الحديث. وقال الإمام أحمد: كان عبد الرحمن بن مهدي يحدِّث عنه، ثم تركه. وقال ابن معين: ضعيف. وقال البخاري: يتكلمون في حفظه. وقال النسائي: ضعيف. وقال أبو عبد الله الحاكم: اختلفت الأقاويل فيه. وقال أبو أحمد ابن عدي: له عند أهل دمشق تصانيف، لأنه سكنها، وهو بصري، ورأيت له تفسيراً مصنفاً من راوية الوليد عنه، ولا أرى بما يروي عن سعيد بن بشير بأساً، ولعلّه يهم في الشيء بعد الشيء ويغلط، والغالب على حديثه الاستقامة، والغالب عليه الصدق. تهذيب الكمال للمزي (10/ 348). وقال ابن حجر في التقريب: ضعيف.

(1)

رواه أبو داود (734) عن عباس بن سهل قال: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل ابن سعد ومحمد بن مسلمة، فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر بعض هذا قال: ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما، ووتر يديه فتجافى عن جنبيه، قال: ثم سجد فأمكن أنفه وجبهته، ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه، ثم رفع رأسه حتى رجع كل عظم في موضعه، حتى فرغ، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته، ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى، وكفه اليسرى على ركبته اليسرى، وأشار بإصبعه. وقال أبو داود: روى هذا الحديث عتبة بن أبي حكيم، عن عبد الله بن عيسى، عن العباس بن سهل، لم يذكر التورك، وذكر نحو حديث فليح، وذكره الحسن ابن الحرّ نحو جلسة حديث فليح وعتبة.

ورواه أبو داود (967) عن عباس بن سهل قال: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل ابن سعد ومحمد بن مسلمة، فذكر هذا الحديث ولم يذكر الرفع إذا قام من ثنتين=

ص: 370

عمرو (1)، أخبرنا فليح، أخبرني (2) عبّاس بن سهل [قَالَ]: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد (3) وسهل بن سعد ومحمد ابن مسلمة (4). . . وذكر الحديث، وفيه: حتى فرغ، ثم جلس وافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته.

= ولا الجلوس قال: حتى فرغ ثم جلس فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته.

ورواه الترمذي (293) عن عباس بن سهل الساعدي قال: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة، فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس - يعني للتشهد - فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته، ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى، وكفه اليسرى على ركبته اليسرى، وأشار بإصبعه - يعني: السبابة -. وقال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح، ويه يقول بعض أهل العلم، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: يقعد في التشهد الآخر على وركه، واحتجوا بحديث أبي حميد، وقالوا: يقعد في التشهد الأول على رجله اليسرى وينصب اليمنى. ورواه ابن ماجه (863) عن عباس بن سهل الساعدي قال: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد الساعدي وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة، فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فكبر ورفع يديه، ثم رفع حين كبر للركوع، ثم قام فرفع يديه، واستوى حتى رجع كل عظم إلى موضعه.

(1)

تحرف في المخطوط إلى: (مالك بن عمرو).

(2)

تحرف في المخطوط إلى: (أبا).

(3)

تحرف في المخطوط إلى: (وأبو سعيد).

(4)

تحرف في المخطوط إلى: (سلمة).

ص: 371

وبهذا اللفظ: أخرجه البيهقي (1)، وهي الرواية أولى؛ لأنّ الراوي هو الذي حضر القصة. والراوي للأولى لم يحضرها.

وذلك: أنَّ البخاري (2) أخرجها من حديث محمد بن عمرو بن عطاء: أنه كان جالساً مع نفر. الحديث.

وأخرجه ابن حبان (3) في صحيحه (4) فقال: عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عباس بن سهل الساعدي، أنّه كان في مجلسٍ فيه أبوه، وأبو هريرة، وأبو أسيد، وأبو حميد.

وكذا أخرجه غير واحدٍ؛ لأنَّها على وفق غيرها من حديث وائل، وعائشة، وابن مسعود.

فأمّا أن يوافق: بأنّ أبا حميدٍ حكى الأمرين جميعاً.

والرواة رووا هذا تارةً، وهذا أخرى.

والترجيح لما قدمنا، بما قلنا. وبأن حديث من ذكرنا يدلّ على المواظبة، كما يعطيه جوهر لفظه، أو أن هذا محمول على حالة الكبر كما قال في الهداية جمعاً بين الأول، فيكون المشروع الأصلي: الافتراش. وهذا العارض أو يقول: إن هذا قد اضطرب.

(1) معرفة السنن والآثار (827 و 897) والسنن الكبرى (2/ 170 و 347 و 2/ 413 و 452).

(2)

صحيح البخاري (794) وصحيح ابن حبان (1869).

(3)

تحرف في المخطوط إلى: (حيان).

(4)

صحيح ابن حبان (1866).

ص: 372

والأخذ برواية من لم يختلف عليه أولى.

أو نقول: إذا تعارضت روايتا فعله كما مَرَّ بنا، أو نقول: إذا تعارض القول والفعل قدم القول.

وقد قال: ما ذكرنا على أنه يلزم الشافعي أن يكون ما ذكرنا فرضاً عنده؛ لأنه استدل على افتراض الفاتحة في كل ركعةٍ بقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته، وافعل ذلك في صلاتك كلّها، ومرجع الإشارة ما تقدم لتعليمه إيّاه له، وبما علمه ما ذكرناه، ويلزمه الجواب عن مذهب أحمد، فإنه يقول: حديث وائل وعائشة يقضيان على كل تشهّدٍ بالافتراش، إلاّ ما خرج عنه بحديث أبي حميد. وحديث أبي حميد في تشهّدٍ ثانٍ على ما تقدم. فبقي فيما عداه على قصّة الأصل.

قال ابن قريعة (1): فإن قالوا هذا من تطويله. فيتورك كالثاني.

قيل لهم: هذا ليس بتشهّدٍ ثانٍ، فلا يتورك فيه كالأوّل، وهذا لأن التشهد

(1) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (16/ 326): القاضي أبو بكر، محمد بن عبد الرحمن البغدادي الظريف، قاضي السندية، كان مزّاحا خفيف الروح، أديباً فاضلاً، ذكياً، سريع الجواب، أخذ عن أبي بكر بن الأنباري، وغيره. وقريعة - بقاف - قيّده ابن ماكولا، وكان ملازماً للوزير المهلبي في مجالس اللهو، وله أجوبة بليغة مسكتة، كان الوزير يغري به الرؤساء فيباسطونه، كتب له رئيس: ما يقول القاضي في يهودي زنى بنصرانية، فولدت ابناً جسمه للبشر ووجهه للبقر؟ فأجاب: هذا من أعدل الشهود على الخبثاء اليهود، أشربوا العجل في صدورهم حتى خرج من أيورهم فلينط برأس اليهودي رأس العجل، ويصلب على عنق النصرانية الرأس والرجل، ويسحبا على الأرض، وينادى عليهما: ظلمات بعضها فوق بعض، مات سنة سبع وستين وثلاث مئة.

ص: 373

الثاني إنّما تورّك فيه للفرق بين التشهدين، وما فيه إلا تشهدٌ واحد لا اشتباه فيه، فلا حاجة إلى الفرق.

وما ذكروه من المعنى إن صحّ، فيضم إليه هذا المعنى الذي ذكرنا. ومعلّل الحكم بهذا. والحكم إذا علّل بهما بعلتين لم يجز تعديته لتعدية أحدهما دون الأخرى. والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 374