الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(13)
[رِسَالَةٌ فِي] العِدَّةِ
قال رحمه الله:
قد سئلتُ عن امرأةٍ طلَّقها زوجها طلاقاً رجعيًّا في مرض موته، ثم مضى عليها ثلاثة أشهرٍ وثلاثة عشر يومًا، ثم مات، فأقرَّت أنّها حاضت في هذه المدّة ثلاث حيضٍ، فهل تورث بعد هذا الإقرار أم لا؟.
فأجبته: أنها لا تورث في هذه الصورة. والله أعلمُ.
و
كتب على هذه بعض مشايخ العصر ما صورته:
الحمد لله المنعم بالصّواب.
إذا كان الطّلاق رجعيا، ترثُ منه ما دامت الوفاة قائمة. والله أعلم.
ثم بلغني: أنّ بعض قضاتنا استشكل جواب الشيخ، وأن بعض العدول من طلبتي احتجّ عليه يقول ابن فرشته في شرح المجمع في فصل طلاق الغاز: إنَّما قيّد بإطلاقها بالبينونة؛ لأنه إذا كان رجعيا فعليها عدة الوفاة اتفاقاً.
وإن القاضي المستشكل: أخرج في تتمة الفتاوى (1) لينظر تحقيق هذا
(1) قال صاحب كشف الظنون (1/ 343): تتمة الفتاوى للإمام برهان الدين محمود ابن أحمد بن عبد العزيز الحنفي صاحب المحيط، المتوفى سنة 616 هـ. هذا كتاب جمع فيه الصدر الشهيد حسام الدين ما وقع إليه من الحوادث والواقعات، وضم إليها: ما في الكتب من المشكلات، واختار في كل مسألة فيها روايات مختلفة،=
القول، فقلت: المستشكل معذورٌ لإطلاق الأصحاب؛ لأنها إنما ترث إذا كانت العدّة قائمة، والمتشبّث بما قال ابن فرشته معذورٌ أيضاً لإطلاق قوله: إذا كان رجعياً فعليها عدة الوفاة، ولم يعلم أنّ مراده: إذا مات وهي في العدّة لقوله في الأصل: فعليها أربعة أشهرٍ وعشراً. وبطل عنها الحيض. انتهى.
وإنما تبطل إذا كان قائماً لا المنقضي.
وقال شارحه: إذا طلّق امرأته، ثم مات، فإن كان الطلاق رجعياً انقلبت عدتها إلى عدة الوفاة سواء طلّقها في حالة المرض أو حالة الصّحة، وانهدمت عدة الطلاق، وعليها أن تستأنف عدة الوفاة في قولهم جميعاً؛ لأنّها زوجته بعد الطلاق، إذ الطلاق الرجعي لا يوجب زوال الزوجية، وموت الزوج يوجب على زوجته عدة الوفاة لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]. كما لو مات قبل الطلاق.
فقولهم: انتقلت وانهدمت، وما عدلوا به من أنّها زوجته إلخ. صريحٌ فيما ذكرت.
وكذا قوله في المحيط: المطلقة الرجعية إذا مات زوجها تعتد للوفاة أربعة أشهرٍ [و] عشراً لقيام النكاح.
قلت: ولا قيام للنكاح بعد العدة.
وكذا قوله في الإيضاح: لأن النكاح قد بقيَ.
= وأقاويل متباينة، ما هو أشبه بالأصول، غير أنه لم يرتب المسائل ترتيباً، وبعد ما أكرم بالشهادة، قام واحد من الأحدوثة بترتيبها وتبويبها، وبنى لها أساساً، وجعلها أنواعاً وأجناساً، ثم إن العبد الراجي: محمود بن أحمد بن عبد العزيز زاد على كل جنس ما يجانسه، وذيّل على كل نوع ما يضاهيه. انتهى.
قلت: ولا بقاء للنكاح بعد العدة.
وفي الذخيرة: وإذا كان الطلاق رجعياً في صحة أو مرض فعدّتها أربعة أشهرٍ وعشراً. فقد بطل عنها الحيض في قولهم جميعًا؛ لأنّ الطلاق الرجعي لا يقطع النكاح عندنا. فكانت الزوجية قائمة. والله أعلم.
جعل كل الواجب على المرأة عند موت الزوج: التربص بأربعة أشهرٍ وعشراً. وكانت من ضرورة سقوط الاعتداد بالحيض. انتهى.
ففي صورتنا لم تكن الزوجية قائمة وقت الموت، فلم يجب عليها بموته شيءٌ.
ألا ترى أنها لو تزوجت قبل موته كان النّكاح صحيحاً.
وفي شرح الهداية: ودخلت في عدة الطلاق، ثم مات الزوج، فإنّها تنتقل عدتها إلى عدّة الوفاة. وهذا يفيد: أنّها دخلت ولم يخرج بعد حتى مات. فتنتقل العدة القائمة. وفيه شاهدٌ؛ أنَّها تبطل لا تنتقل.
وقول شراح الكنْز: لبقاء الزوجية من كل وجهٍ قبل الموت، فيوهموا أنّ عدتها بعد انقضاء عدتها بالأقراء بقية عدة الوفاة. وهذا وهمٌ في الوهم للأوَّل؛ لأن أصحابنا إنمّا قالوا في تلك الصورة: أنها تستأنف العدة من حين موته، فتتربص أربعة أشهرٍ وعشراً. والله سبحانه وتعالى أعلمُ.