الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
رَفْعُ الاشْتِبَاهِ عَنْ (1) مَسَائِلِ المِيَاهِ
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ يسر ولا تعسر يا كريم
ربّ تيمم بالخير
الحمد لله، وبه أكتفي، وسلام على عباده الذين اصطفى، وَبَعْدُ:
فإن سَيِّدَنَا وشيخنا صاحب التّقرير والتّحرير، مُنَقِّحَ أَغْصَانِ الفُروع والأُصُول، ومعدل عنوان المعقول والمنقول، أبو المعالي، زين الملّة والدين، شرف الدين، قاسم بن قطلوبغا الحنفي، عامله الله بلطفه الخفي، وأدامَ النَّفْعَ بِهِ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ قَالَ:
لما منع علماؤنا رضي الله عنهم، من كان له أهلية النظر من مَحْضِ تقليدهم على ما رواه الشيخ الإمام العالم العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف قال:
حدثنا أبو يوسف، عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال:
لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُفْتِي بِقَوْلنَا مَا لَمْ يَعْرِفْ مِنْ أَيْنَ قُلْنَاهُ
(2).
وَتتبَّعْتُ مآخذهم (3) وحصلت منها بحمد الله تعالى على الكثير، ولم أقنع
(1) تحرف في المخطوط إلى: (رافع الاشتباه من).
(2)
انظر البحر الرائق في شرح كنز الدقائق (13/ 300 و 360 و 17/ 362).
(3)
في المخطوط: (ما أخذهم).
بتقليد ما في صحف كثيرة من المصنفين، فاتفق وقوع كلامٍ عَلَى مسألة البئر مع بعضٍ، فذكرت شيئًا من إثبات تحقيق المناط (1)، فلم يكن عند التكلم معي شعور بحقيقة الحال، ورأى أن أحدًا في هذا العصر لا يصحُّ منه. قلتُ: الصحيح (؟).
فنظر في كتب الأصحاب، وتتبع ما أمكنه فعلهُ، ثم جاء محتجًّا عليَّ بقول صاحب الاختيار "والأصل: أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه، والكثير: لا".
ولقوله عليه السلام في البحر: " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُه"(2). واعتبرناه، فوجدناه
(1) قال الآمدي في الأحكام (3/ 335): تحقيق المناط: هو النظر في معرفة وجود العلة في آحاد الصور بعد معرفتها في نفسها، وسواء كانت معروفة بنص أو إجماعٍ أو استنباطٍ.
(2)
أخرجه مالك (1/ 22 رقم: 12) والشافعي في الأم (1/ 16) والمسند (8/ 335) وابن أبي شيبة (1/ 131) وأحمد (2/ 237 و 361 و 393) وأبو عبيد في الطهور (231 و 232) والدارمي (730) وأبو داود (83) والترمذي (69) والنسائي (1/ 176) وابن ماجه (386) والدارقطني (1/ 36 و 37) والحاكم في المستدرك (1/ 140 و 141) والبيهقي في الكبرى (1/ 3) وفي معرفة السنن والآثار (1/ 154) عن أبي هريرة.
وأخرجه الدارقطني (1/ 35) والحاكم في المستدرك (1/ 143) عن علي.
وأخرجه أحمد (3/ 373) وابن ماجه (388) والدارقطني (1/ 34) عن جابر.
وأخرجه أبو عبيد في الطهور (238) عن أبي بكر الصديق.
وأخرجه ابن المنذر في الأوسط (1/ 248) وأبو عبيد في الطهور (245) عن عقبة ابن عامر.
وقال أبو عبيد في الطهور (ص 303 - 304): والقول المعمول به عندنا الأخذ =
ما لا يخلص بعضه إلى بعض.
فنقولُ: كل ما لا يخلص بعضه إلى بعض لا ينجس بوقوع النجاسة فيه، فهذا معنى قولهم: لا يتحرك طرفيه بتحريك الطرف الآخر.
واعتبر المشايخ الخلُوصَ بالمساحةِ فوجدوه عشراً في عشر، فقد رووه بذلك تيسيرًا.
وقال أبو مطيع (1): إذا كان خمسة عشر في خمسة عشر لا يتخلص. أما عشرون في عشرين لا أرى في نفسي منه شيئًا، وإن كان له طول ولا عرض له. فالأصح: أنه لو كان بحال لو ضم طوله إلى عرضه يصير عشرًا في عشر، فهو يصير عشرًا في عشر، فهو كثير.
والمختار في العمق: ما لا ينحسر أسفله بالغرف، ثم إن كانت النجاسة مرئية لا يتوضأ من موضع الوقوع المتيقن بالنجاسة برؤية عينها، وإن كانت غير مرئية، فلو توضأ منها جاز لعدم التيقن بالنجاسة لاحتمال انتقالها.
= بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه الطهور ماؤه الحل ميتته. ثم ما أفتى به علماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ذكرنا ثم أخذ العلماء الذين سمينا قبله أنه طاهر لا كراهة فيه ولا يحتاج معه إلى تيمم ولا غيره
…
(1)
قال المصنف في تاج التراجم (ص 29): أبو مطيع البلخي، راوي كتاب الفقه أكبر عن أبي حنيفة، قلت: هو الحكم بن عبد الله بن سلمة بن عبد الرحمن القاضي الفقيه، يروي عن: أبي عون، وهشام بن حسان، ومالك بن أنس، وإبراهيم بن طهمان. وعنه: أحمد بن منيع، وغيره. تفقه عليه أهل بلاده، وكان ابن المبارك يجلّه لدينه وعلمه، مات سنة سبع وتسعين ومئة عن أربع وثمانين سنة، بعد ما ولي قضاء بلخ.
ومنهم من قال: لا يجوز أيضًا؛ لأن الظاهر بقاؤها في الحال. انتهى.
فذكرت له ما في هذا من الفساد. فأجاب: بأن هذا رجلًا متقدم مصنف، فاختصرت الكلام عند ظهور المقام، ثم سألني من يتعين إجابته أن كتب له ما صدر مني في بيان فساد الكلام المتقدم، وما لي في المسألة من تحقيقٍ، وما كنت ذكرت له من مسألة: الماء المستعمل.
وقلت مستعيناً بالله سبحانه وتعالى إنه حسبي ونعم الوكيل:
قوله: والكثير لا، باطل لإجماع الأمة على الماء الكثير، إن يتغير بنجسٍ ينجس.
قوله: كل ما لا يخلص بعضه إلى بعض لا ينجس بوقوع النجاسة فيه. هذا باطلٌ [بإجماعِ الأمة](1) بما تقدّم. ومنقوض بما ذكره بعدُ من قوله: ثم إن كانت النجاسة مرئية لا يتوضأ من موضع الوقوع للتيقن بالنجاسة برؤية عينها.
ومما ذكره بعد ذلك أيضًا، من قوله: ولو وقعت جيفة في نهرٍ كبيرٍ لا يتوضأ من أسفل الجانب الذي فيه الجيفة. وهذا أبلغ؛ لأنه مع الكثرة جاز قوله. وهذا معنى قولهم: لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الآخر.
يتوقف بيان فساده على مقدمة وهو: أن الكلام ليس في بيان نهاية الكثرة؛ لأن أكثر ما لا يخلص بعضه إلى بعض، وأكثر ما لا يتحرك أحد طرفيه بتحرك الطرف الآخر، إنما تحقق في نحو الطرفان، بل الكلام في أقل ما لا يخلص بعضه إلى بعض ليكون مبتدأ حد الكثرة، ويتحقق مقابلة الذي هو نهاية حد
(1) ما بين معكوفتين: قد شطب عليه في المخطوط.
القلة، وأنه قد روي في اعتبار التحريك ثلاث روايات:
أحدها: عدم التحريك بالاغتسال [2/ ب]. وهي رواية أبي يوسف، عن أبي حنيفة.
ثانيها: عدم التحريك بالوضوء. وهي رواية محمَّد، عن أبي حنيفة.
ثالثها: عدم التحريك الكثير.
إذا عرف هذا فيقال: إن كان أقل ما لا يخلص بعضه إلى بعض هو أقل ما لا يتحرك بالاغتسال يكون بالضرورة أقل ما لا يتحرك بالتوضؤ مما يخلص، فيكون في حد القلة، والرواية مبدأ حد الكثرة. وكذا أقل ما لا يتحرك بالتوضؤ يكون مما يتحرك بالاغتسال بالضرورة، وكذا أقل ما لا يتحرك بغسل اليد يكون ما لا يتحرك بالتوضؤ، فلا يتصور أن يكون أقل ما لا يخلص بعضه إلى بعض هو أقل ما لا يتحرك أحد طرفيه بتحرك الطرف الآخر على اعتبار الروايات كلها للتنافي، وإن كان على اعتبار التحريك بأحد الروايات فليس في الكلام ما يفيده، ولا يصح له وجهٌ؛ لأنه امتحان أمرٍ حسيٍّ بأمرٍ حسيٍّ.
قوله: وامتحن المشايخ الخلوص بالمساحة فوجدوه عشراً في عشر. يتأتى في فساده ما تقدم؛ لأنهم إن كانوا امتحنوا ما لا يخلص بحركة الاغتسال ورد عليه رواية التوضع، وغسل اليد إلخ ما قدمناه.
وفيه: مخالفة لما ذكروه في عامة الكتب المطولات، عن محمَّد رحمه الله: أنه سئل عن الغدير العظيم. فقال: قدر مسجدي هذا، وذرع (1) فكان عشراً في عشر من خارج الجدار إلى آخره.
(1) في هامش المخطوط: (فزرع).
ولما قاله نوح الجامع (1) في جامعه، عن محمَّد رحمه الله: أنه كان يوقت عشرًا في عشر.
ولفظ المشايخ في عرفهم يراد به من بعد أبي حنيفة وصاحبيه.
وإذا كانت المسألة منصوصة عن أحد الثلاثة، لا يقال فيها: امتحن المشايخ. . . إلخ.
قوله: وقال أبو مطيع: إذا كان خمسة عشر في خمسة عشر لا يخلص.
يقال للمصنف: لو كان امتحان المشايخ على ما ذكرت لم يتصور أن يقع فيه خلاف؛ لأن ما وجد على كمية مخصوصة لا يعقل مخالفته، وإن كان قول أبي مطيع على اعتبار التحريك بالاغتسال [3/ أ]. وقول المشايخ الذي نسب إليهم الامتحان بعشر على اعتبار غير الاغتسال نفى قوله. وهذا معنى قولهم: لا يتحرك. . . إلى آخره إلباسٌ. وعلى هذا: فالخمسة عشر أعلى الاعتبارات، فما معنى قوله بعد ذلك: أما العشرون في العشرين فلا أجد في نفسي منه شيئًا؟.
(1) قال المصنف في تاج التراجم (ص 7): الجامع، لقب أبي عصمة، نوح بن أبي مريم ابن جمونة الموزي، لقّب بذلك؛ لأنه أول من جمع فقه أبي حنيفة، وقيل: لأنه كان جامعاً بين العلوم، له أربعة مجالس: مجلس للأثر، ومجلس لأقاويل أبي حنيفة، ومجلس للنحو، ومجلس للشعر. روى عن: الزهريّ، ومقاتل بن حيّان، مات سنة ثلاث وسبعين ومئة، وكان على قضاء مرو لأبي جعفر المنصور.
أقول: لكنه متروك الحديث، بل رمي بالوضع. قال ابن حجر في التقريب (ص 567): كذّبوه في الحديث، وقال ابن المبارك: كان يضع. وانظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (8/ 484) والمجروحين لابن حبان (3/ 48) والكامل لابن عدي (7/ 40) وتهذيب الكمال (30/ 56).
قوله: وإن كان له طول ولا عرض له، فالأصح: أنه لو كان بحال لو ضم طوله إلى عرضه يصير عشرًا في عشر، فهو كثير مبني على أنّ للكثرة أثرًا، وسيأتي ما يظهر به فساده.
قوله: والمختار في العمق ما لا ينحسر أسفله بالغرف، مقابل هذا المختار: ذراع وشبر وعرض السيال وما يستر وجه الأرض.
وفيه دليل على فساد ما تقدم، وذلك: أن امتحان الخلوص بالاغتسال، لا يتصور في حد العمق، ولا يمكن أن يقال فيه بطريق الفرض؛ لأن الكلام في أنهم امتحنوا ما لا يخلص بنفسه بفعل حسّي وهو الاغتسال على زعمه، ثم ذرعوا ما لا يتحرك فوجدوه عشراً في عشر. هذا ظاهر كلامه على ما لا يخفى.
قوله: ثم إن كانت النجاسة مرئية، لا يتوضأ من موضع الوقوع. يقال له: إذا كان الحكم هذا، فأين الأصل الذي ادعيته؟! وهو: أن الكثير لا ينجس، وكيف خرج هذا عن دليل الأصل الذي أوردته وهو الحديث به، فيلزمك أحد أمرين:
إما عدم صحة الأصل الذي ادعيته.
أو عدم صحة دلالة الحديث عليه، أو مخالفة الحديث بالرأي.
قوله: لاحتمال انتقالها.
إذا كان فرض المسألة في نجاسة مائعة وقعت في ماءٍ راكدٍ، فأين تنتقل، وهل لا يجري هذا الاحتمال في البئر إذا وقعت فيها نجاسة مائعة ونزح بعضها.
قوله: ومنهم من قال: لا يجوز أيضًا؛ لأن الظاهر بقاؤها في الحال طاهر السوق.
إن هذا مرجوح بالنسبة إلى المتقدّم، وقد صرّح بذلك صاحب التحفة والبدائع (1) على ما يأتي (2)، فقال له: قد علم أن الحكم يكون مع الظاهر، إلا أن يقوم دليل يخالفه، فكيف [3/ ب] كان الراجح هنا بخلاف الظاهر بلا دليل.
واحتمال الانتقال، قد علمت ما فيه، ثم مفهوم قوله: بقاؤها في الحال: أنه إذا أتى عليها زمان، بأن يجوز بلا خلاف ولم يظهر له وجه؛ لأنه متى حكم بنجاسته في الحال للاختلاط لا يحكم بطهارته بعد الاستهلاك، وهذا الكلام وإن كان قد سبق إليه الشيخ علاء الدين السمرقندي (3) في التحفة (4)، حيث قال: وأما إذا كان الماء راكداً، [فقدِ](5) اختلف العلماء [فيه](6).
(1) تحفة الفقهاء للسمرقندي وشرحها بدائع الصناع لأبي بكر بن مسعود الكاشاني.
(2)
في المخطوط: (علي ماتي) خطأ.
(3)
قال المصنف في تاج التراجم (ص 20): محمَّد بن أحمد بن أبي أحمد، الإِمام علاء الدين، أبو منصور السمرقندي، تفقّه عليه الإِمام أبو بكر بن مسعود الكاشاني وغيره، وله كتاب: تحفة الفقهاء، واللباب في الأصول، وغير ذلك.
وترجمه تلميذه أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاشاني، الذي تزوج ابنة الإِمام علاء الدين السمرقندي من أجل أنه شرح كتاب التحفة، وسماه: بدائع الصنائع، وجعل الكتاب مهر ابنة الإِمام فاطمة، فقال الفقهاء: شرح تحفته، وزوج ابنته. تاج التراجم (ص 28).
(4)
تحفة الفقهاء (1/ 56 - 58).
(5)
ما بين معكوفتين: من تحفة الفقهاء.
(6)
ما بين معكوفتين: من تحفة الفقهاء.
قال أصحاب الظواهر: بأن الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه كيفما كان، لقوله عليه السلام:"خُلِقَ الْمَاءُ طَهُوراً (1) لَا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ"(2).
وقال عامّة العلماء: إن كان الماء قليلاً ينجس، وإن كان كثيرًا لا ينجس.
واختلفوا في الحد الفاصل بينهما:
فقال مالك: إن كان بحال يتغيّر طعمه، أو لونه، أو ريحه، فهو قليلٌ (3)، وإن كان لا يتغيّر فهو كثيرٌ.
وقال الشافعي: إذا بلغ الماء قلتين، فهو كثيرٌ لا يحمل (4) الخبثَ، لورود الحديث.
(1) قال تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: 11].
(2)
في تحفة الفقهاء: (الماء طهورٌ لا ينجسه شيء).
ولم أجده باللفظ نفسه في كتب الحديث، ولكنه ومن الغريب أن أكثر كتب الفقه ذكروه بهذا اللفظ، وقال الماوردي في الحاوي الكبير (1/ 43): رواه راشد بن سعدٍ، عن أبي أمامة، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"خلق الماء طهوراً لا ينجّسه شيءٌ إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه". اهـ.
وأخرجه ابن ماجه (521) عن أبي أمامة بلفظ: "إنّ الماء لا ينجّسه شيء، إلَّا ما غلب على ريحه، وطعمه، ولونه".
وأخرجه أحمد (3/ 31 و 86) وأبو داود (66 و 67) والترمذي (66) والنسائي (1/ 174) عن أبي سعيدٍ قال: قيل: يا رسول الله! أنتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يطرح فيها لحوم الكلاب، والحيض، والنتن؟ فقال:"الماء طهور، لا ينجّسه شيءٌ".
(3)
تحرف في المخطوط إلى: (دليل).
(4)
في تحفة الفقهاء: (يحتمل).
وقال العلماء رضي الله عنهم (1): إن كان الماء بحالٍ يخلص بعضه إلى بعض، فهو قليلٌ، وإن كان لا يخلص [بعضه إلى بعض](2)، فهو كثيرٌ.
واختلفوا في تفسير الخلوص:
اتفقت الروايات عن أصحابنا (3) المتقدمين: أنه يعتبر بالتحريك، فإن تحرك طرفٌ منه بتحريك (4) الجانب الآخر، فهذا مما يخلص، وإن كان لا يتحرك فهو مِمَّا لا يخلص.
ولكن في رواية أبي يوسف، عن أبي حنيفة: يعتبر التحريك بالاغتسال.
وفي رواية محمَّد: [يُعتَبَرُ التحريك](5) بالوضوء.
والمشايخ المتأخرون اعتبر بعضهم الخلوص بالصبغ، بالتحريك (6)، بالتكدير.
وقال بعضهم (7): بالمساحة إن كان عشراً في عشر، فهو مما لا يخلص، وإن كان دونه فهو مما يخلص، وبه أخذ مشايخ بَلْخٍ (8).
(1) في تحفة الفقهاء: (وقال علماؤنا).
(2)
ما بين معكوفتين: من تحفة الفقهاء.
(3)
في المخطوط: (أصحاب). والمثبت من تحفة الفقهاء.
(4)
في المخطوط: (بتحرك). والمثبت من تحفة الفقهاء.
(5)
ما بين معكوفتين: من تحفة الفقهاء.
(6)
في تحفة الفقهاء: (وبعضهم) بدل: (بالتحريك). ولعله الصواب.
(7)
في تحفة الفقهاء: (وبعضهم).
(8)
ولإتمام الفائدة، سنذكر هنا كلام صاحب التحفة المحذوف من هنا: (وذكر الشيخ =
ثم إن كانت النجاسة [غير](1) مرئية، مثل أن يبول (2) فيه إنسان، أو اغتسل فيه جنبٌ، اختلف المشايخ فيه:
قال مشايخ العراق: بأن حكم المرئية وغير المرئية سواء، فإنه (3) لا يتوضأ من الجانب الذي وقعت [4/ أ] فيه النجاسة، وإنما يتوضأ من الجانب الآخر، بخلاف الماء الجاري.
ومشايخنا فصلوا بين الأمرين، كما قالوا جميعًا في الماء الجاري، وهو الأصح. انتهى (4).
وتبعه الشيخ الإِمام أبو بكر الكَاسَانِيُّ (5). . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أبو الحسن الكرخي في الكتاب وقال: لا عبرة للتقدير في الباب، ولكن يتحرى في ذلك إن كان أكبر رأيه أن النجاسة وصلت إلى هذا الموضع الذي يتوضأ منه، لا يجوز، وإن كان أكبر رأيه أنها لم تصل: يجوز التوضئة به؛ لأن غالب الرأي دليل عند عدم اليقين. هذا إذا كان له طول وعرض. فأما إذا كان له طول بلا عرض كالأنهار التي فيها مياه راكدة، فإنه لا ينجس بوقع النجاسة فيه. وعن أبي جعفر الهنداوي: إن كان بحال لو رفع إنسان الماء بكفيه ينحسر أسفله فهذا ليس بعميق، وإن كان لا ينحسر، فهو عميق. وقيل: مقدار شبر. وقيل: مقدار ذراع).
(1)
ما بين معكوفتين: من تحفة الفقهاء.
(2)
في تحفة الفقهاء: (بأن بال).
(3)
في تحفة الفقهاء: (في أنه).
(4)
إلى هنا انتهى كلام صاحب التحفة.
(5)
الكاساني والكاشاني يروى بكليهيما كما قال ذلك خير الدين الزركلي في الأعلام (2/ 70).=
في البدائع (1) فقال: فإن (2) كان راكدًا، فقد اختلفَ فيهِ:
قال أصحاب الظَّواهر: إنَّ الماء لا ينجس بوقوع النَّجاسة فيه أَصلًا، سواءٌ كان جارياً أَوْ راكدًا، وسواءٌ كان قليلًا أو كثيراً، تغَيَّر لونه، أو طعمه، أو ريحه، أو لم يتغيَّر.
وقال عامَّة العُلماءِ: إن كان الماء قليلًا ينجسُ، وإن كان كثيرًا لا ينجسُ، لكونهم (3) اختلفوا في الحدّ الفاصل بين القليل وَالكثير.
قال مالكٌ: إن تغيَّر لونه أو طعمه أو ريحه فهو قليل، وإن لم يتغيَّر فهو كثير.
وقال الشَّافعيُّ: إذا بلغ الماء قلَّتين، فهو كثيرٌ.
والقلَّتان عنده: خمس قِرَبِ، كلُّ قِربَةِ خمسون مَنًّا، فيكون جملته:
= وقال المصنف في تاج التراجم (ص 28): أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاشاني، علاء الدين، ملك العلماء، صاحب كتاب بدائع الصنائع، تفقه على علاء الدين محمَّد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي، وتزوج ابنته فاطمة الفقيهة من أجل أنه شرح كتاب التحفة [تحرف في المطبوع إلى: التحفية] للسمرقندي هذا، وسماه البدائع، فجعله مهر ابنته، فقال فقهاء العصر: شرح تحفته وزوج ابنته. وقدم حلب رسولاً من صاحب الروم إلى نور الدين الشهيد، فولاّه تدريس الحلاوية عوضًا عن الرضي السرخسي بعد وفاته، وصنف أيضًا كتاب السلطان المبين في أصول الدين، ومات يوم الأحد عاشر رجب سنة سبع وثمانين وخمس مئة بحلب.
(1)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع شرح تحفة الفقهاء (1/ 317 - 325).
(2)
في البدائع: (وإن).
(3)
في البدائع: (لكنهم).
مئتينِ وخمسين منًّا.
وقال أصحابنا: إن كان بحالٍ، يخلص بعضه إلى بعضٍ، فهو قليلٌ، وإن كان لا يخلص فهو كثيرٌ.
فأَمَّا أصحاب الظواهر، فاحتجوا بظاهر قول النَّبي صلى الله عليه وسلم:"الْمَاءُ طَهُوْرٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ"(1).
[واحتجَّ مالكٌ بقوله صلى الله عليه وسلم: "خُلِقَ الْمَاءُ طَهُوراً لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ](2)، إلَاّ مَا غَيّرَ لَوْنَهُ، أَوْ طَعْمَهُ، أَوْ ريحَه" (3)، أو بني (4) العامَّ على الخاصِّ عملًا بالدَّليلين (5).
واحتجَّ الشَّافعي رضي الله عنه يقول النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَا يَحْمِلُ خَبَثاً"(6). أَيْ: يدفعُ الخبث عن نفسه.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
ما بين معكوفتين: من بدائع الصنائع.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
في المخطوط: (بني).
(5)
في المخطوط: (بالدليل).
(6)
أخرج أحمد (2/ 12) عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب، فقال:"إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث".
أخرج الشافعي في الأم (1/ 8) والمسند (ص 7) وأحمد (2/ 23 و 27 و 107) وأبو عبيد في الطهور (166) وأبو داود (63) والنسائي (/ 175) وابن ماجه (1/ 172) وابن خزيمة (92) والدارقطني (1/ 13 - 23) عن عاصم بن المنذر قال: كنت مع عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فقام إلى ماء فتوضأ منه، وفيه جلد =
وقال (1) الشَّافعيُّ: قال ابن جريج: أراد بالقلَّتينِ: قِلَالَ هَجَرَ، كلُّ قُلَّةٍ تسع فيها قربتين وشيئًا (2)(3).
قال الشَّافعيُّ: و [هو](4) شيءٌ مجهولٌ، فقدَّرته بالنِّصف احتيَاطًا.
ولنا: ما روي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدَكُمْ مِنْ مَنَامِهِ، فَلَا يَغْمِسْ (5) يَدَهُ في الإنَاءَ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاثاً، فَإِنهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ"(6).
ولو كان الماء لا ينجس بالغمس، لم يكن للنَّهي والاحتياط؛ لوَهمِ (7) النَّجاسة معنًى، وكذا الأخبَار مستفيضة (8) في الأمر (9)[4/ ب]
= بعير، أحسبه قال: ميت، فقلت: أتوضأ من هذا؟ فقال: حدثني أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثًا لم ينجسه شيء".
(1)
في البدائع: (قال).
(2)
في البدائع: (يسع فيها قربتان وشيءٌ).
(3)
أخرجه الدارقطني في سننه (32) والبيهقي في المعرفة (1894) عن ابن جريج قال: أخبرني محمَّد أن يحيى بن عقيل أخبره أن يحيى بن يعمر أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. . .
(4)
ما بين معكوفتين: من البدائع.
(5)
في البدائع: "يغمسنّ".
(6)
أخرجه أحمد (2/ 241) ومسلم (278) والنسائي (1/ 6 و 7) وابن حبان (1562) والبيهقي في سننه الكبرى (1/ 45) وفي معرفة السنن والآثار (1/ 195) عن أبي هريرة.
(7)
في المخطوط: (نزهه).
(8)
تحرف في المخطوط: (الإخبار ومستفيدة). والمثبت من البدائع.
(9)
في البدائع: (بالأمر).
بغسل [الإناءِ](1) من ولوغ الكلبِ، مع أنَّه لا يغيِّر لونه، ولا طعمه، ولا ريحه.
وروي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "لَا يَبُولُ أَحَدَكُمْ في الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَلَا يَغْتَسِلُ (2) فِيهِ مِنْ جَنَابَةٍ"(3)، من غير فصلٍ [بَيِّنٍ](4) بينَ دائمٍ ودائمٍ.
وهذا نَهيٌ عن تنجُّس (5) الماء؛ لأنَّ البول والاغتسال فيما لا يتنجَّس (6) لكثرته ليس بنهيٍ (7)، فدلَّ على كون الماء الدَّائم مطلقًا محتملاً للنَّجاسة (8)، إذ النَّهي عن تنجُّس (9) ما لا يحتمل النَّجاسة ضربٌ من السَّفَهِ (10).
(1) ما بين معكوفتين: من البدائع.
(2)
في المخطوط: (تغسل).
(3)
في البدائع: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الدّائم، ولا يغتسلن فيه من جنابةٍ".
رواه ابن أبي شيبة (1503) وعنه ابن ماجه (344) عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يبول أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من جنابة". والحديث عند ابن ماجه مختصرٌ.
ورواه أحمد (2/ 433) وأبو داود (70) وابن حبان (1257) والبيهقي (1/ 238) عن أبي هريرة بلفظ: "لا يبل أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة".
(4)
ما بين معكوفتين: من البدائع.
(5)
في البدائع: (تنجيس).
(6)
في المخطوط: (ينجسه).
(7)
في البدائع: (بمنهيٍّ).
(8)
في المخطوط: (محتمة النجاسة لاحتمام النجاسة).
(9)
في البدائع: (تنجيس).
(10)
لعلها: السعة.
وكذا الماء الَّذي يمكن الاغتسال فيه يكون أكثر من قلَّتينِ، والبَولُ (1) والاغتسال فيه لا يغيِّر لونه، ولا طعمهُ، ولا ريحهُ.
وعن ابن عبَّاسِ وابن الزُّبير رضي الله عنهم (2): أنَّهُما أَمَرَا في زِنْجِيٍّ وَقَعَ في بِئْرِ
(1)(والبول) غير موجودة في البدائع.
(2)
قال المصنف في التعريف والإخبار: (روى الدارقطني [في سننه (1/ 33)] عن ابن سيرين: أن زنجيًا وقع في زمزم -يعني: فمات- فأمر ابن عباس فأخرج، وأمر بها أن تنزح. قال: فغلبتهم حين جاءت من الركن فدست بالقباطي والمطارف حتى نزحوها، فلما نزحوها انفرجت عليهم. وهذا مرسل فإن ابن سيرين لم ير ابن عباس.
ورواه ابن أبي شيبة [المصنف (1722)] عن قتادة، عن ابن عباس، قال البيهقي: وهذا أيضًا بلاغ فإنه لم يلق ابن عباس.
وأما ما عن ابن الزبير: فقد رواه الطحاوي بسندٍ لا انقطاع فيه، عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، حدثنا منصور، عن عطاء: أن حبشيًّا وقع في زمزم فمات فأمر ابن الزبير فنزح ماؤها، فجعل الماء لا ينقطع، فنظروا فإذا عين تجري من قبل الركن الأسود، فقال ابن الزبير: حسبكم.
ورواه ابن أبي شيبة [(1721)] ، حدثنا هشيم، عن منصور، عن عطاء- فذكره).
وقال المصنف في التعريف والإخبار: (لما روي عن علي رضي الله عنه: إذا ماتت في البئر فأرة ينزح منها عشرون دلوًا. وعن أنس: عشرون دلوًا. وعن النخعي كذلك.
قلت: قال مخرجو أحاديث الهداية: لم نر هذه الآثار. وأمّا قول الشيخ علاء الدين عند ذكر هذه الآثار: وآثار الآبار رواها الطحاوي. فيقتضي أنه روى هذه، وليس كذلك، بل روى آثار الآبار من حيث هي لا هذه المطلوب تخريجها. والذي رواه الطحاوي -رحمه الله تعالى- مخالف لما نصوا عليه. فإنه قال: حدثنا محمَّد بن خزيمة، عن حجاج بن المنهال، عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن ميسرة: أن عليًّا رضي الله عنه قال في بئر وقعت فيها فأرة فماتت. قال: ينزح ماؤها. وروي =
زَمْزَمَ بِنَزْحِ (1) مَاءِ البِئرِ كُلِّهِ، وَلَمْ يَظْهَرْ أثرُه (2) في الْمَاءِ وكَانَ الْمَاءُ أكثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ، وذلك بمحضرٍ من الصَّحابة رضي الله عنهم، ولم ينكر عليهما أحدٌ، فانعقدَ الإجماع من الصَّحابة على ما قلنَا.
وعرف بهذا الإجماع: أنَّ المُراد بما رواه مالكٌ: هو الماء الكثير الجاري (3).
وبه تبيَّن: أن ما رواه الشافعيُّ غير ثابتٍ؛ لكونه مخالفًا لإجماع الصحابة رضي الله عنهم.
وخبرُ الواحدِ إذا ورد مخالفًا للإجماع يردُّ.
[يدلُّ](4) عليه: أنَّ علي بن المديني قال: لا يثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (5).
وقال أبو داود (6): لا يكادُ يصحُّ لواحدٍ من الفريقين حديثٌ عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم
= أيضًا عن محمَّد بن حميد بن هشام الرعيني، عن علي بن معبد، عن موسى بن أعين، عن عطاء بن ميسرة، وزاد: إن علي بن أبي طالب قال: إذا سقطت الفأرة أو الدابة في البئر فانزحها حتى يغلبك الماء).
(1)
في المخطوط: (نزح).
(2)
في المخطوط: (أثر).
(3)
في البدائع: (والبخاري).
(4)
ما بين معكوفتين: من البدائع.
(5)
انظر أيضًا في البحر الرائق شرح كنز الدقائق (1/ 305) وعمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني (5/ 129).
(6)
في البدائع: (وذكر أبو داود السجستاني وقال).
في تقدير الماء (1).
ولهذَا: رجع أصحابنا في التَّقدير إلى الدَّلائل الحسِّيَّة دون الدَّلائل (2) السَّمعيَّة، ثمَّ اختلفوا في تفسير الخلوص، فاتَّفقت الرِّوايات عن أَصْحابنا: أنه يعتبر الخلوص بالتَّحريك، وهو: أنَّه إن كان بحالِ لو حرِّك طَرَفٌ منه يتحرَّك (3) الطَّرف الآخرُ، فهو ممَّا يخلص.
وإن كان لا يتحرَّك فهو ممّا لا يخلص، وإنَّما اختلفوا في جهة التَّحريك:
فروي عن أبي يوسف (4)، عن أبي حنيفة: أنَّه يعتبر التَّحريك بالاغتسال من غير عنف.
وروى محمَّد عنه: أنَّه يعتبر التَّحريك بالوضوء.
وفي روايةِ: باليد من غير [5/ أ] اغتسالٍ ولا وضوءٍ.
واختلف المشايخ:
فالشَّيخ أبو حفص الكبير البخاريُّ (5): اعتبر الخلوص بالصَّبغ.
(1) انظر أيضًا في البحر الرائق شرح كنز الدقائق (1/ 305) وعمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني (5/ 129).
(2)
في المخطوط: (دليل).
(3)
في المخطوط: (بتحرك).
(4)
في البدائع: (فروى أبو يوسف).
(5)
قال المصنف في تاج التراجم (ص 1): أحمد بن حفص، أبو حفص الكبير، أخذ عن: محمَّد بن الحسن، وله أصحاب كثيرة ببخارى، في زمن محمَّد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح. قال: لو أن رجلًا عَبَدَ الله خمسين سنة، ثم أهدى لرجل =
وأبو نصرٍ (1) محمَّد بن محمَّد بن سلَاّم: اعتبره بالتَّكدير (2).
وأبو سليمان الجوزجانيُّ (3): اعتبره بالمساحة، فقال: إن كان عشرًا (4) في عشرٍ، فهو ممَّا لا يخلص، وإن كان دونه فهو ممَّا يخلص.
وعبد الله بن المبارك: اعتبره بالعشرة أوَّلاً، ثم بخمسة عشر.
وإليه ذهب أبو مطيع البلخيّ (5)، فقال: إن كان خمسة عشر في خمسة عشر أرجو أن يجوز، وإن كان عشرين في عشرين لا أجد في قلبي شيئًا.
وروي عن محمَّد: أنَّه قدَّره بمسجده، فكان مسجده ثمانٍ في ثمانٍ. وبه أخذ محمد بن سلمة.
وقيل: كان مسجده عشرًا في عشرٍ.
وقيل: مسح مسجده فوجد داخله ثمانٍ في ثمانٍ،. . . . . . . . . . . .
= مشرك بيضة يوم النوروز، يريد به تعظيم ذلك اليوم، فقد كفر وأحبط عمله.
(1)
في المخطوط: (قصير).
(2)
في المخطوط: (بالتكرير).
(3)
تحرف في المخطوط إلى: (الجوزاني).
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (10/ 194 - 195): العلامة الإِمام، أبو سليمان، موسى بن سليمان الجوزجاني الحنفي، صاحب أبي يوسف ومحمد، حدّث عنهما، وعن ابن المبارك. كان صدوقاً محبوبًا إلى أهل الحديث. قال ابن أبي حاتم: كان يكفر القائلين بخلق القرآن. وقيل: إن المأمون عرض عليه القضاء فامتنع، واعتل بأنه ليس بأهل لذلك، فأعفاه، ونبل عند الناس لامتناعه. وله تصانيف.
(4)
في المخطوط: (عشر).
(5)
مرت ترجمته.
وخارجه عشرًا في عشرِ (1).
(1) ولإتمام الفائدة، سأذكر هنا كلام الكاساني صاحب البدائع: (وذكر الكرخي وقال: لا عبرة للتقدير في الباب، وإنما المعتبر هو التحري، فإن كان كبر رأيه أن النّجاسة خلصت إلى هذا الموضع الذي يتوضّأ منه لا يجوز، وإن كان أكبر رأيه أنّها لم تصل إليه يجوز؛ لأن العمل بغالب الرأي، وأكبر الظن في الأحكام واجبٌ، ألا يرى أن خبر الواحد العدل يقبل في نجاسة الماء وطهارته، وإن كان لا يفيد بردّ اليقين، وكذلك قال أصحابنا في الغدير العظيم الذي لو حرّك طرف منه لا يتحرّك الطرف الآخر إذا وقعت فيه النّجاسة: إنّه إن كان في غالب الرّأي أنّها وصلت إلى الموضع الذي يتوضأ منه لا يجوز، وإن كان فيه أنّها لم تصل يجوز، وذكر في كتاب الصّلاة في الميزاب: إذا سأل على إنسانِ أنّه إن كان غالب ظنّه أنه نجس يجب غسله وإلَّا فلا، وإن لم يستقرّ قلبه على شيء لا يجب غسله في الحكم، ولكن المستحبّ أن يغسل وأمّا حوض الحمام الذي يخلص بعضه إلى بعضٍ إذا وقعت فيه النّجاسة أو توضأ إنسان، روي عن أبي يوسف: أنه إن كان الماء يجري من الميزاب والناس يغترفون منه لا يصير نجسا، وهكذا روى الحسن عن أبي حنيفة؛ لأنّه بمنزلة الماء الجاري، ولو تنجّس الحوض الصَّغير بوقوع النّجاسة فيه، ثمّ بسط ماؤه حتى صار لا يخلص بعضه إلى بعضٍ فهو نجسن؛ لأن المبسوط هو الماء النّجس وقيل في الحوض الكبير وقعت فيه النّجاسة، ثمّ قل ماؤه، حتى صار يخلص بعضه إلى بعضٍ: إنّه طاهرٌ؛ لأن المجتمع هو الماء الطاهر، هكذا ذكره أبو بكرٍ الإسكاف واعتبر حالة الوقوع.
ولو وقع في هذا القليل نجاسة، ثمّ عاوده الماء، حتى امتلأ الحوض ولم يخرج منه شيءٌ قال أبو القاسم الصفار: لا يجوز التّوضؤ به؛ لأنّه كلَّما دخل الماء فيه صار نجسًا.
ولو أن حوضين صغيرين يخرج الماء من أحدهما ويدخل في الآخر فتوضأ منه إنسان في خلال ذلك جاز؛ لأنّه ماءٌ جارٍ حوضٌ حكم بنجاسته، ثمّ نصّب ماؤه وجفّ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أسفله، حتى حكم بطهارته ثمّ دخل فيه الماء ثانيًا هل يعود نجسًا؟ فيه روايتان عن أبي حنيفة، وكذا الأرض إذا أصابتها النّجاسة فجفّت وذهب أثرها، ثمّ عاودها الماء، وكذا المنى إذا أصاب الثوب فجفّ وفرك، ثمّ أصابه بللٌ، وكذا جلد الميتة إذا دبغ دباغةَ حكميّة بالتشميس والترتيب، ثمّ أصابه الماء ففي هذه المسائل كلها روايتان عن أبي حنيفة.
وأمّا البئر إذا تنجّست فغار ماؤها وجفت أسفلها، ثمّ عاودها الماء فقال نصير بن يحيى: هو طاهرٌ. وقال محمّد بن سلمة: هو نجسٌ. وكذا روي عن أبي يوسف، وجه قول نصيرِ: أن تحت الأرض ماء جارٍ فيختلط الغائر به، فلا يحكم يكون العائد نجسا بالشك. وجه قول محمد بن سلمة: أن ما نبع يحتمل أنّه ماءٌ جديدٌ، ويحتمل أنّه الماء النجس فلا يحكم بطهارته بالشكّ؛ وهذا القول أحوط، والأول أوسع، هذا إذا كان الماء الرّاكد له طولٌ وعرضٌ، فإن كان له طول بلا عرضٍ كالأنهار التي فيها مياهٌ راكدةٌ لم يذكر في ظاهر الرواية، وعن أبي نصرِ محمد بن محمد بن سلامِ: أنّه إن كان طول الماء ممّا لا يخلص بعضه إلى بعضٍ يجوز التوضؤ به، وكان يتوضأ في نهر بلخٍ ويحرّك الماء بيده ويقول: لا فرق بين إجرائي إياه، وبين جريانه بنفسه، فعلى قوله لو وقعت فيه نجاسة لا ينجس ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه.
وعن أبي سليمان الجوزجاني أنّه قال: لا يجوز التوضؤ فيه، وعلى قوله لو وقعت فيه نجاسةٌ أو بال فيه إنسانٌ أو توضأ، إن كان في أحد الطرفين ينجس مقدار عشرة أذرعٍ، وإن كان في وسطه ينجس من كل جانبِ مقدار عشرة أذرعٍ فما ذهب إليه أبو نصرٍ أقرب إلى الحكم؛ لأنّ اعتبار العرض يوجب التنجيس واعتبار الطّول لا يوجب، فلا ينجس بالشكّ، وما قاله أبو سليمان أقرب إلى الاحتياط لأن اعتبار الطول إن كان لا يوجب التنجيس فاعتبار العرض يوجب، فيحكم بالنّجاسة احتياطًا، وأمّا العمق فهل يشترط مع الطول والعرض؟ عن أبي سليمان الجوزجانيّ أنّه قال: إن أصحابنا اعتبروا البسط دون العمق، وعن الفقيه أبي جعفرِ الهندوانيّ إن كان =
إلى أن قال (1): ثم إنَّ النَّجاسة إذا وقعت في الحوض الكبير كيف يتوضَّأ منه؟ فنقول:
النَّجاسة لا تخلو، إمَّا أن تكون مرئيَّة، أو غير مرئيَّةٍ، فإن كانت مرئيةً كالجيفة ونحوها، ذكر في ظاهر الرِّواية: أنَّه لا يتوضَّأ من الجانب الَّذي فيه الجيفة (2)، و [لكن](3) يتوضَّأ من الجانب الآخر، ومعناه: أنَّه يترك من موضع النّجاسة بقدر حوض صغيرٍ (4) ثم يتوضَّأ، كذا فسَّره في الإملاء عن أبي حنيفة؛ لأنَّا تيقَّنَّا بالنَّجاسة في ذلك الجانب وشككنا فيما وراءه (5).
وروي عن أبي يوسف: أنَّه يجوز التَّوضُّؤ من أيِّ جانبٍ كان إلَّا إذا تغيَّر لونهُ، أو طعمهُ، أو ريحهُ؛ لأنَّ حكمهُ حكمُ الماء الجاري.
ولو وقعت الجيفة في وسط الحوض -على قياس ظاهر الرِّواية- إن كان بين الجيفة وبين كلِّ جانبٍ من الحوض مقدار ما لا يخلص بعضه إلى بعضٍ، يجوز التَّوضُّؤ فيه وإلَاّ فلا؛ لما ذكرنا.
= بحالٍ لو رفع إنسانٌ الماء بكفّيه انحسر أسفله، ثمّ اتصل لا يتوضّأ به، وإن كان بحالٍ لا ينحسر أسفله لا بأس بالوضوء منه. وقيل: مقدار العمق أن يكون زيادةً على عرض الدّرهم الكبير المثقال، وقيل: أن يكون قدر شبرٍ، وقيل: قدر ذراعٍ).
(1)
أي: أبو بكر بن مسعود صاحب بدائع الصنائع.
(2)
في بدائع الصنائع: (الذي وقعت فيه النجاسة).
(3)
ما بين معكوفتين: من بدائع الصنائع.
(4)
في بدائع الصنائع: (قدر الحوض الصغير).
(5)
زاد صاحب بدائع الصنائع: (وعلى هذا قالوا فيمن استنجى في موضعٍ من حوض الحمام: لا يجزيه أن يتوضأ من ذلك الموضع قبل تحريك الماء).
وإن كانت غير مرئيَّةٍ بأن بال فيها (1) إنسانٌ أو اغتسل جنبٌ، اختلف المشايخُ فيه (2):
قال مشايخ العراق: إنَّ حكمه حكم المرئيَّة، حتَّى لا يتوضَّأ من ذلك الجانب، وإنَّما يتوضَّأ من الجانب الآخر لما ذكرنا [5/ ب] في المرئيَّة بخلاف الماء الجاري؛ لأنَّه ينقل النَّجاسة من موضعٍ إلى موضعٍ، فلم يستيقن (3) بالنَّجاسة في موضع الوضوء ومشايخنا بما (4) وراء النَّهر فصلوا بينهما، ففي (5) غير المرئيَّة: أنّه يتوضَّأ من أني جانبٍ كان، كما قالوا جميعًا في الماء الجاري، وهو الأصحّ؛ لأنَّ غير المرئيَّة لا يستقرّ [في مكان واحدِ بل ينتقل لكونه مائعًا سيَّالًا بطبعه، فلم نستيقن بالنَّجاسة](6) في الجانب الَّذي يتوضَّأ منه، فلا نحكم بنجاسته (7) بالشَّكِّ على الأصل المعهود: إن اليقين لا يزول بالشَّكِّ -بخلاف المرئية-. انتهى (8).
وكان قبل هذا قال (9): فإن وقع في الماء، فإن كان جارياً، فإن كان
(1) في بدائع الصنائع: (فيه).
(2)
في بدائع الصنائع: (فيه المشايخ).
(3)
في المخطوط: (يتيقن).
(4)
في المخطوط: (مما).
(5)
في المخطوط: (في).
(6)
ما بين معكوفتين: من بدائع الصنائع.
(7)
في المخطوط: (يحكم بنجاسة).
(8)
انتهى كلام صاحب بدائع الصنائع.
(9)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 316 - 317).
النَّجس غير مرئيٍّ كالبول والخمر ونحوهما لا ينجس، ما لم يتغيَّر لونه أو طعمه أو ريحه، ويتوضَّأ منه من أيِّ موضعٍ كان من الجانب الَّذي وقع فيه النَّجس أو من الجانب الآخر (1).
كذا ذكره محمَّد في كتاب الأشربة: لو أنَّ رجلًا صبَّ خابيةً من خمرٍ في الفرات (2)، ورجلٌ آخر -أسفل منهُ- يتوضَّأ به إن تغيَّر لونه أو طعمه أو ريحه لا يجوز، وإن لم يتغيَّر يجوز.
وعن أبِي حنِيفة في جاهِلٍ (3) بال في الماءِ الجارِي، ورجلٌ أسفل منه يتوضَّأ بِهِ قال: لا بأس بِهِ؛ وهذا لأنَّ الماء الجارِي مِمَّا لا يخلص بعضه إلى بعض، فالماء الَّذي يتوضَّأ به يحتمل أنَّه نجس، ويحتمل أنَّه طاهر، والماء طاهر في الأصل فلا نحكُم (4) بنجاسته بالشَّكِّ، وإن كانت النَّجاسة مرئيَّة كالجيفة ونحوِها، فإن كان جميع الماء يجري على الجيفة لا يجوز الوضوء (5) من أسفل الجِيفةِ؛ لأنَّه (6) نجس بيقين، والنَّجس لا يطهر بالجريان، وإن كان أكثره يجري على الجيفة فكذلك؛ لأنَّ العبرة لِلغالب، وإن كان أقلُّه يجري على الجِيفةِ، والأكثرُ يجري على الطَّاهِر يجوز التَّوضُّؤ به من أسفل
(1) في بدائع الصنائع: (جانب آخر).
(2)
في المخطوط الفراق، صحح من بدائع الصنائع:(الخمر في الفرات). والفَرقُ -ويحرك-: مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع أو ستة عشر رطلًا. القاموس.
(3)
في بدائع الصنائع: (الجاهل).
(4)
في بدائع الصنائع: (يحكم).
(5)
في بدائع الصنائع: (التوضؤ).
(6)
في المخطوط: (لا).
الجِيفة؛ لأنَّ المغلوب (1) ملحقٌ بالعدمِ في أحكام الشَّرع، وإن كان يجري عليها النِّصف أو دون النِّصف.
فالقياس: أن يجوز التَّوضؤ به؛ لأنَّ الماء كان طاهرًا (2) بيقين، فلا يحكم بكونه (3) نجساً بالشَّكِّ.
وفي الاستحسان: لا يجوز [6/ أ] احتياطًا. انتهى (4).
وفيه: ما في الأول وزيادة، وأنا أبيَّن لك ذلك.
قوله: وقال أصحاب الظواهر: إن الماء لا ينجس بوقوع النجاسة.
يتبادر منه: أنه يجوز استعماله عندهم، حيث لم يحكم بتنجيسه، وليس كذلك.
بل قالوا: لا تنجس الجواهر المائية في نفسها، ولكن لا تستعمل لاتصال النجاسة بها، وعدم إمكان تمييزها من النجاسة.
قال الحافظ علي بن حَزم في كتابه المسمَّى بالمحلَّى (5): وأمَّا إذا تغيَّر لونُ الحلال الطَّاهر بما مازجه (6) من نجسٍ أو حرامٍ وتغيَّر (7) طعمه بذلك،
(1) في بدائع الصنائع: (الغالب).
(2)
في المخطوط: (كله طاهرٌ).
(3)
في المخطوط: (بقوله).
(4)
انتهى كلام أبو بكر بن مسعود الكاشاني.
(5)
(1/ 247).
(6)
تحرف في المخطوط إلى: (بماء ما وجه).
(7)
في المحلى: (أو تغير).
أو تغيَّر ريحه بذلك، فإنَّا (1) حينئذِ لا نقدرُ (2) على استعمالِ الحلال إلَّا باستعمال الحرام، واستعمال الحرام في الأكل والشُّرب وفي الصَّلاة حرامٌ (3) كما قلنا، ولذلك (4) وجب الامتناع منه، لا لأنَّ الحلال الطَّاهر حرِّم و [لا](5) تنجَّست عينه، ولو قدرنا على تخليص الحلال الطَّاهر من الحرام والنَّجس (6)، لكان حلالًا بحسبه (7).
قوله: وإن كان كثيرًا لا ينجس هذا لم يقل به العامة. هكذا به قيّد، ولا بعدم التغير. فقالوا: لا ينجس ما لم يتغير.
قوله: وقال أصحابنا: إن كان بحال يخلص بعضه إلى بعض فهو قليل، وإن كان لا يخلص فهو كثيرٌ. هذا يوهم: أن أصحابنا يقولون في الكثير: أنه لا ينجس جميعه، وليس كذلك، وفروعهم ناطقة بأنه ينجس كله التقديري، وبعضه الحقيقي كما مر. وسنحقق هذا إن شاء الله تعالى.
وأما مساق حدثنا المستيقظ ففيه ما قاله شيخنا في شرح الهداية (8):
(1) في المحلى: (فإننا).
(2)
في المخطوط: (يقدر).
(3)
في المخطوط: (حركه).
(4)
في المخطوط: (وكذلك).
(5)
ما بين معكوفتين: من المحلى.
(6)
في المخطوط: (الحرام النجس).
(7)
انتهى كلام ابن حزم إمام أهل الظاهر.
(8)
قال ابن الهمام في فتح القدير (1/ 135 - 136)(باب: في الماء الذي يجوز به): قلنا: ورد في بئر بضاعة على ما تقدّم وماؤها كان جاريًا في البساتين كما رواه الطّحاويّ =
قلنا: ليس فيه تصريحٌ بتنجس الماء بتقدير كون اليد نجسة، بل ذلك تعليل منّا للنهي المذكور، وهو غير لازم، أعني: تعليله بتنجس الماء عينًا بتقدير نجاستها بجواز كونه أعم من النجاسة والكراهة. فنقول: نهى لتنجس الماء بتقدير كونها متنجسة بما يغيّر، والكراهة بتقدير كونها بما لا يغير. انتهى.
= عن ابن أبي عمران عن أبي عبد الله محمد بن شجاع الثّلجي بالمثلّثة عن الواقدي قال: كانت بئر بضاعة طريقًا للماء إلى البساتين، وهذا تقوم به الحجة عندنا إذا وثّقنا الواقديّ، أمَّا عند المخالف فلا لتضعيفه إياه مع أنّه أرسل هذا خصوصًا مع ادعائهم أن المشهور من حال بئر بضاعة في الحجاز غير هذا، ثمّ لو تنزّلوا عن هذه الأمور المختلفة كان العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب. والجواب بأن هذا من باب العمل لدفع التعارض لا ينتهض، إذ لا تعارض لأن حاصل النهي عن البول في الماء الدائم تنجس الماء الدائم في الجملة.
وحاصل: الماء طهورٌ لا ينجّسه شيءٌ عدم تنجسٍ إلاّ بالتّغير بحسب ما هو المراد المجمع عليه، ولا تعارض بين مفهومي هاتين القضيتين.
فإن قيل: هنا معارضٌ آخر يوجب العمل المذكور وهو حديث المستيقظ من منامه وقد خرّجناه.
قلنا: ليس فيه تصريح بتنجّس الماء بتقدير كون اليد نجسةً، بل ذلك تعليلٌ منّا للنّهي المذكور وهو غير لازمٍ: أعني تعليله بتنجس الماء عينًا بتقدير نجاستها لجواز كونه الأعمّ من النّجاسة والكراهة فنقول: نهى لتنجس الماء بتقدير كونها متنجّسةً بما يغيّر أو الكراهة بتقدير كونها بما لا يغيّر، وأين هو من ذلك الصّريح الصّحيح لكن يمكن إثبات المعارض بقوله صلى الله عليه وسلم:"طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه. . . الحديث"، فإنّه يقتضي نجاسة الماء ولا تغيّر بالولوغ فتعين ذلك الحمل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وانظر البحر الرائق شرح كنوز الدقائق (1/ 304).
قوله: وكذا الأخبار مستفيضة في الأمر بغسل الآثار من ولوغ الكلب فيه: أن الأمر بالغسل لا يلزم، وأن يكون للنجاسة [6/ ب] لجواز أن يكون لمنع تعدي خبث الطبع.
قوله: وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهّ قال: "لَا يبولَنَّ أَحَدَكُمْ في الْمَاءِ الدَّائِم، وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ"(1) مِنْ نَجَاسَةٍ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَين دَائِمٍ وَدائِمٍ.
يقال عليه: انظر هل أنت من أكبر مخالفي هذا الحديث حيث قلت أنت ومشايخك: إنه يتوضأ من الجانب الآخر في المرئية، ويتوضأ من أيّ جانبٍ كانَ في غير المرئية، كما إذا بالَ فيه إنسان أو اغتسل جنبٌ أم أنت من العاملين
(1) لم أجده بهذا اللفظ.
رواه أحمد (2/ 259) والنسائي (1/ 49) من طريق عوف بن أبي جميلة الأعرابي [ثقة]، عن خلاس بن عمرو [قال: عوف الأعرابي: خلاس لم يسمع من أبي هريرة] ، عن أبي هريرة بلفظ:"لا يبولنّ أحدكم في الماء الدّائم، ثمّ يتوضأ منه". ورواه أحمد والنسائي وابن حبان (1251) والبيهقي (1/ 238 - 239) من طريق عوف، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة به.
ورواه عبد الرزاق (302) وأحمد (2/ 394 و 464) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 14) من طريق سفيان الثوري، عن أبي زناد، عن موسى بن أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي هريرة بلفظ:"لا يبال في الماء الذي لا يجري، ثم يغتسل منه". ورواه الشافعي (1/ 22) والحميدي (969) والنسائي (1/ 125 و 197) وابن خزيمة (66) وابن حبان (1254) والبيهقي (1/ 256 و 238) من طريق سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، بهذا الإسناد.
ورواه مسلم (282) والنسائي (1/ 125) عن أبي هريرة بلفظ: "لا يبولن أحدكم في الماء الراكد [مسلم: الدائم] ، ثم يغتسل منه".
به، فإنه لا أعجب ممن يستدل بحديثٍ هو أحد من خالفه!!.
قوله: وعن ابن عبّاسٍ، وابن الزبير رضي الله عنهما: أنهما أمرا في زنجيٍّ وقع في بئر زمزمٍ بنَزح الماءِ كلّه، ولم يظهر أثره في الماء (1).
قوله من قبل نفسهِ (2)، لَا من الأثر المروي. قاله الشافعي في القديم (3).
قد رويتم عن ابن عبّاس رفعه: "الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ"(4). أفترى أنَّ ابن عبَّاسٍ يروي عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خبرًا ويتركه، إن كانت هذه روايته.
وتروون عنه: أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ غَدِيرٍ يُدَافعُ جِيفَةً.
(1) مرّ قبل قليل.
(2)
تحرف في المخطوط إلى: (قيل: تفسد).
(3)
قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (2/ 95 - 96) الأرقام (1918 - 1923) وفي السنن الكبرى (1/ 266): قال الشافعي في كتاب القديم: قد رويتم عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: في الماء لا ينجسه شيء". أفتَرى أن ابن عباس يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم خبراً، ونتركه إن كانت هذه روايته. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرنا أبو بكر بن إسحاق قال: حدثنا محمَّد بن غالب قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان، عن سماك بن حرب، فذكره بإسناده. قال الشافعي: ويروون عنه: أنه توضأ من غدير يدافع جيفةً. ويروون عنه: "الماء لا ينجس"، فإن كان شيء من هذا صحيحًا، فهو يدل على أنّه لم ينزح زمزم للنجاسة، ولكن للتنظيف، إن كان فعل، وزمزم للشرب، وقد يكون الدم ظهر على الماء حتى رئي فيه.
(4)
أخرجه أبو داود (68) والترمذي (65) وابن ماجه (370) وابن حبان (1241 و 1242) و 1269) والحاكم (1/ 159) والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 189 و 267) ومعرفة السنن والآثار (2/ 95).
وتروون عنه: "الْمَاءُ لَا يَنْجُسُ"(1).
فإن كان شيء (2) من هذا صحيحًا فهو يدلُّ على أنَّه لم ينْزَح زمزم للنَّجاسة ولكن للتَّنظيف، إن كان فعل، وزمزم للشُّرب وقد يكون الدَّم ظهر على الماء حتَّى رئي فيه. انتهى.
قوله: ولم يُنكر عليهما أحد، فانعقد الإجماع من الصحابة على ما قلنا. يقال عليه: من حضر ذلك من الصحابة حتى يقال هذا.
وإذا كان من يرى أنها لا تنجس يرى بجواز ذلك للتنظيف والتطيّب، كيف ينكر؟!
قوله: وعرف بهذا الإجماع: أن المراد مما رواه مالك هوَ: الماء الكثير البخاري. فيقال: فإذا كان المراد الكثير والبخاري فكيف ساغ مخالفته في الجيفة الواقعة في الماء الجاري أو الكثير الراكد.
قوله: وبه تبيّن: أن ما رواه الشافعي غير ثابت لكونه مخالفًا لإجماع الصحابة. فيه ما تقدم.
قوله: ولهذا: رجع أصحابنا في التقدير إلى الدلائل الحسية [7/ أ].
قلت: لم يجعل أحد من علمائنا الثلاثة الأمور الحسية المذكورة دليلاً
(1) رواه الإِمام أحمد (3120) عن ابن عباس قال: أجنب النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة، فاغتسلت ميمونة في جفنة، وفضلت فضلة، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل منها، فقالت: يا رسول الله! إني قد اغتسلت منه؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الماء ليست عليه جنابة - أو قال:- إن الماء لا ينجس". وهو صحيح لغيره، وهذا إسنادٌ ضعيف لضعف شريك بن عبد الله، واضطراب سماك في عكرمة.
(2)
تحرف في المخطوط إلى: (شيئًا).
على الكثرة، وإنما جعلوا ذلك دليلاً على سريان النجاسة، وليس عند أبي حنيفة: أن الكثير لا ينجس جميعه، بل فروعه ناطقة بخلافه.
قال الإِمام محمَّد بن الحسن في الأصل: إذا وقعت الجيفة أو غيرها من النجاسات في حوضٍ صغيرٍ لم يخلص بعضه إلى بعض، لم يستعمل، وإن كان كبيرًا لا يخلص بعضه إلى بعض، فلا بأس بأن يتوضأ من ناحية أخرى.
وقال الإِمام أبو يوسف في الإملاء: قال أبو حنيفة في حوض مسبغة إذا حرّك ناحيةً منهُ لم تضطرب الناحية الأخرى، فهذا لا ينجسه بولٌ يقع فيه أو دمٌ أو جيفةٌ إلاّ ذلك الموضع.
وإذا كان يرى بتنجس موضع الوقوع من الماء الكثير، كيف يكون قائلًا بأن الكثير لا ينجس كالشافعي رحمه الله في القلتين، ومالك في ما يكون بحالٍ لا يتغير بالاختلاط، ينجس، وسأنبهك على يسر المسألة عنده إن شاء الله تعالى.
قوله: ثم اختلفوا في تفسير الخلوص إلخ.
هذا ظاهرٌ في أنّ مراده خلوص الماء بعضه إلى بعض، وليس هو المنظور إليه لذاته عند أبي حنيفة -رحمه الله تعالى-، وإنما المنظور إليه عنده في نفس الأمر: الشيوع بالنجاسة، إلا أنه لما كان في غير المرئية أمراً خفيّاً نظر إلى ما يدل عليه وهو: إما خلوص الماء بنفسه أو الحركة بما ذكر.
وغيره استدل على خلوصها الباطن بالصبغ الظاهر أو التكدير مما نقل.
وبعضهم خمّن: أنها لا تخلص إلى مقدار عشرة أذرع.
وبعضهم: خمسة عشر. كما نقلت عنهم. وهذا مما وعدتك بالتنبيه عليه.
قال شيخ الإِسلام أبو بكر خُواهَر زاذَهْ (1) في كتابه المسمّى بالمبسوط: واختلفوا بعد هذا بأيّ سببٍ يعرف خلوص النجاسة إلى الجانب، فاتفقت الروايات عن علمائنا الثلاثة: أنه يعتبر بالتحريك. واختلفوا في سببه.
وبهذا تبين ما قدمته [7/ ب] لكَ من أن الدلائل المذكورة دلائل خلوص النجاسة، لا دلائل الكثرة التي لا يكون معها التنجس إلا بالظهور، كما زعم من لم يحقق سر المسألة عند أبي حنيفة -رحمه الله تعالى-.
وعبارة الاختيار والتحفة والبدائع ومن تبعهما صريحة في أن المراد: خلوص الماء إلى الجانب الآخر، وأنه دليل الكثرة.
وحيث علمت هذا علمت أن نظر الإِمام بعد سطح الماء لا إلى العمق فظهر عدم صحة ما صححه من أنه إذا لم يكن له عرض إلخ. رُدّ عند تقارب الجوانب، يعمُّ السريان. والله أعلم.
وممن ظنّ صحة هذا التقسيم المذكور في أول المسألة:
قال شيخنا في شرح الهداية (2): فما استدل به المصنف للمذهب من
(1) في المخطوط: (زاده).
قال المصنف في تاج التراجم (ص 46): محمَّد بن الحسين بن محمَّد بن الحسن البخاري المعروف بأبي بكر خواهر زاذه قال السمعاني: كان إمامًا فاضلاً نحويًّا، وله طريقة حسنة مفيدة جمع فيها من كل فن، وله كتاب المبسوط، توفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وأربع مئة. وانظر الأنساب للسمعاني (5/ 201) وسير أعلام النبلاء (19/ 14 - 15).
(2)
قال ابن الهمام في فتح القدير (1/ 133 - 134): وفي البدائع عن ابن المديني: لا يثبت حديث القلتين فوجب العدول عنه، وإذا ثبت هذا فما استدل به المصنف =
قوله صلى الله عليه وسلم: "لَا يبوْلَنَّ أَحَدَكُمْ في الْمَاءٍ الرَّاكِدِ" الحديث. لَا يَمسُّ مَحَلّ الخلاف.
وهذا لأن حقيقة الخلاف، إنما هو في تقدير الكثير الذي يتوقف تنجّسه على تغيّره. انتهى.
وأنا أقول: إن هذا التقدير لا يعرف عن أبي حنيفة رحمه الله النَّظَرُ إليه بوجهٍ، وإنما حقيقة مذهبه: ما قاله الرازي (1) في أحكام القرآن من سورة الفرقان وهو قوله: وأمَّا الماءُ الذي خالطته نجاسة، فإن مذهب أصحابنا فيه: أن كل ما تيقنّا فيه جزءًا من النجاسة أو غلب في الظنّ ذلك، لم يجز استعماله، ولا يختلف في هذا الحد: مَاءُ البحرِ، وماءُ البئرِ، والغديرِ، والماءُ الراكد، والماء الجاري؛ لأن ماء البحر لو وقعت فيه نجاسة لم يجز استعمال الماء الذي فيه النجاسة، وكذلك الماء الجاري.
= للمذهب من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في الماء الدّائم ولا يغتسلن فيه من الجنابة" كما هو رواية أبي داود، أو:"ثمّ يغتسل منه أو فيه" كما هو روايتا الصحيحين، لا يمس محل النزاع، وهذا لأن حقيقة الخلاف إنّما هو في تقدير الكثير الذي يتوقف تنجسه على تغيره للإجماع على أن الكثير لا ينجس إلَّا به.
(1)
قال المصنف في تاج التراجم (ص 2): أحمد بن علي أبو بكر الرازي، المعروف بالجصّاص، ولد سنة خمس وثلاث مئة، وسكن بغداد، وانتهت إليه رياسة الحنفية، وسئل العمل في القضاء، فامتنع، تفقه على أبي الحسن الكرخي وتخرّج به، وكان على طريقة من الزهد والورع، وخرج إلى نيسابور ثم عاد وتفقه عليه جماعة، وروى عن: عبد الباقي بن قانع، وله كتاب أحكام القرآن، وشرح مختصر الكرخي، وشرح مختصر الطحاوي، وشرح الجامع لمحمد بن الحسن، وشرح الأسماء الحسنى، وله كتاب في أصول الفقه، وكتاب جوابات مسائل، توفي يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة سبعين وثلاث مئة ببغداد، وقد وهم من جعل الجصاص غير أبي بكر الرازي بل هما واحد.
وأما اعتبار أصحابنا للغدير (1) إذا حرّك أحد طرفيه، لَم يتحرك الطرف الآخر، فإنما هو كلام في جهة تغليب الظن في بلوغ النجاسة الواقعة في أحد طرفيه إلى طرف (2) الآخر، وليس هذا كلاماً في أن بعض المياه الذي فيه النجاسة قد يجوز استعماله، وبعضها لا يجوز استعماله. ولذلك قالوا: لا يجوز استعمال الماء الذي في الناحية التي فيها النجاسة (3). انتهى.
وهو صريحٌ فيما قلت بخلاف ما زعمه من قدمنا ذكره.
قوله: النجاسة لا تخلو إما أن تكون مرئية أو غير مرئية. فإن كانت مرئية كالجيفة ونحوها.
ذكر في ظاهر [8/ أ] الرواية: أنه لا يتوضأ من الجانب الذي فيه الجيفة، ويتوضأ من الجانب الآخر. هذا خارجٌ عن الأصل الذي قرره وهو: أن الكثير لا ينجس، ومخالفٌ لمحمدٍ للحديث (4) عنده حيث قال: إن المراد من الكثير البخاري (5).
وكذا قوله: ولو وقعت الجيفة في وسط الحوض.
وكذا قوله: وإن كانت غير مرئية على كلا القولين المذكورين لمشايخ العراق، ومشايخ ما وراء النهر.
(1) زاد في المطبوع من أحكام القرآن: (الذي).
(2)
في أحكام القرآن: (الطرف).
(3)
أحكام القرآن (5/ 204 تحقيق محمَّد الصادق قمحاوي).
(4)
في المخطوط: (الحديث).
(5)
في المخطوط: (والجاري).
وكذا التفصيل المذكور في الجيفة الواقعة في النهر الكبير والصغير كل مخالفٌ للأصل المذكور والحديث.
قوله: لأن غير المرئية لا تستقر في الجانب الذي يتوضأ منه، فلا يحكم بنجاسته بالشك على الأصل المعهود. وإن اليقين لا يزول بالشك بخلاف المرئية. هذا إنما يتصور لو كانت النجاسة مستجدة متجسدة.
وأما إذا كانت مائعة فهي لمخالطتها الماء في موضع الوقوع، نجسة. وانتشرت في غيره، وماس المتنجّس غيره، فنجّسه، ولا يبقى اليقين بطهارة الماء مع العلم باختلاطه بالنجاسة وفرض المسألة في الماء الراكد تمنع تجوّز انتقال النجاسة، بما خالطته.
ومع تقدير التحريك والاضطراب، يختلط (1) المتنجس بالطاهر، فيبطل هذا التمويه، ولو كان ثَمَّ يقينٌ لما احتمل جواز النقيض.
ثم محل الأصل المعهود الذي أشار إليه: أن يكون الطارئُ على الأصل مجرّد التجويز من غير مزيةِ.
قال محمَّد بن الحسن -رحمه الله تعالى-: إذا علم المتوضِّئ دخوله الخلاء للحاجة، وشكَّ في قضائها قبل خروجه، فعليه الوضوء (2)، وفيما نحن فيه طرأ على يقينِ الطّهارة، يقين اختلاط النجاسة بموضع الوقوع، فكيف يتصور ما ذكر قوله؛ وإن الماء الجاري مما لا يخلص بعضه إلى بعض إلخ.
(1) في المخطوط: (تخليص)؟.
(2)
انظر فتح القدير (1/ 83).
هذا مما لا يكاد يفهم، والله سبحانه أعلمُ.
ومن نظر تدافع أمواج الأنهار لما فيها من المريبات جزم بخلاف مقتضى هذه العبارات. والعلّة عند غيره: أن النجاسة لا تستقر مع الجريان، فما لم يجد فيما يقترفه أثر النجاسة، يعلم أنها لم تكن فيه.
وها هنا بحثٌ آخر من وجوه:
أحدها: أنهم قالوا في اختلاط الماء المطلق [8/ ب] بالمعاب المشكوك في طهارته ونجاسته: إنه لا يطهر، ولم يجوز فيه احتمال الانتقال، ولا ننظر إلى أن الأصل في الماء الطهارة، فلا يزول باختلاط المشكوك فيه، ويكون مطهراً على حاله. بل قالوا: عند تبعية الأصول، كان الماء طاهرًا بيقين، فلا ينجس بالشك، وكان الحدث ثابتًا بيقين، فلا يزول بالشك، وهذا الماء الذي يشك في تنجسه أولًا بالمنع من التطهرية من ذلك وأولى أن يقال فيه: كان الحدث ثابتًا بيقين، فلا يرتفع بالشك، ولم يرو عنهم اختصاص مسألة السؤر بنحو ماء الأواني لتفارق ما نحن فيه.
الثاني: أنهّم قالوا في علة البطن من التطهير بالماء المستعمل: إنه بواسطة استعمالٍ، لم يبق في معنى المنْزل من السماء. وهذا أولى أن يقال فيه: إنه بعدَ اختلاط النجاسة، لم يبق في معنى المنَزّل من السماء.
الثالث: أن هذا الاحتمال المذكور يجري مثله في قطرة بول أو خمر وقعت في حوض طوله تسعة أذرع ونصف وربع وعرضه كذلك ونحو ذلك مما يتحرك أحد طرفيه بتحرك الطرف الآخر، بل يجري فيما هو أصغر من هذا. والله أعلم.
حيث أسمعتك عن بعضهم ما يتمثلوا له يقول الْمَعَريّ (1):
وغَدت حُججُ الكلام (2) حَجا غَديرٍ
…
وشيكًا يَنعَقِدْنَ وَيَنتَقِضْنَه (3)
فأورد ذلك تحقيق مذاهبهم مثلًا عن ضباطها وأوضح حججها عند محققيها ومختاري منها، وحججي على مختاري، وأجوبتي عما خالفها. واللهُ المستعان.
وأقول: قال الكرخي في المختصر: وما كان من المياه في الأواني فوقعت فيه نجاسة مائعة، فهو نجس. ويغسل الإناء ثلاثًا، ما صغر من الأواني، وما كبر غلب على لون الماء وطعمه وريحه، أو لم يغلب على شيءِ من ذلك. لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في وضوء الكلب، وما أمر به من أنها قدرُ ما عده فيه الفأرة، إذا كان مائعًا ويطرحها وما حولها إذا كان جامدًا.
قلت: هذا هو المعتمد عندي في تنجس القليل، وإن لم يتغير.
قال: ولنهيه صلى الله عليه وسلم[9/ أ] عن البول في الماء الدائم، وإن لم يغتسل فيه من جَنَابةٍ.
قلت: وهذا عندي بالاعتضاد في المنع عن تنجس الماء في الجملة.
قال: وأمره المستيقظ من منامه يغسل يده ثلاثًا قبل أن يدخلها الإناء؛ لأنه لا يدري أين باتت يده.
(1) ديوان أبي العلاء المعري (ص 1382).
(2)
تحرف في المخطوط إلى: (الكلى).
(3)
تحرف في المخطوط إلى: (وشكًا ينعقدا وينتقضه).
قلت: وهذا الاعتضاد الأول على بعض الاحتمالات.
قال: فليس في جميع ذلك ما يغير لونًا أو طعمًا أو رائحة.
وما كان من المياه من المصاح (1) والغدران أو في مستنقع من الأرض وقعت فيه نجاسة. نظر المستعمل في ذلك، فإن كان في غالب رأيه أن النجاسة لم يختلط بجمعه بكثرته، توضأ من الجانب الذي هو طاهرٌ عنده في غالب رأيهِ، واجتنب الباقي؛ لأن هذين ماءٌ نجسٌ وطاهرٌ يستعمل غالب رأيه في إصابة الطاهر منه، وليس هذا تنجيسًا بالماء بالشك؛ لأن ها هنا نجاسة حاصلة متيقنة، وما كان قليلاً يحصِّل (2) العلم: أن النجاسة قد حصلت إلى جميعه، ولو كان ذلك في غالب رأيه لم يتوضأ منه، وإذا أمر شيء قد تغير ولا يعلم أنه يغير النجاسة؛ لا بأس بالوضوء؛ لأنه قد يتغير بطول المُكث. انتهى.
وقد روي اعتبارُ خلوص النجاسة بخلوص الماء لنفسه، وبالتحريك على ما قدمت لك من عبارة الأصل وَإِلاّ فلا.
وقال شمس الأئمَّة (3): المذهبُ الظَّاهرُ التَّحرِّي والتَّفويض إلى رأي
(1) المصانع، جمع مصنع ومصنع، وهو الصّنع أيضًا، وجمعه أصناع، وهو شبه الصّهريج أو الحوض يتخذ للماء، يجمع فيه ماء المطر، وهو أيضًا ما يصنعه الناس من الآبار، ويقال أيضًا للقصور والأبنية: مصانع، قال لبيد:
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع
…
وتبقى الديار بعدنا والمصانع
(2)
في المخطوط: (بحط).
(3)
قال المصنف في تاج التراجم (ص 12): عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح، شمس الأئمة الحلواني، نسبة لبيع الحلواء، صاحب المبسوط، إمام الحنفية في وقته ببخارى، حدّث عن: أبي عبد الله عنجار، وتفقه على جماعته، توفي سنة ثمان =
المبتلى من غير حكمٍ بالتَّقدير، فإن غلب على الظَّنِّ وصولها تنجَّس (1)، وإن غلب عدم وصولها لم ينجس، وهذا هو الأصحّ. انتهى.
وصحّحه في الغاية وغيرها، ووجه أصحيته: أن المعتبرَ سريان النجاسة وهو يختلف باختلاف كثرتها وقلّتها، فقد لا يسري كون خمرٍ إلى طرفي غديرٍ على نهاية ما يتحرك.
وقال ركن الإِسلام أبو الفضل عبد الرحمن الكرماني (2) في شرح الإيضاح (3): كل ما تيقن حصول النجاسة فيه أو [9/ ب] غلبَ على ظننا، فإنه لا يجوز الوضوء قليلاً كان أو كثيرًا، جارياً كانَ أو راكداً. وإنما اعتبر غلبة الظن
= أو تسع وأربعين وأربع مئة بكش، ودفن ببخارى. قلت [أي: ابن قطلوبغا]: تفقه على القاضي أبي الحسين ابن الخضر النسفي، وأبي الفضل الزرنجري، وتفقه عليه الأزرقي، وسمع منه شمس الأئمة السرخسي. قال أبو العلاء الفرضي: مات ببخارى في شعبان سنة ست وخمسين وأربع مئة. وقال البخشي في معجمه: مات سنة اثنتين وخمسين. وقال الذهبي: سنة ست أصح، فإنه بخط شيخنا الفرضي.
انظر فتح القدير (1/ 134) وتبيين الحقائق شرح كنوز الدقائق (1/ 93).
(1)
في فتح القدير: (تنجّس).
(2)
تحرف في المخطوط إلى: (القرماني). قال المصنف في تاج التراجم (ص 11): عبد الرحمن بن محمَّد بن أميرويه بن محمَّد بن إبراهيم، ركن الدين، أبو الفضل الكرماني، ولد بكرمان في شوال سنة سبع وخمسين وأربع مئة، وقدم مرو فتفّقه وبرع حتى صار إمام الحنفية بخراسان، وله: كتاب شرح الجامع الكبير، وكتاب التجريد، وشرحه بكتاب سماه الإيضاح، ومات بمرو ليلة العشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وخمس مئة.
(3)
تحرف في المخطوط إلى: (الإيضاحي).
لا تجري مجرى اليقين في وجوب العمل كما لو أخبر واحدٌ بنجاسة الماء، وجب العمل به، والنائم يقدر اليقين.
وتقدمت عبارة الرازي بهذا.
قال الكرماني: وأما الماء إذا كان كثيرًا لا يخلص بعضه إلى بعضٍ إذا وقعت النجاسة في طرفٍ منه، جازَ أن يتوضأ من الجانب الآخر.
وروي عن أبي يوسف أنه قال في الماء الجاري: إنه لا ينجس إلا بظهور النجاسة فيه.
واختلفت الروايات في تحديد الكثير:
مراده: أن عند أبي حنيفة، ليكون (1) له حكمُ القلتين عند الشافعي، بل المرادُ: كثيرٌ يحتاج إلى النظر في خلوص النجاسة فيه. والحكم المصحح عنه مصرّحٌ.
واختلفت الروايات في الكثير (2)، فالظاهر عند محمَّد: أنهّ عشرٌ في عشر، والصحيح عن أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- أنه قد يؤقت في ذلك بشيءٍ، وإنما هو موكولٌ إلى غلبة الظن في خلوص النجاسة.
وروي عن أبي يوسف: أنه اعتبر الغدير بالماء الجاري. وقال: لا ينجس إلا بظهور النجاسة؛ لأن الضرورة تقتضي العفو عن ذلك.
وقال الحاكم الشهيد (3) في الكافي: قال أبو عصمة: كانَ محمّد بن
(1) لعله أراد: (ما يكون له).
(2)
أضاف في هامش المخطوط: (تحديد) وكتب: صح. وهو تكرار.
(3)
هو محمَّد بن محمَّد الحاكم الشهيد.
الحسن يؤقت في ذلك عشرة في عشرة، ثم رجعَ إلى قول أبي حنيفة. وقال: لا أؤقت فيه شيئًا. انتهى.
فالحاصل: أن ماءَ الأواني ينجس بوقوع النجاسة فيه وإن لم يتغير، ولا ينظر فيه بغلبة الظن الخلوص ولا بغيره. انتهى.
وأمّا المصانع والغدران يعمل فيه بغلبة الظّن على الصحيح عند أبي حنيفة.
وما روي عن أبي يوسف: أن ما لا يخلص كالجاري لا ينجس إلَّا بظهور النجاسة فيه. هو المختارُ عندي، وأرى قول محمَّد مثله.
قال محمَّد في كتاب الآثار (1): أخبرنا أبو حنيفة قال: حدثنا الهيثم بن أبي الهيثم، عن ابن عباس قال: أرْبَعَةٌ لَا يُنَجِّسُهَا شَيءٌ: الْجَسَدُ، وَالثَّوْبُ، وَالْمَاء وَالأَرْضُ (2).
قال محمَّد: ويعتبر ذلك عندنا (3): أن ذلك إذا أصابه القذّر فَغُسِلَ، ذهبَ ذلك عنه، فلم يحمل قذراً، وإنما معناهُ: في الماء إذا كان كثيرًا،
(1)(1/ 32) رقم (24).
(2)
رواه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 267) ومعرفة السنن والآثار (2/ 96) رقم (1925 و 1926) قال: أخبرنا أبو سعيد الخطيب قال: أخبرنا أبو بكر البربهاري قال: حدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا زكريا، عن الشعبي، عن ابن عباس:"أربع لا ينجسن: الإنسان، والماء، والثوب، والأرض". رواه الشافعي في بعض كتبه، عن سفيان بن عيينة، وقال:"أربع لا يجنبن". فذكر: "الماء، والأرض".
(3)
في الآثار: (وتفسير ذلك عندنا).
أو جاريا، أنّه لم يحمل خبثًا (1). هذا في [10/ أ] الرّاكد.
وأمَّا الجاري:
قال محمَّد في كتاب الأشربة في الأصل (2): ولو صبَّ رجلٌ خابية خمرٍ في نهرٍ مثل الفرات، أو أصغر منه، ورجلٌ أسفل منه، فمرَّ به الخمر، فلا بأس بأن يشرب من ذلك الماء، إلَّا أن يجد فيه ريحها أو طعمها، فلا يحل له حينئذٍ. هذا لفظه.
وإن كانوا كلّهم قالوا: ورجلٌ يتوضأ إلخ ما قدّمته عنهم.
وتقدّم عن أبي حنيفة في الجاهل يبولُ في الماء الجاري: أنه لا بأس بالوضوء من أسفل منه، فصار الاتفاق: على أن الجاري لا ينجس إلا بظهور النجاسة فيه إذا كانت غير مرئية.
وأمّا المرئية؛ فقال الشيخ الإِمام أبو عبد الله محمَّد بن رمضان (3) في كتابه المسمّى بالينابيع: وقال أبو يوسف في ساقيةٍ صغيرةٍ فيها كلبٌ ميّتٌ قد سد عرضها، فيجري الماء فوقه وتحته، أنه لا بأس بالوضوء أسفل من الكلب وهذا هو المختار أيضًا. وتقدمت التفاصيل في مثل هذا على قول أبي حنيفة، فاستدلوا في كثيرٍ من الكتب يقول أبي حنيفة ممّا قدمت بطلانه.
(1) انتهى كلام محمَّد بن الحسن الشيباني في الآثار.
(2)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاشاني (1/ 316) والمحيط البرهاني لبرهان الدين مازه (1/ 83).
(3)
قال المصنف في تاج التراجم: المعروف أن الينابيع لمحمد بن رمضان، وهذا شافعي المذهب.
وقال الرازي (1) في أحكام القرآن: والذي يحتج به لقول أصحابنا قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، والنجاسة لا محالة من الخبائث.
وقال: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ [وَالدَّمَ]} [البقرة: 173، النحل: 115].
وقال في الخمر: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: 90].
ومرَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال:"إنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كبِيرٍ. أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِأُ (2) مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ (3): كَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ"(4). فحرَّمَ الله هذه الأشياءَ تحريماً منهما، ولَم يفرق بين اختلاطها وانفرادها (5) بالماء، فوجبَ تحريمُ استعمالٍ كُل مَا تيقن (6) فيه جزءًا من النجاسة، ويكون جهة الحظر من طريق النجاسة أولى من جهةِ الإباحةِ من طريق الماء المُبَاحِ في الأصلِ، بأنُّهُ (7) مَتَى اجتمع في شيءٍ جهةُ الحظر
(1) هو الجصَّاص. مرّت ترجمته.
(2)
في المخطوط: (يستنهز).
(3)
في أحكام القرآن: (والآخر).
(4)
أخرجه أحمد (1/ 225) وعبد بن حميد (620) والدارمي (745) والبخاري (218 و 1361) ومسلم (292) وأبو داود (20) والترمذي (70) والنسائي (1/ 28 و 29 و 106) وابن ماجه (347) وابن خزيمة (56) والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 104) وفي إثبات عذاب القبر (117 و 118) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(5)
في أحكام القرآن: (بين حال انفرادها واختلاطها).
(6)
في أحكام القرآن: (تيقنا).
(7)
في أحكام القرآن: (لأنه).
والإباحة (1)، فجهة الحظر أولى، ألا ترى أن الجارية بين رجلين لو كان لأحدهما فيها مئة جزء وللآخرِ جزءٌ واحدٌ، إنّ جهة الحظر (2) فيها أولى من جهة الإباحة، وأنّه غير جائزٍ لواحدٍ منهما وَطْؤُهَا (3).
وأيضاً: لا نعلم خلافًا بين الفقهاء في سائر المائعاتِ، إذا خالطه اليسير من النجاسات كَالبِنِّ (4) والإِدهَان (؟)[10/ ب] والخمرِ ونحوها، إن حكم اليسير في ذلك كحكم الكثير (5)، وأنه محظورٌ عليه أكل ذلك وشربه، والدلالة من هذا الأصل على ما ذكرنا من وجهين:
أحدهما: لزوم اجتناب النجاسات بالعموم الذي قدمنا في حال المخالطة والانفراد.
والآخر: أن حكمَ الحظر وهو النجاسة كان أغلب من حكم الإباحة وهو الذي خالطه من الأشياء الطاهرة ولا فرق في ذلك من أن يكون الذي خالطه من ذلك ماءٌ أو غيرهُ إذا كان عموم الرأي والسُّنن شاملةً لهُ. وإذا كان المعنى وجود النجاسة فيه، وحظر استعمالها، ويدل على صحة قولنا من جهة السنة:
(1) في أحكام القرآن: (الحظر وجهة الإباحة).
(2)
في أحكام القرآن: (الحظر).
(3)
أحكام القرآن (5/ 205).
(4)
البن: الموضع المنتن الرائحة. تاج العروس (18/ 71).
(5)
قال الجصَّاص في أحكام القرآن (5/ 208): فحكم النجاسة إذا حلَّت الماء حكم سائر المائعات إذا خالطته. . . وقد اتفقنا على أن مخالطة النجاسة اليسيرة سائر المائعات غير الماء تفسدها، ولم يكن للغلبة معها حكمٌ بل كان الحكم لها دون الغالب عليها من غيرها.
قوله عليه السلام: "لَا يبولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِم، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فيهِ منَ الجنَابةِ"(1).
وفي لفظٍ آخرَ: "لَا يبولَنَّ أَحَدكمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِم، وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ جَنَابةٍ"(2).
ومعلومٌ: إذا البول القليل في الماء الكثير لا يغير طعمه ولا لونه ولا ريحه، وقد منع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم منه.
قال: ويدلُّ عليه قوله عليه السلام: "إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدكمْ مِنْ مَنَامِهِ فَليَغْسِلْ يَدَهُ ثَلَاثاً قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا الإنَاءَ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ"(3).
فأمرَ بغسل اليد احتياطًا من نجاسةٍ أصابته من موضع الاستنجاء.
ومعلومٌ: أن مثلها إذا حلَّت الماء لم تغيره، ولو أنهّا تفسده لما كان الأمر بالاحتياط معنًى.
وحكم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بنجاسةِ ولوغِ الكلبِ لقوله: "طُهُورُ إنَاء أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ: أَنْ يُغْسَلَ سَبْعاً"(4) وَهُوَ لَا يُغَيِّرُهُ.
(1) تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
وجاء في هامش المخطوط: (فائدة: قال الشرف المناوي على الجامع الصغير: قال النووي في بستانه، عن محمد بن الفضل التَّيميُّ في شرحه لمسلم: أن بعض المبتدعة لما سمع بهذا الحديث قال متهكماً: أنا أدري أين باتت يدي، باتت في الفراش، فأصبح وقد أدخلت يده في دبره إلى ذراعه. قال ابن طاهر: فليتق أمر الاستخفاف بالسنن ومواقع التوقيف لئلا يسرع إليه شؤم فعله).
(4)
رواه مسلم (279)(92) عن أبي هريرة بلفظ: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات". ولألفاظه راجع الأرقام (89 و 90 و 91).
قلت: تقدّم أن هذا هو المعتمد عندي، وأنّ ما سواه ما جاء تقدم.
ثم قال: وأيضاً العلم بوجود النجاسة فيه كمشاهدتنا، كما أن علمنا بوجودها في سائر المائعات كمشاهدتنا، هذا حاصلُ ما استدل به، وهو أبسط مما في كتب الفقه، وهو منتهضٌ على من يرى: أن الماء لا ينجس إلَّا بظهور النجاسة فيه، قليلاً كان أو كثيرًا، وعلي ما زعموه من مذهب أصحاب الظاهر. واستدلوا يقول أبي يوسف، بما تقدم، من أن الضرورة تقتضي العفو.
وأقول: يدلُّ عليه:
ما روى الدارقطني (1)، عن ثوبان قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم[11 / أ]: "الْمَاءُ طَهُورٌ، إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ، أَوْ طَعْمِهِ". وفيه: رشدين بن سعد (2).
ورواه: راشد بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يُنَجّسُ الْمَاءَ إِلَاّ مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ"(3). وَهَذا مرسلٌ.
وصلهُ رشدين بن سعد (4)، عن معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد،
(1) أخرجه الدارقطني (45) والزيلعي في نصب الراية: (1/ 95).
(2)
في المخطوط: (رشيد بن أبي سعد) والصحيح: هو رشدين بن سعد كما في سنن الدارقطني.
(3)
رواه عبد الرَّزاق (264) والدارقطني (1/ 29) والطحاوي في شرح معاني الآثار (ص 9) والبيهقي في معرفة السنن والآثار (2/ 83) من طريق عيسى بن يونس وأبي معاوية وأبي إسماعيل المؤدب، كلهم عن الأحوص بن حكيم، عن راشد مرسلاً.
وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 95): الأحوص فيه مقال.
(4)
تحرف في المخطوط إلى: (رشيد بن أبي سعد).
عن أبي أمامة الباهلي، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ شَيءٌ إِلَاّ مَا غَيَّرَ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ"(1).
ورواه موقوفًا على راشد بن سعد: أبو عون (2).
وحاصل ما فيه: ضعف راشد بن سعد، والإرسال، وكلاهما غير مضرّ عندنا؛ لأنّ علماءنا رضي الله عنهم قد احتجّوا لمن هو أضعف من راشد بن سعد، وعملوا بالمرسل والمنقطع على أن لرشدين متابعاً عند البيهقي.
فقد أخرجه (3) من طريق عطية بن بَقِيّة (4)، عن أبيه، عن ثور (5)، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال:"إِنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ، إِلَاّ أَنْ يُغَيّرَ (6) رِيحَهُ، أَوْ طَعْمَهُ، أَوْ لَوْنَهُ، بِنَجَاسَةٍ تَحْدُثُ فِيهِ".
ولصدره شاهدٌ من حديث أبي سعيد الخدري في بئرِ بُضاعة. ولفظه: "الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ"(7).
قال التِّرمذيُّ: حديثٌ حسنٌ.
(1) رواه ابن ماجه في سننه (521) والطبراني في الكبير (7503) والدارقطني (1/ 29) والبيهقي في سننه (1/ 259) ومعرفة السنن والآثار (2/ 82) رقم (1846).
وقال الدارقطني: لم يرفعه غير رشدين بن سعد، وليس بالقوي.
(2)
هذا قول لعله تصحيف من الناسخ، لأنَّ أبا أسامة رواه عن الأحوص بن حكيم، عن أبي عون وراشد بن سعد من قولهما. كما في سنن الدارقطني (1/ 29) وسنن البيهقي (1/ 259) ومعرفة السنن والآثار (2/ 83) رقم (1849).
(3)
رواه البيهقي في سننه (1/ 259) ومعرفة السنن والآثار له (2/ 83) رقم (1847).
(4)
تحرف في المخطوط إلى: (تعبة). وهو عطية بن بقية بن الوليد.
(5)
هو ثور بن يزيد.
(6)
في سنن البيهقي: (تغيّر).
(7)
أخرجه أحمد (3/ 31 و 86) وأبو داود (66 و 67) والترمذي (66) والنسائي =
وقد جوّده أبو أمامة، وصحّحه أحمد، وابن مَعِين، وأبو محمد ابن حزم.
وقال ابن القطّان: لهُ طريقٌ حسنٌ.
وأورده من طريق سهل بن سعد (1).
وعلي عجزه انعقد الإجماعُ. نقله البيهقي في المعرفة (2) عن الشافعي.
وليس فيه تخصيص بجانبٍ دون جانبٍ، ولا قام دليلٌ على اجتنابِ جانبٍ الوقوع من غير تغييرٍ، ليحمل عليه.
فإن قلت: إنه عامٌّ. وأبو يوسف لا يقول بعمومه.
قلتُ: قد عارضه حديث الولوغ، والاستدلال به بلفظ:"طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلغ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعاً". لا كما ذكرهُ صاحب البدائع.
وهذه رواية مسلم في صحيحه (3).
وحديث المستيقظ، فإنّهما يدلان على أنَّ ماء الأواني [11 / ب] يَنْجُسُ وإن لم يتغير. فبقي محمولاً على ماء الغدران والمصانع.
= (1/ 174) عن أبي سعيدٍ قال: قيل: يا رسول الله! أتتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يطرح فيها لحوم الكلاب، والحيض، والنتن؟ فقال:"الماء طهورٌ، لا ينجّسه شيءٌ".
(1)
رواه الدارقطني (1/ 29) رقم (48) من طريق أبي حازم، عن سهل بن سعد مرفوعًا قال:"الماء لا ينجسه شيء".
(2)
انظر المعرفة (2 / و 95).
(3)
رواه أحمد (2/ 314) ومسلم (279)(92) وابن حبان (1295) والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 240) عن أبي هريرة. واللفظ قد تقدم ذكره.
وقد صرّح الشافعي (1): بأن ماء بئر بضاعة كان كبيرًا. والله أعلمُ.
ويدلُّ عليه: ما رواه ابن ماجه (2)، [عن] جابرٍ رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَانتبَهْنَا إِلَى غَدِيرٍ فِيهِ جِيفَةٌ، فَكَفَفْنَا، وَكَفَّ النَّاسُ، حَتَّى أتانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"مَا لَكُمْ لَا تَسْتَقُونَ؟! ". فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذِهِ الْجِيفَةُ؟ فَقَالَ: "اسْتَقُوا. فَإنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ". فَاسْتَقَيْنَا (3)، وَارْتَوَيْنَا.
وَرَوَاهُ أَبُو يعلى الموصلي (4)، من حديث أبي سعيدٍ. وفيهِ:"أُرَهَا جَمَل". يعني: الجيفة.
وهذا كما ترى، ليس فيه بيان اجتناب جانب الجيفة، ولو كانت لتوفرت الدعاوي على نقله.
(1) نقله عنه البيهقي في معرفة السنن والآثار (2/ 80 - 81) رقم (1836 - 1839) قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدّثنا أبو العباس قال: أخبرنا الرَّبيع قال: قال الشافعي: بئر بضاعة كثيرة الماء واسعة، كان يطرح فيها من الأنجاس ما لا يغيّر لها لوناً، ولا طعماً، ولا يظهر فيها ريح، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مجيبًا:"الماء لا ينجسه شيء"، يعني: في الماء مثلها، واستدل على ذلك بحديث أبي هريرة في الولوغ.
(2)
رواه ابن ماجه (520) قال: حدّثنا أحمد بن سنان، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا شريك، عن طريف بن شهاب قال: سمعت أبا نضرة يحدث عن جابر بن عبد الله قال: انتهينا إلى غدير، فإذا فيه جيفة حمار، قال: فكففنا عنه حتَّى انتهى إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الماء لا ينجسه شيء"، فاستقينا وأروينا وحملنا. وطريف ابن شهاب: ضعيف، قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ضعيف.
(3)
تحرف في المخطوط إلى: (فاستبقنا).
(4)
لم أجده.
ويدلّ عليه: ما أخرجه ابن أبي شيبة (1)، عن عكرمة قالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِغَدِيرٍ. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الكِلَابَ تَلِغُ فِيهِ، وَالسِّبَاعُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لِلْسَّبُعٍ مَا أَخَذَ فِي بَطْنِهِ، وَلِلْكَلْبِ مَا أَخَذَ فِي بَطْنِهِ، فَاشْرَبُوْا، وَتَوَضَّؤُوْا". قَالَ: فشَرِبُوا، وَتَوَضَّؤُوا.
وأصحابنا رضي الله عنهم: يحتجون بالمرسل.
قال الأخسيكثي (2) في منتخب الأصول: إنه فوق المسند.
ويدلُّ عليه: ما أخرجه عبد الرَّزاق (3)، عن إبراهيم بن محمد الأسلمي، عن داود بن حصين، عن أبيه، عن جابرٍ قلتُ: يا رسولَ اللهِ! أَنتَوَضَّأُ مِنْ مَا أَفْضَلَتِ الْحُمُرُ (4)؟ قَالَ: "وَبِمَا أَفْضَلَتْهُ السِّبَاعُ كُلُّهَا".
وإبراهيم يضعّف (5)، إلَّا أنّ محمد بن الحسن قد احتجّ به. ورواه مشايخ.
(1) المصنف لابن أبي شيبة (1507).
(2)
تحرف في المخطوط إلى: (الأخسيتكي). قال صاحب كشف الظنون (2/ 1848): المنتخب في أصول المذهب لحسام الدين محمد بن محمد بن عمر الأخسيكثي الحنفي، المتوفى سنة أربع وأربعين وست مئة.
أقول: في كتاب الطبقات السنية في تراجم الحنفية (1/ 260): هذه النسبة إلى أَخْسِيكَث -بالفتح، ثم السكون، وكسر السين المهملة، وياء ساكنة، وكاف مفتوحة، وثاء مثلثة، وبعضهم يقول بالمثناة-: مدينة بما وراء النهر، وهي قصبة ناحية فرغانة، وهي من أنزه بلاد ما وراء النهر، وقد خرج منها جماعة من أهل العلم والأدب.
(3)
لم أجده في المطبوع من مصنفه، وأشار إلى رواية عبد الرَّزاق البيهقي في سننه (1/ 249) باب سؤر الحيوانات.
(4)
في المخطوط: (من ماء أفضل الخمر).
(5)
هو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي، أبو إسحاق المدني، مات سنة 184 هـ أو 191 هـ. قال الحافظ ابن حجر في التقريب (ص 93): متروك. وانظر الأقوال =
ورواه الشافعي (1)، من حديث ابن أبي ذئب، من حديث ابن أبي (2) حبيبة، عن داود.
وله شاهد: من حديث أبي سعيد. رواه ابن ماجه (3).
وأخرجه الدارقطني (4)، عن ابن عمر قال: خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَخَرَجَ لَيْلاً، فَمَرُّوْا عَلَى رَجُلٍ جَالِسٍ عِنْدَ مِقْرَاةٍ لَهُ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا صَاحِبَ الْمِقْرَاةِ (5)! أَوَلَغْنَ السِّبَاعُ اللَّيْلَةَ فِي مِقْرَاتِكَ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا صَاحِبَ الْمِقْرَاةِ لَا تُخْبِرْه هَذَا [12 / أ] فَكَلَّفَ لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونهَا، وَلنا مَا بقِيَ شَرَابٌ وَطَهُورٌ".
وطريقُ الاستدلال بهما على نحو ما تقدم في حديث: "الْمَاءُ طَهُورٌ".
= فيه في تهذيب الكمال للمزي (2/ 184 - 191).
(1)
رواه البيهقي في سننه (1/ 249) قال: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرِو، حدّثنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب، أخبرنا الرّبيع بن سليمان، أخبرنا الشّافعيّ، أخبرنا إبراهيم ابن أبي يحيى، عن داود بن الحصين، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: قيل: يا رسول الله، أنتوضّأ بما أفضلت الحمر؟ قال:"نعم وبما أفضلت السِّباع كلّها". وفي غير روايتنا، قال الشافعي: وأخبرنا عن ابن أبي ذئبٍ، عن داود بن الحصين بمثله. وانظر مسند الشافعي (1/ 8).
(2)
تحرف في المخطوط إلى: (أبو).
(3)
رواه ابن ماجه (519) عن أبي سعيد الخدري: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض التي بين مكّة والمدينة، تردها السِّباع والكلاب والحمر، وعن الطهارة منها؟ فقال:"لها ما حملت في بطونها، ولنا ما غبر طهورٌ".
(4)
أخرجه الدارقطني في سننه (34) ومالك في الموطأ (1/ 23 - 24).
(5)
القرو: حوضٌ طويلٌ ترده الإبل. القاموس.
ويدلّ عليه:
ما رواه ابن أبي شيبة (1)، عن عمر بن الخطاب: أنَّهُ مَرَّ بِحَوْضِ مَجَنَّة (2). فَقَالَ: اسْتَقُوا مِنْهُ. فَقَالُوا: إِنَّهُ تَرِدُهُ السِّبَاعُ [وَ] الْكِلَابُ، وَالْحَمِيرُ. فَقَالَ: لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُوبهَا، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَنَا شَرَابٌ وَطَهُورٌ.
وأخرجه من طريقٍ آخرَ (3)، عن عكرمة: أنَّ عمر بن الخطاب، أتَى على حوضٍ من الحياض، فأراد أن يتوضأ ويشربَ. فقالَ أهل الحوض: أنا يلغُ (4) فِيهِ الكلابُ والسِّباعُ. فقال عُمَرُ: إن لها ما بلغت (5) في بطونها. قال: فشربَ وتوضأ. وعن أم سلمة: أنَّهَا كَانَتْ تَمُرُّ بِالْغَدِيرِ، فيه الجُعْلانُ (6) والبُعُر، فيستقى لها منه فنتوضأ ونشرب (7).
(1) في المصنف (1508) قال: حدّثنا وكيع، عن سفيان، عن حبيب، عن ميمون بن أبي شبيب، أن عمر بن الخطاب مر بحوض مجنة، فقال: اسقوني منه. فقالوا: إنه ترده السباع والكلاب والحمير! فقال: لها ما حملت في بطونها، وما بقي فهو لنا طهور وشراب. وانظر الروايات عن عمر في تهذيب الآثار لابن جرير (مسند ابن عباس) رقم (1078 - 1081 و 1084).
(2)
تحرف في المخطوط إلى: (مجبنه).
(3)
المصنف (1509).
(4)
في المصنف: (إنه تلغ).
(5)
في المصنف: (ولغت).
(6)
تحرف في المخطوط إلى: (الجفلات).
(7)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1510) قال: حدّثنا ابن عيينة، عن منبوذ، عن أمه: أنها كانت تسافر مع ميمونة، فتمر بالغدير فيه الجعلان والبعر، فيستقى لها منه، فتتوضأ وتشرب. =
وقال (1): حدّثنا ابن عُلَيَّة، عن حبيب بن شهاب، عن أبيه: أنّهُ سأل أبا هريرة عن سُؤْرِ الحوضِ تردهُ السِّباعُ، وتشربُ منه الحُمُرُ (2). فقال: لا يحرمُ الماء شيء.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ لاتصالهِ، وثقة رجاله.
فابن عُلَيَّة (3): ثِقَة حَافِظٌ، أشهر من أن يُذكر. أخرج له الشيخان، محتجيّن به.
وحبيب بن شهاب بن مدلج:
قال ابن معين (4): ثقة.
وقال النَّسائيّ (5): ثقة.
= ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده (2027) قال: أخبرنا سفيان، عن منبوذ، عن أمه قالت: كنا نسافر مع ميمونة، فننزل على الغدران، فيها الجعلان والبعر، فنستقي لها منه، لا يرى بذلك بأساً.
أقول: منبوذ هو ابن أبي سليمان المكيِّ، قال ابن حجر في التقريب: مقبول. وأمه: قال عنها ابن حجر في التقريب: مقبول.
(1)
ابن أبي شيبة في المصنف (1511).
ورواه أيضًا من الطريق نفسه: ابن جرير في تهذيب الآثار (مسند ابن عباس)(2 / رقم 1083).
(2)
في المصنف: (ويشرب منه الحمار).
(3)
هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي، أسد خزيمة مولاهم، أبو بشر البصري، أصله من الكوفة، ولد سنة 110 هـ ومات سنة 193 هـ.
تهذيب الكمال (3/ 23).
(4)
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/ 103) الترجمة (479).
(5)
قال ابن حجر في تعجيل المنفعة (ص 84): نقل ابن خلف عن التمييز للنسائي أنه وثقه.
وقال أحمد بن حنبل (1): لا بأس.
وذكره ابن حبان في ثقاته (2). وقد سمع أباه.
وأبوه (3) شهاب بن مدلج. سمع: أبا هريرة، وابن عباس، وأبا موسى.
قال أبو زرعة الرازي (4): ثقة. وقاله النَّسائيّ.
وذكره ابن حبان في ثقاته (5).
وأبو هريرة: هو من جملة من روى عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِم"(6). الحديث.
وقال (7): حدّثنا ابن عُلَيَّة، عن إسرائيل، عن الزبرقان قال: حدّثنا كعب
(1) قال في العلل (3192): حبيب بن شهاب، ليس به بأس. وقال عبد الله في العلل (3511): سألته -يعني: أباه- عن حبيب بن شهاب بن مدلج العنبري؟ قال: روى عنه يحيى بن سعيد.
(2)
قال في الثقات (6/ 180) الترجمة (7256): حبيب بن شهاب العنبري، من أهل البصرة، يروي عن أبيه، روى عنه: يحيى القطان.
قال في الثقات (4/ 363) الترجمة (3359): شهاب بن مدلج العنبري التميمي، بصري، يروي عن: ابن عباس، وأبي موسى. روى عنه ابنه: حبيب بن شهاب.
(3)
تحرف في المخطوط إلى: (أبو). وله ترجمة في طبقات ابن سعد (7/ 140) والتاريخ الكبير للبخاري (4/ 235).
(4)
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (4/ 361) الترجمة (1581) وتعجيل المنفعة لابن حجر (ص 179) الترجمة (456).
(5)
قال في الثقات (4/ 363) الترجمة (3359): شهاب بن مدلج العنبري التميمي، بصري، يروي عن: ابن عباس، وأبي موسى. روى عنه ابنه: حبيب بن شهاب.
(6)
تقدم تخريجه.
(7)
ابن أبي شيبة في المصنف (1512).
ابن عبد الله قال: كُنَّا مع حذيفة، فانتهينا إلى غديرٍ فيه الميتة، وتغتسل فيه الحائضُ. فقال: الماءُ لَا يَخْبُثُ (1).
وقال (2): حدّثنا وكيع، عن الأعمش، عن أَبِي عمر البَهْرَانِيّ (3)، عن ابن عبّاس قال: الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ.
وقد تقدم تفسيرهُ عن محمد بن الحسن في كتاب الآثار.
وأخرج (4) عن الحسن: في الجُبِّ يقطر فيه القطرة من الخمر أو الدم. قال: يُهْرَاقُ.
وعن طاوس: أنَّهُ كرهه (5).
(1) في المصنف: (يجنب).
(2)
ورواه ابن أبي شيبة (1511) قال: حدّثنا وكيع قال: حدّثنا الأعمش، عن يحيى ابن عبيد البهراني قال: سألت ابن عباس عن ماء الحمام؟ فقال: الماء لا يجنب.
ورواه عبد الرَّزاق (1144) عن يحيى بن العلاء، عن الأعمش، عن ابن عمر قال: سئل ابن عباس عن حوض الحمام يغتسل منه الجنب وغير الجنب؟ فقال: إن الماء لا يجنب.
ورواه البيهقي في سننه (1/ 267) قال: أخبرنا أبو بكر بن الحسن أخبرنا أبو جعفر ابن دحيمِ حدّثنا إبراهيم بن عبد الله أخبرنا وكيعٌ عن الأعمش عن يحيى بن عبيد قال: سألت ابن عبّاس عن ماء الحمَّام فقال: الماء لا يجنب.
(3)
تحرف في المخطوط إلى: (ابن عمرو النهواني). وهو يحيى بن عبيد -بغير إضافة-، أبو عمر البهراني، الكوفيِّ. قال ابن حجر في التقريب: صدوق.
(4)
رواه ابن أبي شيبة (1772 و 24090) عن يزيد بن هارون، عن هشام، عن الحسن.
(5)
رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1771) عن طاوس في قطرة خمر وقعت في ماء، فكرهه.
فثبت: أن ماء الأواني تنجس بوقوع النجاسة، وإن لم يتغير.
وماء الغدران ونحوها لا ينجس إلَّا بالتغيير [12 / ب] سواءٌ كان الواقع فيه مرئياً أو غير مرئي. فالجاري أولى.
وما كان في غديرٍ أو مستنقعٍ وهو نحو ماء الأواني، فهو ملحق بها إذ لا أثر للمحل. والله أعلم.
فإن قلت: لم أطلق ماء الغدران مع ما ورد من تقديره شرعًا بالقلتين. وحديث القلتين: قد صَحَّحه ابن حبان (1)، وابن خزيمة (2)، والحاكم (3)؟.
قلت: من صحّحه اعتد بعض طرقه، ولم ينظر إلى ألفاظه ومفهومها، إذ ليس وظيفة المحدث. والنظر في ذلك من وظيفة الفقيه، إذ غرضه بعد صحة الثبوت: الفتوى والعمل بالمدلول.
وقد أعلّ حديث القلتين من الجهتين. وأنا أورد ذلك مستعيناً بالله.
فأقول: قال ابن عبد البر في التمهيد (4): هذا حديثٌ يرويه محمد بن إسحاق، والوليد بن كثير [جميعاً، عن محمد بن جعفر بن الزُّبير، وبعض رواة الوليد ابن كثير يقول فيه: عنه، عن محمد بن عباد بن جعفر (5)، ولم
(1) التقاسيم والأنواع لابن حبان (1249 و 1253 الإحسان).
(2)
صحيح ابن خزيمة (92).
(3)
المستدرك على الصحيحين (1/ 224 و 252 و 226 و 227).
(4)
التمهيد (1/ 329).
(5)
هو محمد بن عباد بن جعفر بن رفاعة بن أميَّة بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي المكيِّ. قال ابن حجر في التقريب: ثقة.
يختلف عن الوليد ابن كثير] (1) أنَّه قال فيه: عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن (2) أبيه يرفعه.
ومحمد بن إسحاق يقول فيه: عن محمد بن جعفر بن الزُّبير، عن عبد الله (3) بن عبد الله بن عمر، عن أبيه مرفوعًا [وعاصم](4) أيضًا.
فالوليد يجعله عن عبد الله بن عبد الله، ومحمد بن إسحاق يجعله عن عبيد الله بن عبد الله.
ورواه عاصم بن المنذر (5)، [عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه](6)، فاختلف [فيه](7) عليه أيضًا.
[فقال حماد بن سلمة، عن عاصم بن المنذر، عن عبيد الله بن عبد الله ابن عمر، عن أبيه. وقال فيه حماد بن زيد، عن عاصم بن المنذر، عن أبي بكر بن عبيد الله، عن عبد الله بن عمر](8).
(1) ما بين معكوفتين: زيادة من التمهيد.
(2)
في المخطوط: (أن). والتصحيح من التمهيد.
(3)
في التمهيد: (عبيد الله).
(4)
ما بين معكوفتين: من التمهيد. و (مرفوعاً) لم ترد في التمهيد.
(5)
هو عاصم بن المنذر بن الزُّبير بن العوام الأسدي المدني. قال ابن حجر في التقريب: صدوق.
(6)
ما بين معكوفتين: من التمهيد.
(7)
ما بين معكوفتين: من التمهيد.
(8)
ما بين معكوفتين: من التمهيد.
وقال (1) فيه حماد بن سلمة: إذا كانَ المَاءُ قُلّتين أو ثلاثًا، لم يُنَّجِّسهُ شيءٌ.
وبعضهم يقول [فيه](2): إذا كان [الماء](3) قلتين، لم يحمل (4) الخبث. وهذا لفظٌ (5) محتمل للتأويل، ومثل هذا الاضطراب في الإسناد، يوجب التوقف عن القول بهذا الحديث، على (6) أنّ القلتين غير معروفتين، ومُحالٌ أن يتعبّد الله عبادهُ بما لا يعرفونه. انتهى (7).
قلتُ: قد تكلّف بعض النَّاس لرفع اضطراب السند باحتمال أن يكون الحديث عند كل راوٍ اختلف عليه من جميع من اختلف عليه فيه، لوروده عن بعض رواته بالوجهين جميعًا. لكن بقي هنا شيءٌ آخر، وهو ما أشار إليه ابن عبد البر: أنّ القلتين غير معروفتين.
قال الدارقطني (8): قال ابن عرفة، وسمعت هُشَيماً (9) يقول: تفسير القلتين يعني: الجرتين الكبار.
(1) في المخطوط: (قال). والزيادة من التمهيد.
(2)
ما بين معكوفتين: من التمهيد.
(3)
ما بين معكوفتين: من التمهيد.
(4)
في التمهيد: (يحصل).
(5)
في التمهيد: (اللفظ).
(6)
في التمهيد: (إلى).
(7)
انتهى كلام ابن عبد البر.
(8)
سننه (1/ 19 - 20) وسنن البيهقي (1/ 264).
(9)
تحرف في المخطوط إلى: (هيثماً).
وروى إسحاق بن راهويه -ومن طريقه الدارقطني-، عن عاصم بن المنذر قال: القِلَالُ: الخوابي العظام (1).
وعاصم بن المنذر، هو: راوِي الحديث عن عبيد الله، عن عبد الله ابن عمر.
وأخرج أبو قاسم [13/ أ] البغوي (2)، عن مجاهد، أنّه قال: الْقُلَّتَانِ: الجَرَّتَانِ.
وأخرج عن ابن إسحاق راوي الحديث: أنّه سَئلَ: القلتين. فقال: هذه الجرار الذي يُسْقَى فِيهَا الْمَاءُ، وَالدَّوَارِيقُ (3).
وروى البيهقي، عن وكيعٍ: القلّة: الجَرّة (4).
وروى الشّافعي، عن ابن جريج: أنَّ كلّ قلّة تأخذ قلتين وشيئاً (5).
(1) رواه الدارقطني في سننه (1/ 27) والبيهقي في سننه (1/ 264) عن عاصم بن المنذر قال: القلال: الخوابي العظام.
(2)
رواه أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي في الجعديات (2110) عن مجاهد قال: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء. قال: فقلت: ما القلتان؟ قال: الجرتان.
(3)
رواه البيهقي في سننه (1/ 264) عن عبد الله بن عمر قال: قال عبد الرحيم -يعني: ابن سليمان-: سألنا ابن إسحاق -يعني: محمد بن إسحاق بن يسارٍ- عن القلّتين؟ فقال: هذه الجرار الّتي يستقى فيها الماء والدّواريق.
(4)
رواه البيهقي في سننه (1/ 264) عن محمّد بن إسماعيل الحسانيّ قال: قال وكيع: يعني بالقلة: الجرّة.
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أبو الوليد، حدّثنا أحمد بن محمد بن عمار، حدّثنا محمد بن رافع قال: قال يحيى بن آدم: القلة الجرة.
(5)
رواه الشافعي في مسنده (799) والبيهقي في معرفة السنن والآثار رقم (500 و 501) =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= عن ابن جريج، بإسناد لا يحضرني حفظه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجساً". قال: وفي الحديث: "بقلال هجر". قال ابن جريج: قد رأيت قلال هجر، والقلة تسع قربتين، أو قربتين وشيئاً. قال الشافعي: وقرب الحجاز قديماً وحديثاً كبار لحجز الماء بها، فإذا كان الماء خمس قرب كبار لم يحمل نجساً، وذلك قلتان بقلال هجر. هذا قوله على الحديث، في كتاب اختلاف الأحاديث. فأما قوله عليه في كتابه الطهارة فقد خرجناه في كتاب السنن. وهذا الحديث رواه غيره، عن ابن جريج قال: أخبرني محمد، أن يحيى بن عقيل أخبره، أن يحيى بن يعمر أخبره، أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجساً ولا بأساً". قال: فقلت ليحيى بن عقيل: قلال هجر، قال: قلال هجر. أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه قال: أخبرنا عليّ بن عمر الحافظ قال: حدّثنا أبو بكر بن زياد النيسابوري قال: حدّثنا أبو حميد المصيصي قال: حدّثنا حجاج قال: حدّثنا ابن جريج، فذكره. وأخبرنا أبو حازم الحافظ قال: أخبرنا أبو أحمد الحافظ قال: أخبرنا أبو العباس السجستاني قال: حدّثنا محمد بن يوسف قال: حدّثنا أبو قرة، عن ابن جريج قال: أخبرني محمد، فذكره. قال محمد: قلت ليحيى بن عقيل: أي قلال؟ قال: قلال هجر. قال محمد: فرأيت قلال هجر، فأظن كل قلة تأخذ قربتين. قال أبو أحمد الحافظ: محمد هذا الذي حدث عنه ابن جريج، هو محمد بن يحيى، يحدث عن يحيى بن أبي كثير، ويحيى بن عقيل. قال أحمد: وقلال هجر كانت مشهورة عند أهل الحجاز، ولشهرتها عندهم شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى ليلة المعراج من نبق سدرة المنتهى بقلال هجر، فقال فيما روى عنه مالك بن صعصعة:"رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا ورقها مثل آذان الفيلة، وإذا نبقها مثل قلال هجر". واعتذار الطحاوي في ترك الحديث أصلًا، بأنه لا يعلم مقدار القلتين، لا يكون عذراً عند من أعلّه، وكذلك ترك القول ببعض الحديث بالإجماع، لا يوجب تركه، فيما لم يجمع عليه، وتوفيته بالقلتين يمنع من حمله على الماء الجاري على أصله، وبالله التوفيق.
ورواه البيهقي في سننه (1/ 263) عن يحيى بن يعمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجساً ولا بأساً". قال: فقلت ليحيى بن عقيلٍ: قلال هجر؟ =
وفيه بحث آخر.
قال الحافظ أبو العباس ابن تيميّة (1): يشبه أن يكون الوليد بن كثير
= قال: قلال هجر. قال: فأظنّ أن كلّ قلّةِ تأخذ فرقين. زاد أحمد بن عليّ في روايته: والفرق ستة عشر رطلاً.
وقال أيضًا (1/ 264) عن ابن جريجٍ قال: أخبرني محمد فذكره. قال محمد: قلت ليحيى بن عقيلٍ: أي قلالٍ؟ قال: قلال هجر. قال محمد: فرأيت قلال هجر، فأظن كلُّ قلةٍ تأخذ قربتين. كذا في كتاب شيخي: قربتين، وهذا أقرب ممّا قال مسلم بن خالدٍ، والإسناد الأول أحفظ والله أعلم. قال أبو أحمد الحافظ: محمد هذا الَّذي حدّث عنه ابن جريجٍ، هو محمد بن يحيى يحدث عن يحيى بن أبي كثيرٍ ويحيى ابن عقيل.
(1)
لم أجده في مجموع الفتاوى. وانظر كلام ابن قطلوبغا في البحر الرائق.
وسئل رحمه الله كما في المجموع (21/ 41 - 43) عن القلتين: هل حديثه صحيح أم لا؟ ومن قال: إنه قلة الجبل؛ وفي سؤر الهرة إذا أكلت نجاسة ثم شربت من ماء دون القلتين، هل يجوز الوضوء به، أم لا؟ فأجاب: الحمد لله، قد صحّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: إنك تتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال:"الماء طهور لا ينجسه شيء". وبئر بضاعة باتفاق العلماء وأهل العلم بها هي بئر ليست جارية، وما يذكر عن الواقدي من أنها جارية: أمر باطل؛ فإن الواقدي لا يحتج به باتفاق أهل العلم، ولا ريب أنه لم يكن بالمدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ماء جار، وعين الزرقاء وعيون حمزة محدثة بعد النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، وبئر بضاعة باقية إلى اليوم في شرقي المدينة، وهي معروفة.
وأما حديث القلتين فأكثر أهل العلم بالحديث على أنه حديث حسن يحتج به، وقد أجابوا عن كلام من طعن فيه، وصنف أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي جزءًا ردّ فيه ما ذكره ابن عبد البر وغيره. =
غلطَ في رفع الحديث. ويدلّ على أنَّ هذا لم يكن عن ابن عمر، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ هذا الغسل من الماء من الحلال والحرام من أعظم الأمور التي يحتاج النَّاس إليها في دينهم لحاجتهم إلى الماء في طهورهم وشرابهم، والنّاس أحوج إلى الماء منهم في سائر الأشياء، ووقوع النجاسة فيه من الأمور الغالبة، وابن عمر دائماً يفتي النَّاس ويحدثهم عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، والسنن التي رواها معروفة عند أهل
= وأما لفظ القلة، فإنّه معروف عندهم: أنه الجرة الكبيرة كالحب، وكان صلى الله عليه وسلم يمثل بهما، كما في الصحيحين أنه قال في سدرة المنتهى:"وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، وإذا نبقها مثل قلال هجر". وهي قلال معروفة الصفة والمقدار؛ فإن التمثيل لا يكون بمختلف متفاوت.
وهذا مما يبطل كون المراد قلة الجبل؛ لأنَّ قلال الجبال فيها الكبار والصغار، وفيها المرتفع كثيرًا، وفيها ما هو دون ذلك، وليس في الوجود ماء يصل إلى قلال الجبل إلَّا ماء الطوفان، فحمل كلام النَّبيّ صلى الله عليه وسلم على مثل هذا يشبه الاستهزاء بكلامه.
ومن عادته صلى الله عليه وسلم أنه يقدر المقدرات بأوعيتها، كما قال:"ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"، والوسق: حمل الجمل، وكما كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع، وذلك من أوعية الماء، وهكذا تقدير الماء بالقلال مناسب، فإن القلة وعاء الماء.
وأما الهرة فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنها ليست بنجسة، إنها من الطوافين عليكم والطوافات".
وتنازع العلماء فيما إذا أكلت فأرة ونحوها، ثم ولغت في ماء قليل على أربعة أقوال في مذهب أحمد وغيره: قيل: إن الماء طاهر مطلقًا. وقيل: نجس مطلقًا حتَّى تعلم طهارة فمها. وقبل: إن غابت غيبة يمكن فيها ورودها على ما يطهر فمها كان طاهراً، وإلا فلا. وهذه الأوجه في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما. وقيل: إن طال الفصل كان طاهراً، جعلا لريقها مطهراً لفمها لأجل الحاجة، وهذا قول طائفة من أصحاب أبي حنيفة وأحمد، وهو أقوى الأقوال. والله أعلم.
المدينة وغيرهم لاسيما عند سالم ابنه، ونافع مولاهم. لا العمل به مذهب أحد من أهل المدينة، بل قولهم المستفيض عنهم مُخالفٌ لهم.
ثم ذكر: أن إسماعيل بن إسحاق القاضي روى بإسناده، عن القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصِّديق، وسالم بن عبد الله بن عمر: أنهمَا سُئِلَا عنِ الماءِ الذي يجري، تموتُ فيه الدّابة، هل يشرب منه، ويُغتسلُ، وتُغسلُ فيه الثياب. فقال: لَا. إنّ الماء إذا كان لا يدنسه ما وقع فيه، فنرجو أن لا يكون به بأس (1).
وروى ابن وهب، عن يونس (2)، عن ابن شهاب أنّه قال: كل ما فيه
(1) ذكره سحنون في المدونة الكبرى (1/ 131) قال: قال ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، أنه سأل القاسم وسالماً عن الماء الذي لا يجري، تموت فيه الدابة، أيشرب منه ويغسل منه الثياب؟ فقالا: أنزله إلى نظرك بعينك، فإن رأيت ماء لا يدنسه ما وقع، فنرجو أن لا يكون به بأس.
وقال الحطاب في مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل بن إسحاق (1/ 276): قال ابن رشد: سئل ابن وهبٍ، عن الجب من ماء السماء تموت فيه الدابة وتنشق والماء كثيرٌ لم يتغير منه إلَّا ما كان قريبًا منها، فلمّا أخرجت وحرك الماء ذهبت الرائحة هل يتوضأ به ويشرب؟ قال: إذا خرجت الميتة فلينزح منه حتَّى يذهب دسمها والرائحة واللون إن كان به لونٌ إذا كان الماء كثيرًا على ما وصفت، طاب إذا فعل ذلك به. قال ابن القاسم: لا خير فيه ولم أسمع مالكاً رخص فيه قطّ. قال ابن رشدِ: قول ابن وهبٍ هو الصحيح على أصل مذهب مالكٍ، الَّذي رواه المدنيون عنه، أن الماء لا ينجّسه إلَّا ما غير أحد أوصافه على ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام في بئر بضاعة. وقد روى ابن وهبٍ وابن أبي أويس، عن مالكٍ في جباب تحفر بالمغرب فتسقط فيها الميتة فيتغير لون الماء وريحه ثمّ يطيب بعد ذلك، أنَّهُ لا بأس به. انتهى.
(2)
هو يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي، ثقة.
فضلٌ عما يصيبه من الأذى حتَّى لا يُغيِّر ذلك طَعمَه ولا رِيحَهُ ولا لونه طَاهِرٌ يُتَوَضَّأ بِهِ (1).
قال: وابن شهاب من أخصّ النَّاس بسالِمٍ، وأعلم النَّاس بحديثه وحديث أبيه. وهذه فتياه وفتيا سالمٍ.
وروى إسماعيل باسناده، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن المسيب في هذه الآية:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]. قال: أنزل الله الماء طهوراً [13/ ب] لا يُنَجِّسُهُ شيءٌ (2).
(1) رواه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (مسند ابن عباس)(2/ رقم 1116) قال: حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، أنه قال في الماء الراكد: كل ما فيه فضل عما يصيبه من الأذى حتَّى لا يغير ذلك طعمه، ولا لونه، ولا ريحه، طاهر يتوضأ منه.
(2)
رواه ابن أبي شيبة (1518) قال: حدّثنا ابن علية، عن داود، عن ابن المسيب قال: أنزل الله الماء طهوراً فلا ينجّسه شيء، وربما قال: لا ينجسه شيء. قال داود: وذلك أننا سألناه عن الغدران والحياض تلغ فيها الكلاب.
ورواه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (مسند ابن عباس) رقم (1064 و 1065) قال: حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا إسماعيل، عن داود قال: قال سعيد ابن المسيب: أنزل الله الماء طهوراً، فلا ينجّسه شيء. حدّثنا ابن المثنى قال: حدّثنا عبد الوهاب، عن داود، عن سعيد بن المسيب قال: أنزل الله الماء طهوراً، لا ينجّسه شيء. وانظر الأرقام (1066 - 1068).
وعزاه السيوطي في الدر المنثور (6/ 263) لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني عن سعيد بن المسيب. وذكره أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (5/ 204).
قال: والآثار بذلك معروفة عن أهل المدينة، ولم يعرف أحدٌ من متقدميهم ولا متأخريهم فرقًا بين الماء الذي ينجس ولا يتنجّس بقدر القلتين، فكيف يكون هذه سنةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عموم البلوى بها، ولا ينقلها عنه أحدٌ عن أصحابه ولا التابعين لهم بإحسانٍ إلاّ رواية مختلفة مضطربة عنِ ابن عمرَ، لم يعمل بها أحدٌ من أهل المدينة، ولا عمل بها أهل البصرة، بل مذهب أهل البصرة: أن قليله وكثيره لا ينجس إلَّا بالتغيير، ولا أهل الشام عملوا به، ولا أهل الكوفة.
وأطال الكلام رحمه الله بما لا يتحمله هذا الموضع.
قلت: وقد أخرجه الدارقطني (1)، من طريق الزُّهريّ، عن عبيد الله (2) ابن عبد الله بن عمر، عن أبي هريرة. وقال (3): المحفوظ عن ابن عياش (4)، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر [بن الزُّبير]، عن عبيد الله، عن أبيه.
وأخرجه (5) من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن ابن إسحاق، عن الزُّهريّ، عن سالم، عن أبيه. وكأن الحافظ لم يعتبر هذا للضعف.
وفيه: أن جابراً رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلّةً
(1) في سننه (1/ 21).
(2)
في المخطوط: (عبيد) فقط.
(3)
في سننه (1/ 21).
(4)
تحرف في المخطوط إلى: (عباس). وهو إسماعيل بن عياش.
(5)
في سننه (1/ 21).
لا يَحْمِلُ خَبَثاً". رواه الدارقطني (1).
قال (2): وهمَ القاسم العمري في إسناده وخالفه روح بن القاسم، وسفيان الثوري، ومعمر بن راشد. رووه عن ابن المنكدر من قوله، لَم يجاوزه (3).
ثم أخرجه (4) من طريق من تقدم ذكرهم.
ورواه (5) عن أبي هريرة بلفظ: "إِنْ كَانَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلّةً لَمْ يَحْمِلْ خَبثاً". وقد خالفه غير واحدٍ فقالوا: أربعين غرباً.
وظهر ما قال الحافظ (6): الغَرْبُ (7). والله أعلم.
فإن قلت: أليس أن الطّحاوي (8) والرازي (9) أجابا عن حديث بئر بضاعة
(1) أخرجه الدارقطني في سننه (1/ 26) والبيهقي في سننه (1/ 262). وقال البيهقي: فهذا حديثٌ تفرّد به القاسم العمريّ هكذا، وقد غلط فيه، وكان ضعيفاً في الحديث، جرحه أحمد بن حنبلٍ ويحيى بن معينٍ والبخاريُّ وغيرهم من الحفّاظ.
(2)
لفظ الدارقطني في سننه (1/ 26): رواه القاسم [بن عبد الله] العمري، عن ابن المنكدر، عن جابر، ووهم في إسناده، وكان ضعيفاً كثير الخطأ، وخالفه روح بن القاسم وسفيان الثوري ومعمر بن راشد، رواه عن محمد بن المنكدر، عن عبد الله، عن عمر موقوفًا. ورواه أيوب السختياني، عن ابن المنكدر من قوله لم يجاوزه.
(3)
تحرف في المخطوط إلى: (نجاريه).
(4)
سنن الدارقطني (1/ 27). وانظر مصنف ابن أبي شيبة (1527 أو 1533).
(5)
أخرجه الدارقطني (1/ 27).
(6)
لعله أراد ما نقله عن الحافظ ابن تيمية، ولم يتمه، ولم تكن فيما نقله هذه العبارة.
(7)
الغرب: الراوية والدلو العظيمة.
(8)
شرح معاني الآثار (1/ 12).
(9)
أحكام القرآن له (5/ 209).
بأنهّا كانت طريقاً للماء إلى البساتين؟!. وروى ذلك الطحاوي عن الواقدي.
قلت: الواقدي ضعيف (1). والعبرة: بعموم اللفظ لا لخصوص السبب والمحل، ونحن جعلنا حديث بئر بضاعة شاهدًا لصدر حديث ثوبان، وأبي أمامة. والله أعلم.
فإن قلت: إن الرازي (2) قد قال: وأمّا قصّة الغدير، فجائزٌ أن [14/ أ] تكون الجيفة في جانبٍ منه، فأباح عليه السلام الوضوء من الجانب الآخر (3).
قلت: أما تجويز أن يكون في جانب منه، فمسلَّم، بل جاء ذلك في رواية ابن أبي شيبة.
وأمّا أنه أباح لهم من جانب آخر، فليس في الحديث، ولو كان لتوفرت الدواعي على نقله، فلمَّا لم يرووا لنا أنه أمرهم بجانب دون جانب، كان على إطلاقه.
(1) رواه البيهقي في معرفة السنن والآثار أيضًا رقم (487) وقال: زعم أبو جعفر الطحاوي، أن بئر بضاعة كانت طريقًا للماء إلى البساتين، فكان الماء لا يستقر فيها، وحكاه عن الواقدي. ومحمد بن عمر الواقدي، رحمنا الله وإياه، لا يحتج بروايته فيما يسنده، فكيف بما يرسله. ضعفه يحيى بن معين، وكذبه أحمد بن حنبل، وقال البُخاريّ: محمد بن عمر الواقدي، متروك الحديث. وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الحنظلي قال: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي: كتب الواقدي كذب. وقال البيهقي: وذلك لكثرة ما وجد في رواياته من مخالفة الثقات، وهذا الذي حكي عنه في بئر بضاعة من ذلك، فمشهور فيما بين أهل الحجاز حال بئر بضاعة بخلاف ما حكي عنه.
(2)
هو أبو بكر أحمد بن عليّ الجصّاص. مرَّت ترجمته.
(3)
أحكام القرآن (5/ 209).
فإن قلت: قال الرازي قوله: "الْمَاءُ طَهُور لَا يُنَجسُهُ شَيء"، لا دلالة له فيه على جواز استعماله، وإنّما كلامنا في جواز استعماله بعد حلول النجاسة فيه، فليس يجوز الاعتياض (1) به على موضع الخلاف؛ لأناّ نقول: إنّ الماء طهور لا ينجسه شيء، ومع ذلك: لا يجوز استعماله إذا حلت نجاسته (2)، ولم يقل النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: إن الماء إذا وقعت فيه نجاسة، فاستعملوه حتَّى يحتج (3) به (4).
قلت: هذا إنما يتوجه منه على من يقول: بأن الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه، قليلاً كان أو كثيرًا؛ لأنَّه يقول: يجوز استعمال الجانب الآخر، ثم هو قاصر على لفظ حديث بئر بضاعة، ولا يتوجه عليه لفظ حديث الغدير، حيث قال صلى الله عليه وسلم:"اسْتَقُوا، فَإن الْمَاءَ لَا يُنَجسُهُ شَيء".
فإن قلت: ما الفرق بين الماء والمائعات التي قاس عليها الرازي، وإن كان كلامه مع من ذكر؟
قلت: الفرق من جهة المعنى بعد ورود النص: أن المائعات تصانُ بالأواني، فلم يكن فيها ضرورة بخلاف ماء الغدران ونحوها.
وقد علمت أن قوله: عِلْمُنا بوجود النجاسة كمشاهدتنا لها، إنما يتوجه على من زعموه مذهباً لأصحاب الظاهر. وعليه مالك في القليل، فإن ألزِمنَا به في ماء الغدران عارضناه بالنص.
(1) في أحكام القرآن: (الاعتراض).
(2)
في أحكام القرآن: (حلته نجاسة).
(3)
في أحكام القرآن: (تحتج).
(4)
أحكام القرآن (5/ 209).
وأما الماء المستعملُ، فهو كل ما أسقط فرض التطهير عن عضوٍ واستعمل على وجه القربة.
قال شمس الأئمة السَّرخسِيّ (1)، وأبو عبد الله الجرجاني (2): لا خلاف بين الثلاثة في هذا.
واختلف في صفته:
فروى الحسن بن زياد، عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن: مُغَلَّظُ النَّجَاسَةِ (3).
وروى أبو يوسف [14/ ب] عنه أن: مُخَفَّفَهَا (4).
وروى محمدٌ عنه: أنه طاهرٌ غير طهورٍ. وبه يفتي مشايخ العراق، لم يحققوا الخلاف فقالوا: طاهرٌ غير مطهّرٍ عند أصحابنا. وهو اختيار المحققين من مشايخ ما وراء النهر (5).
(1) قال المصنف في تاج التراجم (ص 18): محمد بن أحمد بن أبي سهل، أبو بكر السرخسي، شمس الأئمة، صاحب المبسوط، تخرج بعبد العزيز الحلواني، وأملى المبسوط وهو في السجن، تفقه عليه: أبو بكر محمد بن إبراهيم الحصيري، وغيره، مات في حدود الخمس مئة، وكان عالماً أصوليًا مناظراً. وقد شاع عنه أنه أملى المبسوط من حفظه، وشرح مختصر الطحاوي رأيت منه قطعة، وشرح كتاب الكسب لمحمد بن الحسن، جزء لطيف.
(2)
قال المصنف في تاج التراجم (ص 27): يوسف بن عليّ بن محمد الجرجاني، أبو عبد الله، صاحب خزانة الأكمل في الفقه في ست مجلدات، تفقه على أبي الحسن الكرخي. قلت: قد نسبت خزانة الأكمل في هذه التراجم إلى ثلاثة أنفس: يوسف هذا، وقيل لأبي اللَّيث السمر قندي، وقيل:. . . والصحيح إنها لهذا. والله أعلم.
(3)
فتح القدير (1/ 152).
(4)
فتح القدير (1/ 152).
(5)
فتح القدير (1/ 152). وقال ابن الهمام في فتح القدير: وعليه الفتوى.
قال القاضي أبو حازم (1): أرجو أن رواية التنجس لم تثبت، وإنما يأخذ الماء حكم الاستعمال بعد انفصاله عن أعضاء المتطهر في الصحيح، ولسنا بصدد الوجوه في هذه الرسالة، وإنما المراد: بيان الأحكام.
فإذا عرفت أن الفتوى على طهارته. فاعلم أنه إذا اختلط بالمطلق لا يقيده ما لم يغلب على المطلق.
قال في البدائع (2): في الكلام على حديث: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدكمْ فِي الْمَاءَ الدَّائِم".
لا يقال: [إنَّه يحتمل](3) أنّه نهيٌ (4) لما فيه من إخراج الماء من أن يكون مطهِّراً من غير ضرورةٍ، وذلك حرامٌ؛ لأنَّا نقول: الماء القليل إنَّما يخرج عن كونه مطهِّراً باختلاط غير المطهر به إذا كان غير المطهر غالبًا [عليه]، كماء الورد واللَّبن ونحو ذلك، فأما إذا كان مغلُوباً فلا.
(1) قال المصنف في تاج التراجم (ص 11): عبد الحميد بن عبد العزيز القاضي، أبو حازم، أصله من البصرة، وأخذ الفقه عن البكير العمي، وتفقَّه عليه أبو جعفر الطحاوي، ولي قضاء الشام والكوفة والكرخ من بغداد، مات سنة اثنين وتسعين ومئتين، وله كتاب المحاضر والسجلات، وكتاب أدب القاضي، وكتاب الفرائض، وكان ورعاً عالمًا بمذهب أبي حنيفة، وبالفرائض، والحساب، والذرع، والقسمة، والجبر، والمقابلة، وحساب الدور، وغامض الوصايا والمناسخات.
(2)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 304 - 305). وانظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق (1/ 265).
(3)
ما بين معكوفتين: من بدائع الصنائع.
(4)
تحرف في المخطوط إلى: (مبني).
وهاهنا الماء المستعمل ما يلاقي البدن، ولا شكَّ أنَّ ذلك أقلُّ من غير المستعمل، فكيف يخرج به من أن يكون مطهّراً؟. انتهى.
وقال (1) في موضعٍ آخر فيمن وقع في البئر: فإن كان على بدنه نجاسةٌ حكميَّةٌ بأن كان محدثًا أو جُنُباً أو حائضًا أو نُفساء، فعلى قول من لا يجعل هذا الماء (2)[مستعملاً] لا ينْزح شيءٌ؛ لأنَّه طهور، وكذا قولُ من جعله مستعملاً وجعل الماء المستعمل طاهراً؛ لأنَّ غير المستعمل أكثر، فلا يخرج عن كونه طهوراً، أمَّا إذا لم (3) يكن المستعمل غالبًا عليه، كما لو صبَّ اللبن في البئر بالإجماع أو بالت شاة (4) فيها عند محمَّد. انتهى.
وقال في موضع (5): ولو اختلط الماء المستعمل بالماء القليل؟. قال بعضهم: لا يجوز التوضُّؤ به، وإن قلَّ. وهذا (6) فاسدٌ.
أمَّا عند محمَّدٍ: فلأنَّه طاهرٌ لم يغلب على الماء المطلق، فلا يغيره عن صفة الطَّهورية كاللبن.
(1) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 327). وانظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق (1/ 265).
(2)
تحرف في المخطوط إلى: (المسافر).
(3)
في بدائع الصنائع: (ما لم).
(4)
تحرف في المخطوط إلى: (بالرشاه).
(5)
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 307). وانظر البحر الرائق في شرح كنز الدقائق (1/ 265).
(6)
تحرف في المخطوط إلى: (فهنا).
وأمَّا عندهما: فلأنَّ القليل ممَّا لا يمكنُ التَّحرُّزُ عنه، [يجعلُ] عفواً (1).
ثم الكثير عند محمدٍ ما يغلب على الماء المطلق.
وعندهما [15/ أ]: أن يستبين موضع (2) القطرة في الإناء. انتهى.
وقد علمت: أن الصحيح المُفَتَى بِهِ: رواية محمد، عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى -.
وقال محمد في كتاب الآثار، بعد رواية حديث عائشة: ولا بأس أن يغتسل الرجل مع المرأة، بدأت قبله أو بدأ قبلها (3).
إذا عرفت هذا لم يتأخر عن الحكم بصحّة الوضوء في الفساقي الموضوعة في المدارس عند عدم غلبة الظن بغلبة الماء المستعمل، أو وقوع نجاسة في الصغار منها.
فإن قلت: إذا تكرر الاستعمال هل يمنع ويجمع؟
قلت: الظاهر اعتبار هذا المعنى في النجس. فكيف بالطاهر.
(1) زاد في بدائع الصنائع: (ولهذا قال ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما حين سئل عن القليل منه: لا بأس به. وسئل الحسن البصريّ عن القليل؟ فقال: ومن يملك نشر الماء؟ وهو ما تطاير منه عند الوضوء وانتشر. أشار إلى تعذر التحرز عن القليل، فكان القليل عفواً، ولا تعذر في الكثير فلا يكون عفواً).
(2)
في بدائع الصنائع: (يتبيّن مواقع).
(3)
قال محمد بن الحسن في كتاب الآثار (1/ 64) رقم (47): قال: أخبرنا أبو حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وبعض أزواجه من إناء واحد، يتنازعان الغسل جميعًا. قال محمد: وبه نأخذ، لا نرى بأساً بغسل المرأة مع الرجل، بدأت قبله أو بدأ قبلها، وهو قول أبي حنيفة رضي الله عنه.
قال في المنتقى: قومٌ يتوضؤون صفًّا على شط نهرٍ جارٍ، فكذا في الحوض؛ لأنَّ ماء الحوض في ماءٍ جارٍ. انتهى.
وقد روي عن ابن أبي شيبة (1)، عن الحسن: في الجنب يُدخلُ يده في الإناءِ قبل أن يغسلها. قال: يتوضأ إن شاء.
وعن سعيد بن المسيب: لا بأسَ أن يغمس الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها (2).
وعن عائشة بنت سعد قالت: كان سعدٌ يأمرُ الجارية فتناوله الطهور من الجرة (3)، فتغمس يدها فيه. فيقال: إنها (4) حائضٌ. فيقول: إنَّ حيضها (5) ليست في يدها (6).
وعن عامر قال: كان أصحاب النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يُدخلون أيديهم في الإناء وهم جنبٌ، والنساء وهنَ حيّضٌ لا يرون بذلك بأساً - يعني: قبل أن يغسلوها - (7).
وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما في الرجل يغتسل منَ الجنابة، فينضح في إنائه من
(1) المصنف (893) قال: حدّثنا ابن إدريس، عن هشام، عن الحسن: في الجنب يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها، أو الرجل يقوم من منامه فيدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها؟ قال: إن شاء توضأ وإن شاء أهراقه.
(2)
المصنف (894).
(3)
تحرف في المخطوط إلى: (الحيض). صحح من المصنف لابن أبي شيبة.
(4)
في المصنف: (أنها).
(5)
في المصنف: (حيضتها).
(6)
المصنف (895).
(7)
المصنف: (896).
غسله؟ فقال: لا بأس به (1).
وعن الحسن (2) وإبراهيم (3) والزهري (4) وأبي جعفر (5) وابن سيرين (6) نحوه.
فإن قلت: فما محلُّ حديث: "لَا يَبُولَنَّ أَحَدكمْ فِي المَاء الدّائم، وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنَ الجَنَابَةِ؟ ".
قلتُ: استدلّ به الكرخيّ على عدم جواز التطهير بالمستعمل، ولا يطابق عمومه فروعهم المذكورة في الماء الكثير. فيحمل على الكراهة. وبذلك أخبر راوِي الحديث.
وأخرج ابن أبي شيبة (7)، عن جابرِ بن عبد الله قال: كُنا نستحبُّ أن نأخذ من ماء الغديرِ [15/ ب] ونغتسل به ناحيته (8).
وما ذكر من الفروع مخالفًا لهذا فبناء على رواية النجاسة، كقولهم: لو أدخل جنبٌ أو محدثٌ أو حائض يدهُ في الإناء قبل أن يغسلها، فالقياس: أن يفسد الماء.
(1) المصنف (784).
(2)
المصنف (787).
(3)
المصنف (786).
(4)
المصنف (789).
(5)
المصنف (788).
(6)
المصنف (785).
(7)
المصنف (1499).
(8)
في المصنف: (في ناحية).