المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[17]القول القائم في بيان تأثير حكم الحاكم - مجموعة رسائل العلامة قاسم بن قطلوبغا

[ابن قطلوبغا]

فهرس الكتاب

- ‌مَدخَل

- ‌الكِتَاب

- ‌وَصفُ المَخْطُوطِ

- ‌صِحَّةُ نِسْبَةِ المَجمُوع

- ‌مَصَادِر المَجْمُوع

- ‌عَمَلُنَا فِي المَجْمُوعِ

- ‌تَرْجَمَةُ العلَّامة قَاسِم بن قُطْلُوبغَا

- ‌ اسمه ونسبه:

- ‌ مولده:

- ‌ صفته:

- ‌ العلوم التي برع فيها:

- ‌ مذهبه:

- ‌ المناصب التي وليها:

- ‌ رحلاته العلمية:

- ‌ شيوخه:

- ‌ تلاميذه:

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌ مصنفاته:

- ‌ القرآن وعلومه:

- ‌ التخريج:

- ‌ الرجال وعلومه:

- ‌ الحديث وعلومه:

- ‌ الفقه وعلومه:

- ‌ أصول الفقه:

- ‌ السيرة:

- ‌ النقد:

- ‌ اللغة العربية:

- ‌ علم الكلام:

- ‌ مرضه ووفاته:

- ‌ مصادر الترجمة:

- ‌تَرْجَمَةُ شَمْس الدِّين ابن أَمِيْر حَاج الحَلَبِيِّ

- ‌ اسمه:

- ‌ أولاده:

- ‌ صفته:

- ‌ المناصب التي تولاها:

- ‌ تصانيفه:

- ‌ وفاته:

- ‌ مصادر ترجمته:

- ‌[1]رَفْعُ الاشْتِبَاهِ عَنْ مَسَائِلِ المِيَاهِ

- ‌ لَا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُفْتِي بِقَوْلنَا مَا لَمْ يَعْرِفْ مِنْ أَيْنَ قُلْنَاهُ

- ‌ سئلت عن مسائل وأجوبتها منقولة فلا بأس نذكرها تتميماً:

- ‌[2]رِسَالَةٌ فِيهَا أَجْوِبَةٌ عَنْ بَعْضِ مَسَائِلَ وَقَعَتْ

- ‌ إذا أصابوا في البئر فأرة متفسخة، وكانوا قبل ذلك قد طبخوا أو عجنوا من مائها، هل يؤكل

- ‌ رجل يمسح على خرقة على جراحةٍ بيده

- ‌ رجلٍ صلّى الظهر، فشكّ وهو في الصلاة أنه على وضوءٍ أم لا، ما الفعلُ

- ‌ إذا تعمَّد ترك الواجب أو تأخيره، لم يجب عليه سجود السهو

- ‌ المسبوق إذا سلَّم مَعَ الإمام ساهيًا، هل تبطل صلاته

- ‌ رجلٌ أجَّرَ دارًا

- ‌ رجلٌ له ثلاث مئة قد حال عليها الحول، فخلطها بخمس مئة، ثم ضاع من المال كله خمس مئة

- ‌ في رجلٍ صائم قال له آخر: امرأته طالق إن لم يفطر

- ‌ التقبيل الفاحش

- ‌[3]النَّجَدَات بِبَيَانِ السَّهْوِ في السَّجْدَاتِ

- ‌[4]أَحْكَامُ الفَأْرَة إِذَا وَقَعَتْ فِي الزَّيتِ وَنَحْوِه

- ‌ تنجّس الدهن:

- ‌[5]أَحْكَامُ الصَّلَاةِ عَلَى الجَنَازَةِ فِي المَسْجِدِ

- ‌لو وضعت الجنازة خارج المسجد والإمام خارج المسجد، ومعه صفٌّ والباقي في المسجد

- ‌[6][رِسَالَةٌ فِي] التَّرَاوِيحِ وَالوِتْرِ

- ‌وَلْيَجْعَلْ آخِرَ صَلَاتِهِ مِنَ اللَّيْلِ وِتْرًا

- ‌فصلٌالانتظار من كل ترويحتين قدر الترويحة

- ‌فصل وقدر القراءة في التراويح

- ‌فصلٌإذا صلّى الإمام التراويح قاعدًا لعذرٍ أو لغير عذرٍ والقوم قيام

- ‌فصلٌ وإذا صلَّى التراويح قاعدًا من غير عذرٍ

- ‌فصلٌ إذا صلّى التراويح مقتديًا بمن يصلي المكتوبة، أو وترًا، أو نافلة غير التراويح

- ‌فَصْلٌ إذا صلَّى ترويحةً واحدةً بتسليمةٍ واحدةٍ، وقد قعد في الثّانية قدر التشهد

- ‌[7]الفَوَائِدُ الجُلَّةُ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِبَاهِ القِبْلَةِ

- ‌ صورة ما كتبه المرحوم الشيخ العلامة يحيى بن محمد الأقصرائي الحنفي

- ‌[8]أَحْكَامُ القَهْقَهةِ

- ‌ تتمة:

- ‌ فائدة:في التوكيل في النكاح

- ‌[9]الأَصْلُ فِي بَيَانِ الفَصْلِ والوَصْلِ

- ‌[10]الأُسُوس في كَيْفَّيةِ الجُلُوسِ

- ‌[11]تَحْرِيرُ الأَقْوَالِ في صَوْمِ السِّتِّ مِن شَوَّال

- ‌ فائدة:

- ‌[12]رِسَالَةٌ في قَضَاءِ القَاضِي

- ‌[13][رِسَالَةٌ فِي] العِدَّةِ

- ‌كتب على هذه بعض مشايخ العصر ما صورته:

- ‌[فَتْوَى عَنِ القَصْرِ وَالإتْمَامِ]

- ‌[14]مَسْأَلَةٌ فِي حَطِّ الثَّمَنِ وَالإِبْرَاءِ مِنْهُ وَصَحَّةِ ذَلكَ

- ‌[15]مِن مَسَائِلِ الشُّيُوع

- ‌سئلتُ عن بيع حصّةٍ شائعةٍ من عقارٍ

- ‌[الفصل] الأوّل:

- ‌ أقسام الشيوع

- ‌ الفصل الثاني:

- ‌ الفصل الثالث:

- ‌ أجرُ الشّائع

- ‌قرض المشاع

- ‌ وهب الشائع

- ‌ الشيوع الطارئ:

- ‌ وقف الشائع:

- ‌ رهنَ الشائع

- ‌ الفصل الرابع:

- ‌ إجارة المشاع:

- ‌ الإعارة في الشائع:

- ‌ الرهن

- ‌ الصّدقة:

- ‌ الوقف:

- ‌[16]أَحْكَامُ التَّزْكِيَةِ وَالشَّهَادَةِ

- ‌سئلتُ عن رجل شهدَ عليه عند قاضٍ مالكي المذهب:

- ‌صورة التزكية

- ‌ العدالة

- ‌البلوغ

- ‌ البصر:

- ‌ العدد في الشهادة:

- ‌مَسَائِلُ التَّزْكِيَة

- ‌[17]القَوْلُ القَائِم في بَيَانِ تَأْثِيرِ حُكْمِ الحَاكِمِ

- ‌[18][رِسَالَةٌ في] مَا يُنقَضُ مِنَ القَضَاءِ

- ‌[19]تَحْرِيرُ الأَقْوَالِ في مَسْأَلَةِ الاسْتِبْدَالِ

- ‌[20]مَسْأَلَةٌ فِي الوَقْفِ وَاشْتِرَاطِ النَّظَرِ لِلأَرْشَدِ فَالأَرْشَدِ

- ‌وسئلت عن واقفٍ شرط أن يكون النظر للأرشد فالأرشد

- ‌ صورة سؤال ورد على الشيخ رحمه الله من دمشق:

- ‌ مسألةٌ مهمّةٌ

- ‌ مسألة أخرى:

- ‌[21]صُورَةُ سُؤَالَاتٍ وَأَجْوِبَةٍ عَنْهَا

- ‌ورد على الشيخ - رحمه الله تعالى - من دمشقٍ:

- ‌ باب العول:

- ‌ باب الرّدّ

- ‌ فائدة:

- ‌[22]مَسْأَلَةُ تَعْلِيقِ الطَّلَاق بِالنِّكاحِ

- ‌هل تكون الخلوة إجازةً

- ‌هل للفضولي فسخ العقد قبل الإجازة

- ‌صورة السجل:

- ‌ تتميم:

- ‌[23]مَسْأَلَةٌ في طَلَاقِ المَرِيضِ زَوْجَتهُ

- ‌ فائدة:

- ‌ فائدة أخرى:

- ‌ نكتة:

- ‌سئلت عن رجلٍ طلّق امرأته طلقتين وراجعها من الثانية

- ‌سئل عن رجلٍ حلف بالطلاق من زوجته

- ‌ سئل - رحمه الله تعالى -: عن امرأةٍ

- ‌سئل رحمه الله: عمّن باع داراً بيع التقاضي وقبض بعض الثمن، ثم أقبض الباقي بعد هذه

- ‌ مسألة:

- ‌سئل عن رجل باع عن رجلٍ

- ‌سئل عن رجلٍ باع ثوباً

- ‌سئل عن رجلٍ باع ديناراً

- ‌سئل عن رجلٍ اشترى من صيّادِ سمكةً ودفع ثمنها

- ‌سئل رحمه الله: عن رجلٍ اقترض من رجلٍ مالاً على تركةِ فلان

- ‌[24][رِسَالَةٌ في] حَفْرِ المُرَبَّعَاتِ

- ‌ سئل - رحمه الله تعالى - عن رجلٍ استأجر أُجراء يحفرون له مربعة

- ‌سئل عن رجلٍ استأجرَ جميع بستانين

- ‌سئل الشيخ من مدينة غزّة:

- ‌سئل - رحمه الله تعالى - عمّن عليه دَينٌ مستغرق

- ‌سئل رحمه الله عن رجل عليه دُيونٌ

- ‌سئل رحمه الله: عن رجلٍ طلّق زوجته البالغة طلاقًا بائنًا

- ‌[25]حُكْمُ الخُلْعِ وَحُكْمُ الحَنْبَلي فِيهِ

- ‌سئل رحمه الله عن زوجين اختصما بعد الفرقة في صغيرةٍ بينهما

- ‌سئل رحمه الله: ما تقول في قول الخلاصة وغيره: إنّ الشّاهدين إذا شهدا أنّ القاضي قضى لفلانٍ على فلانٍ بكذا

- ‌سئل رحمه الله: عن رجلٍ وقف شيئًا معيّنًا من ماله على نفسه

- ‌سئل رحمه الله: في قول السّادة الحنفية، فيمن استأجر عبدًا للخدمة

- ‌سئلتُ عن واقفٍ وَقَفَ وقفًا وشرطَ لنفسهِ التبديل والتغيير، فغيّر الوقف لزوجته

- ‌مُلْحَق المَجْمُوعِ تَعْرِيفُ المُسْتَرْشِد في حُكْمِ الغِراسِ في المَسْجِدِ

- ‌ تنبيه:

- ‌ تذييل:

الفصل: ‌[17]القول القائم في بيان تأثير حكم الحاكم

مَجْمُوعَةُ رَسَائِل العَلَّامَة قَاسِم بن قُطْلُوبُغَا

[17]

القَوْلُ القَائِم في بَيَانِ تَأْثِيرِ حُكْمِ الحَاكِمِ

تَأْلِيفُ

العَلَّامَة قَاسِم بْنِ قُطْلُوبُغَا الحَنَفِي

المولود سَنَة 802 هـ والمتوفى سَنة 879 هـ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

ص: 511

(17)

القَوْلُ القَائِم في بَيَانِ تَأْثِيرِ حُكْمِ الحَاكِمِ

قال رحمه الله:

قد كان جرى بيني وبين علماء العصر المذاكرة ببعض المسائل الفقهية، وكان منها مسألة قضاء القاضي بشهادة في العقود والفسوخ، وكنت ذكرت له ما حضرني في ذلك، ثم بعد مدّة سألني مرّةً أن أكتب له ما كان شيء في ذلك المجلس على وجه التحقيق.

فقلت مستعينًا بالله، إنه حسبي ونعم الوكيل: إذا قضى القاضي بشهادة الزور في العقود والفسوخ ينفُذ ظاهرًا وباطنًا عند أبي حنيفة، وهو قول أبي يوسف أوّلًا.

وقال أبو يوسف في قوله الآخر: ينفذ ظاهرًا لا باطنًا. وهو قول محمد.

وحكى الطحاوي (1) قول محمّدٍ مع أبي حنيفة، ومعنى نفوذه ظاهرًا:

(1) قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 155) بعدما ذكر حديث أم سلمة: ذهب قوم إلى أن كل قضاء قضى به حاكم من تمليك مالٍ، أو إنابة ملكٍ عن مال، أو من إثبات نكاح، أو من حلّه بطلاق، أو بما أشبهه، أنّ ذلك كلّه على حكم الباطن، وأنّ ذلك في الباطن كهو في الظّاهر، وجب ذلك على ما حكم به الحاكم. وإن كان ذلك في الباطن على خلاف ما شهد به الشاهدان، وعلى خلاف ما حكم به بشهادتهما على الحكم الظاهر لم يكن قضاء القاضي موجبًا شيئًا، من تمليك، ولا تحريم، ولا تحليلٍ، واحتجوا بذلك بهذا الحديث. وممن قال بذلك أبو يوسف وخالفهم =

ص: 513

نفوذه فيما بيننا كثبوت التمكين والنفقة والقسم في النكاح ونحو ذلك.

ومعنى نفوذه باطنًا: ثبوت الحل عند الله تعالى. وشرط ذلك: أن يكون الدعوى بسببٍ معيّنٍ كنكاحٍ أو بيعٍ أو طلاقٍ أو إعتاق. وفي الأملاك المرسلة ينفذ ظاهرًا فقط باتفاقهم. وكذا فيما لم يكن إنشاؤه كنكاح المنكوحة والمعتدة.

فمن العقود: ما إذا ادّعى رجلٌ على امرأةٍ نكاحًا، وأنكرت، فأقام عليها شاهدي زورٍ، وقضى القاضي بالنكاح بينهما، حلّ للزوج وطؤها، وحل للمرأة التمكين على قول أبي حنيفة. وهو قول أبي يوسف الأوّل خلافًا لمحمّد وزفر. وهو قول أبي يوسف الآخر.

وكذا إذا ادّعت المرأة على رجلٍ نكاحًا وأنكره.

ومنها: ما إذا قضى القاضي بالبيع بشهادة الزور سواء كانت الدعوى من جهة المشتري مثل ما إذا قال: بِعني هذه الجارية، أو البائع مثل أن يقول: اشتريت مني هذه الجارية، فإنه يحل للمشتري وطؤها في الوجهين جميعًا.

واختلف المشايخ: هل يشترط في النكاح أن يكون بحضرة من يصلح شاهدًا فيه أم لا. وفي البيع هل يكون بما لم يتغابن بمثله في الثمن أم لا. فوجه من شرط حضور الشهود: أنّ الشهادة شرط صحة العقد، فلا بد من ذلك ووجهه في البيع:. . . . . . . . . . . . . . .

= في ذلك آخرون فقالوا: ما كان من ذلك من تمليك مالي، فهو في حكم الباطن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من قضيت له بشيءٍ من حقّ أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع قطعةً من نارٍ". وما كان من ذلك من قضاءٍ بطلاقٍ أو نكاح بشهود ظاهرهم العدالة وباطنهم الجرحة، فحكم الحاكم بشهادتهم على ظاهرهم الذي تعبّد الله أن يحكم بشهادة مثلهم معه، فذلك يحرم في الباطن كحرمته في الظّاهر.

ص: 514

أن القاضي يصير مُنْشِئًا (1)، وإنما يصير مُنْشِئًا في ما لَهُ ولاية الإنشاء وليس له البيع بغبنٍ فاحشٍ؛ لأنه تبرّع.

ووجه قوله: أن يشترط ذلك: أن الشهادة شرط لإنشاء النكاح قصدًا والإنشاء هنا اقتضاءٌ فلا يشترط، وإن البيع بغبنٍ فاحشٍ مبادلة. وهكذا يملكه العبد المأذون له، والمكاتب وإن لم يملكا التبرع، فكان كسائر المبدلات.

ومن الفسوخ مثلًا: إذا ادّعى أحد المتعاقدين فسخ العقد في الجارية، وأقام شاهدي [زور] ففسخ القاضي. حلّ للبائع وطؤها.

ومنها: ما إذا ادّعت على زوجها أنّه طلّقها ثلاثًا فأقامت شاهدي زورٍ وقضى القاضي بالفرقة، وتزوجت بزوجٍ آخرَ بعد انقضاء العدة حلّ للزوج الثاني وطؤها ظاهرًا وباطنًا.

عُلِمَ أنّ الزوج الأول لم يطلقها بأن كان أحد الشاهدين علم أو لم يعلم بذلك.

وقال أبو يوسف ومحمد: إن كان عالمًا بحقيقة الحال لا يحل له الوطءُ عندهما. لم تقع باطنًا، وإن لم يعلم بها حل له ذلك.

وأمّا الزوج [الأول] فلا يحل له الوطء عند أبي يوسف [آخرًا] وإن كانت الفرقة لم تقع باطنًا؛ لأن قول أبي حنيفة أورث شبهةً؛ ولأنه لو فعل ذلك كان زانيا عند الناس فيحدّونه.

وقال شيخ الإسلام: إنّ على قول أبي يوسف يحل وطؤها سرًّا.

وعلى قول محمّد: لا يحل للأوّل وطؤها ما لم يدخل بها الثاني. فإن

(1) في المخطوط: متثبتًا والصواب ما أثبت صُحِّحَ من المحيط البرهاني وشرح الهداية.

ص: 515

دخل بها لا يحلّ سواء علم الثاني بحقيقة الحال أو لم يعلم. هذه نبذة مما يظهر فيه الخلاف، وبقولهما قال مالك والشافعي وأحمد في أحد الروايتين.

قال القاضي عياض في شرح مسلم: مذهبنا: أن حكم الحاكم لا يحل الحرام سواء الدماء والأموال والفروج.

وعند أبي حنيفة: يحل في الفروج.

واحتجّ أصحابنا عليه بعموم الحديث.

يعني حديث أمّ سلمة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ (1) بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ". متّفقٌ عليه (2).

(1) أعرف بالحجّة وأفطن لها من غيره.

(2)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 719) رقم (448) والحميدي (296) والإمام أحمد (6/ 203 و 290 و 307 و 308 و 320) والشافعي في المسند (2/ 78 ترتيب السندي) والأم له (6/ 201 - 202 و 7/ 36) والبخاري (2680 و 6967 و 7169) ومسلم (1713) وأبو داود (3583) والترمذي (1339) والنسائي في الكبرى (5943 و 5956) وفي المجتبى (8/ 233 و 247) وابن ماجه (2317) وأبو عوانة (4/ 3 - 5) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 154) والحارث بن أبي أسامة (462 زوائد) وابن الجارود (999) وأبو يعلى (6880 و 6881 و 6994) وابن حبان (5070 و 5072) والطبراني في الكبير (23/ رقم 798 و 803 و 907) ومسند الشاميين (1271) والدارقطني في سننه (4/ 239) والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 143 و 149) والخطيب في تاريخه (4/ 10 و 7/ 179) والبغوي في شرح السنة (2506) والروايات ألفاظها متقاربة.

ص: 516

وبهذا الحديث تمسّك الشافعي أيضًا.

قال البيهقي في كتاب المعرفة (1): حدثنا أبو عبد الله وأبو بكر وزكريا وأبو سعيد قالوا: حدثنا أبو العباس (2) محمّد بن يعقوب، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا الشافعي، حدثنا مالكٌ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أمّ سلمة: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ". الحديث.

قال الشافعي في رواية أبي سعيدٍ (3): فَبِهَذَا نقُولُ، وفي هذا البيان الذي لا إشكال معه - بحمد الله ونعمته- على عالم، فنقول: وَلِيُّ السرائر الله تبارك وتعالى، فالحلال والحرام ما يعلمه الله (4)، والحكم على ظاهر الأمر، وافقَ ذلك السرائرَ أو خالفها، فلو أن رجلًا أقام (5) بيّنةً على آخر، فشهدوا أنّ له عليه مئة دينارٍ، فقضى بها القاضي، لم يحلّ للمقضي له أن يَأْخُذَهَا إذا علمها باطلًا، ولا (6) يحلّ حكم القاضي (7) على المقضيّ له والمقضي عليه، ولا يجعل الحلال على كل واحدٍ منهما حرامًا، ولا الحرام

(1) أخرجه البيهقي في المعرفة (19852). ومن نفس الطريق في السنن الكبرى (10/ 149) وليس فيه: "مثلكم".

(2)

أقحم في المخطوط: (حدثنا).

(3)

وانظره أيضا في الأم للشافعي (7/ 42)(باب في حكم الحاكم).

(4)

في المعرفة: (فالحلال والحرام على ما يعلم الله).

(5)

في المعرفة: (زوّر).

(6)

في المخطوط: (لا).

(7)

في المعرفة: (الحاكم).

ص: 517

لواحدٍ (1) منهما حلالًا.

ثم ساق الكلام في الطلاق والبيع، وغير ذلك على هذا القياس.

قال (2): وروينا عن ابن سيرين، عن شريحٍ: أنّه كان يقول للرّجل: إنّي لأقضي (3) لك، وإنّي لأظنّك ظالمًا، ولكن لا يسعني أن لا أقضي إلّا بما يحضرني من البيّنة (4)، وإنّ قضائي لا يحلّل حرامًا. انتهى.

وقال الرافعي في شرح الوجيز: حكم القاضي على وجهين:

أحدهما: ما ليس بإنشاء، وإنما هو تنفيذٌ لما قامت الحجّة عليه. وهذا ينفذ ظاهرًا لا باطنًا سواء كان بمالٍ أو نكاحٍ.

الثاني: الإنشاءات كالتفريق بين المتلاعنين، وفسخ النكاح بالعنّة. وهذا فيه وجهان:

أحدهما: المنع. وبه قال الأستاذ أبو إسحاق.

(1) في المعرفة: (على واحد).

(2)

البيهقي في معرفة السنن والآثار (19855).

ورواه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 181) عن شريحٍ: أنّه كان يقول للرّجل: إنّى لأقضي لك وإنّي لأظنّك ظالمًا، ولكن لا يسعني إلّا أن أقضي بما يحضرني من البيّنة، وإنّ قضائي لا يحلّ لك حرامًا.

ورواه ابن أبي شيبة (22977) عن محمد قال: كان شريح مما يقول للخصم: يا عبد الله، والله إني لأقضي لك، وإني لأظنك ظالمًا، ولكني لست أقضي بالظن، ولكن أقضي بما أحضرني، وإن قضائي لا يحل لك ما حرّم عليك.

(3)

تحرف في المخطوط إلى: (لا أقضي).

(4)

في المعرفة: (يسعني إلّا أن أقضي بما يحضرني من السنة).

ص: 518

الثاني: أنه ينفذ باطنًا.

وجهٌ ثالثٌ: وهو التفريق بين من يعتقد حكمه من الخصمين. والأصحّ عند جماعةٍ: ينفذ في حق من يعتقد. وفي حقّ من لا يعتقد. واحتجّ بالحديث المتقدم.

وبه احتجّ ابن قدامة في المغني لمذهب أحمد. ثم قال بعد ذكره: وهذا يدخل فيه ما إذا ادّعى أنه اشترى منه شيئًا، فحكم له؛ ولأنه حكم بشهادة زورٍ فلا يحلّ له ما كان محرّمًا عليه، كالمال المطلق.

وللرافعي نحو هذا القياس أيضًا.

وتمسك بهذا الحديث أيضًا أهل الظّاهر كما ذكره الحافظ علي بن حزم بعد روايته له من طريق عبد الرزاق.

واستدلّ به الطحاوي لأبي يوسف، إذ كان عنده أن محمدًا مع أبي حنيفة.

واستدلّ به لهما من جعله مع أبي يوسف. واستدل لهما أيضًا: بأن شهادة الزور حجّة ظاهرًا لا باطنًا، فصار كما إذا كان الشهود كفّارًا أو عبيدًا، فإنه ينفذ ظاهرًا لا باطنًا، وبأنّ القضاء إظهار ما هو ثابتٌ، لا إثبات ما لم يكن ثابتًا. فلا ينفذ باطنًا.

واستدلّ لأبي حنيفة: بأنه لما كان إظهار ما ليس بثابتٍ حالاًّ. وقد كلّف الإظهار، فيجب إثباته اقتضاءً لئلا يكون تكليف ما ليس في الوسع، وأنّه ممكن.

فالقاضي نائبٌ عن الله، ولله ولاية الإثبات، فصار كأنّ الشارع قال: أثبت الحكم بينهما، ويجوز ذلك وإن لم يوجد الرضا؛ لأنّ للمولى ولاية إجبارِ

ص: 519

العبد، وكلّنا عبيدهُ وإماؤه. وبهذا يخرج الجواب عن التعليل الأخير لهما.

واستدلّ لهما أيضًا: بأنّ الشهودَ صَدَقَةٌ عند القاضى؛ لأنّ الغرض أن لا يطّلع على شيءٍ مما يجرحهم.

ومثل هذه الشهود هو الحجّة المعتبرة في الشّرع لتعذّر الوقوف على الصّدق حقيقة؛ لأنّ ذلك أمرٌ باطنٌ لا يعلمه إلا الله. فلو اشترط للقضاء لما أمكن القضاء أصلًا.

وإذا وجدت الحجّة الشّرعيّة، فعند الحاكم ظاهرًا وباطنًا بخلاف الكفر والرق؛ لأن الوقوف عليهما متعسرٌ بالأمارات. وهذان الطريقان للمتأخرين.

واستدلّ في الأصل (1) فقال: بلغنا عن عليٍّ كرَّم الله وجهه: أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ عِنْدَهُ بَيِّنَةً عَلَى امْرَأَةٍ أنَّهُ تَزَوَّجَهَا، فَأَنْكَرَتْ، فَقَضَى (2) لَهُ بِالْمَرْأَةِ. فَقَالَتْ: إِنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْنِي، فَأَمَّا (3) إذَا قَضَيْت عَلَيَّ فَجَدِّدْ نِكَاحِي. فَقَالَ: لا أُجَدِّدُ نِكَاحَك، الشَّاهِدَانِ زَوَّجَاكِ.

قال: وبهذا نأخذ، فلو لم ينعقد النِّكاح بينهما باطنًا بالقضاء لما امتنع من تجديد العقد عند طلبها، ورغبة الزَّوج فيها، وقد كان في ذلك تحصينها من الزِّنا، وصيانة مائه (4).

(1) أي: محمد بن الحسن - رحمه الله تعالى -.

(2)

في المخطوط: (فقال).

(3)

تقرأ في المخطوط: (لم يفرق حتى قاما).

(4)

ذكر قول محمد في الأصل إلى هنا صاحب رد المحتار (21/ 427) وقال: من رسالة العلّامة قاسمٍ المؤلّفة في هذه المسألة، وقوله: وبهذا نأخذ دليلًا لما حكاه الطّحاويّ من أنّ قول محمّدٍ كقول أبي حنيفة.

ص: 520

واستدل الطحاوي (1) بما رواه، عن يونس، حدثنا سفيان، عن عمرو ابن دينار، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عمر قال: فَرّق النبي صلى الله عليه وسلم بينَ أخوي بني عجلان وقال لهما: "حِسَابُكُمَا عَلَى اللهِ، [الله] يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا". الحديث.

حدثنا يونس، حدثنا سفيان، عن الزهري، سمع سهل بن سعدٍ السّاعدي يقول: شهدتُ النبي صلى الله عليه وسلم فرّق بين المتلاعنين فقال: يا رسول الله! كذبت عليها إن أمسكتها. قال: "هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا"(2).

حدثنا يونس، حدثنا ابن وهب، حدثنا مالك (3)، عن ابن شهاب: أنّ سهلَ بن سعدٍ الساعدي أخبره: أنَّ عويمرًا العجلاني أتى عاصم بن عدي الأنصاري. فذكره (4).

حدثنا أحمد بن أبي داود، حدثنا الوهبي، حدثنا الماجشون، عن الزهري، عن سهل بن سعد، عن عاصم بن عدي قال: جاء (5) عويمر. فذكر مثله (6).

(1) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 155) وزاد: قال: يا رسول الله، صداقي الذي أصدقتها؟ قال:"لا مال لك عليها، إن كنت أصدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كاذبًا عليها، فهو أبعد لك منه".

(2)

أخرجه أحمد (5/ 334 و 335 و 336) والدارمي (2235 و 2236) البخاري (4959) ومسلم (1492) وأبو داود (2245 و 2248 و 2251) والنسائي (6/ 143) وابن ماجه (2066) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 155).

(3)

في شرح المعاني: (هلال).

(4)

أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 155).

(5)

في شرح معاني الآثار: (جاءني).

(6)

أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 156).

ص: 521

قال: فقد علما: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لو علم الكاذب منهما بعينه لم يفرّق بينهما، ولم يلاعن.

ولو علم أنّ امرأةً صادقة يحدّ الزوج لها بقذفه إيّاها.

ولو علم أنّ الزوج صادقٌ لحدّ المرأة للزنا الذي كان منها.

فلما خفي الصادق منهما على الحاكم، وجب حكم آخر، بحرمة الفرج على الزوج في الباطن والظّاهر، ولم يرد ذلك إلى حكم الباطن.

فكما ثبت هذا في المتلاعنين، ثبت أن الفِرَقَ كلها، والقضاء مما ليس فيه تمليك أموال أنه على حكم الظاهر، لا على حكم الباطن، وإن حكم القاضي يحدث في ذلك التحريم والتحليل في الظاهر والباطن جميعًا، وأنَّه على خلاف الأموال (1) التي يقضي بها الظّاهر وهي في الباطن على خلاف ذلك.

فتكون الآثار الأول على القضاء بالأموال، والآثار الأخر على القضاء بغير الأموال (2) من إثبات العقود وحلها حتى يتبين (3) وجوه الآثار والأحكام والقضاء (4).

وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتبايعين إذا اختلفا في الثمن والسلعة قائمة: أنهّما يتحالفان ويترادّان.

فتعود الجارية للبائع، ويحلّ له فرجها، ويحرم على المشتري.

(1) تحرف في المخطوط إلى: (الإنزال) والمثبت من شرح المعاني.

(2)

تحرف في المخطوط إلى: (الأموات) والمثبت من شرح المعاني.

(3)

في شرح المعاني: (حتى تتفق معاني).

(4)

في شرح معاني الآثار: (ولا تضاد).

ص: 522

ولو علم الكاذب منهما بعينه إذًا لقضى (1) بما يقول الصّادق، ولم يقض بفسخ البيع، ولا بوجوب حرمة فرج الجارية المبيعة على المشتري، فلما كان على ما وصفنا، كان كذلك كل قضاءٍ بتحريمٍ أو تحليلٍ، أو عقد نكاحٍ [أَوْ حِلِّهِ] على ما حكم القاضي فيه في الظاهر، لا على حكمه في الباطن. وهذا قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن (2). انتهى.

وبجوابه المذكور هنا من حديث أم سلمة: أجاب جماعةٌ من المتأخرين، وأجاب في البدائع بجوابٍ آخر وهو: أنَّ حديث أم سلمة ورد في مواريث دَرَسَتْ. والميراث ومطلق الملك سواء في الدعوى. وبه نقول.

قلت: قد روى ذلك الطحاوي (3)، عن الربيع المؤذن، عن أسدٍ، حدثنا

(1) في المخطوط: (إذ القضاء).

(2)

شرح معاني الآثار (4/ 156).

(3)

أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 154 - 155) وشرح مشكل الآثار وقال في شرح المشكل (2/ 233 - 234): فقال قائلٌ ممن لا علم له بوجوه أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذي في هذا الحديث مما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر كلّ واحدٍ من الرجلين المذكورين فيه، بعد تقاسمهما ما اختصما إليه فيه بتحليل كل واحدٍ منهما صاحبه من حقٍّ إن كان له، فيما أخذه صاحبه بحق القسمة محالٌ؛ لأن التحليل إنما يعمل في ما كان في ذمم المحللين، لا فيما كان في أيديهم مما هو عرضٌ، أو حصة في عرضٍ، إلا أن رجلًا لو قال لرجل: قد حللتك من داري التي لي في يدك، أو من عبدي الذي لي في يدك أن ذلك التحليل لا يملك به المحلل شيئًا من رقبة تلك الدار، ولا من رقبة ذلك العبد، وهذا مما لا اختلاف فيه، وكيف يجوز أن تقبلوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد رويتموه في هذا الحديث من أمره كل واحدٍ من الخصمين اللذين اختصما إليه بعد مقاسمته صاحبه بتحليله من حقٍّ إن كان له في يده. =

ص: 523

وكيع، عن أسامة بن زيد (1)، سمع عبد الله بن رافع (2) مولى أم سلمة، [عَنْ أُمّ سَلَمَة] قالت: جاءَ رجلانِ من الأنصار يختصمان في مواريث بينهما قد دَرَسَتْ، ليست فيها بيّنة (3). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّكمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وإِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نحوِ مَا أَسْمَعُ مِنْكُمْ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ يَأتِي بِهَا إسْطَامًا (4) في عُنُقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قال:

= فكان جوابنا له: أن التحليل الذي في هذا الحديث لم يرد به رسول الله صلى الله عليه وسلم ما توهّمه عليه، وإنما أراد به أن الشيء الذي يقتسمانه قد يكون فيما أخذه أحدهما حق لصاحبه، فيكون حرامًا عليه أخذه وحرامًا عليه الانتفاع به، وإذا حلّله منه، حلّ له الانتفاع به، وكان ذلك حرامًا عليه لو لم يكن ذلك التحليل، وكان ما هما فيه لا يقدر فيه على تخليص لهما من شيء من أسبابه خلاف ذلك؛ لأنهما لا يقدران على عقد بيع فيه، إذ كان كل واحدٍ منهما لا يدري ما يحاول بيعه من ذلك، وأن ذلك إذا كان في البيع غير مقدورٍ عليه كان في الهبة والصّدقة كذلك أيضًا، وكانت كل واحدةٍ منهما من العمل في ذلك أبعد من عمل البيع فيه، وكان المقدور عليه في ذلك التحليل من كونه في يد الذي ليس له، والانتفاع به، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمقدور عليه في ذلك، ونقلهما به من حال حرمة قد كانت قبله إلى حال حلّ خلفها، وكان ما كان منّة من الله عليه في ذلك حكمه، وبالله التوفيق.

(1)

تحرف في المخطوط إلى: (يزيد). وهو أسامة بن زيد الليثي، أبو زيد المدني، روى له مسلم في الشواهد، وهو حسن الحديث. وقال ابن حجر في التقريب: صدوق يهم.

(2)

تحرف في المطبوع من شرح المعاني إلى: (نافع).

(3)

في شرح معاني ومشكل الآثار: (بينهما).

(4)

السطام: المسعار، لحديدة مفطوحة يحرك بها النار. والإسطام: المسعار. القاموس المحيط.

ص: 524

فبكى الرّجلان. فقال كلُّ واحدٍ منهما: حَقِّي لأخي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا إِذَا فَعَلْتُمَا، فَاذْهَبَا، فَاقْتَسِمَا، وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ"(1). انتهابًا ثُمّ يحلل كلّ واحدٍ منهما صاحبه.

وفرّقوا بين العقود والفسوخ، وبين الأملاك المرسلة، عن إثبات سببٍ ثانٍ في الأسباب كثرةً، ولا يمكن القاضي تعيين شيءٍ منها بدون الحجة، فلا يكون مخاطبًا بالقضاء، بالملك، وإنّما هو مخاطبٌ بقصر يد المدّعى عليه عن المدعي. وذلك نافذٌ منه، ظاهرًا. فإمّا أن ينفذ باطنًا بمنزلة إنشاءٍ جديدٍ، فليس بقادرٍ عليه بلا سببٍ شرعي.

وأجاب الحافظ موفق الدين ابن قدامة في كتابه المغني عمّا استدل به لأبي حنيفة فقال (2): أمّا الخبر عن عليٍّ إن صحَّ، فلا حجّة فيه؛ لأنّه أضاف

(1) لفظ شرح المعاني (4/ 154): فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشرٌ، وإنه يأتي الخصم، ولعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأقضي له بذلك، وأحسب أنه صادقٌ، فمن قضيت له بحق مسلمٍ، فإنما هي قطعة من النّار، فليأخذها، أو ليدعها". فبكى الرجلان، وقال كل واحد منهما: حقّي لأخي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إذ فعلتما هذا، فاذهبا، فاقتسما وتوخيا الحق، ثم استهما، ثم ليحلل كل واحدٍ منكما صاحبه".

وجاء في شرح مشكل الآثار (758) بلفظ: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشرٌ، وإنه يأتيني الخصم، ولعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأقضي له بذلك، وأحسب أنه صادقٌ، فمن قضيت له بحق مسلمٍ، فإنما هي قطعة من النّار، فليأخذها، أو ليدعها". فبكى الرجلان، وقال كل واحد منهما: حقي لأخي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إذ قد فعلتما هذا، فاذهبا، فاقتسما وتوخيا الحق، ثم استهما، ثم ليحلل كل واحدٍ منكما صاحبه".

(2)

(11/ 408).

ص: 525

التزويج إلى الشاهدين لا إلى حكمه، ولم يجبها إلى التزويج، فإن (1) فيه طعنًا على الشهود، وأمّا (2) اللعان: فإنّما حصلت الفرقة به، لا بصدق الزوج (3)، ولهذا لو قامت البيّنة [به] لم ينفسخ النكاح. انتهى.

قلت: يُجاب عن جوابه: بأنّ إضافته التزويج إلى الشهود، فإنهم هم الذين الجؤوه إلى الحكم. وذلك لا يمنع ما قلنا. وأمّا اللعان: فمن رد الحلف إلى المختلف، وذلك: أن الفرقة عندنا إنّما تقع بحكم الحاكم لا باللعان. وعند أحمد على أشهر الروايتين: يقع بلعانهما قبل الحكم. وكذا عند مالكٍ. وعند الشافعي بعد فراغ لعان الزوج.

قال الرّافعي: هذه الأحكام تترتّب بمجرّد لعان الزّوج، ولا يتوقّف على شيءٍ من ذلك على لعانهما، ولا على قضاء القاضي.

وقال في المغني (4): فيه روايتان:

(1) في المغني: (لأن).

(2)

في المغني: (فأما).

(3)

أقحم في المخطوط: (لا بصدق الزوج).

(4)

المغني (9/ 29) قال: (مسألة: قال: فمتى تلاعنا وفرق الحاكم بينهما لم يجتمعا أبدًا) في هذه المسألة مسألتان:

المسألة الأولى: أن الفرقة بين المتلاعنين لا تحصل إلا بلعانهما جميعًا، وهل يعتبر تفريق الحاكم بينهما؟ فيه روايتان:

إحداهما: أنه معتبر فلا تحصل الفرقة حتى يفرق الحاكم بينهما، وهو ظاهر كلام الخرقي، وقول أصحاب الرأي، لقول ابن عباس في حديثه: ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وهذا يقتضي أن الفرقة لم تحصل قبله. وفي حديث عويمر قال: كذبت عليها يا رسول الله! إن أمسكتها فطلقها ثلاثًا، قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. =

ص: 526

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وهذا يقتضي إمكان إمساكها، وأنه وقع طلاقه، ولو كانت الفرقة وقعت قبل ذلك، لما وقع طلاقه، ولا أمكنه إمساكها؛ ولأن سبب هذه الفرقة يقف على الحاكم، فالفرقة المتعلّقة به، لم تقع إلّا بحكم الحاكم كفرقة العنة.

والرواية الثانية: تحصل الفرقة بمجرد لعانهما، وهي اختيار أبي بكر، وقول مالك، وأبي عبيد عنه، وأبي ثور، وداود، وزفر، وابن المنذر. وروي ذلك عن ابن عباس، لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: المتلاعنان يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدًا. رواه سعيد. ولأنه معنى يقتضي التحريم المؤبد، فلم يقف على حكم الحاكم الرضاع؛ ولأن الفرقة لو لم تحصل إلا بتفريق الحاكم، لساغ ترك التفريق إذا كرهاه، كالتفريق للعيب والإعسار، ولوجب أن الحاكم إذا لم يفرق بينهما أن يبقى النكاح مستمرًا. وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا سبيل لك عليها" يدلّ على هذا، وتفريقه بينهما بمعنى إعلامه لهما بحصول الفرقة.

وعلى كلتا الروايتين لا تحصل الفرقة قبل تمام اللعان منهما.

وقال الشافعي - رحمه الله تعالى -: تحصل الفرقة بلعان الزوج وحده، وإن لم تلتعن المرأة؛ لأنها فرقة حاصلة بالقول، فتحصل بقول الزوج وحده، كالطلاق، ولا نعلم أحدًا وافق الشافعي على هذا القول، وحكي عن البتي: أنه لا يتعلق باللعان فرقة، لما روي أن العجلاني لما لاعن امرأته طلقها ثلاثًا، فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو وقعت الفرقة لما نفذ طلاقه، وكلا القولين لا يصحّ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرّق بين المتلاعنين. رواه عبد الله بن عمر، وسهل بن سعد، وأخرجهما مسلم. وقال سهل: فكانت سنة لمن كان بعدهما، أن يفرق بين المتلاعنين. وقال عمر: المتلاعنان يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدًا.

وأما القول الآخر: فلا يصح؛ لأن الشرع إنما ورد بالتفريق بين المتلاعنين، ولا يكونان متلاعنين بلعان أحدهما، وإنما فرّق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما بعد تمام اللعان منهما، فالقول بوقوع الفرقة قبله تَحَكُّمٌ يخالف مدلول السنة وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولأن لفظ اللعان لا يقتضي فرقة فإنه إما أيمان على زناها أو شهادة بذلك ولولا ورود الشرع بالتفريق بينهما لم يحصل التفريق وإنما ورد الشرع به بعد لعانهما فلا يجوز تعليقه على بعضه كما لم يجز تعليقه على بعض لعان الزوج؛ ولأنه فسخ ثبت بأيمان مختلفين فلم =

ص: 527

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= يثبت بيمين أحدهما كالفسخ لتحالف المتبايعين عند الاختلاف ويبطل ما ذكروه بالفسخ بالعيب أو العتق وقول: الزوج اختاري، وأمرك بيدك، أو وهبتك، أو لنفسك وأشباه ذلك كثير إذا ثبت هذا فإن قلنا إن الفرقة تحصل بلعانهما فلا تحصل إلا بعد إكمال اللعان منهما وإن قلنا لا تحصل إلا بتفريق الحاكم لم يجز له أن يفرق بينهما إلا بعد كمال لعانهما فإن فرق قبل ذلك كان تفريقه باطلًا وجوده كعدمه وبهذا قال مالك وقال الشافعي: لا تقع الفرقة حتى يكمل الزوج لعانه. وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: إذا فرّق بينهما بعد أن لاعن كل واحد منهما ثلاث مرات أخطأ السنة والفرقة جائزة وإن فرق بينهما بأقل من ثلاث فالفرقة باطلة لأن من أتى بالثلاث فقد أتى بأكثر فيتعلق الحكم به.

ولنا: أنه تفريق قبل تمام اللعان فلم يصح كما لو فرق بينهما لأقل من ثلاث أو قبل لعان المرأة ولأنها أيمان مشروعة لا يجوز للحاكم الحكم قبلها بالإجماع فإذا حكم لم يصح حكمه كأيمان المختلفين في البيع وكما قبل الثلاث؛ ولأن الشرع إنما ورد بالتفريق بعد كمال السبب، فلم يجز قبله كسائر الأسباب وما ذكروه تحكم لا دليل عليه ولا أصل له، ثم يبطل بما إذا شهد بالدين رجل وامرأة واحدة أو بمن توجهت عليه اليمين إذا أتى بأكثر حروفها وبالمسابقة إذا قال: من سبق إلى خمس إصابات فسبق إلى ثلاثة وبسائر الأسباب. فأما إذا تم اللعان فللحاكم أن يفرق بينهما من غير استئذانهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين ولم يستأذنهما.

وروى مالك، عن نافع، عن ابن عمر: أن رجلًا لاعن امرأته في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين. أخرجهما سعيد.

ومتى قلنا إن الفرقة لا تحصل إلا بتفريق الحاكم فلم يفرق بينهما فالنكاح باقِ بحاله؛ لأن ما يبطل النكاح لم يوجد، فأشبه ما لو لم يلاعن.

فصل: وفرقة اللعان فسخ وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: هي طلاق؛ لأنها فرقة من جهة الزوج تختص النكاح فكانت طلاقًا كالفرقة بقوله: أنت طالقٌ.

ولنا: أنها فرقة توجب تحريمًا مؤبدًا، فكانت فسخًا كفرقة الرضاع؛ ولأن اللعان ليس بصريح في الطلاق، ولا نوى به الطلاق، فلم يكن طلاقًا كسائر ما ينفسخ به النكاح؛ ولأنه لو كان طلاقًا لوقع بلعان الزوج دون لعان المرأة. =

ص: 528

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فصل: وذكر بعض أهل العلم: أن الفرقة إنما حصلت باللعان؛ لأن لعنة الله وغضبه قد وقع لأحدهما لتلاعنهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند الخامسة: أنها الموجبة؛ أي: إنها توجب لعنة الله وغضبه، ولا نعلم من هو منهما يقينًا، ففرقنا بينهما خشية أن يكون هو الملعون فيعلو امرأة غير ملعونة. وهذا لا يجوز، كما لا يجوز أن يعلو المسلمة كافر، ويمكن أن يقال على هذا: لو كان هذا الاحتمال مانعًا من دوام نكاحهما لمنعه من نكاح غيرها، فإن هذا الاحتمال متحققٌ فيه. ويحتمل أن يكون الموجب للفرقة: وقوع اللعنة والغضب بأحدهما غير معين، فيفضي إلى علو ملعون لغيرٍ أو إلى إمساكه لملعونة مغضوب عليها. ويحتمل: أن سبب الفرقة: النفرة الحاصلة من إساءة كل واحدٍ منهما إلى صاحبه، فإن الرجل إن كان صادقًا فقد أشاع فاحشتها وفضحها على رؤوس الأشهاد، وأقامها مقام خزي، وحقق عليها اللعنة والغضب، وقطع نسب ولدها. وإن كان كاذبًا فقد أضاف إلى ذلك بهتها وقذفها بهذه الفرية العظيمة. والمرأة إن كانت صادقةً فقد كذبته على رؤوس الأشهاد، وأوجبت عليه لعنة الله. وإن كانت كاذبة فقد أفسدت فراشه وخانته في نفسها وألزمته، الفضيحة وأحوجته إلى هذا المقام المخزي، فحصل لكل واحدٍ نفرة من صاحبه، لما حصل إليه من إساءته، لا يكاد يلتئم لهما معها حالٌ، فاقتضت حكمة الشارع انحتام الفرقة بينهما، وإزالة الصحبة المتمحضة مفسدةٌ؛ ولأنه إن كان كاذبًا عليها، فلا ينبغي أن يسلط على إمساكها مع ما صنع من القبيح إليها. وإن كان صادقًا فلا ينبغي أن يمسكها مع علمه بحالها. ولهذا: قال العجلاني: كذبت عليها إن أمسكتها.

المسألة الثانية: أنها تحرم عليه باللعان تحريمًا مؤبدًا، فلا تحل له. وإن أكذب نفسه في ظاهر المذهب، ولا خلاف بين أهل العلم في أنه: إذا لم يكذب نفسه لا تحل له إلّا أن يكون قولًا شاذًا. وأما إذا أكذب نفسه: فالذي رواه الجماعة عن أحمد: أنها لا تحلّ له أيضًا. وجاءت الأخبار عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالبٍ، وابن مسعود رضي الله عنهم: أن المتلاعنين لا يجتمعان أبدًا. وبه قال الحسن، وعطاء، وجابر ابن زيد، والنخعي، والزهري، والحكم، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأبو يوسف. وعن أحمد رواية أخرى: إن أكذب نفسه، حلت له. وعاد فراشه بحاله. وهي روايةٌ شاذةٌ شذّ بها حنبل عن أصحابه. قال أبو بكرٍ: =

ص: 529

الأولى: يعتبر قضاء القاضي.

والثانية: تقع الفرقة بفراغها من اللعان. واختار الثانية.

قال: ووجّها ما روي عن ابن عبّاسٍ: أنه يقع قبل الحكم.

وروي عن عمر أنّه قال: المتلاعنانِ يفرّق بينهما ولا يجتمعان أبدًا. رواه سعيد بن منصور (1).

ولأنه معنى يقتضي التحريم المؤبّد، فلا يقف على حكم الحاكم كالرّضاع؛ ولأنّ الفرقة لو لم تحصل إلا بحكم الحاكم لساغ ترك التفريق إذا كرهاه. ويوجب أن الحاكم إذا لم يفرق أن يبقى النكاح مستمرًّا.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا"(2) يدلُّ على هذا، وتفريقه بينهما بمعنى

= لا نعلم أحدًا رواها غيره. وينبغي أن تحمل هذه الرواية على ما إذا لم يفرق بينهما الحكم. فأما مع تفريق الحاكم بينهما، فلا وجه لبقاء النكاح بحاله. وقد ذكرنا: أن مذهب البتي: أن اللعان لا يتعلق به فرقة. وعن سعيد بن المسيب: إن أكذب نفسه فهو خاطب من الخطاب. وبه قال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن؛ لأن فرفة اللعان عندهما طلاقٌ. وقال سعيد بن جبير: إن كذب ردت إليه ما دامت في العدة.

ولنا: ما روى سهل بن سعدٍ قال: مضت السنة في المتلاعنين: أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبدًا. رواه الجوزجاني في كتابه باسناده. وروي مثل هذا عن الزهري، ومالك. ولأنه تحريمٌ لا يرتفع قبل الحدّ والتكذيب، فلم يرتفع بهما كتحريم الرضاع.

(1)

رواه سعيد بن منصور في سننه (1561) قال: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم قال: قال عمر بن الخطاب: المتلاعنان يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدًا. ورواه ابن أبي شيبة (17369) قال: حدثنا حفص، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عمر قال: المتلاعنان يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدًا.

(2)

رواه عبد الرزاق (12455) والشافعي في مسنده (1254) والإمام أحمد (2/ 11) =

ص: 530

إعلامه لهما بحصول الفرقة. انتهى.

ووجه قولنا:

ما روي عن ابن عمر: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ، وَانتُفَى مِنْ وَلَدِهَا، فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا (1).

وعن سهل بن سعدٍ السّاعدي: وَألحقَ الولدَ بأمّهِ. رواه البخاري (2) وهذا لفظه.

وعند مسلمٍ (3): أنّ رجلًا لاعنَ امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وألحق الولد بأمّه.

وفي لفظٍ متَّفقٍ عليهِ في خبر (4) المُتَلَاعِنَيْنِ: ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.

وعن سهل بن سعد السّاعدي: أنّ عويمرًا العجلاني أتَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رَسُولَ اللهِ! أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلَهُ فَيُقْتَلُ بِهِ، أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَقَدْ نزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ، فَاذْهَبْ فَأْتِ

= وابن أبي شيبة (17382) والحميدي (671) والبخاري (5006 و 5035) ومسلم (1493) وأبو داود (2257) وسعيد بن منصور (1556) وأبو يعلى (5651) وابن حبان (4287) وابن الجارود (753) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(1)

رواه الإمام أحمد (2/ 12 و 57 و 71) والبخاري (5009).

ولفظ البخاري (5009): أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجل وامرأته، فانتفى من ولدها، ففرق بينهما، وألحق الولد بالمرأة.

(2)

لم أجده عن سهل بن سعد عند البخاري. وهو عند أحمد (2/ 64) عن ابن عمر.

(3)

(1494) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(4)

تحرف في المخطوط إلى: (في أخير خير).

ص: 531

بِهَا". قال سهل: فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النّاسِ عندَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فلمَّا فرغَا قَالَ عُوَيْمرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَنَا أُمْسِكُهَا. فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قال ابن شهاب: وكانت سنّة المتلاعنين. رواه الجماعة (1)، إلا الترمذي.

وفي روايةٍ متَّفقٍ عليها (2): فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَذَلِكُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلاعِنَيْن".

وفي لفظ لأحمد (3) ومسلم (4): فَكَانَ فِرَاقُهُ إيَّاهَا سُنَّة فِي المُتَلاعِنينِ.

ورواه أبو داود (5) بلفظ: فَطَلَّقَهَا ثَلاثَ تَطْلِيقَاتٍ [عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم]، فَأَنْفَذَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ مَا صُنِعَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سُنَّةٌ. قَالَ سَهْلٌ: حَضَرْتُ هَذَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَمَضَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ لا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا.

فدلّت هذه الأحاديث الصّحاح: على عدم وقوع الفرقة بتمام تلاعنهما حتى يفرق بينهما. وكذا النفاذ طلاقه الثلاث وتقديره على إيقاعه؛ ولأنّها فرقة

(1) رواه أحمد (5/ 334 و 335 و 336) والدارمي (2235 و 2236) البخاري (4959) ومسلم (1492) وأبو داود (2245 و 2248 و 2251) والنسائي (6/ 143) وابن ماجه (2566) والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 155).

(2)

رواه البخاري (5003) بلفظ: "ذاك تفريقٌ بين كلِّ متلاعنين". ومسلم (1492) بلفظ: "ذاكم التّفريق بين كلّ متلاعنين".

(3)

مسند الإمام أحمد (5/ 337).

(4)

صحيح مسلم (1492).

(5)

سنن أبي داود (2250).

ص: 532

يختص بسببها بحضرة الحاكم، فوجب أن لا يقع بغير تفريق، أصله فرقة العنة، إلّا أنها تفارق فرقة العنة في أنّها هنا من حقوق الله، وسببها من حقوق الآدمي وفرقة الآدَمِي.

والجواب: عمّا استدلّ به الحافظ: أنّ الرواية عن ابن عباس بغير سندٍ.

وقد روى الدارقطني عنه خلافه بسندٍ صحيحٍ.

وإنّ الرواية عن عمر حجّة لنا، فإنهّا صريحة في عدم الاجتماع بعد التفريق، وإنّ ما نحن فيه يفارق الرضاع في أنّ سببه لا يختص ثبوته بحضرة الحاكم. وأنّ التفريق مع الإصرار حقّ الشرع، فلهذا لا يسوغ تركه إلا إذا كرهاه، وإنّ الاستمرار ممكن إذا كذب فعله، وإنّ حقيقة إحداث فرقٍ إحداث الفرقة لا إظهارها. والأصل في الإطلاق الحقيقة، ولو كان المراد الإظهار لما صحّ قول الرّاوي الشاهد للقصّة فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا ما تيّسر لي في هذه المسألة.

وقال السهيلي في الروض الأنف (1): وعندي: أنّ أبا حنيفة إنما بنى هذه المسألة على مذهبه في طلاق المكره، فإنّ عنده لازمٌ، فإذا أكُره الرّجل على الطّلاق وقلنا يلزم الطّلاق له، فقد حرّمت المرأة عليه، وإذا حرّمت عليه جاز أن ينكحها من (2) شاء، فالإثم إنّما يتعلّق في هذه (3) بالشهادة دون النكاح، وقد خالفه فقهاءُ الحجاز في طلاق المكره، وقولهم يعضّده الأثر،

(1)(2/ 208).

(2)

في المخطوط: (متى).

(3)

في الروض: (هذا المذهب).

ص: 533

وقول أبي حنيفة يعضّده النّظر. انتهى.

قلت: بل الأثر يعضد قوله.

فقد روى محمد بن الحسن في الأصل، عن إسماعيل بن عيَّاش (1)، عن الغاز بن جبلة (2)، عن صفوان بن عِمْران (3): أنّ رجلًا كانَ نائمًا، فقامت امرأته، فأخذت سكينًا، فجلست على صدره، فقالت: طلقني ثلاثًا أو لأذبحنّك، فناشدها الله، فأبت. فطلّقها ثلاثًا، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال:"لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ". رواه العقيلي من هذا الوجه (4).

(1) تحرف في المخطوط إلى: (العباس).

(2)

تحرف في المخطوط إلى: (الغار بن جعلة). وهو الغاز بن جبلة الجبلاني. قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 58) الترجمة (337): قال أبي: هو منكر الحديث، ولا أدري الإنكار منه، أو من صفوان الأصم الذي روى عنه حديثًا في طلاق المكره.

وقال الدارقطني في المؤتلف والمختلف (4/ 1772): وأما غار بالراء، فهو فيما ذكر البخاري غار بن جبلة، حديثه منكر في طلاق المكره، كذا قال البخاري، وقال غيره بالزاي.

(3)

قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (4/ 422) الترجمة (1851): صفوان بن عمران الأصم الطائي الحمصي، روى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا منكرًا في طلاق المكره، روى عنه: الغاز بن جبلة الجبلاني، سمعت أبي يقول ذلك. وسألته عنه؟ فقال: يكتب حديثه، وليس بالقوي. وقال ابن أبي حاتم: روى عن أبي أمامة الباهلي، روى عنه إسماعيل بن عياش.

(4)

رواه سعيد بن منصور (1130) عن صفوان بن عمران الطائي: أن رجلًا كان نائمًا مع امرأته، فقامت فأخذت سكينًا، فجلست على صدره، ووضعت السكين على حلقه، وقالت: لتطلقني ثلاثًا ألبتة، وإلا ذبحتك، فناشدها الله، فأبت عليه، =

ص: 534

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فطلقها ثلاثًا، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لا قيلولة في الطلاق". و (1131) عن صفوان الأصم يقول: بينا رجل نائم لم يرعه إلا وامرأته جالسة على صدره، واضعة السكين على فؤاده، وهي تقول: لتطلقني أو لأقتلنك، فطلقها، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال:"لا قيلولة في الطلاق، ولا قيلولة في الطلاق".

وقال العقيلي في الضعفاء الكبير (2/ 211 - 212) الترجمة (745): صفوان الأصم عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. حدثني آدم بن موسى قال: سمعت البخاري قال: صفوان الأصم، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه الغاز، ولا يتابع على حديثه، منكر في المكره، وهذا الحديث حدثناه يحيى بن عثمان قال: حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا بقية، عن الغاز بن جبلة، عن صفوان بن الأصم الطائي، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلًا كان نائمًا مع امرأته، فقامت فأخذت سكينًا وجلست على صدره، ووضعت السكين على حلقه، فقالت له: طلقني أو لأذبحنك، فناشدها الله، فأبت، فطلقها ثلاثًا، فذكر ذاك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"فلا قيلولة في الطلاق". حدثنا مسعدة بن سعد قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا إسماعيل ابن عياش قال: حدثني الغاز بن جبلة الجبلائي، عن صفوان بن عمران الطائي، أن رجلًا كان نائمًا مع امرأته، فقامت فأخذت سكينًا، فجلست على صدره، فوضعت السكين على حلقه، فقالت: لتطلقني ثلاثًا ألبتة، أو لأذبحنك، فناشدها الله فأبت عليه، فطلقها ثلاثًا، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لا قيلولة في الطلاق". حدثنا محمد بن علي قال: حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن الغاز ابن جبلة الجبلائي، أنه سمع صفوان بن الأصم يقول: بينا رجل نائمٌ لم يرعه إلا وامرأته جالسة على صدره، واضعة السكين على فؤاده، وهي تقول: لتطلقني أو لأقتلنك، فطلقها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال:"لا قيلولة في الطلاق، لا قيلولة في الطلاق، لا قيلولة في الطلاق". وقال (3/ 441 - 442) الترجمة (1489): غاز بن جبلة الجبلاني في طلاق المكره. حدثني آدم بن موسى قال: سمعت البخاري قال: غاز بن جبلة الجبلاني حديثه منكر في طلاق المكره. وهذا الحديث: حدثناه علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلاّم، حدثنا =

ص: 535

ومن طريقٍ آخرَ عن صفوان، عن رجل من الصّحابة: أَن رجلًا. . . الحديث.

قال البخاري: غازي حديثه منكرٌ (1) في الطلاق (2). وهذا جرحٌ مبهم.

وقد جاء من طريقٍ آخر كما أخرجه العقيلي (3)، وأخرجه محمّد أيضًا، عن فرج (4) بن فضالة، عن عمرو بن شرحبيل: أنّ امرأةً كانت مُبْغِضَةً لزوجها، فراودته على الطّلاق، فأبى، فلما رأته نائمًا قامت إلى سيفه ووضعته على

= إسماعيل بن عياش، عن الغاز بن جبلة الجبلاني، عن صفوان بن غزوان الطائي: أن رجلًا كان نائمًا مع امرأته، فقامت فأخذت سكينا على صدره، ووضعت السكين على حلقه، وقالت له: طلقني وإلا ذبحتك، فناشدها الله فأبت، فطلقها، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا قيلولة في الطلاق". حدثنا بكر بن سهل، حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا محمد بن حمير، حدثنا الغاز بن جبلة، حدثنا صفوان الأصم، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي وضعت السكين على بطني،. . . فذكر نحوه.

(1)

تحرف في المخطوط إلى: (عادي حديثه منكرًا).

(2)

انظره في الكامل لابن عدي (6/ 9) والمؤتلف والمختلف للدارقطني (4/ 1772).

(3)

لم أجده في الضعفاء الكبير للعقيلي. ورواه سعيد بن منصور في سننه (1129) قال: حدثنا فرج بن فضالة قال: حدثني عمر بن شراحيل المعافري قال: كانت امرأة مبغضة لزوجها، فأرادته على الطلاق، فأبى، فجاءت ذات ليلة فلما رأته نائمًا، قامت وأخذت سيفه فوضعته على بطنه، ثم حركته برجلها، فقال: ويلك ما لك؟ قالت: والله لتطلقني وإلا أنفذتك به، فطلقها ثلاثًا، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأرسل إليها فشتمها فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: بغضي إياه، فأمضى طلاقها.

(4)

تحرف في المخطوط إلى: (فرح).

ص: 536

بطنه، ثم حرّكته برجلها، فاستيقظ. فقالت: لأقتلنّك أو تطلقني، فطلّقها، وأتى عمر فأمضى طلاقه.

وروى عبد الرزاق (1)، عن ابن عمرَ: أنّه أجازَ طلَاقَ المُكره.

وروى عن الشعبي (2) والنخعي (3) وأبي قلابة (4) والزهري وقتادة (5): أنهم أجازوه.

وأخرجه ابن أبي شيبة عن الثلاثة الأولين، وابن المسيب (6).

وأخرجه (7) عن عمر بن الخطاب: أربعٌ جائزاتٌ عَلَى كُلِّ حالٍ: الْعِتْقُ، والطَّلَاقُ، والنِّكَاحُ، والنُّذُورُ.

ورواه محمَّد في الأصل بلفظ: أربعٌ. . .، وأجاز على من تكلّم بهنَّ.

ورواه عنه، من وجهٍ آخر بلفظ: أَرْبَعٌ مُبْهَمَاتٌ مُقْفَلاتٌ (8) لَيْسَ

(1) مصنف عبد الرزاق (11421).

(2)

رواه عبد الرزاق (11419) وابن أبي شيبة (18039) وسعيد بن منصور (1135).

(3)

رواه عبد الرزاق (11419) وابن أبي شيبة (18040 و 18041) وسعيد بن منصور (1134) عن إبراهيم النخعي.

(4)

تحرف في المخطوط إلى: (قبالة). لم أجده في مصنف عبد الرزاق. ورواه ابن أبي شيبة (18044).

(5)

رواه عبد الرزاق (11420) عن الزهري وقتادة.

(6)

رواه ابن أبي شيبة (18042).

(7)

رواه ابن أبي شيبة (18403) قال: حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن سليمان بن سحيم، عن سعيد بن المسيب، عن عمر قال: أربع جائزة في كل حال: العتق، والطلاق، والنكاح، والنذر.

(8)

تحرف في المخطوط إلى: (أربع مبهم مفصلات).

ص: 537

فِيهِنَّ ردّ يدي:. . . (1).

وما رواه أبو داود (2)، من حديث عائشة: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَا طَلَاقَ

(1) قال السرخسي في المبسوط (5/ 32): استكثر محمد من الاستدلال بالآثار في أول كتاب الإكراه، حتى روى عن عمر رضي الله عنه قال: أربع مبهمات مقفلات، ليس فيهن رد يد: النكاح، والطلاق، والعتاق، والصدقة. وانظره في فتح القدير لابن الهمام (7/ 497) وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (15/ 251).

ورواه سعيد بن منصور في سننه (1608) قال: حدثنا حفص بن ميسرة الصنعاني قال: [حدثنا] مسلم بن أبي مريم، عن سعيد بن المسيب قال: قال مروان على منبر النبي صلى الله عليه وسلم: أربع ليس فيهن ردّيدًا إلا الوفاء: الطلاق، والعتاق، والنكاح، والنذور. وانظر الأرقام (1607 و 1609 و 1610).

ورواه البيهقي (2/ 9) من طريق ابن بكير، حدّثنا مالكٌ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سعيد بن المسيّب أنّه كان يقول: ثلاث ليس فيهنّ لعبٌ: النّكاح، والطّلاق، والعتق.

(2)

رواه الإمام أحمد (6/ 276) والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 171 - 172) وابن أبي شيبة (5/ 49)(18038) وأبو داود (2193) وابن ماجه (2046) وأبو يعلى (4444 و 4570) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (655) والدارقطني (4/ 36) والحاكم (2/ 198) والبيهقي في السنن (7/ 355 و 10/ 61) ومعرفة السنن والآثار (14809) من طرق عن محمد بن إسحاق، عن ثور بن يزيد الكلاعي، عن محمد ابن عبيد بن أبي صالح المكي [ضعيف] قال: حججت مع عدي بن عدي الكندي، فبعثني إلى صفية بنت شيبة بن عثمان صاحب الكعبة أسألها عن أشياء سمعتها من عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن أبي حاتم في علل الحديث (1292): سألت أبي عن حديثٍ رواه محمّد ابن إسحاق، عن ثور بن زيد [كذا في المطبوع] الديلي، عن محمّد بن عبيدٍ، عن صفيّة بنت شيبة، عن عائشة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، أنّه قال:"لا طلاق ولا عتاق في غلاقٍ". ورواه عطّاف بن خالدٍ قال: حدّثني محمّد بن عبيدٍ، عن عطاءٍ، عن عائشة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم. قلت: أيّهما الصّحيح؟ قال: حديث صفيّة أشبه. قيل لأبي: ما معنى =

ص: 538

وَلَا عِتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ (1) ".

واختلف في معناه اختلافًا لا يقوم معه حجّة فيما نحن فيه.

وما رواه ابن ماجه (2)، عن ابن عبّاسٍ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ".

قال ابن أبي حاتم (3): قال أبي (4): هذه الأحاديث منكرةٌ، كأنَّها موضوعةٌ، ولا يصحُّ هذا الحديث، ولا يثبت إسناده.

وكذا ما رواه ابن عدي (5)، من حديث أبي بكرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

= قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا طلاق ولا عتاق في غلاقٍ"؟ قال: يعني: في استكراهٍ.

و (1300): سألت أبي عن حديثٍ رواه عطّاف بن خالدٍ، عن أبي صفوان، عن محمّد بن عبيدٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن عائشة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا طلاق ولا عتاق في غلاقٍ". قال أبي: روى هذا الحديث محمّد بن إسحاق، عن ثور بن زيدٍ [كذا في المطبوع]، عن محمّد بن عبيدٍ يعني: ابن أبي صالحٍ، عن صفيّة بنت شيبة، عن عائشة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم. قلت لأبي: أيّهما أشبه؟ قال: أبو صفوان وابن إسحاق جميعًا ضعيفين. قلت لأبي: ما معنى غلاقٍ؟ قال: الإكراه.

(1)

أي: في إكراه؛ لأن المكره مغلق عليه في أمره ومضيّق عليه في تصرفه، كما يغلق الباب على أحد. وقال أبو داود بعد إيراده الحديث: الغلاق أظنه في الغضب.

(2)

رواه ابن ماجه (2045) والطبراني في الأوسط (8273). وبلفظ مقارب: رواه ابن حبان (7219) والدارقطني (4/ 175) والطبراني في الكبير (11274) والصغير (765) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 95).

(3)

في علل الحديث (1/ 431) رقم (1296).

(4)

تحرف في المخطوط إلى: (أن).

(5)

الكامل في الضعفاء (2/ 150) ولفظه: "رفع الله عن هذه الأمة ثلاثًا: الخطأ، والنسيان، والأمر يكرهون عليه".

ص: 539

"رَفَعَ اللهُ عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ثَلَاثًا: الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتكْرِهُوا عَلَيْهِ".

في سنده: جعفر بن جسر (1) بن فرقد، عن أبيه. وفي أبيه مقالٌ.

والمرفوع الحكم الأخروي، ألا ترى: أن الحكم الدنيوي لم يرفع في قبل الخطأ، وجعل ذلك فيما يكون بالنسيان تخصيصٌ بلا مخصص، فتمّ أمر هذا الحكم من جميع الوجوه، إلّا أنّ لي فيه إشكالًا لم أسبق إليه، وهو: أنّهم قد اعترفوا بوقوع حرمة الاستمتاع بمجرّد اللعان قبل تفريق حكم الحاكم.

قال في الهداية: فإذا التعَنَا لا تقع الفرقة حتّى يفرق الحاكم بينهما.

وقال زفر: يقع بتلاعنهما؛ لأنه يثبت الحرمة المؤبدة بالحديث.

ولنا: أن ثبوت الحرمة يفوّت الإمساك بالمعروف، فلزمه التسريح بالإحسان، فإذا امتنع، ناب القاضي منابه دفعًا للظلم عنها.

والحديث المشار إليه، هو قوله صلى الله عليه وسلم:"المُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا"(2).

قال في النهاية (3) والغاية: قوله: فإذا التعنا لا تقع الفرقة حتى يفرّق الحاكم بينهما.

(1) تحرف في المخطوط إلى: (حسن).

(2)

في مسند أبي حنيفة رقم (203): أخبرنا محمد بن المظفر إجازة، حدثنا أحمد بن علي بن شعيب، حدثنا أحمد بن عبد الله اللجلاج، حدثنا إبراهيم بن الجراح، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة، عن علقمة بن مرثد، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المتلاعنان لا يجتمعان أبدًا".

(3)

النهاية شرح الهداية، للإمام حسام الدين، حسين بن علي، المعروف بالصغناقي الحنفي، المتوفى سنة 710 هـ، وهو أول من شرحه، فرغ منه في شهر ربيع الأول سنة 700 هـ. كشف الظنون (2/ 2022).

ص: 540

يفيد: أنّه لو مات أحدهما بعد الفراغ من التلاعن قبل تفريق الحاكم توارثا.

وقال زفر: تقع الفرقة بتلاعنهما؛ لأنه يثبت الحرمة المؤبدة بالحديث، يعني: قوله صلى الله عليه وسلم: "الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا".

ففي الاجتماع بعد التلاعن، قبل تفريق الحاكم متوارثان، وهو تنصيصٌ على وقوع الفرقة بينهما بالتلاعن.

ولنا قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229].

ووجه الاستدلال: أنّ ثبوت الحرمة تفوّت الإمساك بالمعروف، فيلزمه التسريح بالإحسان. فإذا امتنع ناب القاضي منابه، منعًا للظّلم.

وقال في الغاية: قال في الذخيرة: وحكمه حرمة الاستمتاع إذا فرغا من اللعان من غير حكم القاضي حتّى أن بعد التلاعن لا يحل لأحدهما الاستمة ع بالآخر. والحرمة بقوله عليه السلام: "المُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا".

وفي إباحة الاستمتاع اجتماعهما فيحرم.

وقال في الاختيار: ولأنّ حرمة الاستمتاع تثبت باللعان. إنّ الغضب واللعن ترك بأحدهما بيقينٍ، وأثره بطلاق النعمة، وحلّ الاستمتاع نعمة، والزوجية نعمة، وحل الاستمتاع أقلهما، فيحرم. وهذه الحرمة جَاءت من قبله؛ لأنّها بسبب قذفه فقد فَوّت عليها الإمساك بالمعروف، فيجب عليه التسريح بالإحسان، فإذا لم يسرّحها وهو قادرٌ عليه، كان ظالمًا فينوب القاضي منابه دفعًا للظّلم.

وقال في الكافي: وعند زفرٍ: تقع الفرقة بينهما، بلعانهما لقوله عليه السلام:

ص: 541

"الْمُتَلَاعِناَنِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا". فنفي الاجتماع بعد التلاعن تنصيصٌ على وقوع الفرقة بينهما.

ولنا: أنّه لما ثبت حرمة الاستمتاع بينهما فات الإمساك بالمعروف. ومن لا يمسك امرأته بالمعروف لا تقع الفرقة بنفس الامتناع عن الإمساك بالمعروف بل يجب عليه أن يسرّح، فإذا لم يسرّح ناب القاضي منابه في التسريح؛ لأنه نُصِبَ لدفع الظلم.

وقال في شرح المنظومة: وقوله عليه السلام: "الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا". محمولٌ على بيان حرمة الاستمتاع دون وقوع الفرقة عملًا بالحديث كأحد الزوجين المجوسيين إذا أسلم ثبتت حرمة الاستمتاع في الحال، ولا تقع الفرقة ما لم يطلقها أو يفرق القاضي بينهما. وحين اعترفوا بثبوت الحرمة قبل التفريق بطل تمسكهم بالحديث في أنّ القضاء يثبت الحرمة، وإذا بطل تمسكهم بهذا الحديث، يقال: ما ذكره في مقابلة الحديث الصحيح، إذ الموقوف لا يعارض المرفوع، وتجديد النكاح احتياطي لا لزومي، فجاز أن يولهم الإمام ما تولوا، ولو نفذ الحكم ظاهرًا وباطنًا، أو ثبت عقد مفيد للحل اقتضاءً، صارَ كأنّ الشارع أثبته، لم يكن قطعة من النّار.

وقولكم: إنهّ خاص بالأحكام المرسلة.

قلنا: كان ذلك للجمع والتوفيق بينه وبين أحاديث اللعان.

أمّا إذا بطل تمسككم بأحاديث اللعان بقي عموم الأحاديث في جميع الحقوق على ما كان عليه.

وقولكم: إنه ورد في الميراث إلخ.

قلنا: العبرة لعموم اللفظ وإطلاقه لا لخصوص السبب وحله بالخروج

ص: 542

عن التقليد والنظر في الأدلة على وجه التحقيق، وذلك: جعل القول بالحرمة المذكورة مذهب محمد بن الحسن.

فإنه ذكر في النسفي عنه، فأحلّه.

قال ذلك على أصله من أنّ القضاء لا يحلّ ولا يحرم. وإن كانت الفرقة تتوقف عليه كما تقدم.

وإنّ أبا حنيفة لا يقوله.

ومن تأمّل قول أبي حنيفة في باب الرجوع عن الشهادة من كتاب الأصل، علمَ أنّه إنما يضيف الحل والحرمة للقضاء. وهو صريح عبارة الطحاوي، وقد نسب ذلك إلى أبي حنيفة رحمه الله ففي الكلام على ادعاء أن دليل الحرمة. الحديث المذكور.

فنقول: لا سبيل إلى الثلاثة إلى القول بنفي الاجتماع الحكمي مطلقًا بعد التلاعن.

قيل: الحكم لقولهم ببقاء الزوجية حتى اتفقوا محلى جواز ظهاره (1). . . (2) وطلاقه وجريان التوارث بعد اللعان قبل الحكم للأحاديث الدّالة على بقاء الزوجية. والحلّ حكم من أحكام الزوجية مطلقًا، فينفى بنفيها حتى يقوم دليل على بقائها بدونه.

وما ذكروا من الحديث مقتضاه نفي الاجتماع مطلقًا، ولم يعملوا به. فإن قيل في إثبات الحرمة المذكورة، عمل به من وجه. قلنا في حمله على

(1) في المخطوط: (طهارة).

(2)

يوجد في المخطوط فراغ بمقدار كلمتين.

ص: 543

بيان حكم البقاء عمل به من كل وجهٍ. كيف وقد روي كذلك.

فأخرجه الدّارقطني (1)، عن [ابن] عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْمُتَلَاعِنَانِ إِذَا تَفَرَّقَا لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا". وإسنادهُ لا بأس به.

والعائب باللعان: أسباب المودة وحسن العشرة. وحينئذٍ يفوت الإمساك بالمعروف. فينوب القاضي منابه في التسريح بالإحسان، وإن لم تثبت حرمته قبل ذلك.

هذا ما سنح في هذا المقام. والله ولي التوفيق. والحمد لله وحده.

(1) رواه الدارقطني (3/ 276) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا محمد ابن عثمان، حدثنا فروة بن أبي المغراء، حدثنا أبو معاوية، عن محمد بن زيد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدًا".

ص: 544