الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَذَكَرَ الْمَقَامَاتِ الثَّلَاثَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مَقَامَ الْعَدْلِ، وَأَذِنَ فِيهِ. وَمَقَامَ الْفَضْلِ، وَنَدَبَ إِلَيْهِ. وَمَقَامَ الظُّلْمِ، وَحَرَّمَهُ.
التَّاسِعَةُ: الْجُودُ بِالْخُلُقِ وَالْبِشْرِ وَالْبَسْطَةِ. وَهُوَ فَوْقَ الْجُودِ بِالصَّبْرِ، وَالِاحْتِمَالِ وَالْعَفْوِ. وَهُوَ الَّذِي بَلَغَ بِصَاحِبِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ. وَهُوَ أَثْقَلُ مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ وَوَجْهُكَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ» وَفِي هَذَا الْجُودِ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَسَارِّ، وَأَنْوَاعِ الْمَصَالِحِ مَا فِيهِ. وَالْعَبْدُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسَعَهُمْ بِخُلُقِهِ وَاحْتِمَالِهِ.
الْعَاشِرَةُ: الْجُودُ بِتَرْكِهِ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ عَلَيْهِمْ. فَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ. وَلَا يَسْتَشْرِفُ لَهُ بِقَلْبِهِ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ بِحَالِهِ، وَلَا لِسَانِهِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: إِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ سَخَاءِ النَّفْسِ بِالْبَذْلِ.
فَلِسَانُ حَالِ الْقَدَرِ يَقُولُ لِلْفَقِيرِ الْجَوَادِ: وَإِنْ لَمْ أُعْطِكَ مَا تَجُودُ بِهِ عَلَى النَّاسِ، فَجُدْ عَلَيْهِمْ بِزُهْدِكَ فِي أَمْوَالِهِمْ. وَمَا فِي أَيْدِيهِمْ، تُفَضَّلْ عَلَيْهِمْ، وَتُزَاحِمْهُمْ فِي الْجُودِ، وَتَنْفَرِدْ عَنْهُمْ بِالرَّاحَةِ.
وَلِكُلِّ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْجُودِ مَزِيدٌ وَتَأْثِيرٌ خَاصٌّ فِي الْقَلْبِ وَالْحَالِ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ ضَمِنَ الْمَزِيدَ لِلْجَوَادِ، وَالْإِتْلَافَ لِلْمُمْسِكِ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
[فَصْلٌ مَعْنَى الْإِيثَارِ وَالْأَثَرَةِ]
فَصْلٌ
قَالَ صَاحِبُ " الْمَنَازِلِ " رحمه الله:
الْإِيثَارُ: تَخْصِيصٌ وَاخْتِيَارٌ. وَالْأَثَرَةُ: تَحْسُنُ طَوْعًا. وَتَصِحُّ كَرْهًا.
فَرَّقَ الشَّيْخُ بَيْنَ الْإِيثَارِ وَالْأَثَرَةِ وَجَعَلَ الْإِيثَارَ اخْتِيَارًا وَالْأَثَرَةَ مُنْقَسِمَةً إِلَى اخْتِيَارِيَّةٍ، وَاضْطِرَارِيَّةٍ. وَبِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا يُعْلَمُ مَعْنَى كَلَامِهِ. فَإِنَّ الْإِيثَارَ هُوَ الْبَذْلُ، وَتَخْصِيصُكَ لِمَنْ تُؤْثِرُهُ عَلَى نَفْسِكَ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا اخْتِيَارًا.