الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَكْبٌ إِلَى اللَّهِ، وَلَا ثَبَتَ لِأَحَدٍ قَدَمٌ فِي السُّلُوكِ إِلَّا بِهِ.
وَإِنَّمَا جَعَلَهُ آخِرَ دَرَجَاتِ الْعَامَّةِ: لِأَنَّهُمْ إِلَيْهِ يَنْتَهُونَ. ثُمَّ حَكَى قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ أَوَّلُ خُطْوَةٍ لِلْخَاصَّةِ.
يَعْنِي: أَنَّهُ لَيْسَ بِمَقَامٍ لَهُمْ. وَإِنَّمَا هُوَ مَبْدَأٌ لِسُلُوكِهِمْ. فَمِنْهُ يَبْتَدِئُونَ سُلُوكَهُمْ وَسَيْرَهُمْ. وَهَذَا لِأَنَّ الْخَاصَّةَ عِنْدَهُ سَائِرُونَ إِلَى عَيْنِ الْجَمْعِ وَالْفَنَاءِ فِي شُهُودِ الْحَقِيقَةِ. لَا تَقِفُ بِهِمْ دُونَهَا هِمَّةٌ. وَلَا يَعْرُجُونَ دُونَهَا عَلَى رَسْمٍ. فَكُلُّ مَا دُونَهَا فَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ مَشَاهِدِ الْعَامَّةِ، وَمَنَازِلِهِمْ وَمَقَامَاتِهِمْ. حَتَّى الْمَحَبَّةُ.
وَحَسْبُكَ بِجَعْلِ الْيَقِينِ نِهَايَةً لِلْعَامَّةِ. وَبِدَايَةً لَهُمْ. قَالَ:
[دَرَجَاتُ الْيَقِينِ]
[الدَّرَجَةُ الْأُولَى عِلْمُ الْيَقِينِ]
وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ. الدَّرَجَةُ الْأُولَى: عِلْمُ الْيَقِينِ. وَهُوَ قَبُولُ مَا ظَهَرَ مِنَ الْحَقِّ. وَقَبُولُ مَا غَابَ لِلْحَقِّ. وَالْوُقُوفُ عَلَى مَا قَامَ بِالْحَقِّ.
ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ، هِيَ مُتَعَلِّقُ الْيَقِينِ وَأَرْكَانُهُ.
الْأُولَى: قَبُولُ مَا ظَهَرَ مِنَ الْحَقِّ تَعَالَى. وَالَّذِي ظَهَرَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ: أَوَامِرُهُ وَنَوَاهِيهِ وَشَرْعُهُ، وَدِينُهُ الَّذِي ظَهَرَ لَنَا مِنْهُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ. فَنَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ وَالِانْقِيَادِ، وَالْإِذْعَانِ وَالتَّسْلِيمِ لِلرُّبُوبِيَّةِ. وَالدُّخُولِ تَحْتَ رِقِّ الْعُبُودِيَّةِ.
الثَّانِي: قَبُولُ مَا غَابَ لِلْحَقِّ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ الْحَقُّ سُبْحَانَهُ عَلَى لِسَانِ رُسُلِهِ مِنْ أُمُورِ الْمَعَادِ وَتَفْصِيلِهِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ: مِنَ الصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ وَالْحِسَابِ، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ: مِنْ تَشَقُّقِ السَّمَاءِ وَانْفِطَارِهَا، وَانْتِثَارِ الْكَوَاكِبِ، وَنَسْفِ الْجِبَالِ، وَطَيِّ الْعَالِمِ، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ: مِنْ أُمُورِ الْبَرْزَخِ، وَنَعِيمِهِ وَعَذَابِهِ.
فَقَبُولُ هَذَا كُلِّهِ - إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا وَإِيقَانًا - هُوَ الْيَقِينُ. بِحَيْثُ لَا يُخَالِجُ الْقَلْبَ فِيهِ شُبْهَةٌ. وَلَا شَكٌّ وَلَا تَنَاسٍ، وَلَا غَفْلَةٌ عَنْهُ. فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَهْلِكْ يَقِينُهُ أَفْسَدَهُ وَأَضْعَفَهُ.
الثَّالِثُ: الْوُقُوفُ عَلَى مَا قَامَ بِالْحَقِّ سُبْحَانَهُ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ.
وَهُوَ عِلْمُ التَّوْحِيدِ، الَّذِي أَسَاسُهُ: إِثْبَاتُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ. وَضِدُّهُ: التَّعْطِيلُ وَالنَّفْيُ، وَالتَّهَجُّمُ. فَهَذَا التَّوْحِيدُ يُقَابِلُهُ التَّعْطِيلُ.
وَأَمَّا التَّوْحِيدُ الْقَصْدِيُّ الْإِرَادِيُّ، الَّذِي هُوَ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَعِبَادَتُهُ وَحْدَهُ: فَيُقَابِلُهُ الشِّرْكُ، وَالتَّعْطِيلُ شَرٌّ مِنَ الشِّرْكِ، فَإِنَّ الْمُعَطِّلَ جَاحِدٌ لِلذَّاتِ أَوْ لِكَمَالِهَا. وَهُوَ جَحْدٌ لِحَقِيقَةِ الْإِلَهِيَّةِ. فَإِنَّ ذَاتًا لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ وَلَا تَتَكَلَّمُ وَلَا تَرْضَى، وَلَا تَغْضَبُ،